المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

عجائب صنع اللّه في البعوض
22-4-2019
الشيخ مرتضى بن محمد امين الدزفولي
11-2-2018
Bogomolov-Miyaoka-Yau Inequality
4-7-2020
معنى الرشد
2024-05-21
علي (عليه السلام) سيد المؤمنين والصديق الاكبر
30-01-2015
الأبله البغدادي
26-1-2016


صيغ العربية وأوزانها  
  
687   05:18 مساءاً   التاريخ: 2-8-2016
المؤلف : د. صبحي الصالح
الكتاب أو المصدر : دراسات في فقه اللغة
الجزء والصفحة : ص328 - 346
القسم : علوم اللغة العربية / فقه اللغة / خصائص اللغة العربية / صيغ اوزان العربية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-8-2016 688

إن العربية أصابت ثروة لغوية واسعة بما تشعب عن أصولها من فروع، وما تكاثر في موادها من صنوف وألوان، فكان العمل الاشتقاقي حركة حية دائمة تلد للغتنا كل لحظة مولودًا جديدًا، وتلبي للأحياء أدق مطالب التعبير.
لكننا -سواء ألاحظنا قوالب المشتقات أم لم نلاحظها- لا يخفى علينا أن حركة الاشتقاق الدائمة تنشئ لمشتقاتها صيغًا مقدودة على قدها، مرسومة على حدها، لا شيء أكثر شبهًا بها من القوالب التي تصنع على مثالها السبائك الذهبية، ففي العربية إذن ظاهرتان متعاكستان، وهما على تعاكسهما متداخلتان بل متكاملتان: ظاهرة الحركة الاشتقاقية فيما تلده وتحييه، وظاهرة الصياغة القالبية فيما تسبكه وتبنيه.
وكلتا الظاهرتين تعود على العربية بالغنى والثراء، وتهبها القدرة على

ص328

التطور والنماء، بل لعل ظاهرة "السبك القالبي" -رغم ما توحي به من رتابة وجمود- أعود في بعض الوجوه على اللغة بالثراء والنماء من ظاهرة الحركة الاشتقاقية؛ لما امتازت به العربية من كثرة الأبنية والصيغ التي تعوض بأوزانها المتناسقة، المتنوعة، أجمل آيات الاشتقاق والتوليد. وإن لك إذن أن تقدر جسامة الخطأ الذي وقع فيه بروكلمان Brockelmann حين أطلب القول بأن اللغات السامية تخلو من الصياغة التركيبية(1)، شاملًا بحكمه هذا حتى العربية التي لا يرتاب باحث محقق في شدة تعويلها على البناء والتركيب.
ولقد حاول العلماء من قبل -حين أدهشتهم هذه اللغة بأبنيتها المتكاثرة- أن يحصوا صيغ الأسماء والأفعال لعلهم يحصرون القوالب التي يبني الفصحاء على مثالها ألفاظهم ثقالًا أو خفافًا في تطابق نفسي كامل مع حال المخاطبين، لكن محاولاتهم باءت بالخسار، فما تيسر لأحد منهم -مهما يكن قد أكثر- أن يستوعب هاتيك القوالب، فإذا هم يستعيضون عن هذا البحث الإيجابي العسير ببحث سلبي يسير؛ فمن لم يحصر الأشباه والنظائر عن طريق الأبنية التي جاءت على لسان العرب اضطلع بحصر الألفاظ التي خرجت عن هذا اللسان المصطفى، وظن بعد ذلك أنه بلغ بسعيه ذروة المنتهى!
على هذا الأساس وضع ابن خالويه
(2) مصنفه الحافل "كتاب ليس" في مجلدات ثلاث ضخام(3)، وأنشأ يتحدث عن كل ما لم يرد في لغة

ص329

العرب إلا على مثال معين، حتى ليقوم الكتاب في جل مواطنه على هذه العبارة "التقليدية" التي تظل إلى السلب أقرب مهما تبد حاصرة موجبة: "ليس في اللغة من كذا إلا كذا"، ولم يكن بد -وقد تجرأ ابن خالويه على مثل هذا الحصر العجول- من أن يتعقبه المحققون ويردوا عليه ما تعجل فيه، ويلصقوا بالسلب ما أوجبه، أو بالإيجاب ما كان قد سلبه، وربما كانت تحقيقات الحافظ مغلطاي(4) في هذا الموضوع أغزرها فوائد، وأدقها ملاجط، وأشدها تنبيهًا على نوادر اللغة وشواردها، وأقربها حقًّا إلى موارد العربية الصافية.
ومن يقرأ في "مزهر" السيوطي باب "الأشباه والنظائر" يقع على وصف دقيق لتعاقب التأليف في أوزان العربية وصيغها، ففي مستهل هذا الباب أخبر السيوطي قارئه بأنه رأى كتاب "ليس" لابن خالويه وطالعه قديمًا، وانتقى منه فوائد، فهو إذن قادر على أن يذكر من صيغ الأسماء والأفعال ما يقضي الناظر فيه العجب، ويقول إذا وقف على غرائبه: ذلك منتهى الأرب!
(5).
ثم يجول السيوطي جولة عجلى يطوف خلالها بما صُنف من كتب في حصر الصيغ الاسمية والفعلية، فيروي عن ابن القطاع
(6) في كتاب "الأبنية" أن العلماء قد صنفوا في هذه القوالب وأكثروا منها، وما منهم من استوعبها، وأن أول من حاول إحصاءها سيبويه في كتابه؛ إذ أورد للأسماء ثلاثمائة بناء وثمانية أبنية؛ وأن ابن السراج(7)
ص330

