المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الفطرة
2024-11-05
زكاة الغنم
2024-11-05
زكاة الغلات
2024-11-05
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05



بناء شخصية الطفل  
  
5268   08:52 صباحاً   التاريخ: 25-7-2016
المؤلف : صالح عبد الرزاق الخرسان
الكتاب أو المصدر : تربية الطفل واشراقاتها التكاملية
الجزء والصفحة : ص196-207
القسم : الاسرة و المجتمع / الطفولة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 12/12/2022 1229
التاريخ: 8/10/2022 2505
التاريخ: 18-1-2016 2038
التاريخ: 18-1-2016 2176

ان الشخصية قد يكون لها معانٍ عديدة وتعريفات مختلفة عند العلماء والفلاسفة، ولكن الذي نريد ان نقوله حسب معلوماتنا المتواضعة:

ان الشخصية هي مجموعة من الصفات الثابتة والدوافع الذاتية الباطنية التي بواسطتها يتميز الفرد عن غيره، ويمكن معرفة الموقعية الحقيقية والقيمة الذاتية له.

والحقيقة : ان لكل فرد من الافراد شخصية تميزه عن غيره، لان لكل منهم في كيانه فردية تميزه عن الاخرين وكيفيات خاصة من حيث الخصائص الطبيعية والتربوية وعند المقارنة بين شخصية وأخرى نجد بينهما اختلافاً ظاهرا رغم ان الاصول التي تتحكم في الشخصية وتكاملها اصول واحدة، ولكنها لا تأتي بنفس النتيجة عند التطبيق على فردين.

وقطعاً ان الصفات الاخلاقية التي تتصف بالخير والشر لها الاثر الاكبر في بناء الشخصية والحقيقة ان سجايا الانسان ونزعته هي شخصيته التي تدرس من خلال الاخلاق.

ولا ريب ان هناك مؤثرات وعوامل هامة تؤثر في بناء الشخصية وصنع الاخلاق والسمات الانسانية وقد حددها بعض العلماء بثلاثة عوامل هي : الاسرة ، المدرسة، والمحيط الاجتماعي. وقد اضاف بعضهم العامل الوراثي. وفي علم النفس الحديث، ويرونه عاملاً مهما واساسيا في تكوين شخصية الفرد، حتى وصل بهم القول إلى :

إن العامل المجهول يستطيع ان يغير مجرى العوامل الاخرى فيصنع من الانسان شخصية جديدة غير متوقعة.

وحتما ان جميع العوامل المذكورة اعلاه لها الاثر البالغ في بناء شخصية الانسان ونموها وتكاملها وخصوصا في مرحلة الطفولة وما بعدها. ان العوامل الاجتماعية واثار المحيط والاطر الثقافية والتربوية والوراثية تساهم جميعها في بناء الشخصية وتطورها وتقدمها واحيانا قد تؤثر سلبا ان كانت دون المستوى المطلوب.

ـ يقول (مان) في علم النفس :

(إن لآثار المحيط في بناء شخصية افراد البشر اهمية كبرى فلو كان احدنا مولودا بين قبيلة من قبائل الاسكيمو لكانت له شخصية متمايزة كل التمايز عما له اليوم من شخصية ولم نكن نختلف عما نحن عليه اليوم في الملبس والمسكن والمنطق والمطعم. بل كانت تصوراتنا عن انفسنا وعن العالم حولنا وعن موقعنا في هذا العالم تصورات اخرى مختلفة تماما وقد اكد علماء النفس على اهمية الاطر الثقافية والاجتماعية في تكوين الشخصية، ليست علاقة الفرد بثقافة اخرى ومجتمع اخر كانت تصنع منه شخصية اخرى فحسب، بل حتى ان يكون الفرد من اهل أي ناحية من بلاده، ومترعرعاً في اية اسرة، وان يكون ابواه معه او منفصلين عنه وكيف يعيشان، واية مدرسة كانت تربيه واي نوع من اترابه كانوا يعاشرونه وماذا رأى وماذا سمع لكل هذه الامور اثر يعتدّ به في بناء شخصيته. ان اثر العوامل الاجتماعية في تكوين الطفل تبدا منذ ميلاده، ويستمر هذا الاثر ما دام حيّاً)(1).

