أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-10
1134
التاريخ: 12-3-2020
11957
التاريخ: 12-3-2020
5723
التاريخ: 2023-06-14
1253
|
يخضع تكوين عقد العمل وصحته، بشكل عام، للقانون المختص – قانون مكان التنفيذ(1). إلا ان هذا التعميم يحتاج الى مزيد من التفصيل، وهو ما سنتعرض له فيما يلي:
اولاً: التراضي.
يعد التراضي ركناً مهماً من اركان العقد الثلاث(2). ويقصد به – من الناحية القانونية – توافق ارادتين على احداث اثر قانوني معين، أي ارتباط الايجاب بالقبول(3). ولتحقق ذلك لا بد من قيام كل من العاقدين – العامل وصاحب العمل – بالتعبير عن ارادته، ومن حصول التوافق بين الارادتين. ويشار في هذا الصدد بأن هنالك فرقاً بين وجود الارادة وبين التعبير عنها في نطاق العقود الدولية، ذلك ان وجود الارادة يدخل في فكرة الاهلية، ويخضع بالتالي للقانون الشخصي الذي يتمثل بقانون الجنسية. اما مسألة التعبير عن الارادة – وهي التي تهمنا في هذا المقام – فهذه تخرج من نطاق فكرة الاهلية وتدخل في مضمون فكرة التراضي محل البحث، والتي يذهب الفقه الغالب(4). بشانها الى تطبيق قانون العقد عليها. وعلى هذا النحو فان قانون عقد العمل يختص بكل ما يتصل بالتعبير عن الارادة – هذا التعبير الذي قد يكون صريحا او ضمنيا-، وكذلك حكم السكوت ومدى عدّه قبولا، كما يختص ايضا بحكم عيوب الارادة وكل ما يتعلق بها. إلا ان هناك جانباً آخر من الشراح يذهب الى غير ذلك ويرى ضرورة اخراج بعض هذه المسائل من اختصاص قانون العقد واخضاعها لقانون اخر. وفيما يلي سنتعرض لكل من هذه المسائل مع بيان الاتجاه الراجح بشانها.
1-مدى عد السكوت تعبيراً عن القبول:
فيما يتعلق بهذه المسالة يرى البعض(5). بأن تطبيق قانون العقد المحتمل ابرامه على هذه المسالة يعد امراً غير منطقي، اذ قد يفاجأ من وُجه اليه الايجاب باحكام يتضمنها قانون لا يعرفه، مما يؤدي الى نتائج غير سليمة. وعليه يرى اصحاب هذا الراي تطبيق قانون محل اقامة من وجه اليه الايجاب او قانون مركز اشغاله، ذلك لان العامل الموجب له – عادة- هو الطرف الضعيف في عقد العمل، بالاضافة الى ذلك فان السكوت يعد موقفا سلبيا، أي انه عدم لا يولد اثراً، فاذا اعتبر قبولاً وفقا لقانون العقد، فان نتيجة ذلك هو توليد العقد لاثاره، مما يترتب عليه التزامات على عاتق طرفي العقد بناء على هذا الموقف السلبي المبهم، وهو امر لا يمكن تقبله بطبيعة الحال. ويبدو ان اصحاب الراي محل البحث قد استندوا الى تبريرات سليمة، مما يمكن معه القول بضرورة الاخذ به في اطار عقد العمل، اذ غالبا ما يكون العامل موجبا له وصاحب العمل هو الموجب.