زاد على ما أورده سيبويه اثنين وعشرين بناء، ثم زاد عليه الجرمي(8) صيغًا قليلة. ثم أضاف ابن خالويه أمثلة يسيرة، وما منهم إلا من ترك أضعاف ما ذكر.
ويروي صاحب "المزهر" بعد ذلك عن ابن القطاع نفسه أنه جمع ما تفرق في تآليف أولئك الأئمة فانتهى وسعه بعد البحث والاجتهاد إلى ألف مثال ومائتي مثال وعشرة أمثلة "1210".
وأسلوب السيوطي في حكاية عدد الأوزان عن ابن القطاع قد يحمل بعض الباحثين على نسبة هذا العدد إليه هو لا إلى ابن القطاع، فإن ما أطمع به السيوطي قارئه من إخباره بما يقضي منه العجب لا يرادفه إلا شيء واحد: ألا وهو سرد صيغ للأسماء والأفعال كثيرة من نحو: غريبة غير متعارفة من نحو آخر، أو الإتيان على الأقل بجديد في هذه الأوزان لم يفتح الله به على غير السيوطي العلام!
بيد أن السيوطي -مع ذلك- ليس له من هذا العدد الضخم الذي بلغ ألف مثال ومائتي وعشرة أمثلة إلا مزية الإشارة إليه أولًا، واختيار "نماذج" منه ثانيًا، وإلحاق أوزان أخرى به وقع عليها في مصنفات أكثرها مجهول لدينا ثالثًا وأخيرًا. فمن السذاجة -بل من الغفلة الشديدة إذن- إحصاء أبنية السيوطي التي جمعها من مواطن شتى ثم محاسبته على ما نقص عن العدد الذي بلغ إليه وسع ابن القطاع.
ولنا -إن شئنا- أن نحاسب السيوطي من زاوية أخرى أكبر شأنًا من تلك الزاوية الشكلية التي يأخذها عليها القارئ العجول، فإنه ليبدو لنا أن المنهج العلمي يكاد يكون مفقودًا في بحثه للأوزان، فبينا يكون في صيغ الأسماء يستطرد بعيدًا في بحث عن الأفعال أو عن مسألة صرفية

ص331

لا مسوغ لذكرها في هذا المجال، أو يخلط بين صيغ الأسماء وصيغ الصفات(9)، أو يكرر للمرة العشرين صيغة وردت للاسم أو للفعل في نص طويل ينقله برمته غير مبال ارتباطه ببحثه أو انقطاعه عنه، وفي جميع ما اختاره من أبنية الأسماء أو الأفعال لا تعرف له مصدرًا أساسيًّا إليه يستند، أو مقياسًا شخصيًّا عليه يقيس، فنحن من "مزهره" أمام منجم فيه المعدن الخبيث وفيه الذهب الإبريز، ونحن من أبنيته تلقاء ركام فيه الصيغة المستعملة الحية، والبناء النادر الغريب، والوزن المهمل الممات! وتلك ثمرة الفخر بالعلم والاعتداد بطول الباع في معرفة الغرائب النادرات!
والحق أننا إذا تقصينا الكلم العربي وجدنا كل لفظ فيه يرتد إلى قالب حُذِي على مثاله إلا أن يكون حرفًا أو ظرفًا جامدًا. بل يرى بعض الباحثين أن الحروف والظروف اشتقت أيضًا من صيغ مستعملة جارية، فإن لم ترتد بنفسها إلى قالب أو مثال فإن أصلها عينه ذو قالب ومثال
(10). وأدنى ما يتفق عليه العلماء أن لكل اسم صيغة وأن لكل فعل وزنًا، وأن من الأبنية ما تشترك صياغته بين الأسماء والأفعال.
فإن ننسق الأوزان الواردة في المزهر تنسيقًا مفيدًا نصنف بالمقام الأول أشهر أبنية الأسماء والأفعال الحية المستعملة، ثم نعرضها على المطبوعين من الكتاب والشعراء لاستخدامها في أغراض التعبير والتصوير، فإن من المؤسف حقًّا أن نرى المتحذلقين من أدبائنا يميتون بالهجر ما جرى به الاستعمال، ويستحيون بالاستعمال ما أميت وهجر من ثقال الأوزان!
ولا غرو إذا اضطررنا في مثل هذه الحال إلى استرفاد المسائل الصرفية

ص332

والاستعانة بالصرفيين، فإن ما وضعه هؤلاء من قواعد التصريف في الأسماء والأفعال ما ينفك نابضًا بالحياة، ويسعنا دائمًا -في جميع البيئات وتلبية لجميع الحاجات- أن نستخدمه في مختلف شئون الحياة.
وأول ما نلاحظه هو أن الصرفيين تنبهوا إلى أن أوزان الأفعال يمكن ضبطها وحصرها، فإنها لا تجاوز بضعة وعشرين بناء
(11)، وهي التي نعرفها في دراسة الفعل ثلاثيًّا ورباعيًّا مجردين ومزيدين بمعانيهما الداخلة تحت كل قالب من قوالب هذه الأوزان.
أما الأسماء فإن من العسير دخولها تحت حصر، ولو ذكرنا منها أشهرها وحده لطال بنا الحديث، فنجتزئ بذكر بعض أمثلتها لما نعلمه من شهرتها حتى لدى المبتدئين في علم التصريف.
وحين نستشهد على بعض أوزان الأفعال والأسماء لا يعنينا التعرض لأصولها التي لا زيادة فيها؛ لأن تجردها من الزيادة يجعل مدلولاتها محصورة في قوالبها ذاتها، وما قوالبها إلا أشكال صبت صبًّا أصليًّا ووضعت وضعًا ذاتيًّا، فأنى نكتشف في هذه المحفوظات حفظًا، والمنقولات نقلًا، صياغة مبتكرة تومئ إلى معانٍ مكتسبة جديدة؟
لن نردد هنا مع ابن جني مثلًا أن الأسماء التي لا زيادة فيها تكون على ثلاثة أصول: أصل ثلاثي، وأصل رباعي، وأصل خماسي؛ وأن الأفعال التي لا زيادة فيها تكون على أصلين فقط: ثلاثي ورباعي؛ وأننا لا نجد على خمسة أحرف فعلًا لا زيادة فيه
(12)، ولن نقول مع الصرفيين: إن الأسماء الثلاثية تكون على عشرة أمثلة تصلح جميعًا لأن

