المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05

بروق صغير الثمر، أشراس، لصيقي، عوصلان، عيصلان، عنصل Asphodelus microcarpus
29-8-2019
الوصف النباتي للرز
2024-03-27
حادثة سقوط نيزك في سنة 300هـ
2023-06-07
شبهة حول جمع القرآن من العسب ونحوها ومن صدور الرجال
27-11-2014
ذم العزوف عن الزواج
4-5-2021
معنى لفظة إبل
1-2-2016


الاشتقاق الكبير  
  
16735   05:40 مساءاً   التاريخ: 21-7-2016
المؤلف : د. صبحي الصالح
الكتاب أو المصدر : دراسات في فقه اللغة
الجزء والصفحة : ص 186 - 209
القسم : علوم اللغة العربية / فقه اللغة / خصائص اللغة العربية / الاشتقاق / الاشتقاق الكبير /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-7-2016 5129
التاريخ: 21-7-2016 16736
التاريخ: 19-7-2016 3010
التاريخ: 19-7-2016 6848

أما الاشتقاق الكبير: فهو عبارة عن ارتباط مطلق غير مقيد بترتيب بين مجموعات ثلاثية صوتية, ترجع تقاليبها الستة وما يتصرف من كلٍّ منها إلى مدلول واحد مهما يتغاير ترتيبها الصوتي, وقد أولع بهذا النوع من الاشتقاق ابن جني، وسماه: "بالاشتقاق الأكبر"، وعقد له فصلًا خاصًّا(1) ذكر فيه عددًا من الأمثلة الموضحة, نورد الآن منها تقاليب هذه المادة الثلاثية "س م ل". فابن جني يرى أن "س م ل" "م س ل" "س ل م" "م ل س" "ل س م" "ل م س" مهما تقلبت واختلف ترتيبها الصوتي كما رأيت, فإن "المعنى الجامع لها المشتمل عليها الإصحاب والملاينة؛ منها الثوب "السَّمَلُ" وهو الخلق، وذلك لأنه ليس عليه من الوبر والزئبر(2) ما على الجديد، فاليد إذا مرت عليها للمس لم
ص186

يستوقفها عنه حِدَّة المنسج، ولا خشنة الملمس؛ "والسَّمل" الماء القليل: كأنه شيء قد أخلق وضعف عن قوة المضطرب، وجمة المرتكض، ولذلك قال:

حوضًا كأنَّ ماءه إذا عَسَلْ ... مِنْ آخر الليل رُوَيْزَيٌّ سَمَلْ

وقال آخر:

ورَّادُ أسماء المياه السُّدْمِ ... في أُخْرَيَاتِ الغَبَشِ المغمِّ

ومنها "السلامة" وذلك أنّ السليم ليس فيه عيب تقف النفس عليه، ولا يُعْتَرَضُ عليها به، ومنها "المَسَلُ" و"المَسيلُ" كله واحد, وذلك أن الماء لا يجري إلّا في مذهب له, وإمام منقاد به، ولو صادف حاجزًا لاعتاقه فلم يجد متسربًا معه، ومنها "الأملس" و"الملساء"، وذلك أنه لا اعتراض على الناظر فيه والمتصفح له، ومنها "اللمس" وذلك أنه إن عارض اليد شيء حائل بينها وبين الملموس لم يصحّ هناك لمس، وإنما هو إهواء باليد نحوه, ووصول منها إليه، ولو كان هناك حائل لاستوقف به ... فأما "ل س م" فمهمل، وعلى أنهم قد قالوا: نسمت الريح، إذا مرت مرًّا سهلًا ضعيفًا، والنون أخت اللام، وسترى نحو ذلك"(3).
وواضح من تمثيله للتقليب الأخير "ل س م" المهمل بـ"ن س م" بإبدال اللام نونًا لتقارب صوتهما -وهو أدخل في باب الاشتقاق الأكبر كما سنرى- أن ابن جني كان يجعل الاشتقاق الكبير والأكبر واحدًا، وقد جرينا نحن -تبعًا للمحدثين من فقهاء اللغة- على التفرقة

ص187

بين نوعي الاشتقاق المذكورين زيادة في التفصيل والإيضاح.
وقد فطن الخليل بن أحمد الفراهيدي "المتوفى سنة 175هـ" إلى هذه الروابط المعنوية في الاشتقاق الكبير كما فطن إليها قبل ابن جني أستاذه أبو علي الفارسي "المتوفي سنة 377هـ" إلّا أن الذي توسَّع فيها وفي ضرب الأمثلة الموضحة لها هو ابن جني نفسه، وإن كان لم يزعم اطراد هذا النوع من الاشتقاق في جميع مواد اللغة، بل صرَّح باستحالة الاطراد والإحاطة فقال: "واعلم أنا لا ندَّعي أن هذا مستمر في جميع اللغة، كما لا ندعي للاشتقاق الأصغر أنه في جميع اللغة، بل إذا كان ذلك "الذي هو في القسمة سُدُسُ هذا أو خُمُسَه" متعذرًا صعبًا، كان تطبيق هذا وإحاطته أصعب مذهبًا، وأعزّ ملتمسًا"
(4).
وإذا كان ابن جني -على ولوعه بهذا الاشتقاق الكبير- "أو الأكبر كما يسميه" يترفق فيه ولا يبالغ، فقد تكلف بعضهم فيه وفي غيره تكلفًا لا يطاق، فخرجوا على مدلول اللفظ الأصلي، وتعسَّفُوا في التعليل والتفسير؛ فهذا حمزة بن الحسن الأصبهاني يقول في كتاب "الموازنة": "كان الزجاج يزعم أن كل لفظتين اتفقتا ببعض الحروف، وإن نقصت حروف إحداهما عن حروف الأخرى، فإن إحداهما مشتقة من الأخرى؛ فتقول: الرَّحْل مشتق من الرَّحيل، والثور إنما سمي ثورًا لأنه يثير الأرض، والثوب إنما سمي ثوبًا لأنه ثاب "أي رجع" لباسًا بعد أن كان غزلًا، حسيبه الله! "
(5).
وأمثال هذه المبالغات التي يظهر عليها التكلف حملت السيوطي على أن يقول عن هذا الاشتقاق الكبير: "إنه ليس متعمدًا في اللغة، ولا يصح أن يستنبط به اشتقاق في لغة العرب"
(6)، بل نجد ابن جني نفسه

