أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-10-2014
3323
التاريخ: 29-3-2018
1021
التاريخ: 29-3-2018
1197
التاريخ: 31-3-2018
1436
|
وهو من أشرف المقاصد وأعظمها وأجلّها وأهمها ، بل لا تكتسب مسألة علمية شرفاً وفضلاً ما لم تخدم هذا المقصد ، فهو آخر ما تُناخ به الرواحل العقلية في سفر السعادة والفضيلة . {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53].
وصُرط التصديق الحقّة المستقيمة ، إلى الواجب القديم القدوس الأقدس ـ جلّت كبريائه وعَظُم سلطانه ـ متعدّدة ، وإليك منها ما يناسب هذه الرسالة :
الصراط الأَوّل :
إنّ العقل لا يرى الموجود الواجب لذاته مستحيلاً ، بل يحكم بإمكانه إمكاناً عامّاً ، ولا سيما قد شاهد الواجب الذاتي بنحو مفاد كان الناقصة ، مثل زوجية الأربعة ، ورطوبة الماء ، ودسومة الدهن ونحوها ، فإذا أمكن ، وُجد وثبت من دون شرط وسبب ، على ما أسلفنا برهانه .
وهذا الصراط أشرف الصُرط المذكورة في هذا المقصد ، ليس له زيادة مؤونة ، ولا توقّف له على استحالة الدور والتسلسل ، بلا ولا على وجود ممكن ، كل ذلك ظاهر جداً .
ولزيادة التأكيد لحكم العقل بعدم امتناع الواجب نقول : إنّ العقلاء ـ مليين كانوا أو ماديين (1) ـ اتفقوا في كلّ زمان ومكان ، على الإذعان بوجود المبدأ الأَوّل في الخارج ، وهذا ممّا يؤيّد استقلال العقل بعدم امتناع مثل هذا الوجود ، والعجب من ذهول الباحثين عن هذا البرهان ؛ حيث لم يذكروه في هذا المقام (2) .
الصراط الثاني :
إنّ الأحاسيس قد قضت على أنّ في الخارج موجوداً ما ، فهو إن كان واجباً لذاته فقد حصل الغرض ، وإن كان ممكناً فهو يستلزم المقصود ؛ لاستحالة الدور والتسلسل ، وهذه الحجّة غير قائمة بوجود الممكن كما هو ظاهر .
ثمّ إنّ هذين الوجهين المذكورين ، ليسا من الأدلة الإنيّة ، ولا من البراهين اللميّة ؛ لعدم انتقال فيهما من العلّة إلى المعلول ، ولا من المعلول إلى علّته ، بل هما من شبه اللم ، كما يظهر من كلمات عدّة من أكابر الحكماء .
الصراط الثالث :
... [ ذهب ] المحقّق الطوسي قدّس سره في إبطال التسلسل ، فإنّه يفضي إلى معرفة الواجب الوجود ، ويجوز أن نعبّر عنه بألفاظ أُخرى فنقول : لا يمكن أن يكون ممكن ما من الممكنات منشأ لوجوب الممكنات ، ولا لامتناع طريان العدم علّيها بالكلية ، فلابدّ من واجب .
وبوجه آخر : إنّ الممكن لا يستقلّ بنفسه في وجوده وهو ظاهر ، ولا في إيجاده لغيره ؛ لأنّ مرتبة الإيجاد بعد مرتبة الوجود ، فإنّ الشيء ما لم يُوجَد لم يُوجِد ، فلو انحصر الموجود في الممكن ، لزم أن لا يوجد شيء أصلاً ؛ لأنّ الممكن وإن كان متعدّداً ، لا يستقلّ بوجود ولا إيجاد، وإذ لا وجود ولا إيجاد ، فلا موجود لا بذاته ولا بغيره ، إلى غير ذلك من التقارير والتعابير.