ص333

تكون اسمًا وصفة(13)؛ ولن نقطع مع حملة اللغة بأنه "ليس في الكلام اسم على فعل بضم الفاء وكسر العين، إنما هذا بناء يختص به الفعل المبني للمفعول نحو: ضُرب وقُتل إلا في اسم واحد وهو دُئِل(14)؛ ولن نحظى بطائل إذا حصرنا هنا الأسماء الرباعية التي لا زيادة فيها في ستة أمثلة: خمسة وقع عليها إجماع أهل العربية، وواحد تجاذبه الخلاف(15)، أو حصرنا الأفعال الرباعية في مثال "فَعْلَلَ" للمعلوم وفُعْلِل للمجهول(16)، ولن نجزم كما جزم الأوائل بأن الأسماء أقوى من الأفعال، فجعلوا لها على الأفعال فضيلة لقوتها، واستغنائها عن الأفعال، وحاجة الأفعال إليها(17)؛ ولن نستقرئ أمثلة الأسماء الخماسية سواء أكانت أربعة أم خمسة(18)؛ ولن نحصي الزوائد في الأسماء والأفعال ثلاثية أو رباعية أو خماسية ما دامت زيادتها تمت بضرب من الإلحاق الصرفي(19)، فكل هذه الحقائق الدقيقة يعرفها المشتغلون بأبحاث الصرف، ومن جهلها منهم خفيت عليه أصول الكلمات فلم يكن صرفيًّا، ولكنها -رغم وجوب العلم بها- تظل تبعد بصاحبها عن مصنع القوالب اللغوية الذي تسبك فيه كل لحظة ألفاظ
ص334

جديدة على نمط الأوزان تلبية لحاجات الأفراد والمجتمعات.
والأوزان في ضوء هذا المقياس ذات فئتين: فئة تقليدية رتيبة تلتزم التزامًا، حتى في صيغها الملحقات، وفئة تجديدية منتقاة تختار اختيارًا، ولا تكون إلا مشتقات مزيدات، بيد أن في زيادة مبناها زيادة لمعناها، فهي وثيقة الصلة بالاشتقاق، ولا ترتبط قط بالإلحاق.
ولعل أبسط ما يستنبط من هذه التفرقة بين فئتي الأوزان المستعملة أن الإلحاق -كاتباع الأصل- ضرب من العمل الشكلي بينما ترقى الصياغة القالبية بزياداتها المقصودة إلى ذروة العمل المبدع الجوهري، فتعدد الأوزان الملحقة -كتنوع الألفاظ بصيغها الأصلية المتكاثرة- أمارة على غنى اللغة لا على حياتها، وتصريح بجنوحها إلى الزخرف والتنميق لا إلى التحقيق والتدقيق، ووصم لها بالسذاجة والبدائية لا بالعمق والحضرية. وما من ريب في أن العربية مستغنية بقوالبها المتناسقة مع معانيها، وبدلالاتها المعبرة عن مدلولاتها، عن أن تلصق بها تهمة الجمود وهي أم اللغات في الاشتقاق والتوليد.
وما يزال في الباحثين العرب من يقودهم تعصبهم للغتهم إلى عد الجموع القياسية سالمة وغير سالمة، وطرائق التصغير المختلفة، وأنواع المصادر المتغايرة، وأشكال التأنيث والتذكير، إحدى خصائص العربية التي لا تضارى في الصيغ والأوزان، وفاتهم أن هذه الكثرة لا تزن شيئًا إن لم تشارك الأذهان النيرة في وضعها موضع الاستعمال، وقلما كانت تضعها هذا الموضع سوى أذهان المتكلفين المتصنعين!
ولقد رأينا في بحث الترادف أن أعقل اللغويين ذهبوا إلى إنكار الترادف ما لم يكن صفات للموصوف، أو تنوعًا في الاستعمال، فكذلك نلاحظ هنا أن تعدد الجموع القياسية -سواء أسمعت أم لم تسمع واستعملت أم
ص335