ص188

لا يسلم -رغم اعتداله وترفقه- من نقد السيوطي له في هذا الموضوع، إذ يتهمه بأنه توسَّعَ في هذا الاشتقاق "بيانًا لقوة ساعده, وردّه المختلفات إلى قدر مشترك، مع اعترافه وعلمه بأنه ليس موضوع تلك الصيغ، وأن تراكيبها تفيد أجناسًا من المعاني مغايرة للقدر المشترك"؛ وأخيرًا يفصل السيوطي هذا الباب برأيٍ معتدلٍ سديدٍ فيقول: "وسبب إهمال العرب له, وعدم التفات المتقدمين إلى معانيه, أن الحروف قليلة، وأنواع المعاني المتفاهمة لا تكاد تتناهى؛ فخصوا كل تركيب بنوع منها، ليفيدوا بالتراكيب والهيئات أنواعًا كثيرة؛ ولو اقتصروا على تغاير المواد، حتى لا يدلوا على معنى الإكرام والتعظيم إلّا بما ليس فيه شيء من حروف الإيلام والضرب -لمنافاتها لهما- لضاق الأمر جدًّا، ولاحتاجوا إلى ألوف حروف لا يجدونها" إلى أن يقول: "ففي اعتباره المادة دون هيئة التركيب من فساد اللغة ما بينت لك، ولا يُنْكَرُ مع ذلك أن يكون بين التراكيب المتحدة المادة معنًى مشتركٌ بينها, هو جنس لأنواع موضوعاتها؛ ولكن التحيّل على ذلك في جميع مواد التركيبات كطلبٍ لعنقاء مغرب"(7).
ويميل بعض الباحثين المعاصرين إلى القول بأن أصحاب الاشتقاق الكبير "اقتبسوا فكرة تقليب الأصول من معجم العين "للخليل" وأمثاله؛ فقد سلك صاحب العين, وصاحب الجمهرة "ابن دريد", وغيرهما, مسلكًا عجبيًا في ترتيب الكلمات، فكان كلٌّ منهم حين يعرض لشرح كلمة من الكلمات يذكر معها تقلباتها، ويذكر معنى كل صورة من صورها دون التعرّض للربط بين دلالات تلك الصور, فهي طريقة إحصائية أو قسمة عقلية لجأ إليها أصحاب هذه المعاجم بغية حصر كل المستعمل من كلمات اللغة، وخشية أن يند بعضها عن أذهانهم, فلما جاء أصحاب الاشتقاق من أمثال

ص189

ابن جني وابن فارس, ربطوا أيضًا بين دلالات تلك الصور، واستنبطوا معاني عامة مشتركة بينها، وسمي هذا بالاشتقاق الكبير"(8).
وإذا كنا اليوم -في سبيل تأييد هذه الحقيقة- لا نملك من الوثائق العلمية عن معجم "العين" إلّا قيلًا، لا يبل ظمأ ولا يشفي غليلًا
(9)، فإن بين أيدينا معجم "الجمهرة" الذي سار فيه ابن دريد على هدي الخليل، واتبعه فيما شاع عنه من تقليب الأصول، وإن كان لابن دريد نظام خاصّ في سرد المواد لا مكان هنا للحديث عنه ولا للخوض فيه.
فمن "الجمهرة" سنلخص أهم ما جاء في مادة "ب ج ر" وتقاليبها، ونقارنها بما ورد في "الخصائص" حول تقليب "ج ب ر", ولن يصعب علينا أن نرى حينئذ أن ابن جني أوضح الرابط المشترك بين التقاليب المستعملة لهذه المادة, بينما اكتفى ابن دريد بعرض تلك التقاليب, وأهمل المعنى الذي اشتركت فيه.
لقد رتَّبَ ابن دريد "تقاليب هذه المادة على هذا النحو: "ج ب ر", "ب ر ج", "ر ج ب", "ج ر ب", "ب ج ر", "ر ب ج
(10), ومن الشواهد التي أتى بها على كل تقليب، يستنبط الباحث أن المادة مستعملة كيفما تقلبت وجوهها، وأنه ليس فيها مهمل أو ممات، إلّا أن شواهد بعض التقاليب أغنى من شواهد بعضها الآخر، كما أن ما تصرَّفت العرب باستعماله منها اسمًا أو فعلًا أو مصدرًا، أو صفةً, تفاوت بين تقليب وتقليب، فليست التقاليب جميعًا متساوية في جريان الاستعمال بها، ولا في كثرة الاشتقاق والتصريف منها.

ص190

وللقارئ أن يتساءل: ما بال ابن دريد يسمي مادته هذه "ب ج ر" مع أنه أدرجها بين التقاليب الخامسة في الترتيب، وبدأ بتقليب "ج ب ر"؟
أما تسميته المادة "ب ج ر" فلما أخذ به نفسه من ترتيب مواد جمهرته حسب الترتيب الهجائي لحروف أصولها، مع مراعاة أوائل هذه الأصول.
ولا ريب في أن "ب ج ر" تقدم حينئذ على "ج ب ر", كما تقدم على بقية التقاليب، فإنها جميعًا مادة ثلاثية واحدة, أولها الباء وآخرها الراء وأوسطها الجيم.
وأما ابتداؤه بتتقليب "ج ب ر" فربما كان السر فيه ما غلب على ظنه من أن العرب أكثرت من استعماله، وتصرفت في معانيه، ووفّرت الشواهد عليه, وإلا فهو أمر هكذا وقع لابن دريد، ومن العبث التساؤل عن تقديم ما قُدِّمَ، وتأخير ما أُخِّرَ.
أ - وأهم ما ورد في تقليب "ج ب ر" جبور العظم
(11)، والجبارة الخشب الذي يشد على العضو المكسور، وأجبرت الرجل على كذا فهو مجبر، والجبر الملك(12)، والجبار: للنخل الذي قد فات اليد.
ب- وفي تقليب "ب ر ج" يذكر ابن دريد البُرْج من بروج الحصن أو القصر، ويرى أنه عربي معروف، أما البرج من بروج السماء فلم تعرفه العرب، إنما كانت تعرف منازل القمر
(13), ثم يذكر "البَرَجَ" وهو نقاء بياض العين وصفاء سوادها، ويربط بين تبرج المرأة وبَرَجَ

ص191

العين، إذ يقول: وتبرَّجَت المرأة إذا أظهرت محاسنها، وكأني به يقول بعبارة أصرح، إذا أطهرت بَرَجَ عينيها وجمالها زهوًا واختيالًا(14).
ج- وفي تقليب "ر ج ب" يتحدث عن رَجْبَ الرجل: إكرامه وتعظيمه، ويرى أن شهر رجب سمي بهذا الاسم لتعظيمهم إياه، ويذكر أن ما تسند به النخلة إذا مالت وكرُمت على أهلها يسمى "الرجبة"، وأن النخلة توصف حينئذ بأنها "مرجَّبَة"، وأن أحد فصوص الأصابع يسمى "الراجبة"، والجمع "رواجب".
د- أما تقليب "ج ر ب" فيذكر منه الجرب: وهو الداء المعروف، والجرْبَة: القرَاح، والجَرْبَاء: السماء، والجَرَبَّة: العانة من الحمير، وكذلك الجَرَبَّة: للأقوياء من الناس إذا اجتمعوا, والتجارب، والرجل المجرّب. والجِرْبياء: ريح الشمال. وجُرُبَّان السيف: قرابه
(15).
هـ- وأما تقليب "ب ج ر" الذي سمى به المادة، فلا يجد فيه إلّا البَجْرَة أو البُجْرَة أو البَجَرَة وهي السرة الناتئة
(16)، وقولهم: هذا أمر بُجْريّ أي عظيم، والجمع البَجَاري وهي الدواهي العظام.
و وفي التقليب الأخير "ر ب ج" لم يذكر إلّا الرجل الرِّبَّاجي: إذا كان يفخر بأكثر من فعله, ويستشهد بقول الشاعر: وتلقاه رِبَاجيًّا فجورًا
(17).
فإذا استطلعنا رأي ابن جني في تقاليب هذه المادة، وجدناه قد نفذ

