المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الفرعون رعمسيس الثامن
2024-11-28
رعمسيس السابع
2024-11-28
: نسيآمون الكاهن الأكبر «لآمون» في «الكرنك»
2024-11-28
الكاهن الأكبر (لآمون) في عهد رعمسيس السادس (الكاهن مري باستت)
2024-11-28
مقبرة (رعمسيس السادس)
2024-11-28
حصاد البطاطس
2024-11-28



المقامات  
  
6413   12:14 مساءاً   التاريخ: 4-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص517-522
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / النثر /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-7-2019 30894
التاريخ: 4-7-2016 29102
التاريخ: 8-10-2015 36701
التاريخ: 5-8-2018 2838

فن المقامات من أهم فنون النثر العربي، و قد ابتكره بديع الزمان الهمذاني (٣5٨-٣٩٨ ه‍) نافذا فيه إلى أقاصيص تصور الأدباء السيّارين المسمّين في عصره بالساسانيين المحترفين للكدية أو الشحاذة الأدبية متخذا له أديبا شحاذا، أو متسولا كبيرا، هو أبو الفتح الإسكندري، و معه راويته عيسى بن هشام. و بديع الزمان يصور حيل أبى الفتح في استخلاص الأموال و المطاعم من أيدى الناس بفصاحته و خلابة منطقه في أسلوب قصصي يشيع فيه الحوار. و طارت شهرة مقامات البديع في العالم العربي و نزلت قرطبة فيما نزلت من بلدانه، و نرى ابن شهيد المار بنا يستوحى-كما ذكرنا-من إحدى مقامات البديع، و هي المقامة الإبليسية، رسالته التوابع و الزوابع التي بناها على لقائه في وادى الجن لشياطين الشعراء و الكتاب، و لقى بينهم شيطان بديع الزمان. و ليس ذلك فحسب فإننا نراه-كما مرّ بنا-يحاكيه في وصفه للحلواء ببعض مقاماته كما يحاكيه في وصفه الرائع للماء. و يعرض علينا ابن بسام في ذخيرته ثلاث مقامات، غير أنها ليست مقامات بالمعنى الذى أراده بديع الزمان إذ لا تقوم على الكدية و الشحاذة الأدبية، و إنما تصف موضوعا أو موضوعات، و هي أشبه بالرسائل منها بالمقامات.

و أولى المقامات الثلاث مقامة أبى حفص )1)عمر بن الشهيد الذى لقيه الحميدي في المريّة سنة 44٠ و هو من شعراء أميرها المعتصم بن صمادح (4٣٩-4٨4ه‍) و مقامته أشبه بوصف رحلة له وصفا أدبيا طريفا، فيه غير قليل من الدعابة، و قد استهلها بنعي حال الكتابة في عصره و أنها أصبحت صنعة ممتهنة. و يكتفى ابن بسام بعرض فصول منها، و في أحد الفصول يصف ابن الشهيد الربيع و صياح الديك في السحر، و في فصل ثان يصف منزل بدوي دخله مع صحبه «فهشّ البدوي و بشّ، و كنس منزله و رشّ، و صيّر عياله إلى ناحية، و جمع أطفاله في زاوية» . و يتحدث عن أثاث بيته حديثا فكها، و يقول إنه حاول أن يكرمهم فدعا صبيانه ليمسكوا بديك هرم، و يستغيث بهم الديك و يتشفّع-في حوار طويل-بهرمه و أنه أصبح لضعفه و نحوله أشبه بالأدوية منه بالأغذية، و يرقّون له. و يقدّم إليهم البدوي بعض ألطافه معتذرا و يقبلون عذره و يرحلون سحرا عنه. و ينزل مع صحبه قرية مسيحية سمعوا فيها صوت الناقوس و ألموابدير راعهم ما فيه من شموس و أقمار و لا سيوف إلا من مقل و لا تروس إلا من خجل، فنزلوا فيه و شربوا من الدّنان ما أسكرهم ثم شدّوا الجياد عنه ركضا فمروا بكنيسة متهدمة و يبكى ابن الشهيد أطلالها و ما كان فيها. و يفضى مع صحبه إلى مروج بها قطعان من السائمة، و يصيدون كثيرا من طير البرك، و ينقش على مرمرة بيضاء مقطوعة شعرية يصوّر فيها البرك و مياهها و ما صادوه من طيرها. و يستأنفون السّير ليلا، و يلقاهم شابّ فارس ممتطيا جوادا و متقلّدا حساما، آبق من أهل حصن لنصارى مرّوا به، معلنا إليهم أنه عبد الصّليب و قرع الناقوس إلى أن أسعده اللّه بهداية الإسلام، و يشهد أن اللّه إله واحد، ليس له ولد و لا والد. و بذلك تنتهي المقامة و هي أشبه بنزهة متعددة المشاهد.

