المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



مشاكل عملية من واقع الحياة  
  
3730   01:44 مساءً   التاريخ: 21-4-2016
المؤلف : الشيخ حسان محمود عبد الله
الكتاب أو المصدر : مشاكل الاسرة بين الشرع والعرف
الجزء والصفحة : ص285-296
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / مشاكل و حلول /

بعض المشكلات التي تحصل في المجتمع عادة بين الاهل وأبنائهم وقد اخترت منها الحالات العامة كثيرة الحدوث والتي عملت على علاجها خلال فترة طويلة من الزمن أثناء عملي في مجال حل المشاكل الأسرية . وهي على الشكل التالي :

1ـ بين حق الزوجة وحق الوالدين :

تعتبر المشكلة بين الزوجة وأهل الزوج من أكثر المشاكل شيوعا منذ قديم الزمان ، وفي هذا المجال يقع الابن في مشكلة كبيرة فهو بين نارين إرضاء والديه الذي يعتبر إرضاء لله وإرضاء زوجته التي قد تقف حائلا دون قيام الزوج بواجباته تجاه أهله، إن اكتشاف طريقة يستطيع فيها الزوج التوفيق بين أهله وزوجته يعتبر أمراً صعبا ذلك أنه في بعض الحالات يصل التنافر في الطباع حداً يستحيل معه التوفيق بين الطرفين ، ومع ذلك يمكن للزوج أن يستكشف طريقة يعالج فيها المشكلة من دون أن يتخلى عنهما ، وذلك يعتمد أساساً على قوة الشخصية التي يتمتع بها الزوج وقدرته على إقناع زوجته بضرورة التحمل حتى لا يسخط الله سبحانه وتعالى بإغضابه لوالديه ، وهذا يحتاج الى حكمة وتعقل كبيرين .

يحصل بين الزوجين مشاكل كثيرة بسبب الأهل ويجمعها عناوين متعددة اهمها ما يلي :

أ‌- احتضان الزوج لأهله وعدم  رضا الزوجة :

عندما يكبر الوالدان يحتاجان بشكل ضروري أن يكونا بجانب ابنهما خاصة في فرض مرضهما مرضا يحتاج الى رعاية دائمة ومكثفة , ويحاول الزوج إقناع زوجته بان ترضى بسكن أبويه معه ولكنها ترفض ذلك بشدة وقد يكون السبب إما لأنها كانت سابقا على خلاف معهم أو لانهما يتدخلان في شؤون البيت , أو لمجرد أنها تريد الاستقلال في بيتها من دون منازع أو شريك وفي بعض الأحيان تكون الزوجة محقة لجهة أن هذان الأبوان صعبا المراس وقد يكونان حتى سيئا الطباع إلا أن ذلك لا يمنع من محاولة التأقلم مع الموضوع حبا بزوجها لا كرامة لهما  المهم أن الزوجة ترفض سكن والدي الزوج أو احدهما معها في البيت وكما قلنا ... للزوجة حق السكن المستقبل الذي لا ينازعها فيه أحد فماذا يفعل الزوج هل يطرد والديه المحتاجين إليه من بيته ؟ أم هل يطلق زوجته ؟ أم هل يفرض عليها بالقوة قبول والديه في بيتها ؟ والحقيقة أن على الزوج أن يبحث عن الوسيلة المقنعة لزوجته كي تقبل بأهله ويبلغها أنه سيحفظ لها هذا الجميل طول حياته , فان أصرت على الرفض عليه في هذه الحالة البحث عن سكن ملاصق لداره واستئجاره لوالديه كي يكونا قريبين منه وتكليف خادمة تقيم معهما ترعى شؤونهما وبذلك يجمع بين الحقين حق الزوجة بالاستقلال وحق الاهل بالرعاية .