ص192

خلالها بفكره الثاقب، ونظره البعيد، وأيقنَّا من شروحه لمفرداتها أنه حفظها من "الجمهرة" في لوح قلبه، أو من كتاب آخر نقل منه صاحب الجمهرة، حفظه ابن جني وضيعناه، ولا يبعد أن يكون معجم "العين" نفسه أو واحدًا من تلك المعاجم القديمة الأُوَل.
وقبل أن نُقِرَّ لابن جني بحدَّة الذكاء، وخصب الخيال، لدى استنتاجه الرابط المشترك بين تقاليب هذه المادة، نرى لزامًا علينا أن نعترف له بمقدرة الساحر الذي يظهر لك شيئًا بينما يخفي أشياء، ولكن براعته وخفة يده تبهران بصرك، فلا أنت تتبعه فيما أظهره، ولا أنت تلاحقه فيما أخفاه!
لقد جمع ابن جني تقاليب هذه المادة وما علم أنه متصرف منها، فأهمل بلطف ورشاقة ما لم ينسجم مع المعنى العام الذي استنبطه، وسدَّ الثغرات فيما كان عليه شيء من الغموض، وأسهب العبارة وأطال النفس فيما بدا له متناسقًا مع المعنى الذي غاص عليه. وإذا هو يرى أن تقاليب "ج ب ر" إن وقعت، فهي للقوة والشدة
(18).
أ- منها "جبرت" العظم والفقير: إذا قويتهما وشددت منهما، و"الجبر" الملك لقوته وتقويته لغيره.
ب- ومنها "رجل مجرب" إذا جربته الأمور ونَجَدَتْه، فقويت مُنّته واشتدت شكيمته, ومنه "الجراب" لأنه يحفظ مال فيه، وإذا حفظ الشيء ورُوعِيَ اشتد وقوي، وإذا أغفل وأهمل تساقط ورَدِيَ.
ج- ومنها "الأبجر والبجرة" وهو القوي السُّرّة، ومنه قول علي -رضي الله عنه: "إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري" تأويله: همومي وأحزاني
(19).

ص193

د- ومنه "البُرْج" لقوته في نفسه وقوة ما يليه به، وكذلك "البَرَج" لنقاء بياض العين، وصفاء سوادها(20) هو قوة أمرها، وأنه ليس بلون مستضعف.
هـ- ومنها "رجبت الرجل" إذا عظمته وقويت أمره, ومنه "رَجَب" لتعيظيمهم إياه عن القتال فيه؛ وإذا كرمت النخلة على أهلها فمالت دعَّمُوها بـ"الرجبة"، وهو شيء تسند إليه لتقوى به
(21).
و"الراجبة" أحد فصوص الأصابع، وهي مقوية.
و ومنها "الرباجيّ" وهو الرجل يفخر بأكثر من فعله, قال: وتلقها رِبَاجيًّا فخورًا
(22).
تأويله: أنه يعظِّمُ نفسه ويقوي أمره!
إن النظرة الأولى إلى صنيع ابن جني في هذه التقاليب لا تخطئ التكلف البعيد وقع فيه، وهو يلتمس الطريق نحو الرابط السحري العجيب الذي يَرُدُّ هذه التقاليب جميعًا إلى أصل واحد، وإمام منقاد، ولكن الرابط الذي اهتدى إليه ابن جني ليس عامًّا وحسب، بل هو شديد العموم؛ وبلغت شدة عمومه حَدَّ الإبهام والغموض، فهل ترى أعجب من أن تفسر هذه التقاليب كلها، وجميع الصور المتفرعة عنها، رغم ما لكلٍّ منها من مفهوم دقيقٍ وإيحاء خاصٍّ، بهاتين الكلمتين العامتين الموغلتين في العموم: "القوة والشدة؟ وهما كلمتان مبتذلتان من

ص194

كثرة الاستعمال، تتردافان وتتعاقبان حين لا يجد المتلكم سبيلًا لتحديد المعنى وتفصيله، فلا تُنُمَّان إلى عن مقابلة حالٍ بحال، فحال القوة تقابل حال الضعف، وحال الشدة تقابل حال الوهن، ولا ضير أن يكون مبلغ القوة والشدة في البروج والحصون، كمبلغ القوة والشدة في بَرَج العيون!!
لو قارنّا صنيع ابن جني في هذه التقاليب بصنيع ابن فارس المعاصر له الذي كان لا يؤمن بهذا الاشتقاق الكبير، لرأينا ابن فارس في هذا الموضع
(23) أكثر اعتدالًا وأهدى سبيلًا, فما من ريب عندنا في أنه اطلع على ما جاء في الجمهرة، إن لم نقل إنه حفظ جُلَّهُ في لوح قلبه، ولكنه حين ذكر في "المقاييس" صور هذه التقاليب في المواضع المناسبة لها، تبعًا لمنهه في معجمه، لم يفسّرها جميعًا بالقوة والشدة جملة واحدة، بل رَدَّ بعضها إلى أصل، وبعضها إلى أصلين؛ وتخرج مقتنعًا إذا تَلَبَّثْتَ في قراءة الأصول التي أوردها أن لا جامع يربط بين بعضها وبعض، وأن هذا الجامع -إن أدركه النظر الثاقب- ضعيف أوهن من خيط العنكبوت.
أ- أما تقليب "ج ب ر" فيرى أنه أصل واحد، وهو جنس من العظمة والعلو والاستقامة
(24). ويفسر به "الجبار" الذي طال وفات اليد؛

ص195

ومنه الفرس "الجبار"، والنخلة "الجبّارة", وذو الجُبّورة, وذو الجبروت: الله -جلَّ ثناؤه.
فإذا عرض لجبور العظم، وللجبارة التي يضم بها العظم الكسير، كاد يفهمك أنه يقصد من هذا الأصل معنى "الاستقامة", وهكذا يبدو الأصل الذي ذكره ذا شعبتين؛ في أولاهما: العظمة والعلوّ، وفي الثانية الاستقامة
(25).
فهل هذا الأصل من العظمة والعلو والاستقامة, يرادف أصل ابن جني العام في "القوة والشدة"؟ وهل نعصب عيوننا فلا نرى في الشيء العظيم العالي, أو المستقيم, إلّا أنه قوي شديد؟
ب- ووجد ابن فارس في مادة "ب ر ج" أصلين، أحدهما البروز والظهور، والآخر الوَزَر والملجأ؛ فردَّ إلى الأول بَرَج العيون الجميلة، وتبرج المرأة الحسناء؛ كأنها تحرص على إظهار محاسنها، ورَدَّ إلى الثاني بروج السماء والحصون والقصور، ولاحظ أنهم يسمون الثوب الذي صوروا عليه رسم البروج "ثوبًا مبرَّجًا"
(26).
فإن يك بين الوَزَر والملجأ وبين القوة والشدة علاقة، فأيّ علاقة بين القوة والشدة وبين البروز والظهور؟
ألم يبرأ ابن فارس من التكلف والتصنعه حين رَدَّ برج العيون إلى البروز والظهور؟ أو لم يتكلف ابن جني تكلفًا لا يطاق حين أبى أن يرى في بَرَج العيون إلّا قوة أمرها، وأنه ليس بلون مستضعف؟ إن عجبي لا ينقضي من ذكر القوة في معرض الجمال، وذكر الاستضعاف لدى الحديث عن الألوان!!