و المقامة الثانية عند ابن بسام مقامة أبي الوليد (2)محمد بن عبد العزيز المعلم أحد وزراء المعتضد أمير إشبيلية و كتّابه، و قد انتقى منها ابن بسام فصولا و أولها يستهله ابن المعلم بالحنين إلى ماض نعم فيه برفاهية العيش، ثم دار به الدهر من نعيم إلى شظف شديد، و ما يلبث أن يقول إن البشير قرع بابه حاملا إليه كتابا من أمير، فلبّاه، حتى إذا مثل بين يديه أسمعه مدحة فيه ثم تلاها بنثر مفرط في الثناء عليه من مثل قوله: «هو الإمام الطاهر، و الكوكب الزّاهر، و الأسد الخادر(3)، و البحر الزّاخر، أوهب الملوك للذخائر، و أعفاهم عن الجرائر. . أعطر من العنبر، في كل منبر، و أفوح من المسك الذكي، في كل ندىّ» و مضى في مثل هذا الثناء حتى استطير الأمير فرحا، و ازدهى مرحا، و قام إليه فقبّل بين عينيه. و بذلك تنتهى المقامة، و هي أشبه برسالة في مديح أمير، و ربما كتب بها إلى المعتضد أميره.

و المقامة الثالثة عند ابن بسام مقامة أبي محمد(4)بن مالك القرطبي، و قد ساق في

ذخيرته بعض فصولها، و ابن مالك يديرها على مديح المعتصم بن صمادح أمير المرية و يغرق في مديحه إغراقا شديدا، و نراه يطيل في وصف فتوحه و انتصاراته في الحروب و وصف جيشه و أسلحته من الدروع و السيوف و الرماح و الخيل مظهرا في هذا الوصف غير قليل من البراعة، و لا يزال ينثر عليه ثناءه من مثل قوله: «جدب و ربيع معرق، و ليل و نهار مشرق، فيه الصّاب و العسل و السّهل و الجبل، ثالث القمرين و سراج الخافقين (5)، و عماد الثّقلين، المعتصم باللّه ذو الرياستين» . و يشكو للمعتصم عوز أهله و ضيق ذات يده، و أنه لولا ما يقيّده من أفرخ كزغب القطا لتقدم في صفوف جنده تارة محاربا و تارة خطيبا محمّسا أو مهادنا. و بذلك تنتهى المقامة، و هي أشبه بقصيدة مدح طويلة دبّجها في المعتصم بن صمادح

و على هذا النحو نفتقد المقامة التي تقوم على الكدية و الشّحاذة الأدبية في عصر أمراء الطوائف، و يظهر الحريري (446-5١6 ه‍) و يؤلف مقاماته في أواخر القرن الخامس و سرعان ما تدوّى شهرتها في العالم العربي و يؤمّه الرواة من كل مكان يأخذونها عنه، و أمّه من الأندلس في فواتح القرن السادس الهجري أبو (6)القاسم عيسى بن جهور القرطبي و أحمد بن محمد بن خلف الشاطبي و أبو الحجاج يوسف القضاعي البلنسي و الحسن بن على البطليوسي، و جميعهم حملوا مقاماته إلى الأندلس و أخذها عنهم تلاميذ كثيرون و مضوا بدورهم يدرسونها لطلابهم، و أخذ نفر من دارسيها هناك يتجرّد لشرحها، منهم عبد (7)اللّه بن ميمون العبدري القرطبي المتوفى سنة 56٧، و منهم أبو العباس )8)أحمد الشريشي المتوفى سنة 619 و قد صنع لها ثلاثة شروح: كبير طبع بمصر مرارا في جزأين، ثم أوسط و أصغر. و معروف أن مقامات الحريري تقوم-مثل مقامات بديع الزمان -على الطريقة الساسانية أو الشّحاذة الأدبية، و قد بلغ الحريري بفنّها الذروة.

