أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2016
4887
التاريخ: 2-8-2016
2830
التاريخ: 16-8-2017
4035
التاريخ: 19-7-2016
2153
|
هو ان يطلق اللفظ على المعنى وضده(1) أو (هو نوع من العلاقة بين المعاني، بل ربما كانت اقرب الى الذهن من اي علاقة اخرى، فبمجرد ذكر معنى من المعاني يدعو ضد هذا المعنى الى الذهن ولا سيما بين الالوان، فذكر البياض يستحضر في الذهن السواد، فعلاقة الضدية من اوضح الاشياء في تداعي المعاني فاذا جاز ان تعبر الكلمة الواحدة عن معنيين بينهما علاقة ما فمن باب اولى جواز تعبيرها عن معنيين متضادين، لان استحضار احدهما في الذهن يستتبع عادة استحضار الاخر، فالتضاد نوع من المشترك اللفظي)(2). وكل تضاد مشترك ولا عكس.
ومن امثلة التضاد : الجون للأسود والابيض، والصريم لليل والصبح، والأزر : القوة والضعف، والمولى : العبد والسيد، والشعب : الافتراق والاجتماع، وقسط، عدل او جار والسدفة، النور والظلمة، والمسجور : الفارغ والممتلئ.
وكما ذهب بعض اللغويين الى انكار الترادف والمشترك اللفظي ذهبوا الى انكار التضاد، بل كان تشددهم بالقول في انكاره اقوى واعمق من موقفهم ازاء غيره من الظواهر التي حفلت بها لغتنا العربية.
وكان ابن درستويه اشد الناس انكاراً للتضاد حتى عمل كتاباً في (ابطال الاضداد)(3).
وقال الجواليقي(4) : (المحققون من علماء العربية ينكرون الاضداد ويدفعونها، قال ابو العباس احمد بن يحيى ثعلب : ليس في الكلام ضد، قال : لأنه لو كان فيه ضد لكان الكلام محالاً، لأنه لا يكون الابيض اسود، ولا الأسود ابيض، وكلام العرب وان اختلف اللفظ، فالمعنى يرجع الى اصل واحد، فالصارخ : المستغيث، والصارخ، المغيث، لأنه صراخ منهما....).
ص106
وقد ذهب بعض العلماء الى الاقرار بوجوده في العربية، ومن هؤلاء الخليل وسيبويه وابو عبيده والسيوطي(5)، كما افرد له الثعالبي فصلاً خاصاً في كتابه (فقه اللغة وسر العربية).
اسبابه :
ذكر الباحثون اسباباً كثيرة عزوا اليها كثرة التضاد في العربية منها : -
1- اختلاف لهجات القبائل العربية، فقد تضع قبيلة ما لفظة لمعنى وتضعه قبيلة اخرى لعكس هذا المعنى. اما ان تضع قبيلة معنيين متضادين للفظ واحد فمحال، ولهذا قالوا:
(اذا وقع الحرف على معنيين متضادين، فمحال ان يكون العربي اوقعه عليهما بمساواة منه بينهما، ولكن احد المعنيين لحي من العرب والمعنى الاخر لحي غيره، ثم سمع بعضهم لغة بعض فاخذ هؤلاء عن هؤلاء وهؤلاء عن هؤلاء، قالوا، فالجون، الابيض في لغة حي من العرب، والجون، الاسود في لغة حي اخر، ثم اخذ احد الفريقين من الاخر)(6).
فلفظة (وثب) في لغة حمير تعني (قعد) وفي لغة نزار(7) تعني (قفز) وقصة الرجل الكلابي مع الملك اليماني معروفة، وفحواها : خرج رجل من بني كلاب او من سائر بني عامر بن صعصعة الى ذي جدن (ملك اليمن) فاطلع الى سطح والملك عليه. فلما رآه الملك قال له: ثب : اي اجلس، فقال الرجل : ليعلم الملك اني سامع مطيع ثم وثب من السطح ومات. فقال الملك: ما شأنه، فقيل له : أبيت اللعن ان الوثب في كلام نزار تعني القفز والوثوب. فقال الملك : ليست عربيتهم كعربيتنا، دخل ظفار فقد حمر، اي من اراد ان يقيم بظفار فليتكلم الحميرية.
2- التدافق في قوانين التطور الصوتي :
ومن ذلك قولهم : اقوى الرجل فهو مقو، اذا كان ذا قوة، واقوى فهو مقو اذا كان قوي الظهر، واقوى فهو مقو اذا ذهب زاده ونفذ ما عنده.
ص107
يقول الدكتور يحي كمال:(8) (قلت : ان الاصل في مادة قوي : هو ضد الضعف، فيقال قوي على الأمر : طاقه، وقاواني فقويته : اي غالبني فغلبته، وقاواه : اعطاه. وتقاوى القوم المتاع بينهم : تزايدوا حتى يبلغوه غاية ثمنه. وارى ان المعنى لم ينصرف الى الضد، وهو الضعف في (اقوى بمعنى ذهب زاده ونفد ما عنده) الا لما طرأ من تطور صوتي على كلمة (اخوي) التي تؤدي معنى الخلو عنده) الا لما طرأ من تطور صوتي على كلمة (اخوي) التي تؤدي معنى الخلو والفراغ. وتدل على ضد (اقوى) وذلك بابدال الخاء قافاً لتقارب المخرج. فيقال : خوي المكان، فرغ وخلا، وخويت الدار : خلت، واخوي الزند : لم يور، واخوي الرجل : جاع، واخوت النجوم : امحلت فلم تمطر، واقوى : افتقر، واقوت الدار : خلت من ساكنيها، واخوي ما عند فلان : اخذ كل شيء منه، واقوى البقعة : اخلاها).