ولكن إذا ما كان الزوج لا يمتلك القدرة المالية التي تؤهله لتنفيذ الخيار فماذا يفعل ؟ إنه سيصل الى الخيارين اللذين يوصفان بأن أحلاهما مر ؟ وهما إما إن يترك أهله , أو أن يترك زوجته , وهنا لا مجال له إلا أن يختار أهله لأن الله سبحانه وتعالى دعا لتحصيل رضاهما ولم يدعونا لتحصيل رضا الزوجة فساعتئذ عليه أن يضعها بين خيارين : إما أن ترضى بأن يعيش والده معه, أو أن يضطر الى طلاقها مع أنه لا يرغب في ذلك ومع مرارة هذا القرار عليه فإن اختارت أن تترك البيت وتطلب الطلاق فساعتئذ تكون هي التي اختارت لا هو , وأيضا يكون قد استنفد كل وسائل الحل ولم يفلح فلا يلام . خاصة انه استنفد كل وسائل الإقناع معها وأصرت هي على موقفها .

إن وقوف الإنسان في موقف حدي بين أن يرضي أهله الذي به رضا الله سبحانه وتعالى وبين أن يغضبهما من أجل رضا زوجته هو موقف صعب إلا أن الإنسان المؤمن لن يجد نفسه متحرجا أبدا في اختيار رضا الله سبحانه وتعالى ورضا والديه حتى لو أغضب ذلك زوجته وأدى الأمر الى طلاقهما .

وهنا ألفت الى أمر مهم وهو أنه في كثير من الحالات من هذا النوع كان الزوج عندما ننصحه بهذه النصيحة مبينين له الحكم الشرعي ويقوم بتنفيذ الأمر فإن الذي كان يحصل هو أن الزوجة كانت تعود عن قرارها محافظة على زواجها وخاصة إذا كان لديهما أولاداً .

ب‌- الخلافات بين الزوجة والأبوين :

من الخلافات التي تحصل أيضا أن تكون الزوجة على خلاف مع أحد أبوي الزوج , أو كليهما فينعكس ذلك سوء معاملة منها لهما , فيلجأ الأبوان الى ابنهما كي يكون حكما أو على الأقل ليكف لسان زوجته عنهما , فما الذي يحصل ؟

ـ الأزواج في هذا المجال أنواع .

ـ النوع الأول :

هو زوج ينقاد وراء زوجته فيعادي أبويه ويضع الحق عليهما من دون أية أدلة , بل حتى مع اقتناعه داخليا بأنهم على حق . وهذا النوع من الرجال لا إشكال في كونه مأثوما من الناحية الشرعية لأنه لا يجوز له في كل الأحوال حتى في فرض تصرف أبويه بطريقة خاطئة أن يعاقبهما أو يؤذيهما , بل إن تكليفه الشرعي أن يصاحبهما في الدنيا بالمعروف , وإذا وجد أنهما يؤذيان زوجته محاولة التوصل لدفع أذاهما لكن لا من خلال إيذائهما .

ـ النوع الثاني :

هو زوج يضع الحق في ذلك على زوجته ويؤذيها وهو بذلك يريد إما أن يبرهن على أنه جيد مع أبويه فلا يتحقق من كونهما محقين فيما يدعيانه , وهذا النوع من الازواج وإن كانت دوافعه خيرة إذ إنه يريد أن لا يؤذي والديه وأن تكون زوجته عاملا مساعدا له في تحملها لأن تكليفه الشرعي الإحسان إليهما , غير أنه من الناحية الشرعية لا يجوز أن يكون هذا العنوان الجيد سببا لظلم زوجته وإيذائها وهي غير مخطئة . أو أنه تأكد فعلا أن زوجته على خطأ , فساعتئذ هو محق في محاسبتها لكن على أن لا يتجاوز الحد الشرعي في ذلك .

ـ النوع الثالث :

هو زوج يحقق في الموضوع ويصل الى نتيجة يتعامل على أساسها , فإن كان الحق على زوجته عاقبها ووضع حدا لها , وإن كان على والديه فهنا نوعان من الأبناء :

- نوع يقوم بمحاسبة أهله ولعله يصل الى حد العقاب لهما , وهذا النوع مخطئ في تصرفه ومأثوم .