اجل، ان دور الطفولة هو اهم الادوار التي يمر بها الانسان لان فيه يتقولب الطفل وينمو عاطفيا لذا يجب على الاباء والمربين والاقرباء والمعلمين أن يقوموا بما يلي :

أ‌- أن يتبعوا الاسلوب الامثل بشقيه: القولي والفعلي في تربية الطفل وتعيين خط سيرة، واسلوب حياته، واخلاقه لان في ذلك تتضح طاقاته وتنمو شخصيته وحذار من أي خطأ يمارسونه اثناء عملهم التربوي والتعليمي. لأنه ان حصل يؤدي إلى تحطم شخصية الطفل وموت استعداداته كلها.

ب‌- نعم ان الواجب الديني والانساني يحتم علينا وعلى كل المربين ان نولي تربية الاطفال اهتماما كبيرا ونعمل على تنمية مواهبهم ومشاعرهم وثقافتهم، وبناء شخصياتهم واصلاح الاوضاع المحيطة التي تحيط بهم لتتلاءم مع نشاطاتهم، الذاتية الغريزية لكي يمكن تربيتها وتصعيد النشاط المولد فيها.

ج‌- علينا ان نعمل بإتقان وحذر شديدان في التعامل مع عاداتهم، والنفوذ اليها نفوذاً تربوياً لكي يتسنى لنا ان نزيد في تلك الرغبة من رغباتهم او تقلل من حدتها وقوتها واتساعها.

د- وكذلك ينبغي ان نعين اتجاه شخصية الطفل وان نجعلها ايجابية من خلال تكييف الاوضاع البيئية والمقتضيات وان نعرف اسرته وموقعه فيها لكي يتسنى لنا ان نرسم له شخصية محددة نسبيا وكيفية ردود الفعل لديه في مواجهة التحديات وحوادث الحياة غير الملائمة له.

هـ - يجب علينا ان نبحث في العلة التي تسبب تأخر الطفل وعدم تقدمه في بناء شخصيته ومعرفة نواقصها وما تحتاج اليه، والعمل على المعالجة بأفضل الاساليب التربوية الصالحة.

و‌- إن الانسان الذي يحيط بما يعتلج في نفس من انفعالات نفسية في نشاطه واعماله، قطعاً سيكون اكثر احساسا باستقلاليته، واكثر اعتماداً على نفسه واكثر ثقة بشخصيته، ويصبح اعظم انتاجا من الشخص الذي يقصر في توقعاته ويثق بها ويحس بوجوده باستقلالية.

ز- مما لا شك فيه ان اثارة التفكير وقوة الملاحظة ودقتها يساعد بقوة في توسعة الذهن وانفتاح العقل وتحرر طاقاته وكنوزه وهذا بدوره يدفع من القيمة الشخصية ويزينها بالفضيلة والكمال. ان الذي يتمتع بقوة التفكير والعقل الراجح يكون قريباً إلى السعادة لذا يجب على المربي ان يعمل على اثارة التفكير وتقوية الملاحظة عند الطفل المميز.

ح - ينبغي على الاباء والمربين ان يأخذوا بأيدي الاطفال المميزين بعيدا عن السطحية وجعلهم من اصحاب الهمة العالية، لان السطحيين يحاولون دائما ارضاء ميلوهم النفسية الباطلة ويتوسلون بأمور شتى لتحقيق مآربهم وقضاء حاجاتهم، بينما اصحاب الهمم العالية والطموحون تشتد رغباتهم في الافادة من الكمالات واللذائذ الروحية والنفسية.

ط ‌- ان الطبيعة الهادئة، والرؤية المتفائلة، وقوة التمكّن والاقتدار، لها الاثر البالغ في ارتياح الانسان وشعوره بالسعادة.

فالإنسان المتفائل ينظر إلى الحياة بعين وردية ويستطيع ان يقضي حياته المتعثرة والعسيرة بقناعة ورضا بينما الانسان المتشائم الحريص في حياته لو تهيأت له كل وسائل الغنى والراحة فهو لا يزال غير قانع ويعيش حالة من الملل والحسرة. وعليه, يجب على المربي ان يجعل الطفل دائما في حالة من التفاؤل بالخير والنجاح والأمل.

ي ‌- يجب على المربي ان لا يجعل شخصية الطفل ذات بعد واحد ويكون هذا البعد الواحد ملاكا ومقياسا لتقييمه, وانما المقياس هو شخصيته الذاتية، لأنها بجميع ابعادها هي التي تؤثر في سعادته وعليه يجب الاهتمام بشخصية الطفل بكل ابعادها: الذهنية والعاطفية والاجتماعية، لان الطفل قد يتمتع بذهن وقاد ولكنه في الوقت نفسه يعاني من نقص في القيام ببعض الاعمال والانشطة، وهذا بالطبع يوجب اختلالا في نشاطهم وتقدمهم.