لم تستعمل- لا يعني شيئًا أثكر من فوضى اللغويين في تحديد الفروق بين الجموع، إذا لم يوضحوا لكل جمع دلالة مطردة، ولم يغربلوا صيغ الجموع وينقحوها ليجعلوا كلًّا منها صالحًا للاستعمال في موطن بعينه بحيث لا يجوز استعمال سواه، بل ألصقوا بالعربية أثوابًا مزركشة كلها صنعة زائفة وألوان براقة.
استمع إليهم يقولون في جمع اسم الشهر المعروف "رمضان": رمضانات - أرمضة - أرامضة - أراميض - رماضي - رمضاين - أرمض - رمضانون، ويقولون في جمع السبت أحد أيام الأسبوع: أسبت - سبوت - أسبات - سابت - أسابيت؛ فهل يعنينا أن نختار واحدًا من هذه الجموع المتكافئة المتساوية، الخالية من أدنى الفروق، إلا في سجعة متكلفة، أو تورية مصنوعة، أو جناس صفيق، أو قافية من الشعر تجر جرًّا وتقاد مقادًا؟
ولنقل إذن مثل هذا في أضرب الفعل الثلاثي وفي عين الفعل المضارع، فما حفظ لنا من تنوع تلك الأضرب وتغاير حركات هاتيك العين لا ينبغي أن يخدعنا كثيرًا، فإنه -إن لم يرتد كما رأينا إلى اختلاف اللهجات- لم ينم عن غنى العربية وثرائها بقدر ما ينم عن فوضى الرواة في التقاط الروايات، وولوعهم بجمع الصيغ النادرات.
ومن المؤكد أن العربي رمى -منذ استعمالاته الفعلية الأولى- إلى صور تطرد في الفعل الثلاثي وصيغ تطرد في عين المضارع، ولو لم تتكاثر عوامل التطور وتتضافر على العربية تكاثرها وتضافرها على جميع اللغات لحفظت لنا في الثلاثي صورة "فَعَلَ" وحدها مثلًا، وصِينَ لنا في عين المضارع شكله بالفتح مثلًا في صيغة "يَفْعَلُ" فقط من

ص336

غير ما حاجة إلى تلك الصيغ المعضلة التي تغايرت معانيها -بصورة أغلبية- بتغاير أضربها وصيغها المقترحات.
ولعل القارئ يظن أننا ما نزال -من وراء كلامنا هذا- نحاول أن نعض من قيمة التصريف، ونعري الباحثين اللغويين بإهماله وتركه، فنسارع إلى التأكيد له بأننا -مع فقهاء اللغة القدامى والمحدثين- نرى أن "هذا القبيل من العلم يحتاج إليه جميع أهل العربية أتم حاجة، وبهم إليه أشد فاقة؛ لأنه ميزان العربية، وبه تعرف أصول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليها، ولا يوصل إلى معرفة الاشتقاق إلا به"
(20).
ونرى أيضًا أن "جزءًا كبيرًا من اللغة يؤخذ بالقياس، ولا يوصل إلى ذلك إلا من طريق التصريف". إلا أن معرفة التصريف وحفظ قواعده وفهم أصوله شيء، وسبك القوالب وبناء الأوزان وتشكيل الصيغ شيء آخر، وما كان لنا -لما بين التصريف والسبك القالبي من نسب قريب- أن نعد المسائل الصرفية بمقاييسها الجزئية كالقوالب اللغوية بوحداتها الكلية الكبرى.
فإن نتنبه إلى ما بين الصيغ والتصريف من فرق مثلما نتنبه إلى ما بينهما من لحمة ونسب نجد كثيرًا من دلالات الأبنية -كما اصطلح عليها الصرفيون- تشبه دلالات الأبنية عند اللغويين، فكلا الجانبين يتحدث في الأفعال مثلًا عن استعمال صيغة "فاعَل" للدلالة على المشاركة الحقيقية للفاعل والمجازية للمفعول، نحو: خاصم، وجاذب، والتكثير نحو: ضاعف، والموالاة نحو: تابع؛ واستعمال صيغة "افتعل" لمطاوعة "فَعَل" نحو: نبهته فتنبه، وللاتخاذ نحو: اختتم اتخذ خاتمًا، وللتصرف بجهد نحو: اكتسب، وللاختيار نحو: انتقى، وكلا الجانبين أيضًا يتحدث في الأسماء -وهي

ص337

الصيغ الأكثر شيوعًا في اللغة- عن "فِعالة" للدلالة على الحرفة كالنجارة والحدادة والزراعة، و"فُعالة" للدلالة على فضلات الأشياء "كالقلامة والنفاية"، و"فَعِيل" للدلالة على السير كالرحيل، و"مَفْعَلة" للدلالة على المكان الذي يكثر فيه الشيء نحو: مأسدة ومكلأة؛ وكلا الجانبين أخيرًا يعترف بأن صيغ "فَعَل" و"فَعِل" و"أفْعَل" و"فَعْلَل" و"فَاعَل" مشتركة بين الاسم والفعل، فتقول على التوالي: جمل وكتب، حذر وعلم، وأبيض وأقدم، وجعفر ودحرج، وخاتم وسابق(21). بيد أننا نتساءل: هل نجد أنفسنا مدفوعين إلى وضع هذه الصيغ ونظائرها جميعًا في صف واحد بحث نستعملها كافة على التساوي مثلما يفرض علينا حفظ قواعدها الصرفية دون تفريق بينها، أم نوازن بين بعضها وبعض، ونستخلص من بينها أبنية حية مستعملة فنظل ننفخ فيها الحياة، ونستبعد صورًا أخرى ربما تبدو ثقلية في السمع الرهيف، متجافية عن اللسان المبين؟!
والجواب عن هذا التساؤل: أن من اليسير جدًّا فصل الصيغ الميتة عن الحية، وتمييز المطردة من الشاذة، إذا نحن عولنا على الذوق السليم والملكة الشخصية، بل من اليسير جدًّا -تبعًا لهذا- أن ننقص من الأوزان أو نزيد عليها، وأن نميت منها ونحيي طائفة، وأن نطلق في ذلك أيدي الأفراد النابغين والمجامع العلمية النشيطة، ولكن كثيرًا من الباحثين لا يحكِّمون الذوق في مثل هذه الأشياء، ويتهمون الملكات في هذا الزمان بالضعف والفساد.
ومن هنا تعذر علينا أن نتقبل في هذا الصعيد كل ما زاده المطبوعون من الصيغ وأن نهجر كل ما هجروه من الأوزان، ولو كان للذوق