2-عيوب الرضاء:
اختلف الفقه بشأن مسالة عيوب الرضاء(6). فمنهم من ذهب الى اخضاعها للقانون الشخصي للمتعاقد الذي تكون ارادته معيبة، ومنهم من اخضعها لقانون بلد ابرام العقد، ومنهم من اخضعها لقانون عقد العمل، على نحو ما سنرى. حيث ذهب انصار الراي الاول الى ضرورة اخراج مسائل عيوب الارادة من قانون العقد واخضاعها للقانون الشخصي للمتعاقد الذي كانت ارادته معيبة(7). واستندوا في ذلك الى ان القواعد المتعلقة بهذه العيوب تهدف الى حماية الشخص ذاته، فالقواعد المتعلقة بعيوب الرضاء لا تختلف عن تلك المتعلقة بعدم الاهلية من حيث ان كليهما يقومان على قرينة قانونية قوامها عدم كفاية الرضاء، مما يؤدي الى بطلان العمل القانوني، حماية لهذا الشخص. غير ان هذا الرأي قد تعرض للانتقاد(8). ذلك لأن عيوب الرضاء لا تتعلق بالشخص ذاته قدر تعلقها بظروف التعاقد، لذلك فهي تخرج عن مضمون فكرة الاهلية التي يكون الاختصاص فيها للقانون الشخصي للمتعاقد. بالاضافة الى ذلك فان نظرية عيوب الارادة غايتها هي انشاء عقود صحيحة مهما كان سن او حالة المتعاقدين ولا علاقة لها باحكام الاهلية التي يجب ان تكون لصيقة بالشخص وعلى نحو ضيق. وعلى هذا فقد ظهر رأي اخر يذهب كذلك الى ضرورة اخراج مسألة عيوب الارادة من قانون العقد، ولكنه يطبق بشأنها قانون محل ابرام العقد(9). باعتبار ان تطبيق قانون العقد على مسالة عيوب الرضاء يؤدي الى حلقة مفرغة لا يمكن الخروج منها، فلغرض معرفة صحة التراضي لابد من الرجوع الى قانون العقد وهو ما يفترض وجود عقد صحيح مستوفىٍ شرائطه، وللتاكد من وجود العقد الصحيح يتطلب صحة التراضي وهو ما يكون بالرجوع الى قانون العقد نفسه، وهكذا فان تطبيق قانون العقد يؤدي الى حلقة مفرغة يتعذر الخروج منها. وللخروج من هذه الحلقة يقترح الرأي محل البحث تطبيق قانون بلد ابرام العقد - سيما وانه قد تم استبعاد القانون الشخصي من قبل – واساس هذا التطبيق يتم بالاستناد الى نظرية التركيز، أي تركيز الارادة في اقليم معين ( وهو الاقليم الذي يتم حصولها فيه). ومما يؤخذ على الراي السالف هو انه قد اسرف بالاعتماد على دور الارادة في تركيز التراضي باقليم محل الابرام، ذلك ان تطبيق نظرية التركيز في هذه المسالة لا يؤدي الى الخروج من الحلقة المفرغة التي ادّعى بوجودها انصار الرأي محل النقد، اذ ما دامت الارادة – وهي التي تؤدي دورا اساسيا في تركيز عناصر العقد – ارادة معيبة، فان النتيجة التي يستتبعها هذا التركيز بتلك الارادة سوف يكون معيبا ايضا. بالاضافة الى ذلك فان مسالة تحديد قانون بلد الابرام تعد مسألة صعبة للغاية في حالة ابرام العقد بين غائبين، لانه مجرد افتراض قانوني بحت لا وجود له في الواقع. الامر الذي يتضح معه عدم صلاحية تطبيق قانون محل ابرام العقد. ونظراً لعدم كفاية الآراء السابقة فان تطبيق قانون العقد المتمثل بقانون مكان تنفيذ العمل يبقى هو الاصلح في التطبيق على مسائل عيوب الارادة(10). نظرا للمزايا التي يتمتع بها هذا التطبيق، ذلك لان نظرية عيوب الارادة ترتبط بركن اساسي من اركان العقد وهو التراضي مما يوجب خضوعها لقانون العقد نفسه، فضلا عن ذلك فان قانون مكان التنفيذ يعتبر قانون البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي يتأثر بها عقد العمل، لذا فان الدولة التي ينفذ فيها العقد يكون لها مصلحة جدية ومشروعة في تطبيق قانونها على مثل هذه العقود وعلى المسائل المرتبطة بتكوينها. وعلى هذا النحو فان القانون المختص بحكم المسائل المتعلقة بعيوب الرضاء يرجع بشأنها لقانون عقد العمل والذي يتمثل بقانون مكان التنفيذ. هذا كله مع ملاحظة وجوب استبعاد نصوص القانون الاجنبي المختص اذا ما تعارضت مع احكام النظام العام الخاصة بالتراضي السائدة في دولة القاضي المرفوع امامه النزاع.
