المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

معنى كملة كرب‌
15-12-2015
مفهوم التدقيق واهدافه
7-4-2018
Scanning Electron Microscope (SEM)
17-3-2020
المرتكزات الجغرافية لشبكة الطرق
2024-07-28
من عوامل العزوف عن الزواج سهولة اقامة العلاقات اللا مشروعة
29-4-2021
نسيان المعاد سبب الذنوب
21-4-2020


الرّصافي محمد بن غالب  
  
2558   09:00 صباحاً   التاريخ: 24-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص204-209
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-2-2018 1836
التاريخ: 21-2-2018 2269
التاريخ: 26-06-2015 2726
التاريخ: 26-12-2015 5285

ولد محمد بن غالب في رصافة بلنسية، فنسب إليها، و قد رزقت به أسرة متواضعة إذ كان أبوه رفّاء، و كأنما كان مولده في تلك الرصافة بشيرا بأنه سيكون من شعراء الطبيعة في الأندلس لجمالها إذ كانت-كما يقول ابن سعيد في ترجمته بالمغرب-مناظر و بساتين و مياها جارية، و في بلنسية يقول: «خصّها اللّه بأحسن مكان، و حفّها بالأنهار و الجنان. و حيث خرجت من جهاتها لا تلقى إلا منازه و مسارح و من أبدعها و أشهرها الرصافة» . و في هذه الجنة الفيحاء نشأ الطفل المرهف غير أنه لم يكتب له أن تتم له نشأته فيها، إذ اضطر أبوه-فيما يبدو-لمبارحتها إلى مالقة و هو لا يزال صغيرا في نحو الثامنة أو التاسعة من عمره، مما جعله-فيما بعد-يكثر-كما قال ابن الأبار في ترجمته بالتكملة-من الحنين إليها و يقصر أكثر منظومه عليها، و في ذلك يقول عنها:

بلادي التي ريشت قويدمتى بها   فريخا و آوتنى قرارتها وكرا (1)
مهادى و لين العيش في ريّق الصّبا    أبى اللّه أن أنسى لها أبدا ذكرا
و طار الطفل صغيرا من وكره مع أبيه إلى عشّ متواضع في مالقة، و فيها أخذ أبوه يلقنه حرفته من رفو الملابس، و فسح له من الوقت ما مكنه من الاختلاف إلى كتّاب لحفظ القرآن الكريم ثم الاختلاف فيما بعد إلى حلقات الشيوخ لتعلم العربية و التزود من علوم الدين الحنيف و من الأدب و الشعر. و تفتحت ملكته الشعرية مبكرة، إذ يروى أنه خرج مع بعض رفاقه في الدراسة إلى نزهة في مالقة، و ارتجل في تلك النزهة بيتين أعجب بهما الشيخ المرافق، و تنبأ له أنه سيكون شاعر زمانه. و يقدم عبد المؤمن أمير الموحدين لزيارة الأندلس سنة 556 للهجرة، و يستدعى الشعراء من بلدان الأندلس لاستقباله في جبل طارق أو جبل الفتح، و كان عبد المؤمن-كما مرّ بنا أمر ببناء مدينة على سفحه، و فيها أنشده شعراء الأندلس مدائحهم فيه، و من بينهم الرصافي، و هو لا يتجاوز عشرين ربيعا كما يقول صاحب المعجب، و قصيدته أو مدحته تصوّر شاعرية ناضجة، و قد تمثل فيها دعوة ابن تومرت مهدىّ الموحدين و إمامهم و نهوض عبد المؤمن بها من بعده كأنها نار شبّت في جانب جبل الفتح كالنار التي جاء في القرآن الكريم أنها شبت لموسى من جانب الطور الأيمن بسيناء فَقٰالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نٰاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهٰا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى اَلنّٰارِ هُدىً فَلَمّٰا أَتٰاهٰا نُودِيَ يٰا مُوسىٰ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوٰادِ اَلْمُقَدَّسِ طُوىً وَ أَنَا اِخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمٰا يُوحىٰ إِنَّنِي أَنَا اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ اَلصَّلاٰةَ لِذِكْرِي و تمثّل الرصافي الآيات الكريمة و مضى ينشد عبد المؤمن مفتتحا قصيدته بقوله:

لو جئت نار الهدى من جانب الطّور    قبست ما شئت من علم و من نور
فيضيّة القدح من نور النّبوة أو    نور الهداية تجلو ظلمة الزّور
ما زال يقضمها التّقوى بموقدها     صوّام هاجرة قوّام ديجور (2)
نور طوى اللّه زند الكون منه على     سقط إلى زمن المهدىّ مذخور (3)
حتى أضاءت من الإيمان عن قبس     قد كان تحت رماد الكفر مكفور (4)
و يشيد الرصافي بعبد المؤمن و ما يحمل من دعوة المهدى إمام الموحدين ابن تومرت و أضوائها التي طبّقت البلاد المغربية و الأندلسية، و يصف عبور عبد المؤمن الزقاق على سفن تتهادى بين أيدى مجاذفها و كأنها تغرق في ماء الورد الأرجواني الصافي، و تسرع خائضة التيارات في الزّقاق فيخال كأنها تطير بأجنحة النور الكاسرة. و يبدع الرصافي في تصويره لجبل طارق الشامخ الصاعد في عنان السماء بذراه حتى لتتوج النجوم مفرقه بأكاليلها المتألقة. و يقول إن الجبل مقيّد الخطو غير أنه جوّال الخواطر يواصل الصمت و التفكير فيما جاء بالذكر الحكيم عن يوم القيامة و تسيير الجبال و دكها دكّا، و يطمئنه على غده فقد زاره عبد المؤمن. و يعود إلى الإشادة به و بهدى دعوته و بسالة جيشه، و ينهى القصيدة بتمثله في جبل طارق و المهدى ابن تومرت و خليفته عبد المؤمن جبل الطور و موسى و فتاه يوشع قامع الجبابرة الذي تأخرت له الشمس عن مغربها، و كأن عبد المؤمن يوشع جديد.

و القصيدة رائعة بل أكثر من رائعة و انتظر الشاب الرصافي أن يقدرها عبد المؤمن و حاشيته حق قدرها فيعلن أنه الشاعر الرسمي للموحدين أو يسبغ عليه ولاية صغيرة أو جاها، و فوجىء بأن عومل معاملة غيره من الشعراء الكثيرين الذين زفّوا إلى عبد المؤمن مدائحهم، فكوفئ مثلهم على قصيدته بدنانير معدودات، و تحسّر على شعره و على نفسه و موهبته، و رجع إلى مالقة مصمما أن يهجر صنعة المديح إلى الأبد مكتفيا بصنعة رفو الملابس. و سكن غرناطة وقتا و انعقدت صداقة بينه و بين شاعرها أبي جعفر بن سعيد، و يبدو أنه ألحّ عليه في امتداح أخيه محمد فامتدحه بقصيدة عادية، كأنه نظمها مجاملة لأبي جعفر. و في بعض أشعاره ما يدل على أنه زار مكناسة و المسيلة في المغرب، و عاد ثانية إلى مالقة و هو مصر على أن لا يمدح أحدا، و راجعه بعض الشعراء في ذلك و ألح عليه، فكتب إليه يراجعه:

يقول أناس لو رفعت قصيدة    لأدركت حتما في الزمان بها أمرا
و من دون هذا غيرة جاهليّة    و إن هي لم تلزم فقد تلزم الحرّا
و هي ليست غيرة جاهلية، بل هي غيرة شعرية، غيرة الشاعر الحر على شعره و فنه أن يسخره في تملق الحاكم و أن لا يكون نصيبه من ذلك إلا أجرا زهيدا تأباه النفوس الحرة الكريمة. و كان ممن عرف قدره و روعة شعره أبو جعفر الوقّشي الشاعر وزير ابن همشك صهر محمد بن سعد بن مردنيش الثائر على الموحدين بمرسية و شرقي الأندلس (54٢-56٧ ه‍.) فأخذ يرسل إليه بهدايا نفيسة، و لم ير الرصافي بدا من أن يشكره، و والى الوقّشى هداياه فشكره بقصيدة بديعة، و فيها يقول:

رجل إذا عرض الرجال له     كثر العديد و أعوز النّدّ (5)
من معشر نجم العلاء بهم      زهر كما يتناسق العقد (6)
و كأنما فاق الأنام بهم      نسب إلى القمرين ممتدّ
فيرى وليدهم المنام على      غير المجرّة أنه سهد
هيهات يذهب عنك موضعه     هطل الغمام و جلجل الرّعد
و ظل الرصافي بمالقة قانعا. بصناعة الرفو و ما يكسبه منها بعرق جبينه، و هو مع ذلك ينظم الشعر لا في المديح و لكن في الطبيعة و في بعض مجالس اللهو و الخمر مع بعض رفاقه و أصدقائه محرّما على نفسه أن ينتجع أحدا بقصيدة أو يبتذل شعره بمدحة حاكم لا يستحقها. و لم يتزوج و بالتالي لم يكن له أسرة و لا أبناء إلى أن توفي سنة 5٧٢ و هو في نحو السادسة و الثلاثين من عمره، و شعره-كما يقول ابن الأبار مدون بأيدي الناس متنافس فيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) قويدمة الطائر: الريشات في مقدم الجناح .

2) يقضمها: يطعمها. الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحر. الديجور: الظلمة.

3) الزند: الحجر الأعلى الذى تقدح به النار. السقط: شرر النار. مذخور: مخبوء.

4) مكفور: محجوب مستور.

5) الند: النظير.

6) نجم: نشأ. زهر جمع أزهر: النجم و الكوكب الساطع.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.