الصراط الرابع :
الممكن موجود بلا ريب ، فإنّ الأجسام مركّبة ، وكلّ مركّب ممكن ، والأعراض لمكان حاجتها إلى موضوعاتها ممكنة ، بل حدوث بعض الأشياء وفقدانها وفناؤها محسوس فهو ممكن ، ومهما يكن من شيء فالممكن موجود قطعاً بل ضرورةً ، فيكون الواجب موجوداً بالضرورة ؛ لِما مرّ من احتياج الممكن إلى الواجب ، ومن بطلان الدور والتسلسل ، ولعلّ قوله تعالى : {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } [الطور: 35] يشير إلى ذلك ، فإنّ الممكن لا يمكن أن يكون خالق نفسه ؛ لما عرفت في بطلان الدور ، ولا يمكن أن يوجد بلا خالق فإنّه ترجّح بلا مرجّح ، ويمكن إدراج نفي التسلسل أيضاً في هذا الفرض كما يظهر بالتأمل .
ثمّ إنّ هذا الدليل الإنّي أساس لعدّة من الدلائل الأُخرى .
الصراط الخامس :
ما سلكه المتكلّمون فقالوا : إنّ العالم حادث ، وكلّ حادث له محدَث كما تشهد به بديهة العقل ؛ ولذا مَن رأى بناءً حادثاً حكم حكماً بتياً جزمياً ، بأنّ له بانياً ، وعن أكثر مشايخ الاعتزال أنّ هذه المسألة ـ أي الكبرى ـ استدلالية ، وقد استدلّوا عليه بوجهين (3) ، لكنّ ذلك خطأ وما استدلوا به غلط .
ثمّ إنّ هذا المحدث الصانع إن كان حادثاً احتاج إلى مؤثّر آخر ، فيلزم الدور أو التسلسل وهما محالان ، وإن كان قديماً أو منتهياً إلى القديم فقد ثبت المطلوب .
هذا ، ولكن جملة من الفلاسفة لم يرتضوا بسلوك هذا الصراط لوجوه ثلاثة :
الأَوّل : تفنيد حدوث العالم بشراشره ، بل منه ما هو قديم ، ومنه ما هو حادث .
الثاني : قصور هذا الدليل عن إثبات الواجب لذاته ؛ لجواز أن يكون ذلك المحدِث غير الحادث ممكناً قديماً ، فلا يفتقر إلى علة ، فتنقطع السلسلة بلا إثبات الواجب ، كما ذكره الحكيم اللاهيجي في شوارقه (4) .
الثالث : خروجه عن منهج الصدق ؛ لأنّ مناط الحاجة إلى العلّة هو الإمكان دون الحدوث ولو شرطاً ، ذكره الحكيم السبزواري (5) ، وقبله عنه غيره أيضاً.
أقول : هذه الوجوه ساقطة ، ولا يمكن سد هذا الصراط المستقيم بها ... [ حيث ان] الثاني ، ينبثق بطلانه من بطلان الأَوّل ؛ فإنّ القديم حينئذٍ لا يكون ممكناً ، فهو واجب لعدم واسطة بينهما بالضرورة ، فالقديم والواجب لذاته مترادفان عند المتكلّمين .
وأمّا الثالث ففيه ، أنّ معنى علّية الإمكان للحاجة ، هو سببيته للحاجة في وجوده ، أو عدمه إلى المرجّح الخارجي ، فحدوث الوجود ، معلول عن هذا المرجّح المحدِث الخارجي، وكاشف عنه كشف كلّ معلول عن علّته ، ويعبّر عنه في عرفهم بدليل الإن ، فهذا لا ربط له ببطلان علّية الحدوث للحاجة ، والإنصاف أنّ دلالة الحدوث على المحدِث ضرورية ، وإنكارها عن هذا الرجل الفيلسوف بعيد جداً .
فاتّضح أنّ الدليل تام في نفسه ، من غير أن يُبنى على الحركة الجوهرية كما تبرّع به بعضهم ، لكن الذي يوجب صعوبة سلوك هذا الطريق في الجملة ، هو أنّ إثبات المدّعى أسهل من تثبيت مقدّمتها الأُولى ، أعني بها حدوث العالم بأجمعه ، فإنّه وإن كان حقّاً إلاّ أنّ المدّعى أظهر منه ، وإن أخذنا حدوث بعض العالم في المقدّمة حتى تكون ضروريةً ، فلا يستنتج منها المطلوب ، كما ذكره صاحب الشوارق من جواز كون القديم ممكناً .