و إذا رجعنا إلى ما أثر من مقامات عند الأندلسيين بعد مدارستهم لمقامات الحريري وجدنا المقامات تأخذ نهجين: نهجها المار في القرن الخامس الهجري القائم على الوصل بينها و بين أغراض الشعر من مديح و غيره و كذلك بينها و بين أغراض الرسائل من وصف بعض المشاهد و البلدان. و نهج جديد يستوحى الحريري في مقاماته الساسانية القائمة على الكدية و الشحاذة الأدبية، و من النهج الأول المقامة الدّوحيّة لمحمد )9)بن عياض الّلبلىّ المتوفى سنة 55٠ و موضوعها الغزل، و ذكر ابن سعيد في المغرب فاتحتها، و المقامة العياضية لمحارب )10)بن محمد بن محارب الوادى آشى المتوفى سنة 55٣ و هي في مديح القاضي عياض، و مقامة في هجاء بعض أعيان مالقة لعلي (11)بن جامع الأوسي، و المقامة النّخلية لأبي الحسن النباهي المالقي المتوفى بأخرة من القرن الثامن و هي مفاخرة بين النخلة و الكرمة. و للسان الدين بن الخطيب مقامة في السياسة، و هي أشبه برسالة أو مبحث فيما ينبغي أن يكون الحاكم عليه من نشر العدل في رعيته و تعهد المجاهدين في سبيل اللّه و أن لا يعوّلوا في كسبهم إلا على مغانمهم كالجوارح لا تطعم إلا من صيدها و ما يقع في مخالبها، و يلمّ بسياسة العمال في ولاياتهم و أن تقوم على الحق و دحض الباطل، و كل ذلك على لسان شيخ فارسي ناصح لهارون الرشيد و يوصيه بعمارة البلدان و التمسك بالشريعة.

و الرسالة حرية بأن تقرن برسائل السياسة عند ابن المقفع. و للسان الدين غير مقامة في وصف رحلات له في بلدان الأندلس و المغرب الأقصى، و هي أشبه بالرحلات منها بالمقامات و لذلك سنتحدث عنها بين رحلات الأندلسيين. و حوالي منتصف القرن التاسع الهجري يشتهر-في أيام الأندلس الأخيرة-عمر الزّجّال، و قد روى له المقري مقامتين أولاهما مقدمة لقصيدة هزلية طويلة، و ثانيتهما في أمر الوباء الذى ألم بغرناطة زمن أميرها الغنى باللّه، و هو فيها ينكر على قصر الحمراء بغرناطة إبقاءه فيه على السلطان مع تفشي الوباء، و يقول إنه ينبغي أن يتحول عنه إلى مالقة التي كانت تتبع حينئذ غرناطة.

و نترك هذه المقامات التي تستوحي مقامات عصر أمراء الطوائف الشبيهة بالرسائل الأدبية إلى مقامات الكدية و الشحاذة الأدبية التي تستوحي الحريري في مقاماته أو أقاصيصه الساسانية التي رواها الحارث بن همّام عن بطلها أبى زيد السروجي. و أول ما يلقانا من ذلك المقامات اللزومية للسرقسطي، و هي خمسون مقامة، و سنخصها بحديث مستقل. و كان يعاصره الكاتب أبو عبد اللّه بن أبي الخصال الذي مرت ترجمته و المتوفى سنة 54٠ و له مقامة (12)ساسانية جعل بطلها نفس بطل مقامات الحريري: أبا زيد السروجي، كما جعل الراوي لها نفس راوية تلك المقامات: الحارث بن همام. و تبدأ المقامة بمنظر في الريف و الناس متجمعون حول أبى زيد السروجي، و هو يستحثهم على الجود و السخاء و هم يحذفونه بالدراهم، و هو يتلقّف و لا يتوقف. و عرفه الحارث و نصحه أن يبيت بمنزله خشية اللصوص و يلبي دعوته، و يطعم عنده الطعام المرىء، حتى إذا أصبح الحارث وجده غادر المنزل تاركا له رقعة فيها ثلاث قصائد. و يبحث عنه و يعرف أنه ذهب إلى حانة. و تطيل المقامة في وصف الخمر و الشاربين و من في الحانة من الجواري و الغلمان.

و يقضي البطل و روايته فيها يوما هنيئا، و تنتهي المقامة بمقطوعة شعرية.