ص196

ج- في مادة "ر ج ب" تجد ابن فارس يتلاقى مع ابن جني في ملاحظة معنى القوة، إلّا أن ابن فارس أدق تعبيرًا، فهو يرى أن الراء والجيم والباء أصلٌ يدل على دعم شيء بشيء وتقويته(27), ومن الواضح أنه يقصد من القوة أحد معانيها الدقيقة وهو الدعم، ونبَّه عليه في أصل المادة الحسّيّ, كما نبه عليه فيما تطور عنه من معانٍ، بطريق الكناية والمجاز.
فالأصل في الباب كله ترجيب الشجرة إذا دعمت بالرجبة، لئلَّا تنكسر أغصانها حين يكثر حملها
(28), أما قولك: "رجبت الشيء" أي: عظَّمته، فكأنك جعلته عمدة لأمرك، ومن الباب "رَجَب" لأنهم كانوا يعظمونه.
د- وفي ماد "ج ر ب" يسلك ابن فارس مسلكًا عجيبًا، فلا يذكر شيئًا مما ذكره ابن جني ولا ابن دريد؛ من وصف الرجل بالمجرب إذا جربته الأمور ونجدته، ولا يعرض لتجارب الدهر وأثرها في الإنسان، بل يردد الجيم والراء والباء بين أصلين: أحدهما الشيء البسيط يعلوه؛ كالنبات من جنسه، والآخر شيء يحوي شيئًا
(29).
ولا يعلم إلّا الله وحده كم تكلَّف ابن فارس حتى وجد لهذه المادة أصلها الأول، ظنًّا منه أن لا شيء كهذا الأصل يطوي مفهوم "الجَرَب" وهو الداء المعروف، فلا بدَّ من أن ينبت على الشيء نبات بسيط من

ص197

جنسة أو شيء يشبه هذا النبات حتى يتم تصور الجرب, مع أن فكرة النبات هنا ليست من الوضوح بحيث تؤدي ما تؤديه فكرة الحكّ والتحكك مثلًا في الجُرْب من الإبل والناس.
وإنك لتجد ابن فارس "كالذي يحاول إقناع نفسه بصلاح هذا الأصل للإيحاء بمفهوم "الجرب" حين يطير على جناح التشبيه من وصف الناقة بالجرباء إلى وصف السماء بالجرباء، فيقول: "ومما يحمل على هذا تشبيهًا تسميتهم السماء جبرباء، شبهت كواكبها بجرَب الأجراب" ويستشهد على هذا بقول أسامة بن الحارث:

أرته من الجرباء في كل منظر ... طبابًا، فمثواه النهار المراكد(30)

وإذا لم يزد ابن فارس هنا على أن تكلف فأسرف، فلم يزد ابن جني على أن هرب فولى، فما عسى أن يقول في الجرب؟ وأيّ علاقة له بالقوة والشدة؟ وهل كان لأحد أن يستنبط من ضعف الداء قوة، ومن وهن المرض شدة؟!
ترى، أمل يك ممكنًا أن يسلك ابن جني تقليب "ج ر ب" في باب التضاد الذي هو ضرب من المشترك، فيكون في الرجل المجرب معنى القوة، وفي الرجل الأجرب معنى الضعف؟
لا نستبعد أن يكون شيء من هذا دار في خلده، ولكن له الحق كل الحق إذا صرفه عنه ولم يأنس به، فإن فكرته التي نادى بها في "الاشتقاق الكبير" تملي عليه أن يستنبط بين التقاليب الستة كلها، أو بين صورها المستعملة على الأقل، جامعًا مشتركًا واضحًا صريحًا, وآية

ص198

وضوحه وصراحته أن يكون إيجابيًّا لا سلبيًّا، وتثبيتيًا لا تعكيسيًّا.
أما في الأصل الآخر لمادة "ج ر ب" وهو الشيء يحوي شيئًا، فقد أدرج فيه ابن فارس الجراب المعروف، وربط هذا بجراب البئر، وهو جوفها من أعلاها إلى أسفلها؛ لأن جوف البئر كالجراب الذي يحوي ماءها وغيره.
ونقل معنى الاحتواء، بلطف الصنعة، إلى معنى التجمع، فرأى العانة من الحمير إذا تجمعت سميت "جَرَبّة"، ورأى الأقوياء من الناس إذا اجتمعوا سموا "جَرَبّة" أيضًا
(31). ولقد ذكر هذا ابن دريد في تقالبيه, ولكن ابن جني فاته أن يوميء إليه مع أنه أدنى إلى تحقيق معنى القوة والشدة من كثير من الأمثلة الأخرى التي أتى بها, ولعله أدرك مثلًا أن "الجربة" ليسوا أقوياء الناس في كل حال، بل في حال التجمع, فلم يشأ تأويل اللفظ على غير وجهه، أو حمله على غير محمله.
هـ- وعندما نقرأ في "المقاييس" أن الباء والجيم والراء في "ب ج ر" أصل واحد, وهو تعقّد الشيء وتجمعه
(32), نشعر أن ابن فارس وقع على المعنى الأصوب والمفهوم الأدق للرجل الأبجر؛ فما هو بالقوي السرة كما أبى ابن جني إلّا أن يزعم، بل الذي تخرج سُرّتُه وتتجمع عندها العروق, وأصل ذلك كله البُجْرَة: وهي السرة الناتئة، فأين تجد بربك معنى القوة والشدة في مثل هذا؟ أو ليس هذا إلى العيب أقرب، وبالقبح ألصق؟
ومفهوم التعقد واضح هنا عند ابن فارس, حتى في وصف الدواهي