ك ‌- من الحقيقة بمكان، انه لا يوجد هناك شخصية متكاملة ـ لان الكمال لله وحده ـ نتيجة افعال الشخص وسلوكه ونشاطاته المختلفة. لان الشخصية تتركب من اساليب السلوك والعادات المعقدة وغير الثابتة التي قد تتلاءم وينسجم بعضها مع البعض الاخر بصورة تدريجية.

م ‌- كما ان بين الغرائز تجاذبا ونزاعاً شديداً، فغريزة تسوقنا إلى هدف من طريق, واخرى تجرنا إلى طريق مغاير، وهنا يجب على المربي ان يوجه عقل الطفل المميز وفكره إلى ان يجد جامعا مشتركا بين تلك الطرق المختلفة، وعليه ايضا ان يعين ما يترتب على بعض هذه الميول والرغبات من نجاح ومواقف.

ل ‌- على المربي ان يبذل قصارى جهده من اجل ان يجعل للطفل شخصية واحد ويمنع منعا باتا من ظهور شخصيتين مختلفتين له, أي ان ظاهره شخصية وباطنه شخصية اخرى مغايرة. أي يصبح شخصية مزدوجة وهذا يعني النفاق بعينه في نظر الآخرين ، وهذه صفة من اخطر الصفات التي تؤدي إلى القلق وعدم الراحة والتجاذب الفكري، وبالتالي ظهور الشخصية الهزيلة غير القادرة على مواكبة مسيرة الحياة، وتحقيق الاعتدال والسعادة والنمو.

م - يجب على المربين ان يلاحظوا جميع الجوانب، ومختلف المزايا الانسانية اذا ارادوا ان تنمو شخصية الطفل وعليهم ايضا ان يلتفتوا إلى ابعادها بعين واحدة لكي يتحقق فيها التوازن ولو بصورة نسبية لأنه امر ضروري في نمو الشخصية وتعادلها وانسجامها.

ومما لا يخفى ان الاسلام الحنيف اولى مجموعة الخصائص البشرية التي اودعت في فطرة الانسان اهتماما كبيراً، وانه لم يألُ جهدا في النظر إلى طاقاته واستعداداته، وملاحظة جميع قواه المحركة له وقد منحها ما تستحق من هداية وارشاد وتعديل، وقد حرص ان لا يقمع استعداداً في الانسان او يوليه اعتبارا اكثر بلا داع وموجب، بل يلاحظ دائما صلاح الانسان وتحقيق الفائدة من كل استعداداته، لكي تنمو شخصيته على احسن وجه ممكن وعلى افضل ما يرام.

فالإنسان في فترة الطفولة يكون اقرب إلى عالم الحس، من عالم المعنى بسبب قصر هرموناته الا ان خياله واسع في هذه الآونة ولكنه شيئا فشيئا ينتقل من البساطة إلى التعقيد ويبدأ ببعض الاعمال الكبيرة والواسعة نسبياً، ويخلط الخيال بالواقع ويقترب من التعقل والتفكير وطبعاً من خلال هذه الحركة يزداد نضجه، وتنمو شخصيته آناً فآناً.

وحتما ان هذا النمو الحاصل للطفل بصورة مطردة اذا لم يحصل في خلاله على الايمان بالله سبحانه والهداية لتعاليمه الحكيمة ودينه الحنيف، فان الطفل ستصيبه حالة من الهزال والسقم, وعند ذلك يكون بحاجة ماسة إلى العلاج والهداية. وللعلم ان في فطرة الانسان استعدادين اصليين احدهما للخير والثاني للشر. وقد جاء في القرآن الكريم: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس:7-10]

واعتقد ان الهداية الاسلامية هي اسمى واقوم هداية إلى كماله ونمو شخصيته وسمو فطرته، وخير تعبئة لعناصر وجوده الانساني.

اجل ، ان هداية الطفل إلى الحق ومعرفة الحقيقة وتقوية ارتباطه بالله سبحانه، وتغذيته بالإيمان الصافي بتعاليم الاسلام وقوانينه حسبما يسمح به عقله وادراكه واحساسه فهو النمو الحقيقي لشخصيته؛ لأنه سيطرد كل وهم باطل، وعبودية دنيئة يؤديان إلى ضلالة.