ص338

دخل في هذه الموضوعات لجعلنا خلق القالب -لا الصنع على مثاله- من حق الأفراد النابغين من أدباء وشعراء ومؤلفين. ولا أدل على صعوبة هذا الأمر من مواقف اللغويين "المحافظين" إزاء اقتراحات العلايلي وزيدان والكرملي.
أما الأستاذ عبد الله العلايلي فيقوم تجديده على طريقتين؛ إحداهما: تأخذ الوزن القديم وتوسع دلالته، أو تجدد معناه، والأخرى: لا تكفيها الأوزان القديمة على النحو الذي وردت به اللسان العربي فتضع أوزانًا جديدة تختلف عن القديمة الفصحى في تحريك وتسكين، أو في طول وقصر، أو في تحت وإلصاق وتئول غالبًا إلى ضرب من الترقيع ليس عليه جلال ولا فيه رواء الثوب القشيب.
فعلى الطريقة الأولى أدخل العلايلي وزن "فَعَلان" الذي جاء في المصادر الدالة على الاضطراب في باب الأوصاف، فبدلًا من أن يكتفي بمثل "الغليان" مصدرًا من غلى أنى "بالهرمان" وصفًا من هرم، لكنه لا يقول في كل شيخ هم طاعن في السن "هرمان" بل يطلقه على كل من بلغ من الكبر عتيًّا حتى بات يضطرب من الهرم.
ومن الطريف نقله وزن "فَعْلاء" من الدلالة على الاسم المؤنث كصحراء والصفة المؤنثة كحمراء للدلالة على المكان الذي يتعدد فيه الشيء من غير انفصال، كصنعاء للمكان الذي تكثر فيه الصناعة، وحرجاء لمكان الغابات الكثيرة
(22).
وأطرف من ذلك كله نقله وزن "فعَّال" من مبالغة اسم الفاعل إلى إظهار الملكة الثابتة والتخصص في الأمر، فلفظ "نَوَّار" مثلًا يفيد الشيء الذي ينير إنارة خاصة عن ملكة ثابتة
(23).

ص339

وإذا كان العلايلي هنا لم يمس هذه الأوزن الثلاثة بشيء من التغيير في قالبها(24)، بل تعسف فقط في بسط معناها، ظانًّا أنه بهذا البسط يمنح العربية مقدرة على التعبير عن آفاق الحضارة الجديدة، فإنه في طريقته الثانية تناول بالتغيير الدال والمدلول، والوزن والموزون، والقياس والمقيس، وفيما جاء به على هذا المنوال صنف لا يبعد عن الوزن العربي كثيرًا، فله به شبه، وبه منه روح، وصنف آخر لا يمت إلى الوزن العربي بصلة، فهو منه كالأعجمي الدخيل حتى ليعجب الباحث كيف طوعت للعلايلي نفسه جراءة كهذه تجاوزت الحدود.
فمما له شبه بالوزن العربي "فَعُولاء" الذي يومئ إلى الخاصية المتفردة أكمل ما تكون، كالليلة البروقاء
(25)، و"فَعَلاء" الذي يدل على التثني والامتداد هنا وهناك، كالنهراء، بدلًا من النهر(26)، "وفَعالاء" الذي يدل على الاتصاف بالشيء مع محاولة خلافه، كالرجل "الشراراء" وهو الذي يقترف الشر مع أنه يحاول احتذاء طريق الخير(27).
وسائر ما ذكره العلايلي -بعد ذلك- إلى العجمة أقرب، وبالوزن الدخيل ألصق. ولا ريب أنه استشعر هذا بنفسه؛ فإن في معجمه القيم الذي نرجو أن يتم قريبًا لم يركب الوعر باستخدام هذه الأوزان المبتدعة

ص340

إذا لم يرح فيها رائحة العربية الصافية(28).
ومن ذلك "تَفْعَلُوت" للدلالة على الذي يتصف بالشيء عند حدوث الحادث فقط، نحو" ترغموت" الذي لا يرغم إلا عند اليأس، و"فَعْلُوت" للدلالة على الاستحالة من شيء إلى شيء نحو: "فلزوت" لتحول المعادن أشياء عنصرية، و"فَعَلَّان" للدلالة عل الألف الألفي، نحو "عقدان" للشيء الذي فيه أكثر من مائة ألف عقدة، و"فَعَلَيَّا" للدلالة على النفاذ إلى الصميم، نحو "حزنيا" لحالة الحزن التي تمزق الأحشاء التياعًا، و"فُعُلّ" للدلالة على الإطباق في الانتشار، نحو "دخن" للدخان المنتشر الذي يطبق الآفاق.
وكل ذلك يهون أمام تلك التاء الأعجمية الممدودة في آخر الاسم المذكر المفرد التي اقترحها العلايلي في وزن "الفَعْلَت" للدلالة على سرعة التأثر والانفعال وعلى سرعة الاحتراق، نحو "العصبت" لتأثر الأعصاب السريع!!
ولقد ظننت بادئ الأمر -لشديد ثقتي برهافة الحس للغوي لدى العلايلي- أن هذه التاء الهجينة الممدودة الطويلة ربما ألحقت بآخر الوزن