3- الانتقال من المعنى الاصلي الى المعنى المجازي : -
ويتم ذلك في : -
أ- التفاؤل : ويراد به ستر المعنى الاصلي للفظ وابعاد السامع عن التشاؤم الذي تفر منه النفس البشرية. ومن امثلته السليم للديغ، تفاؤلا بالسلامة. والمفازة : تطلق على الصحراء التي ربما يهلك من يجتازها.
والناهل : للعطشان تفاؤلاً بورود الماء، والبصير : تطلق على الاعمى كما تطلق على المبصر من باب التفاؤل بسلامة النظر.
ب- التهكم : ومثاله لفظة (العاقل) تطلق على الجاهل للتهكم.
ج- الخوف من الحسد : مثلاً (الشوهاء) للفرس القبيح والجميل. والاعور : على الحديد البصر بينما تطلق في الاصل على فاقد احدى عينيه.
4- الاتفاق في الصيغة الصرفية :
ينشأ التضاد احياناً في احتمال الصيغة الصرفية حيث تؤدي الى المعنى وضده. فمثلاً صيغة (فعول) تكون بمعنى فاعل، وتكون بمعنى مفعول. مثل (مذعور) ترد مثلاً بمعنى ذاعر، مذعور، تكون، وركوب بمعنى راكب ومركوب، وزجور بمعنى زاجر ومزجور(9).
ص108
وترد صيغة (فعيل) بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول، مثل (الغريم) بمعنى الدائن والمدين. و (فاعل) بمعنى (مفعول) مثل : عاصم، وعائذ، وعارف. وصيغة (مفتعل) و (مفتعل) من الاجوف ومضعف الثلاثي مثل (مبتاع) و (مختار) و(مجتث) و (مرتد) و (مختل) وغير ذلك.
5- هناك ألفاظ اكتسبت لها معاني او دلالات جانبية نتيجة التخليط وعدم الدقة في التفريق بين معاني الالفاظ المتقاربة (واما للتفاصح والاغراب في الكلام فيئول بعض معاني الالفاظ الى التضاد نتيجة لخطوات متعاقبة من التساهل والتحريف، فمن ذلك (الظن) الذي اصبح معناه الشك واليقين، و(الصريم) ومعناه الصبح والليل، واصله من انصرم اي انتهى، و (الصارخ) معناه المغيث والمستغيث) (10).
ومثل ذلك (السدفة) : الظلمة والضوء، وكذلك (المسجور) الفارغ او الممتلئ، والفاظ كثيرة عدت من هذا القبيل نتيجة اشتراك المعنيين المتضادين فيها بعد ان وضعت لاصل واحد منهما.
وقد عقد السيوطي احد ابواب كتابه (المزهر) للحديث عن الاضداد هو (الباب السادس والعشرون) كما صنف آخرون كتباً فيه (11).
ووردت الالفاظ المتضادة كثيراً في الشعر العربي، ومن شاء التماس ذلك في كتب الاضداد فليرجع اليها.
قال ابن مقبل :
وليلة قد جعلت الصبح موعدها بصدرة العدس حتى تعرف السدفا
وقال آخر :
قد اسدف الليل وصاح الحنزاب
فالسدفة هنا وردت بمعنى النور والضوء مرة، وبمعنى الظلمة مرة اخرى، ففي لغة تميم تعني الظلمة، وفي لغة قيس الضوء.
وقال ابن الدمينة : -
فلا خير في الدنيا اذا انت لم تزر حبيباً ولم يطرب اليك حبيب
ص110
وقال لبيد :
واراني طرباً في اثرهم طرب الواله او كالمختبل
وقد وردت لفظة (طرب) في معنى الفرح والسرور عند ابن الدمينة، وفي معنى الحزن عند لبيد.
وقال اللعين المنقري :
فما بقيا علي تركتماني ولكن خفتما صرد النبال
و(الصرد) في البيت يمكن ان تدل على الصواب او الخطأ، فمن اراد الصواب قال خفتما ان تصيبكما نبالي، ومن عده في الخطأ قال : خفتما ان تخطيء بنالكما.
ان الظواهر اللغوية الثلاث التي اشرنا اليها وهي : الترادف، والمشترك اللفظي، والتضاد، قد اوجدت في اللغة الفاظاً كثيرة، غزت المعاجم العربية والمصنفات الخاصة و (يعتبر اكثرها من التضخم المنهك للغة.... وان كان المتكلمون الكتاب اقل اكتراثاً بها من اللغويين، وبالتالي هم اقل معاناة من نقلها، ورزوحاً تحت اعبائها)(12). غير انها تبقى وسيلة من وسائل الثراء اللغوي.
ص110
_____________________
(1) فقه اللغة العربية وخصائصها 181.
(2) في اللهجات العربية 207-208.
(3) المزهر 1/ 396.
(4) شرح ادب الكاتب 251.
(5) المزهر 1/ 387.
(6) الاضداد لابن الانباري 11.
(7) المزهر 1/ 234.
(8) التضاد في ضوء اللغات السامية 13.
(9) فصول في فقه العربية 353.
(10) كلام العرب 113.
(11) انظر اضداد ابن السكيت واني حاتم السجستاني، والاصمعي والانباري، واين الدهان وغيرهم.
(12) كلام العرب 116.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|