ص199

بـ"البَجَاري " إذ يعلل وصفها بأنها "أمور متعقدة مشتبهة".
و أما في التقليب الأخير "ر ب ج" فقد ذكر ابن فارس كلمة واحدة هي "التربج" بمعنى التحيّر، وأبدى شيئًا من الارتياب في صحتها، ولكنه مع ذلك نسب إلى الخليل نفسه تفسيرها بالتحيّر
(33), ثم ذكر أن الرباجة بمعنى الفَدامة, قريبة من ذلك.
ومع أن ابن دريد يقتفي أثر الخليل، وينقل كثيرًا من أقواله، لم يورد في "جمهرته" شيئًا من الرباجة، فلعله لاحظ معناها في "الرباجيّ" فهو فَدْم أحمق؛ لأنه لا يعول على ما فعل، بل يفخر بأكثر من فعله.
وأيًّا كان، فمن أين طلع علينا ابن جني بمفهوم القوة والشدة حتى في هذا الرباجيّ الأحمق المغرور؟ وأي تكلف أبعد من أن نتصور هذا الفَخُور بنفسه يحسب أنه يحسن صنعًا، وهو -كما قال ابن جني- "يعظم نفسه ويقوي أمره"؟ قد يكون بين الرباجة والتعاظم الكاذب علاقة، ولكنّ كلّ رابط بينها وبين القوة مفقود، وكل سبب بينها وبين الشدة مبتوت!
والحقّ أن ابن جني -في باب الاشتقاق الكبير- لو اكتفى بإحراج نفسه فيما قصر عنه علمه من إدراك الجامع المشترك بين بعض التقاليب، لقلنا: رجل حاول، وهذا مبلغ علمه، وحسبه شرفًا أن قد حاول التنقيب عن خفيّ الروابط ودقيق المعاني، ولكنه أحرج اللغة التي يعضّها ويؤمن بسحر ألفاظها؛ إذ أجاءها إلى مضيق كبح فيه أنفاسها، وحبس

ص200

قواها عن التفلت والانطلاق، ألا وهو مضيق الاشتقاق الكبير الذي سماه هو "الاشتقاق الأكبر".
ففي هذه المضيق يأبى ابن جني على كل تقليب أن يصرخ بأعلى صوته بالمدلول الدقيق الذي تنطوي فيه روحه، ويريده لينطق بالمدلول العام الذي تخضع له سائر التقاليب, وإن الكلمة التي تظل حبيسة في القلب، أو مكبوتة في الحنجرة، لا تجاوز عقدة اللسان، ولا تنفذ إلى الآذان، إلّا لتعبر عن معنًى غير معناه، وتوحي بمدلول عامٍّ يباين مدلولها الذاتي الخاصّ، لهي كلمة ميتة في صورة حية، وما أسرع ما تذهب كأنفاس المحتضر؟
ويبد لنا أن طبيعة الاشتقاق الكبير تقضي بالتجوز في التعبير والإكثار من إخراج الكلام عن ظاهره، والحرص على تلمس الألفاظ العامة، بل الشديدة العموم، لكي تصلح للربط بين صور متعددة, ربما تتلاقى في أشياء، ولكنها أيضًا تتباين في أشياء, وعذر ابن جني وأمثاله من أصحاب هذا الاشتقاق أن ألفاظ اللغة ليست إلّا رموزًا للتفكير، فما أعياها عن تبيان الفروق الدقيقة، وعن مسابقة الشعور!
وعذر آخر لآصحاب الاشتقاق، وهو أنهم كانوا يخلدون أحيانًا إلى هذا الاشتقاق الكبير إذا أشكل عليهم الحرف: الفاء أو العين أو اللام، فيستعينون بتقليب أصول المثال الذي ذلك الحرف فيه, وقد شاهد ابن جني غير مرة شيخه أبا علي الفارسي
(34) يقلب الأصول لمعرفة بعض المواد،

ص201

فيعينه هذا التقليب ويأخذ بيده، ويفتح عليه من آفاق البحث ما لم يكن يحتسب: "ألا ترى أن أبا عليٍّ -رحمه الله- كان يقوي كون لام "أثفية" فيمن جعلها "أفعولة" واوًا بقولهم: جاء يَثفِه؟ ويقول: من الواو لا محالة؛ كيعده, فترجح بذلك الواو على الياء التي ساوقتها في يَثْفوه ويَثْفيه. أفلا تراه كيف استعان على لام ثفا بفاء وثف؟ وإنما ذلك لأنها مادة واحدة شكلت على صور مختلفة, فكأنها لفظة واحدة"(35).
لذلك افتتح ابن جني "خصائصه" بتقليب حروف القول والكلام، كأنهما أراد أن يرسم للقارئ منهجه وهو بعد في أول الطريق، وصرَّح بأنه إنما رسم له من منهجه رسمًا ليحتذيه ويتقبله فيحظى به، ويكثر إعظام هذه اللغة الكريمة من أجله
(36), فإن هذا "أغرب مأخذًا مما تقتضيه صناعة الاشتقاق(37)، لأن ذلك إنما يلتزم فيه شرح واحد من تتالي الحروف من غير تقليب لها ولا تحريف(38).
بيد أن ابن جني -على استعانته بهذا الاشتقاق الكبير واسترفاده أياه- ما كان لينخدع بما وراء تقليب الأصول فيه من نتائج وأحكام، وما كان ليعمم هذه النتائج والأحكام على جميع المواد والأصول, فقد يتقارب أصلًا في التركيب بالتقديم والتأخير من غير أن يكون أحدهما مقلوبًا عن صاحبه، كقولهم: "جذب، وجبذ، ليس أحدهما مقلوبًا عن صاحبه، وذلك أنهما جميعًا يتصرفان تصرفًا واحدًا نحو:
جذب يجذب جذبًا, فهو جاذب, والمفعول مجذوب، وجبذ يجبذ جبذًا, فهو جابذ, والمفعول مجبوذ؛ فإن جعلت مع هذا أحدهم أصلًا لصاحبه فسد

ص202

ذلك، لأنك لو فعلته لم يكن أحدهما أسعد بهذه الحال من الآخر"(39).
وما نسحب ابن جني إلّا مقتنعًا في هذا الموطن بأن كلًّا من جبذ وجذب لغة مستقلة من لغات العرب، حتى عَدَّ كلًا منهما أصلًا بنفسه, ونفى أن يكون أحدهما أصلًا لصاحبه، ولو لم يكن مقتنعًا بهذه الحقيقة لوجب عليه أن يعد أحدهما أصلًا، والآخر مقلوبًا عنه، ولكان له ولغيره أن يقلب أحد الأصلين على جهاته الست, فيكون بين يديه، في كلتا الحالتين، هذه التقاليب: "ج ذ ب", "ج ب ذ", "ب ج ذ", "ب ذ ج", "ذ ج ب", "ذ ب ج".
وابن جني لا يمنع تقليب أحد الأصلين "جذب أو جبذ" على جهاته الست التي رأيت، ولكنه يشترط أن يعلم مقلب هذه الوجوه أنه ينبغي تقاليب "جذب" دون سواها، أو "جبذ" دون غيرها؛ إذ لا يفوته أن كلًّا منهما أصل مستقلٌّ قائم بذاته, ولعل هذا ما استنتجه ابن منظور حين قال في "اللسان": "جبذ جبذًا, لغة في جذب. وفي الحديث: "فجبذني رجل من خلفي". وظنه أبو عبيد مقلوبًا عنه, قال ابن سيده: وليس ذلك بشيء، وقال: قال ابن جني: ليس أحدهما مقلوبًا عن صاحبه، وذلك أنهما جميعًا يتصرفان تصرفًا واحدًا"
(40) ...
وأقل ما توحي به هذه التفرقة في الألفاظ المتقاربة بين الأصول وتقاليبها: الغلوّ في الحيطة والحذر عند تقليب المادة على وجوهما الممكنة، على لهجة، ولا تتداخل لغات العرب في ألفاظ شاع بينها اختلاف عليها، أو تباين في أسلوب أدائها, أو طريق استعمالها
(41).