ص341

الاسمى المفرد تطبيعًا أو سهوًا؛ إذ لا يعقل أن يخالف الأستاذ متعمدًا إحدى بديهيات اللغة والصرف والرسم والإملاء من غير ما اضطرار إلى ذلك، ومتى ضاقت بمثله مسالك التعير حتى لم يجد إلا هذه التاء الدميمة يمسخ بها عربية الوزن وصفاء البناء؟! لكنني -وقد تفهمت قاعدته فيما جدد، ومنهجه فيما استحدث- أيقنت أنه قاصد هذه التاء، وأن لا سبيل إلى الدفاع عن إتيانه بها بحال، فإنه في أوزانه المبتدعة كلها -ما قرب منها من الوزن العربي وما بعد عنه- لم يحد قيد شعرة عن حروف الزيادة الصرفية التي يجمعها قولنا "سألتمونيها" أو "اليوم تنساه"(29). على أنه رغم لجوئه إلى مواد الزيادة المعروفة لصياغة قوالبه غالَى وأسرف حتى كاد يجعل صور قوالبه الزائدة عملية عقلية رياضية بحتة أدخل فيها كل حرف من حروف الزيادة أولًا وآخرًا ووسطًا في كل وزن كان من قبل معروفًا -إما شائعًا وإما مهجورًا- فلو كتب لرأيه السيرورة لكان الذي تقبل منه أبعد ما يكون عن العربية الفصحى بوجهها الصريح.
وإنما أتى أولئك الباحثون من قبل الاستقراء الناقص، فحكموا المثال الواحد أو الأمثلة القليلة في القاعدة، ووضعوا المقاييس مع خلطهم بين القياس والمقيس، وإذا هم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا حين أغنوا العربية بزعمهم بأوزان تحييها، وقوالب "جاهزة" لكل اصطلاح فيها وتعبير.
ولتجدن هذا الاستقراء أنقص ما يكون فيما كتبه جرجي زيدان في "الفلسفة اللغوية" حول الأوزان المهملة التي اندثرت وأميتت. ونزداد يقينًا بأن هذا رجل يخوض فيما لا يعلم، ويتطفل على ميدان اللغة وليس من أهليه، حين نجده يرطن رطانة الأعجمي وهو يؤكد الأثر العبري

ص342

في العربية من نحو وإهمال بعض أبنية العربية من نحو آخر، فيقول: "ولكي نصل إلى الحقيقة يقتضي لنا الاستفهام عن أصل هذه التاء "في تفعل وتفاعل" وكيف تأتت لها هذه الخاصة. وعند البحث والمقابلة في أخوات العربية يظهر لنا أنها بقية "ات" أو ما يعادلها، وهي لفظة من الألفاظ لم تزل مستعملة في العبرانية بمعنى "ذ ات" ... ".
إلى أن يقول: "وليست هذه كل مزيدات الأفعال في العربية، وإنما هي ما غلب استعماله منها. وهناك مزيدات كثيرة أهملت فاندثرت. ومنها ما لم يبق منها إلا أمثلة قليلة حفظت في بعض المظان وهي نادرة؛ فمن مزيدات الثلاثي المهملة مما زيد فيه حرف واحد ما هو على وزن "تَفْعَل" مثل ترمس، أو "نَفْعَل" مثل نرجس، أو "هفعل" مثل هلقم، و"سفعل" مثل سنبس بمعنى نبس، و"مفعل" مثل مرحب بمعنى رحب، و"فيعل" مثل بيصل ... "
(30).
إن من الغريب حقًّا أن يحاول جرجي زيدان -بعد أن زعم انقراض بعض الأوزان- أن يأتي بأمثلة على الصورة التي كان يتخيلها لما ظن فيه الاندثار والإهمال. وإن هذا الحكم المتسرع لو صدر عن رجل مختص بالموضوع لأنبأ عن شيء من الجهل، فكيف به وهو أثر عجول من باحث يتكلم في كل شيء ولا يصيب الحقيقة في شيء؟
ويا ليت المحدثين احتذوا في تجديدهم خطوات الأب آنستاس ماري الكرملي الذي لم يأل جهدًا في إحياء الأوزان القديمة وإحياء مدلولاتها، فتوسع في كتب الصرف ونصح بالرجوع إليها فهو أسلم
(31)؛ ذلك بأن الكرملي حين ألف كتابه "نشوء العربية ونموها واكتهالها" لم يبتعد عن الأوزان العربية قط، ولم يستبدل بها غيرها، بل لاحظ فيها

ص343

مدلولات جديدة أوشكت أن تنسى، فبسط من معنى المدلول، واستحدث بعض التمييز في توضيح الفروق بين وزن وآخر، ولا عيب في كتابه سوى أنه استعجل الحكم بالتفرقة بين وزن وآخر يشبه مع أنه لم يقم دليلًا على صحة هذه التفرقة فيما فصح من لسان العرب. وأقرب مثل لذلك استناده إلى ما جاء في كتاب "الكليات" للتفرقة بين العلاقة بالفتح والعلاقة بالكسر، فالأولى المفتوحة العين تستعمل في الأمور الذهنية كعلاقة الحب والخصومة ونحوهما، والثانية المكسورة العين تستعمل في الأمور الخارجية كعِلاقة السوط والقوس ونحوهما، وإن عجبنا لا ينقضي من تعويله في قضية الأوزان وفي التفرقة بينها على باحث متأخر كالعكبري صاحب "الكليات" وهو يعلم أن المتقدمين من محققي العلماء لم يذهبوا هذا المذهب ولم يقيموا على صحته الدليل.
وكاد الكرملي يرتكب الخطأ الذي ارتكب مثله العلايلي حين أشار إلى صيغ لم يقررها النحاة في تصانيفهم وإن كانت القسمة العقلية الرياضية البحتة تستدعي وجودها وامتيازها فوق ذلك بمعان جديدة مبتكرة. ولكن الكرملي هم بارتكاب هذا الخطأ ولم يرتكبه حقًّا؛ إذ كان له مقنع بترديد الأوزان المتشابهة المحتمل ورودها عقلًا في إحدى ثلاث فصائل: رباعية وثلاثية وثنائية. أما الفصيلة الرباعية فمن أمثلتها "فُعْلان - فِعْلان - فَعْلان - فَعَلان"؛ وأما الثنائية فمن أمثلتها "فَعَلْعَل، فَعَلْعَلان"؛ وأما الثلاثية الباقية فأمثلتها لا تكاد تتناهى كما لا تتناهى في العربية المثلثات المشهورة: وأهمها "فُعال، فِعال، فَعال"، و"فُعالة، فِعالة، فَعالة"، و"فُعالّ، فِعالّ، فَعالّ"، و"فُعالّة، فِعالّة، فَعالّة"، و"فُعْلَة، فِعْلَة، فَعْلَة"، و"فُعُل
(32)، فِعِل، فَعَل"؛ ولا ريب أن القارئ لمح في