و تنوه كتب التراجم بمقامات لغير أديب، و لكن لا ندري هل هي كمقامات عصر أمراء الطوائف أو هي تستلهم الحريري في مقاماته الساسانية، و من أهم المقامات التي استلهمته مقامة العيد لعبد )13)اللّه بن إبراهيم بن عبد اللّه الأزدي المتوفى سنة ٧5٠ و هو من أهل مدينة بلّيش، و كانت مجاورة لمالقة، و هي مقامة خاطب فيها الرئيس أبا سعيد بن نصر يستجديه أضحية، و هو فيها يحكي قصة ساساني من أهل الكدية أو الشحاذة الأدبية، و يستهلها بأن الرجل دخل داره ليتناول شيئا من الطعام فقالت له زوجته لم جئت؟ لا طعام لك عندي إلا إذا صنعت ما صنعه زوج الجارة إذ فكّر في العيد و أنت قد نسيته، فقال لها: صدقت و سأخرج الآن لأبحث لك عما ذكرت، و أخذت تقول له إنك لن تأتى بشيء و أخذت تهوّن من شأنه، و لما كان يجد من خوفها-كما يقول-ما يجد صغار الغنم من الذئاب عدا يطوف السكك و الشوارع و يجوب الآفاق، و يسأل الرفاق، و يخترق الأسواق، إلى أن مرّ بقصّاب (جزّار) و بين يديه عنز، و سأله أن يبيعه منه و يمهله في الثمن، و باعه له مؤجّلا بعشرين دينارا، و انحدر معه لدكّان موثّق يكتب لهما عقد البيع. و عاد مع الجزار فلم يجد العنز، و كان قد شرد، فأخذ ينادي في الأسواق و الأزقة من رأى عنزا، و إذا برجل فخّار خرج من دهليز يصيح أين صاحب هذا العنز، و العنز يدور في الدهليز و يحطم ما بقى من الطواجن و القدور. و طلبه المحتسب (شرطي السوق) و صاحب الدهليز أمامه يبكى، و لم يعف عنه إلا بعد أن أدّى عنه جيرانه ما أفسده عنزه. و توجّه به مع الحمّال إلى داره و لم تبق في الزّقاق عجوز إلا وصلت لتراه، و تسأله بكم اشتراه، و الأولاد يدورون به، أما ربّة البيت، فبادرت زوجها تقول: «ليس في البيت خلّ و لا زيت، و متى تفرح زوجتك، و العنز أضحيتك، و اقلّة سعدها، و اخلف وعدها، و ما حبسك عن الكباش السّمان» و تأخذ في وصف الكبش السمين الذى كانت تريده، فيقول لها: و أين توجد هذه الصفة، يا قليلة المعرفة، فتقول له عند مولانا و مأوانا الرئيس الأعلى، و يفيض في مديح الرئيس أبي سعيد بن نصر.

و المقامة مسجوعة سجعا عذبا، و هي تصوّر جوانب كثيرة من المجتمع الغرناطي، تصوّر ربة البيت و ما تكلف به زوجها من مطالب فوق طاقته حتى إذا أحضر لها ما تريد عادت فأزرت به، و تصوّر القصّاب في زيّه و قد شدّ في وسطه مئزرة و قصّر ثوبه و كشف عن ساقيه و شمر ساعديه، و تصوّر جشعه في البيع. و ترينا نظام التوثيق و كتابة العقود في الأندلس و ما كان يشيع هناك من صناعة الفخّار، و المحتسب و من يساعده من الأمناء و رجال الشرطة، و العجائز و تطفلهن، و الأولاد و التفافهم حول كلّ ما يرون. و هي مقامة بديعة.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١) انظر في أبي حفص بن الشهيد و مقامته الذخيرة ١/6٧٠ و ما بعدها، و راجع في ترجمته الجذوة للحميدي ص ٢٨٣ و البغية ص ٣٩4 و المغرب ٢/٢٠٩.

2) انظر في ابن المعلم و مقامته الذخيرة ٢/١١٢ و راجع الجذوة ص 65 و البغية ص ٩4 و المغرب ١/١١٢.

3) الخادر: المقيم بعرينه.

4( انظر في أبي محمد بن مالك و مقامته الذخيرة ١/٧٣٩ و ما بعدها و راجع في ترجمته القلائد ١٧٠.

5) الخافقان: المشرق و المغرب، و الثقلان: الإنس و الجن.

6) انظر في ترجمة أبي القاسم بن جهور و زملائه التكملة رقم ٣5 و رقم ٧٢٧ و رقم ٢٠٧6.

7) انظر ترجمة العبدري في المغرب ١/١١١.

8) راجع في الشريشي التكملة ١١١ و النفح ٢/١١5 و المنهل الصافي ١/٣54.

9) انظر ترجمة ابن عياض في المغرب ١/٣44 و التكملة ص ٢٣٣.

10 (التكملة ص 4٠٧.

11( راجع ترجمته في الذيل و التكملة: القسم الأول من السفر الخامس ص ٢٠٢.

12) انظر في مقامة ابن أبى الخصال تاريخ الأدب الأندلسي: عصر الطوائف و المرابطين للدكتور إحسان عباس ص ٣١6.

١3( راجع في ترجمة عبد اللّه الأزدي و مقامته الإحاطة في أخبار غرناطة (تحقيق عنان)٣/421  و ما بعدها.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.