3-النيابة في التعاقد:
تثور مسألة النيابة في التعاقد(11). في الفرض الذي يقوم فيه شخص –النائب – بابرام عقد العمل على ان تنصرف اثاره الى الاصيل – الذي قد يكون عاملا او صاحب عمل – فتنتقل الى هذا الاخير الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد. وحيث ان مسألة النيابة في التعاقد تدخل في مضمون فكرة التراضي، فقد ثار بصددها التساؤل عن القانون الواجب التطبيق بشأنها؟ ان الاجابة عن هذا التساؤل تقتضي التفرقة بين النيابة الاتفاقية والنيابة القانونية. ففيما يتعلق بالنيابة الاتفاقية – كما هو الحال عقد الوكالة(12). فان الراجح هو تطبيق قانون عقد العمل الذي يبرمه النائب مع الغير(13). اي تطبيق قانون مكان التنفيذ، ذلك لان النيابة الاتفاقية تدخل في مضمون فكرة التراضي وتؤثر بالتالي على صحة العقد، مما يوجب اخضاعها لقانون العقد سعياً وراء وحدة القانون الواجب التطبيق على عقد العمل وعلى علاقة النيابة(14). اما فيما يتعلق بالنيابة القانونية او القضائية – كولاية الاب على ولده الصغير او القيِّم الذي تُعيِّنه المحكمة لادارة اموال الغائب او المحجور – فان الامر يختلف عن سابقه حيث تدخل هذه المسالة في مضمون فكرة حماية عديمي الاهلية ( التي تحكمها المادة/20 من القانون المدني العراقي) (15). مما يعني اخضاعها لقانون جنسية الشخص الذي تجب حمايته. فيختص هذا القانون بتعيين من تثبت له الحماية ومن يصلح ان يكون وصياً او قيماً، وتحديد سلطتهم في ابرام عقود العمل، وكل ما يتعلق بالمسائل الموضوعية الخاصة بحماية ناقصي الاهلية (16). إلا انه يلاحظ بأن المسائل الاجرائية المتعلقة بحماية عديمي الاهلية تخرج من مضمون الفكرة المسندة التي اشارت اليها المادة /20 من القانون المدني العراقي، وتخضع لقانون المحكمة التي تباشر امامها تلك الاجراءات(17). وبهذا نكون قد انتهينا من الركن الاول من اركان عقد العمل وهو التراضي، وبقي ان نتعرض لركني العقد الاخرين وهما كل من المحل والسبب.
ثانياً: المحل والسبب.
يعد ركن المحل من الاركان الاساسية في عقد العمل، وهو عبارة عن التزام العامل بتأدية عمل معين من جهة والتزام صاحب العمل بدفع الاجر من جهة اخرى(18). وبما ان محل عقد العمل يتمثل بكل من العمل والاجر، لذا فهما يدخلان في مضمون فكرة العقد ويخضعان بالتالي للقانون المختص بحكمه والذي يتمثل بقانون مكان التنفيذ على نحو ما تم ذكره. فيرجع الى هذا القانون في تعيين شروط المحل ومشروعية العمل محل العقد وتحديد الحدود الدنيا للاجر. اما عن ركن السبب في عقد العمل فهو مرتبط مع المحل ويتمثل في التزام كل من العامل وصاحب العمل تجاه الاخر، فالعمل يعد سبباً لالتزام صاحب العمل بدفع الاجر، والاجر يعد سبباً لالتزام العامل باداء العمل. وبما ان السبب يمثل ركنا من اركان عقد العمل، لذا لابد ان يحكم بقانون العقد نفسه تحقيقا لوحدة القانون الواجب التطبيق على عقد العمل. هذا مع ملاحظة القيد الخاص بالنظام العام، حيث يتم استبعاد احكام القانون الاجنبي المختص اذا ما تعارضت مع الافكار الجوهرية في قانون القاضي. ويلاحظ في النهاية ان الجزاء المترتب على عدم استكمال هذه الاركان او أي شرط من الشروط الواجب توافرها فيها، يترتب عليه بطلان العقد، ومسالة البطلان تدخل في مضمون فكرة العقود وبالتالي فهي تخضع لقانون عقد العمل ، فيرجع الى هذا القانون لتحديد حالات البطلان، ومن يجوز لهم التمسك به، وتحديد شروط دعوى البطلان وسقوطها، وكذلك الالتزام بالرد او التعويض(19).