ص344

بعض هذه المثلثات أوزانًا معروفة لديه سواء أكانت شائعة أم نادرة الاستعمال، ولكنه أدرك الاتجاه الجديد الذي كان الكرملي يقود إليه معاني هذه الأوزان، لتستحيل في أيدي العرب المعاصرين مقاييس حية تستعمل في كثير من الميادين الحضرية الجديدة.
ومن هنا رأى الكرملي مثلًا أن "الفِعالة" بالكسر لا ينبغي أن تحصر في مدلول الصناعة كالحراثة والزراعة والمساحة والنجارة والحدادة؛ بل يبسط معناه ليشمل الدلالة على الآلة والإدراة، كأن "فعالة" تأنيث لفِعال الدال بنفسه على الآلة كالبساط واللباس والحزام والشكال
(33)، وبذلك يتضح لنا معنى الآلة من نظائر هذه الألفاظ الفصيحة المتداولة: الإداوة اوالرحالة والضبارة والكنانة والقلادة(34).
ويُحمد للكرملي بصورة عامة ذهابه إلى توسيع مدلولات الأوزان أو بسط مداها من غير أن يمس سلامة اللغة أو فصاحة مقاييسها؛ كدعوته إلى إحياء وزن "فَعَلْعَل" كعصبصب، وغشمشم، وسمعمع، وعرمرم، باستعماله في كل وصف يكثر تحلي صاحبه به.
وليس من شأننا هنا -لدى موازنة آراء المحدثين التي أشرنا إليها- أن نخوض في قضايا القياس التي أفاض فيها المناطقة والمتكلمون والأصوليون من الفقهاء والنحاة، ولا من شأننا أيضًا التعرض للحالات التي يجب فيها القياس، فلهذا كله مواطن أخرى رحبة لا يتسع لها هذا المجال، وإنما يجدر بنا أن نعترف بالحقيقة الاجتماعية اللغوية التي تقول: "كلما قويت اللغة قوي القياس وكثرت الصيغ القياسية"
(35)، فلنرحب بكثرة ما

ص345

يستعمل من صيغنا وما يدخل معمل السبك القالبي من ألفاظنا ومفرداتنا، ولنكن إيجابيين في نشر لغتنا واستخدام مقاييسها في أغراض حياتنا بدلًا من أن نكون سلبيين نثور في وجه كل من استعمل وزنًا نجهله زاعمين أنه "ليس في العريبة من كذا إلا كذا، وهوكلام يخلو من المنطق والحكمة، بل هو جهل مطبق، فإن المرء ليحار ويتساءل: "من جمع لهم العربية في طبق فأحصوا كلمها ثم حكموا متثبتين: ليس في العربية من كذا إلا كذا؟ ولو قال قائلهم: "لا أعرف من كذا إلا كذا" لكان أقرب إلى النصفة وأصدق قيلًا"(36).
وإن يكن قد ضُرب بالأسداد على جل ما يحاوله بعض الأفراد المطبوعين المعاصرين من تحديد معاني الأوزان أو بسط دلالاتها، فإننا ما نزال بحمد الله نجد في مجامعنا العربية في القاهرة ودمشق وبغداد روحًا تجديديًّا لن يأذن للجهلة الجامدين بتجميد هذه اللغة الكريمة وتعطيل نشاطها. وما القرارات الحكيمة التي اتخذت في مجمع القاهرة بشأن الصياغة والاشتقاق إلا أدلة لا تنقض وبراهين لا تناهض على أن حاجات المجتمع إن لم يبلها النحاة لبتها الحياة، فليست اللغة عجينة طيعة في أيدي المتحذلقين، ولكنها أداة حية في أيدي صناع التاريخ وبناة الحياة
(37).

ص346
__________

(1)  Brockelmnn Grudeiss, l. s 5.
(2) ابن خالويه هو الحسن بن أحمد، أبو عبد الله، أصله من همذان، من كبار النحاة. طبع كتابه "ليس في كلام العرب" كما طبع من مصنفاته أيضًا "إعراب ثلاثين سورة من القرآن العزيز" و"مختصر في شواذ القراءات" و"كتاب الشجر" الذي يقال: إنه لأبي زيد. توفي ابن خالويه سنة 370هـ "بغية الوعاة 231" واسمه في "إنباه الرواة 1/ 324" الحسين بن محمد.
(3) المزهر 2/ 3.