ص203

وفي هذه التفرقة بين الأصول وتقاليبها، نجد أيضًا شيئًا من التضييق على المكثرين من الاشتقاق الكبير، المتطفلين عليه، المتكلفين فيه، المولعين بتقليب المواد على وجوها المختلفة تلذذًا بهذا التقليب, وفي أمثالهم يقول ابن جني نفسه متبرمًا ضجرًا: " ... فأما أن يتكلف تقليب الأصل ووضع كل واحد من أحنائه موضع صاحبه، فشيء لم يعرض له(42), ولا تَضَمَّنَ عهدته. وقد قال أبو بكر(43): "من عرف أنس، ومن جهل استوحش! ". وإذا قام الشاهد والدليل، وضح المنهج والسبيل"(44).
وللولوع بالاشتقاق الكبير ارتباط وثيق بمذهب المؤمنين بدلالة الحرف السحرية، وقيمته التبعبرية الموحية، عند أولئك الذي مالوا إلى الاقتناع بموجود التناسب بين اللفظ ومدلوله، في حالتي البساطة والتركيب، حتى رأوا إثبات القيمة التعبيرية للصوت البسيط, وهو حرف واحد في كلمة؛ كإثبات هذه القيمة نفسها للصوت المركب، كيفما كانت صورة تركيبه.
ولقد رأينا ابن جني في طليعة القائلين بهذه القميمة التعبيرية، للحرف العربي، ورأيناه يخلط أحرفَ مادةٍ ما, ويمزج بعضها ببعض، ويقلبها في تركيبٍ ثلاثيٍّ على جهاتها الست المحتملة، ثم ينظر إلى الحرف الواحد من أحرفها، حيثما كان موضعها منها، على أنه صوت ما يزال بسيطًا, له دلالته التعبيرية الخاصة
(45). ورأيناه ورأينا غيره أيضًا عندما جنحوا إلى القول بثنائية اللفظ العربي في نشأته الأولى، يردون المواد المزيدة إلى

ص204

الصورة الثنائية، ويكتشفون الحرف الذي ثلث أصلها قيمة بيانية خاصة(46).
فإذا كان حرفٍ في كلِّ مادةٍ يتمتع بهذه الدلالة السحرية الذاتية، فلا ضير في تقليب كل مادة على وجوها المحتملة، ولا ضير أن تأتي فاء الكلمة في موضع العين أو اللام، ولا أن تأتي اللام في موضع الفاء أو العين، ولا أن تحلَّ العين محل اللام أو الفاء، فإن كل حرف منها -قُدِّمَ أو أُخِّرَ- يوحي بمدلوله الذاتي الخاص، والفروق الدقيقة التي قد تنشأ أحيانًا عن هذا التقديم أو ذاك التأخير، إنما تنبئ عن أسرار هذه اللغة العجيبة المعجزة، من غير أن تؤثر في المعنى العام الذي تدل عليه المادة بمجموع حروفها المعبرة.
وأكثر الأمثلة التي قُلِبَت هذا القَلْب اللغوي على طريقة الاشتقاق الكبير ثلاثية الأحرف, والقائلون بثنائية اللفظ العربي يوفرون شواهد القلب اللغوي من الثلاثي المضعَّف قبل سواه؛ لأن صورته أقرب إلى صورة الثنائية، ولأن جريان القلب فيه أيسر من جريانه في غيره, فما يتصور فيه عقلًا إلّا تقليبان فقط، نحو: جَرَّ - رَجَّ، ففي كليهما معنى التحرك والاهتزاز
(47)؛ دقَّ - قدَّ, وفي كليهما معنى فصل أجزاء الشيء بعضها عن بعض(48)، تلَّ -لتَّ، وفي كليهما معنى البل والصبّ(49).
ويلي هذا القلب في اليسر والسهولة التقاليب العقلية المحتملة في الثلاثي غير المضعف، وجميع ما نقلناه عن ابن جني صورة واضحة عنها يحتذى على مثالها.

ص205

على أنهما لاحظوا صورًا من القلب اللغوي فيما كان فوق الثلاثي، سواء أكان ثلاثيًّا مزيدًا، أم رباعيًّا مجردًا أو مزيدًا، أم خماسيًّا مما جرى على ألسنة العرب.
فمن القلب في مزيد الثلاثي: أذهب في مشيئته وأهبذ، وكلَّب الأسير وكبله، وأشفى على الأمر وأشاف عليه
(50).
ومن القلب في الرباعي ما لا يتصور فيه عقلًا إلّا تقلبيان فقط، وهو الرباعي المكرر أو المضاعف
(51)، ونحو: هجهجت السبع وجهجهت: صحت به وزجرته(52), دهدهت الشيء وهدهدته: حدرته من علو إلى سفل(53). بكبكت الشيء وكبكبته: طرحت بعضه على بعض(54).
ومن الرباعي المقلوب ما يتصور تقليبه على عشرين وجهًا كلها محتملة عقلًا, ولكن السماع فيه لم يرد إلّا في تقليبين شائعين, كثيرًا ما يرتدان إلى اختلاف اللهجات العربية، أو إلى تضارب الأخبار، وأحيانًا إلى تصحيف السمع، ونادرًا إلى تصحيف النظر.
فلو راجعت في اللسام مادة "رهسم" لرأيتها كمادة "رهمس", تفيد الإتيان بطرف من الحديث، دون الإفصاح بجميعه, ولكن إحدى المادتين -واختر أيتهما شئت- يمكن أن تنقسم عقلًا إلى هذه التقاليب العشرين التي ينقلب عن كلِّ حرف من حروفها الأربعة خمسة أوجه:
أ- فعن الراء تنقلب هذه الأوجه الخمسة: "ر س م هـ", "ر س هـ م", "ر م س هـ", "ر هـ س م", "ر هـ م س" .