___________________________
1- ان قانون مكان التنفيذ هو المختص في الاصل بحكم علاقات العمل، ولكن يلاحظ بان تعدد اماكن التنفيذ في عدة دول على قدم المساواة يستتبع تطبيق قانون مركز ادارة الاعمال، والذي يعد بمثابة محل التنفيذ الحكمي للعقد .
2- اركان العقد هي: التراضي والمحل والسبب، والشكل اذا ما كان العقد شكليا. وفي نطاق عقد العمل يشترط توافر الاركان الثلاث الاولى فقط لانه من العقود الرضائية. راجع: د.عبد المجيد الحكيم، الموجز في شرح القانون المدني، الجزء الاول، مصادر الالتزام ، مطبعة نديم، ط5، 1977، ص58.
3- المصدر نفسه، ص59.
4- Battifol Et Lagarade, Op.Cit.,P.318.
Toubiana, (A.) ,Op.Cit., P.13.
Niboyet, Op.Cit, P.95 Et S.
5- Toubiana, Op.Cit, P.15 Et S.
6- عيوب الرضاء (عيوب الارادة) هي: الاكراه، والغلط، والغبن مع التغرير،و الاستغلال. انظر المواد (112-125) من القانون المدني العراقي.
7- من انصار هذا الراي ( Bartin) و (Aubry) مشار لهم لدى: د.منير عبد المجيد، تنازع القوانين، المصدر السابق، ص218.
8- من المعارضين لفكرة القانون الشخصي الاستاذ: ( Niboyet)، حيث يذهب الى ضرورة تطبيق قانون العقد على عيوب الرضاء. راجع: Niboyet , op.cit., p.98
9- من القائلين بهذا الراي الاساتذة Moser) )و( Gemma) مشار اليهم لدى:
Szaszy, International Labour Law, op.cit.,p.305.
10- Toubiana, (A.), Op .Cit., P.2 Et S.
Niboyet , Op.Cit., P.98.
1- تعرف النيابة بأنها ( حلول ارادة النائب محل ارادة الاصيل في انشاء تصرف قانوني مع اضافة اثر هذا التصرف الى شخص الاصيل لا الى شخص النائب). والنيابة قد تكون قانونية كولاية الاب على ابنه الصغير، او قضائية كالوصي الذي تعينه المحكمة على القاصر، او اتفاقية كما في عقد الوكالة . راجع: د.عبد المجيد الحكيم ، المصدر السابق، ص 94-95.
2- عرفت المادة /927 من القانون المدني العراقي عقد الوكالة بأنه:( عقد يـقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم).
3- د.هشام علي صادق، تنازع القوانين، المصدر السابق، ص692.
4- ويلاحظ بهذا الصدد بان اتفاقية لاهاي لعام 1978 الخاصة بالقانون الواجب التطبيق على عقود الوساطة والتمثيل التجاري، قد اشارت في المادة /11 منها الى اخضاع النيابة الاتفاقية للقانون الذي يحكم العلاقة بين النائب والاصيل، اي لقانون عقد الوكالة، إلا انه في حالة تجاوز النائب حدود نيابته فان قانون المحل الذي يعمل فيه الوكيل يكون هو الواجب التطبيق. راجع نصوص هذه الاتفاقية منشورة في:
Rev. Crit., 1978, P.31 Et S.
5- تنص المادة /20 مدني عراقي على ما يلي:( المسائل الخاصة بالوصاية والقوامة وغيرها من النظم الموضوعة لحماية عديمي الاهلية وناقصيها والغائبين يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون اليها).
6- يلاحظ بأن تقدير اسباب امتناع النائب الذي يُعيِّنه القانون عن قبول النيابة، لا يرجع بشانها الى قانون من تجب حمايته وانما لقانون جنسية النائب نفسه. باعتبار ان هذه المسالة تعد من المسائل الماسة بشخص النائب.
7- انظر: المادة /28 من القانون المدني العراقي.
8- د. شاب توما منصور، المصدر السابق، ص345.
19- Battifol Et Lagarde, Op. Cit., P.327.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|