اذن، يجب على المربي ان يحقق هذا الهدف لان في اطاره تنمو الشخصية ويرقى الشعور والادراك، لان الايمان بالله العظيم والاسلام العزيز هو الاساس المتين في نمو الشخصية وتطورها وتكاملها وتقدمها، سواء كان الانسان في مرحلة الطفولة او ما بعدها.

ويجب ان يكون واضحا، ان الاسلام في عموم تربيته يسعى دائما لان يعرف الانسان نفسه لان: (من عرف نفسه عرف ربه) كما قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله)، وان يدرك فلسفة وجوده، ويعرف موقعه في هذا الوجود، وان يستثمر هذا الادراك، ويستغل تلك المعرفة من اجل الوصول إلى تقوية ارتباطه وعلاقته بالله سبحانه، خالق هذا الوجود ومعرفة ماهي حدود مسؤولياته، وبعبارة اوضح ، ان يعرف الانسان انه خليفة الله في ارضه، لقول الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 30]

نعم، يجب ان يعرف الانسان انه مخلوق لخالق حكيم، وعليه مسؤوليات اخلاقية وتكاليف شرعية ينبغي القيام بها وتجسيدها على ارض الواقع ، وانه خليفة الله في الارض وينفذ ما يريده الله منه من اوامر ونواه لان تنفيذها يصبُ في مصلحته واصلاحه ليصل بذلك إلى حياة راقية متوازنة في الدنيا وعيش رغيد وسرور ونعيم دائم في الاخرة.

لقد جاء الاسلام الحقيقي المحمدي الاصيل ليصنع امة مفعمة بروح الامل, ومتصفة بالخلق الكريم تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، تحمل راية الدين والنظام الالهي والكمالات المعنوية في الارض, وتقود البشرية نحو شاطئ الخير والسلام والامان, وتنقذها من الطرق الشاذة، والمدارس الضالة التي تؤدي بها إلى السقوط والخسران المبين.

وذلك بما يحمل ـ أي الاسلام المحمدي العلوي الاصيل - من رؤية كونية صحيحة منسجمة ومتلائمة مع جميع اركان الشخصية العلمية والفكرية والعاطفية والانسانية رؤية متكاملة شاملة لها القدرة والفاعلية في تحقيق التقدم والرقي للإنسانية وصنع الحضارة المزدهرة لها في الحياة.

نعم، ان الإسلام الحنيف من خلال نظامه التربوي والتهذيبي يصنع انساناً معتدلا متكاملا ببعديه المادي والروحي او الطبيعي والميتافيزيقي، ويزيح عنه كل اغطية الرين (بل رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون)، وحجب المادة والضلال والجهل لكي يتمكن من ان يشخص القيم الواقعية والحقيقية النافعة بصورة صحيحة وان ينظر إلى الحياة نظرة تفاؤل وايجابية، ويحقق الطموحات والغايات التكاملية المنشودة في كيانه والحياة، ليرقى إلى المقام الذي يريده الله تعالى له. ألا وهو مقام الخلافة الالهية في الحياة.

وعلى هذا الاساس، يجب على المربين ان يضعوا كل ما تقدم نصبَ اعينهم ولا يحيدوا عنه قيد أنملة، لكي تنمو شخصية الانسان في جميع مراحل وادوار حياته نمواً طبيعياً صحيحاً سليما ينتهي إلى الكمال والاستقامة والجمال، وخلق المجتمع الانساني المؤمن القوي المتوازن الذي يتمكن من ايجاد الحياة المطمئنة والعيش الحر الكريم، وصنع الحضارة الراقية المزدهرة.

ن - في الحقيقة والواقع ان هناك علاقة وثيقة بين الاهداف وبناء الشخصية ونموها, لان الذي يطور الانسان ويرتقي به إلى مقامه السامي ويبني شخصيته وينميها هو ان تكون له غايات نبيلة واهداف قيمة في الحياة. وقطعا كلما كانت الاهداف شريفة وواقعية واخلاقية نمت شخصية الانسان نمواً افضل واكمل واسرع واوفر.