ص206

ب- وعن السين تنقلب هذه الأوجه الخمسة: "س ر م هـ", "س م هـ ر", "س ر هـ م", "س هـ م ر", "س هـ ر م" .
ج- وعن الميم تنقلب هذه الأوجه الخمسة: "م ر س هـ", "م س ر هـ", "م ر هـ س", "م هـ ر س", "م هـ س ر" .
د- وعن الهاء تنقلب أخيرًا هذه الأوجه الخمسة: "هـ ر س م", "هـ س ر م", "هـ م س ر", "هـ ر م س" .
ولقد يدهشك ألا يتوارد في هذه التقاليب العشريين على معنًى مشترك إلّا التقليبان اللذان ذكرهما ابن منظور، ثم تزداد دهشتك إلّا إذا لم تستطع أن تضم منها إلى ثروتك اللغوية إلّا تقليبًا ثالثًا جرى به الاستعمال في غير المعنى العام الملموح في التقليبين السابقين: ألا وهو تقليب "س م هـ ر" ومنه الرماح السمهرية
(54).
ولكن القسمة العقليلة لمعرفة التقاليب المحتملة لمادة ما, ليست إلّا لغوًا وعبثًا، ولولا الرغبة في تبيان مفاسدها لما سوّدنا بياض هذا القرطاس بهذه التقاليب التي تشبه رموز الحساب, أو اصطلاحات المنطق، فهي بهذه كله أبعد المباحث عن منهج فقه اللغة الذي لا تدرس فيه إلا الحقائق والظواهر، لمعرفة ما وراءها من الخصائص والأسرار. ولقد قال مييه "Meillet" في أمثال هذه المباحث وأصاب: "إنها من بين أبحاث علم اللسان كافة أدقها وأقلها يقينًا، ومن ثَمَّ كثير فيها عبث الهواة"
(55).
ومن التقليب في مزيد الرباعي: اضمحلَّ الشي وامضحلَّ، والسحاب المكفهر والمكرهف، وتبرقط الرجل على قفاه وتقرطب
(56).

ص207

أما القلب في الخماسي فلَم تعرفه العرب إلّا على ندرة، كما ورد في الشعر خاصة "زبردج" بدلًا من "زبرجد"(57).
وفي جميع أنواع القلب التي رأيناها، توشك التقاليب الثنائية أن تستأثر بالنصيب الأكبر من المواد ثلاثية ورباعية، مجردة ومزيدة، وخماسية أيضًا. ففي كلٍّ من الثلاثي والرباعي المضعَّفين لا يتصور عقلًا إلّا تقليبان، وفي الرباعي غير المضاعف قلَّمَا يستعمل في تقاليبه العشرين المحتملة أكثر من تقليبين، أما الثلاثي غير المضعف، فعلى أنه كثيرًا ما يقلب على وجه الستة كما فعل ابن جني، لا تكفي الشواهد التي مثَّل بها عليه للقطع باستعمال وجوهه جميعًا، ولا لاستنباطٍ جامعٍ واحد مشترك بينها لو كتب لها جميعًا أن تستعمل, وما أكثر ما يقلب الاشتقايون مادة ثلاثية على وجوهها العقلية الستة، ثم يستثنون وجهًا واحدًا منها, ويقولون: مهمل أو ممات, وقد يستعيضون عنه بوجه يقاربه بعد إبدال حرف فيه أو أكثر بما يماثله صفة أو مخرجًا، وأقرب مثال يشهد لهذا, ما ذكره ابن جني في تقليب "س م م" من استبدال "ن س م" بـ"ل س م"، والنون أخت اللام كما قال
(58).
وربما استثنتوا من الوجوه الستة أكثر من تقليب، فلا يذكر لنا الاشتقاقيون في المادة الثلاثية إلّا أربعة تقاليب مستعملة, وأحيانًا ثلاثة فقط؛ وأكثر صنعيهم على الاكتفاء بتقليبين لم يجر الاستعمال بغيرهما إذا لوحظ وقوعهما على مدلول واحد مشترك, ولا بأس في أن نمثَّل لهذه الحال الأخيرة، لأهميتها وقيمتها الخاصة، بالشواهد التالية:
يقولون: طمس الطريق وطسم: درس، مَحُتَ يومنا وحَمُت: اشتد حره, تَبَلْتُ الشيء وبَلَتُّه: قطعته, شاءني الأمر وشآني: حزنني.

ص208

غرس الشيء ورغسه: زرعه, وما أكثر ما يقال في طائفة من هذه الأمثلة: هذه اللفظة لغة لقبيلة من العرب، وتلك لغة(59)، كأنما يود اللغويون لو يردون هذه التقليبات الثنائية إلى اختلاف لهجات العرب.
فإن يك في وسعنا أن نرجع بالكثير من هذه التقاليب إلى ضربٍ من اختلاف اللهجات، وقد تحدثنا عنها فأطلنا الحديث
(60)، فهل نحكم على القلب اللغوي بقلة الجدوى؟ وهل نرى كل ما في الاشتقاق الكبير من عبث الهواة؟ وهل نعرض عن هذا اللون من البحث اللغوي الممتنع؛ لأنه لا يطَّرِد ولا ينقاد؟
لقد تساءل ابن جني هذا التساؤل كله، وأجاب عنه فأحسن الجواب إذ قال: "على أن هذا وإن لم يطرد ويَنْقَدْ في كل أصل، فالعذر على كل حال فيه أبين منه في الأصل الواحد من غير تقيلب لشيء من حروفه، فإذا جاز أن يخرج بعض الأصل الواحد من أن تنظمه قضية الاشتقاق، كان فيما تقلبت أصوله "فاؤه وعينه ولامه" أسهل، والمعذرة فيه أوضح.
وعلى أنك إن أنعمت النظر ولاطفته، وتركت الضجر وتحاميته، لم تكد تعدم قرب بعض من بعض، وإذا تأملت ذاك وجدته بإذن الله! "
(61).
فمع هذا التحفظ, ومع هذا الحذر من الوقوع في التكلف, يظل بحث الاشتقاق الكبير -كما قال آدم متز: يؤتي ثمره إلى اليوم، حتى ليمكن القول: إن لغويي العرب لم يعرفوا إنتاجًا أعظم منه
(62)!

ص209
__________

(1) الخصائص باب الاشتقاق الأكبر 1/ 525-531.
(2) الزئبر ما يظهر من درز الثوب.

(3) الخصائص 1/ 529-530.

(4) الخصائص 1/ 530.
(5) انظر المزهر 1/ 354.
(6) المزهر 1/ 347.

(7) المزهر، الصفحة ذاتها.

(8) من أسرار اللغة 49 "ط 2".
(9) راجع في مجلة المجمع العلمي العربي عام 1941 بحثًا دقيقًا محكمًا للدكتور يوسف العش, حول كتاب العين وأولية المعاجم العربية.
(10) جمهرة ابن دريد 1/ 207-209.