(4) هو العلامة في الأنساب، الحافظ العارف بفنون الحديث، مغلطاي بن قليج، علاء الدين، المتوفى سنة 762هـ.
(5) المزهر 2/ 3-4.
(6) ابن القطاع هو إمام وقته بمصر في علوم العربية. واسمه علي بن جعفر السعدي، أبو القاسم. قرأ على أبي بكر الصقلي، وروى عنه الصحاح للجوهري. توفي سنة 515هـ.
(7) هو محمد بن السري البغدادي، أبو بكر بن السراج. أخذ عن المبرد، وأخذ عنه الزجاجي والسيرافي. توفي سنة 312هـ.

(8) هو اللغوي المعروف أبو عمر الجرمي صاحب المختصر المشهور في النحو. أخذ اللغة عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي. توفي سنة 225هـ.

(9) من ذلك أيضًا أنه يذكر الصيغة ويمثل لها بمثال واحد من غير أن يعين أصفة هو أم اسم، فيقول مثلًا لصيغة "فعل" اسمًا: هو فهد، وصفة: هو صعب.
(10) قارن بدراسات في اللغة "للدكتور إبراهيم السامرائي" ص52.

(11) انظر فقه اللغة "لمحمد المبارك" ص112.
(12) المنصف "لابن جني" 1/ 18، والمنصف هو شرح ابن جني لكتاب التصريف "للمازني" نشرته مطبعة البابي الحلبي بالقاهرة بتحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين.

(13) وهي: فَعْل، وفَعِل، وفَعُل، وفِعْل، وفِعَل، وفُعْل، وفُعُل، وفُعَل. المنصف ص18.
(14) قارن بالمنصف ص20.
(15) وهي: فَعْلَل، وفِعْلِل، وفُعْلُل، وفِعْلَل، وفِعِلّ، وفُعْلَل "المنصف 25".
(16) المنصف 28.
(17) المنصف أيضًا 28.
(18) قارن بقول ابن جني: "اعلم أن الأسماء الخماسية تجيء على أربعة أمثلة وخامس لم يذكره سيبويه: وهي: فَعَلَّل وفِعْلَل وفَعَلَل وفُعَلِّل". المنصف 30.
(19) نقصد بهذا مثل "كوثر وجدول وجيئل" فهذا كله ملحق ببناء جعفر، والواو والياء فيه زائدتان زيادة صرفية إلحاقية. قارن بالمنصف 34.

(20) المنصف ص20.

(21) قارن بفقه اللغة "للمبارك" ص112.

(22) مقدمة لدرس لغة العرب 65-95.
(23) وقريب من هذا نقله "فعلل" إلى دلالة الشيء الذي يجمع أفعالًا من الوصف ويفعلها دفعة، نحو: "قفلل" للقفل الذي يقف من جهتين دَفْعَة واحدة، وانظر المقدمة 67.

(24) لكنه تجاهل أحيانًا القوانين الصرفية تجاهلًا عجيبًا، ففي وزن "فعل" الذي اقترح أن يكون مفيدًا معنى الاتصاف بوحدة المادة ذكر مثالًا لذلك لفظ "غلق". ومن الواضح أن الثلاثي من هذه المادة غير فصيح، فأي مسوغ للعلايلي أو سواه للخروج على الميزان الصرفي ما دامت لنا غنية بفصيحه عن ضعيفة؟
(25) مقدمة العلايلي 68.
(26) نفسها 77.
(27) نفسها 67.

(28) وقس على ذلك وزن "فعلل" للدلالة على ما تعددت فيه الوحدات من الوصف، نحو "زبدد" المتعدد الزبد، ووزن "فعل" للدلالة على الاتصاف بالمادة مع توزع، نحو "رعج" لذي المال الكثير الموزع في أيدي الناس. و"فعيلل" الدال على كون الوصف ذا قوة مولدة، نحو خليدد للذي فيه قوة تولد فيه الخلود. ووزن "فعلن" للدلالة على نفوذ الوصف إلى غاية الباطن، نحو "نفسن" للرجل المختص بالأعمال النفسية. أما وزن "فعلني" الدال على ما يحدث إثارة عظيمة فقد مثل له العلايلي بلفظ "فنيني" للقذيفة "القنبلة" التي تثير الفناء، وفي هذا خروج صريح على القياس الصرفي، فإن في مادة الفناء الثلاثية لزومًا لا يوحي بشيء من التعدية، وإنما تفيد المعنى الذي قصده مادة الافناء المتعدية بزيادة الهمزة، على نحو ما قلنا في وزن "فعل" والاستشهاد عليه بالغلق بدلا من الإغلاق، ولعل هذا يشير إلى مدى وجوب التقيد بقوانين الصرف لكل من يريد أن يجدد في صيغ اللغة وأوزانها.

(29) الأمالي 2/ 186.

(30) الفلسفة اللغوية 45.
(31) نشوء اللغة العربية ونموها واكتهالها ص113-114.

(32) يلاحظ هنا أن الكرملي بمحاولته العقلية الاحتمالية البحتة انتهى إلى وزن "الفعل" كما انتهى إليه العلايلي في "الدخن" ونظائره.

(33) ولذلك رأى الكرملي أيضًا أن وزن "فعال" لا ينبغي أن يحصر في معنى الامتناع عن الشيء كالإباء والنفار والشراد، بل يشمل قياسيًّا مختلف معاني الآلة.
(34) راجع نشوء العربية أيضًا 114.
(35) المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية 32.

(36) أصول النحو 129.
(37) انظر مجلة المجمع في القاهرة مجلد 1/ 36-37.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.