ولا دافع له حينئذٍ أصلاً إلاّ أن يقال : بأنّ هذا القديم لا يكون إلاّ واجباً ، فإنّ الممكن يستلزمه دفعاً للدور والتسلسل ، لكن الدليل حينئذٍ لا يكون بلحاظ الحدوث فقط ، بل مع انضمام لحاظ الإمكان .
فالتحقيق أن يقال : إنّ جملةً من هذه الموجودات حادثة حسّاً ، والحادث يقتضي محدِثاً بالضرورة ، وهذا المحدِث إن لم يكن له سبب وعلّة فهو المراد ؛ إذ لا نعني بالقديم أو الواجب إلاّ المحدِث الذي لا سبب له ، وإن كان له سبب فلابدّ من الانتهاء إلى محدِث كذلك ، أي بلا سبب وعلة دفعاً للدور والتسلسل ، فافهم .
الصراط السادس :
ما سلكه الحكماء الطبيعيون ، وهو الاستدلال بالحركات ، فإنّ المتحرّك لا يوجب حركةً بل يحتاج إلى محرِّك غيره ، والمحرِّكات لا محالة تنتهي إلى محرِّك غير متحرك دفعاً للدور والتسلسل ، فإن كان واجباً فهو وإلاّ استلزمه لِما مرّ .
الصراط السابع :
إذا كانت الموجودات منحصرةً في الممكنات لزم الدور ، إذ تحقّق موجود ما يتوقّف ـ على هذا التقدير ـ على إيجاد ما ؛ لأنّ وجود الممكنات إنّما يتحقق بالإيجاد ، وتحقّق إيجاد ما يتوقّف أيضاً على تحقّق موجود ما ؛ لأنّ الشيء ما لم يوجَد لم يُوجِد .
لكن الإنصاف ، أنّ هذا التوقّف من قبيل توقّف النطفة على الحيوان ، وتوقف الحيوان على النطفة ، وتوقف البيض على الدجاج ، وتوقف الدجاج على البيض ، وهذا ليس بدور محال ؛ لأنّ الدور هو الذي يكون طرفاه واحداً بالعدد ، لا ما يتقدّم فيه طبيعة مرسلة على طبيعة مرسلة أُخرى ، وهي تتقدّم أيضاً عليها في صورة التسلسل ، فالمغالطة نشأت هاهنا ، من أخذ الكلّي مكان الجزئي ، والوحدة النوعية مكان الوحدة الشخصية ، فتتميم هذا البرهان لا يمكن إلاّ بالتسلسل كما في الأسفار ، وما رامه اللاهيجي من إصلاح الدليل ، وإتمامه بالدور فقط غير تام، ومنه يظهر الحال في الصراط الآتي بكلا طريقيه .
الصراط الثامن :
إنّه ليس للموجود المطلق من حيث هو موجود مبدأ ، وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه ، وبذلك ثبت وجود واجب الوجود بالذات ، وبعبارة أُخرى : مجموع الموجودات من حيث هو موجود ليس له مبدأ بالذات ، فثبت بذلك وجود الواجب لذاته .
الصراط التاسع :
مجموع الموجودات من حيث هو موجود يمتنع أن يصير لا شيئاً محضاً ، ومجموع الممكنات ليس يمتنع أن يصير لا شيئاً محضاً ، فيثبت به الواجب لذاته .
وفيه : أنّ حيثية الإمكان وإن كانت مخالفةً لحيثية الوجود ؛ لأنّ الموجود بما هو موجود يستحيل أن يصير معدوماً : لأنّ فيه ضرورة بشرط المحمول ، بخلاف الموجود بما هو ممكن ، فإنّ عدمه غير ممنوع ، لكن هذا الاختلاف لا يؤدي إلى الاختلاف في الموضوع، كما أفاده صاحب الأسفار أيضاً .