(11) ويلاحظ ابن دريد هنا أن العظيم يجبر بنفسه جبورًا، ولكن الله يجبر جبرًا، وهكذا يكون قد جبره الله فجبر "على وزن فعله ففعل" ولذلك يقول: وهذا من أحد ما جاء على "فعلته ففعل".
(12) ومن الغريب أن ابن دريد فاته أن يعرض هنا لاسم الله "الجبار".
(13) ألَا يكون في هذا اعترف ضمني بأن القرآن هو الذي عرَّبَ البرج "الذي هو من بروج السماء" عندما نزل بمثل هذه الآية {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} ؟

(14) قارن بالمقاييس 1/ 239.
(15) إلّا أنه هنا ينقل عن أبي حاتم أن هذا اللفظ معرب، فهو بالفارسية "كريبان".
(16) ويذكر بهذه المناسبة أن كل عقدة في الجسد فهي عجرة، فإذا كانت في البطن فهي بجرة، ويستشهد بقول عليّ: "إلى الله أشكو عجريّ بجريّ" أي: ما أكتمه وما أخفيه, وقد ذهب هذا القول مثلًا.
(17) فجورًا على وزن فعول، كثير الفجور, أي: الكذب, ويروى: فخورًا، من الفخر.

(17) الخصائص 1/ 527-528.

(18) وهو هنا يفرق -كما فرّق ابن دريد- بين العجرة والبجرة.

(19) قارن بمعنى "البرج" في الجمهرة.
(20) قارن هذه العبارة بما ذكره ابن دريد آنفًا عن "الرجبة".
(21) وهنا لا يجد إلّا اللفظ الذي كره ابن دريد، ويفسره كما فسره، ويأتي عليه بالشاهد نفسه، إلّا أنه يورده "فخورًا" من الفخر، وهي إحدى روايتي الجمهرة, والصواب: فجورًا من الفجور وهو الكذب؛ لأنه على الأثر: "فعول من الكذب". وقد يكون في مطبوعة "الخصائص" تصحيف.

(22) قلنا: في هذه الموضوع، لأنّا رأينا ابن فارس في موطنٍ قريب يتكلف في رد بعض المواد إلى أصولها. راجع ص176-177, ولكنه هنا أكثر اعتدالًا لقلة إيمانه بجدوى الاشتقاق الكبير.
(23) يلاحظ مع ذلك أن ابن فارس لم يقع في مثل التعميم الذي وقع فيه ابن جني, فهو يرد المادة إلى أصل واحد، وإذ بنا نرى هذا الأصل الواحد جنسًا مؤلفًا من ثلاثة أمور: العظمة والعلو والاستقامة.
فلو كان بين العظمة والعلوّ تناسب وارتباط، فما الرابط بينهما من نحو، وبين الاستقامة من نحوٍ آخر؟ لكنه، على كل حالٍ، أورد لمادة "جبر" معنًى يختلف عما سيورده لمادة "برج", أو "جرب" ومواد بقية التقاليب.

(24) راجع المادة في المقاييس 1/ 501.
(25) المقاييس 1/ 239.

(26) نفسه 2/ 495.
(27) وهنا يذكر ابن فارس حديث الأنصار: "أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب"، ويفسره بقوله: "يريد أنه يعول على رأيه كنا تعول النخلة على الرجبة التي عمدت عليها", ولا يخفى أنه -حتى في هذه العبارة المشهورة- يتعمد الربط بين صورة العذيق المرجب وصورة الرجل المجرب المحنك، أو قل: بين الصورة الحسية الواقعية، والصورة النفسية المجازية.
(28) المقاييس 1/ 499-450.

(29) ويذكر ابن فارس هنا الجربة بمعنى القراح، ويرى أن ذلك هو القياس؛ لأنه شيء بسيط يعلوه ما يعلوه منه.

(30) واستشهد على هذا بقول الشاعر:

ليس بنا فقر إلي التشكي     جربة كحمر الأبك

(31) المقاييس 1/ 198.

(32) وابن سيده يعزو أيضًا تفسير التربج بالتحير إلى الخليل", انظر في المخصص 12/ 128 لدى الحديث عن ألفاظ البهت والدهش "صاحب العين" التربج، التحير: وأنشد:

وقلت لجاري من حنيفة سر بنا ... نبادر أبا ليلى، ولم أتربج

(33) أبو علي الفارسي: هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، ولد في فسا "من أعمال فارس" وتجوَّلَ في كثير من البلدان، ولا سيما بغداد وحلب, إمام من أئمة العربية، صنَّف في عشرين مجلدًا كتابه "التذكرة في علوم العربية", وله "جواهر النحو", و"الحجة" محطوط أيضًا, "وتعاليق سيبويه", و"المقصور والممدود", و"العوامل". ومن تلامذته المشهورين ابن جني, توفي سنة 377هـ. الوفيات 1/ 131، إنباه الرواة 1/ 273، تاريخ بغداد 7/ 275.

(34) الخصائص 1/ 531.
(35) نفسه 1/ 530-531.
(36) يقصد بصناعة الاشتقاق علم التصريف والاشتقاق، وكل ما يندرج تحت اسم "الاشتقاق الأصغر".
(37) الخصائص 1/ 11.

(38) الخصائص 1/ 467.
(39) اللسان 5/ 10 0 1
(40) من ذلك مثلًا أننا عرفنا أن "جبذ" تميمية، وجذب "حجازية".

(41) أي: لم يعرض لذلك أبو إسحاق، فقد ذكره في العبارة السابقة مؤكدًا إخلاده إلى هذا الاشتقاق الكبير، ولكنه هنا ينفي تكلفه فيه كما ترى.
(42) يقصد أبا بكر بن دريد، وقد سبقت ترجمته.
(43) الخصائص 1/ 11.
(44) راجع ص145-146.

(45) راجع ص155.
(46) الاشتقاق "لعبد الله أمين" 375.
(47) راجع المادتين في القاموس المحيط، والمقاييس.
(48) قارن بسر الليال، في القلب والإبدال "لأحمد فارس الشدياق" 329-332. ك, وتجد هنا أمثلة كثيرة من هذا القبيل.

(49) الاشتقاق "أمين" 377.
(50) فيشبه من هذه الناحية الثلاثي المضاعف, ولم ننس بعد أن الرباعي المضعف لا يزيد في نظر الثنائيين عن مقاطع ثنائي مكرر؛ لذلك لا تجيز القسمة العقلية فيه إلّا تقليبين فقط.
(51) المخصص 14/ 27.
(52) نفسه 1/ 126.

(53) الرماح السهرية، الصلبة، أو المنسوبة إلى سمهر زوج ردينة، وكانا مثقفين للرماح, ومنها سمهر الزرع: لم يتوالد، كأنه حبة برأسها، ومنه اسمهرّ الظلام: تنكر وتراكم. "عن القاموس المحيط بتصرف 2/ 15".
(54) منهج البحث في اللغة "ترجمة مندور" ص108.
(55) قارن بالمخصص 14/ 27-28.

(56) الاشتقاق "أمين" 287.
(57) راجع ص205.

(58) المخصص 14/ 27-28, وفيه أمثلة من هذا النوع.
(59) ارجع إلى الفصل الذي عقدناه للهجة تميم وخصائصها, ولاحظ ما ذكرناه من أمثلة القلب في أواخر هذ الفصل.
(60) الخصائص 1/ 11-12.
(61) آدم "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع" ترجمة أبي ريدة
1/ 330 ط2 سنة 1947
.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.