واعتقد ان الاعم الاغلب من البشر الواعي، يرى : في ان للإسلام الحقيقي اهدافاً كبرى وآفاق و رؤى واسعة وجامعة، لان الذين تربوا في مدرسته، وفي ظل الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) واهل بيته الاطهار، سلام الله عليهم اجمعين وفي ظل تعاليمهم النبيلة القيمة اقاموا علاقات وطيدة بخالق الوجود. فطهرت قلوبهم وزكت نفوسهم وطابت افعالهم. وحسنت سرائرهم، واستقام سلوكهم. وبذلك غدوا شخصيات سامية متميزة متألقة, أضاءت بوجودها ونبلها وسماتها المشرقة كل ارجاء الحياة الاسلامية والانسانية على حد سواء، وبتلك المقاصد السامية والشخصيات الراقية تمكنوا من التقدم باطرادٍ نحو الامام ، ولا باس ان نذكر هنا قول عالم النفسي الامريكي الشهير (ألبورت) :

( تُعدُّ المقاصد والغايات من الصفات الخاصة والمعقدة للشخصية وان وجود النية والقصد لدى الانسان دليل على ما يستهدفه الفرد لهدايته في المستقبل وان النية والمقاصد الفردية تختار الدوافع النافعة ، وتعين نوعية الاختيار والموارد المهنية والممنوعة فتترك اثارا كثير في مسيرة النمو والتكامل.

ويقيس (سبرانكر) السجايا الفردية بمدى اقترابها من نظام ذي قيم ثابتة، ويقول ان المهم هي الجهة والاهداف.

البناية التامة تكون ثابتة وراكدة ولكن البناية التي في بداية تكاملها ترى وكأنها في جهة اكمل منها في جهة اخرى، وذلك لكي تهتدي إلى سبيلها وفق تقدمها وانسجامها مع ذلك.

وعلى أي حال، فحيث إن النمو يستمر في جميع اعمار البشر فأننا نتوقع ان نجد احساسا دينيا متطوراً في مراحل الشخصية المتقدمة ان عقل الانسان البالغ مادام في نموه واطراده فهو يحاول ما امكنه ان يوسع من قدرته المنطقية بالبراهين القياسية والاستقرائية ومقارنة الاحتمالات.

وحينما يستمر الانسان في سعيه هذا ويوظف قواه في ذلك فانه يدرك حاجته إلى الايمان، كي يفيد منه كوسيلة دفاعية يحاول بها ابعاد الهزيمة عن عقله إنه يفهم أنه بحاجة إلى الايمان من اجل الانتصار على مشاكل هذه الحياة التي لا تلين.

ان أكثر المتدينين يرون : ان إيمانهم ناشئ من التوجه إلى القوى الغيبية ما وراء الطبيعة او ان الظواهر الطبيعية والحوادث الغريبة فيها زادت في اعتمادهم على القوى الغيبية وراء الطبيعية. وهكذا يجد الانسان لنفسه هدفاً يكون له سندا يزيده طمأنينة في الحياة على اثر ما يقوم به من سعي لمعرفة نظام عقيدة كاملة تربطه بنظام الوجود ككل.

ان الدين يعدُّ الانسان ويؤيده للدفاع امام القلق والاضطراب والتردد والخيبة وفي الوقت نفسه يحدث في الانسان حالة العزم والتصميم بالنسبة إلى المستقبل تُمكِّنه من ان يربط نفسه بين نظام الوجود بما للكلمة من معنى)(2).

اجل، ان وجود الجهة والاهداف مهم جدا في مسيرة نمو الشخصية وبنائها. وانه بمثابة السند الذي يستند عليه الانسان في مسيرته البنائية والتكاملية، وقد يزيده اطمئناناً ويحثه على السعي المتواصل والنشاط المستمر من اجل البناء والتكامل وتجسيد المأمول في الوجود، واعتقد ان الظفر بالدين الانساني الواقعي هو من اجمل الاهداف واسماها وافضلها، لأنه المنقذ من المهالك والضلال وهو المرشد للاستقامة والهداية والصلاح، وبه تحقق الغاية الكبرى وهي السعادة في نيل رضوان الله عز وجل.

وعليه، يجب على المربي ان يرسم الاهداف والغايات الملائمة للفطرة والمنسجمة معها ويضعها اما الناشئة ويحثهم على استيعابها والعمل من اجل تحقيقها في دنيا الوجود، لان في ذلك يكون بناء ونمو شخصياتهم وتكاملها، ونجاحهم في الحياة لا في الدنيا وحسب وانما في الاخرة ايضاً.

______________

1ـ انظر رسالة الاخلاق :ص89-80 نقلا عن: اصول روانشاسي:ص156-157 بالفارسية.

2ـ نفس المصدر :ص16 نقلا عن : رشد شخصيت، ص93-98 باللغة الفارسية.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.