الصراط العاشر :
ما ذكره صاحب الأسفار ومَن تبعه وقال : إنّه سبيل الصدّيقين الذين يستشهدون بالحقّ على الحق ، ووصفه بأنّه أسدّ البراهين وأشرفها ، وإليك تقريره بعبارة السبزواري (6) مع تغيير ما: حقيقة الوجود الذي ثبتت أصالته ، إن كانت واجبةً فهو المراد ، وإن كانت ممكنةً ـ بمعنى الفقر والتعلّق بالغير ، لا بمعنى سلب ضرورة الوجود والعدم ؛ لأنّ ثبوت الوجود لنفسه ضروري ، ولا بمعنى تساوي نسبتي الوجود والعدم ؛ لأنّ نسبة الشيء إلى نفسه ليست كنسبة نقيضه إليه ؛ لأنّ الأُولى مكيّفة بالوجوب والثانية بالامتناع ـ فقد استلزمت الواجب على سبيل الخلف ؛ لأنّ تلك الحقيقة لا ثاني لها حتى تتعلّق به وتفتقر إليه ، بل كلّما فرضته ثانياً فهو هي لا غيرها ، والعدم والماهية حالهما معلومة ؛ أو على سبيل الاستقامة ، بأن يكون المراد بالوجود مرتبة من تلك الحقيقة ، فإذا كان هذه المرتبة مفتقرة إلى الغير استلزم الغني بالذات دفعاً للدور والتسلسل ، والأَوّل أوثق وأشرف وأخصر .
أقول : هذا الوجه مبني على مقدّمات ، هي أغمض تصديقاً من أصل الدعوى بمراتب ، فلابدّ أن يُرجع إلى الصراط الثاني .
الصراط الحادي عشر :
اتّفاق الأنبياء والأولياء والعقلاء على ذلك ، فإنّهم أخبروا عن وجود الواجب الصانع ، وهذا الاتّفاق أقوى من التواتر ، ولا شيء من المتواترات مساوٍ له في القوّة وإفادة اليقين ، ذكره بعض المؤلّفين (7) ، وببالي أنّ هذا الوجه نُسب إلى جماعة من المتكلّمين .
لكن الاستدلال المذكور هيّن جداً ، فإنّ العقلاء في ذلك مختلفون ، وأمّا الأنبياء فهم كغيرهم ، ما لم تثبت نبوّتهم المتوقّفة على وجود الواجب وصفاته ، بل لا سبيل لنا إلى إحراز وجودهم ـ سوى خاتمهم ( صلى الله عليه وآله ) ـ من غير جهة إخباره تعالى .
هذا ، مع أنّ التواتر في الحدسيات غير حجّة ؛ فإنّه لا يفيد اليقين ... نعم يمكن الاستدلال بمعجزات خاتمهم ( صلى الله عليه وآله ) وأوصيائه ( عليهم السلام ) على المطلوب ولا محذور فيه أصلاً .
الصراط الثاني عشر :
لو انحصرت الموجودات في الممكن لاحتاج الكلّ إلى موجِد مستقل ـ بأن لا يستند وجود شيء منها إلاّ إليه ولو بالواسطة ـ يكون ارتفاع الكلّ بالكلية ـ بأن لا يوجد الكلّ ولا واحد من أجزائه ـ ممتنعاً بالنظر إلى وجوده ؛ لأنّ ما لم يجب لم يوجد ، ويلزم من ذلك امتناع عدم المعلول من أجل العلة ، والشيء الذي إذا فُرض عدم جميع أجزائه ، كان ذلك العدم ممتنعاً نظراً إلى وجوده ، يكون خارجاً عن المجموع ، لا نفسه ولا داخلاً فيه ؛ لأنّ عدم شيء منهما ليس ممتنعاً نظراً إلى ذاته ، فيكون واجباً لذاته ؛ إذ لا واسطة في الخارج بين الممكن والواجب ، فتدبّر فيه .
هذه هي الصُرط القويمة ، الحقّة المستقيمة ، الموصلة إلى معرفة الواجب القديم ، والصانع الحكيم (8) ، وأنّ للعالم مبدأً تنتهي سلسلة الموجودات إليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
_______________________
(1) غير مَن قال منهم بجواز الترجّح بلا مرجّح ( إن كان ) .
(2) وبه يمكن أن يفسّر ما أُثر عن مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( يا مَن دلّ على ذاته بذاته) ، وما عن السجّاد ( عليه السلام ) : ( بك عرفتك وأنت دللتني عليك ) .
(3) شرح المواقف 3 / 3.
(4) الشوارق 2 / 204.
(5) شرح المنظومة / 143.
(6) شرح المنظومة / 141.
(7) كفاية الموحّدين 1 / 26.
(8) سوى بعضها ، الذي ناقشنا فيه .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|