- نوع آخر يعتبر أنه لا يستطيع محاسبة والديه فيقوم بأسلوب حكيم بتقريب فكرة أنهما مخطئان لهما كي يبادرا إما لحل الموضوع , أو على الاقل للتخفيف من أذاهما لزوجته . وهذا النوع هو الذي يتصرف على الاسس الشرعية .

ج- منع الزوجة زوجها من الإنفاق على اهله :

في بعض الأحيان يكون الولد بارا بوالديه بغض النظرعن قيام إخوته بذلك أم لا , فيقوم بإعطاء

أهله كل ما يحتاجون إليه من مال لأن إخوته لا يقدمون شيئا مع قدرتهم على ذلك , وتتدخل الزوجة هنا لتقول له : فلينفق إخوتك لماذا أنت الذي تنفق دائما ؟ ولماذا لا تنقطع عن الدفع حتى يشعر إخوتك بأنهم مقصرون ؟ ولكن هذا الزوج المؤمن الشريف يرفض ذلك , مما يؤدي الى انعكاس الامرعلى حياته الزوجية سلبا ,وكثيرا ما كنا نرى بعض الأزواج ينصاعون لزوجاتهم ويتركون الإنفاق على أبويهما ويصل الأمر الى التحاكم الشرعي .

من الناحية الشرعية يجب على الابن الإنفاق على والديه ولا يجوز له بسبب عدم قيام إخوته بذلك أن يمتنع هو عن أداء واجبه , فهذا تماما مشابه للذي يترك الصلاة لأنه لا أحد يصلي في محيطه مع قناعته بوجوبها .

وبالتالي حيث إن الأمر يتعلق بتكليف شرعي , وحيث إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق يجب عليه أن لا ينصاع مهما كانت النتائج لإرادة زوجته المحرمة , حتى لو أدى الامر الى الانفصال إن لم يكن هناك تأثيرات سلبية لذلك , المهم يجب على الابن ان يلتفت الى أن رضا الله من رضا والديه .

2- تنازل الأبوين عن مالهما لأولادهم :

من المشاكل الخطيرة التي كنا نواجهها هو تنازل الأبوين أحدهما أو كلاهما عن كل ما يملكان لأبنائهما , ثم بعد حصول ذلك وانتقال الملكية للأولاد وصيرورة الأبوين فقيرين لا يملكان شيئا يقوم هؤلاء الأولاد العاقون بتركهما وإهمالهما , وإذا ما تنازلا فقد يمنان عليهما بزيارة في الشهر مرة بعد أن كانوا لا يغادرون البيت ويحرصون على رضاهما عندما كانت الأملاك باسمهما قبل التنازل عنها , أما اليوم وبعد أن انتقل كل شيء الى ملكيتهم فلم يعد هناك ما يبرر أن يزورانهما بشكل يرضيهما.

والاخطر من ذلك تركهما بلا نفقة كافية بعد أن كانا يملكان مالا كثيرا يستطيعان صرفه على نفسيهما .

إن هذه الحالات تدعونا الى أن نطلب من الآباء أن لا يقوموا بمثل هذه التصرفات الخاطئة فلا يتركوا أموالا لأولادهم حتى يقضي الله سبحانه وتعالى قضاءه فلا يعرف أحد كيف سيصبح الامر لاحقا , ولعل الولد الذي يبدي محبة عالية اليوم سيتحول غدا الى انسان بغيض بعد ان اصبح كل المال بيده اذ انه كان يهدف منذ البداية للاحتيال وصولا الى هذا المال . او أن المال غيره فعلا , فليستفد الأبوان من المعاملة الخاصة من أولادهم طمعا بالمال أفضل من التنازل عنه ثم يجدان أنهما بلا مال ولا أولاد , وقد قال لي احد هؤلاء الآباء عندما سألته لماذا تنازلت عن مالك كل مالك لهذا الولد العاق الذي لا يتلفت إليك اليوم ويتركك بلا دواء ولا علاج إذ إن الأب مريض ويحتاج الى علاج دائم ؟ فأجاب بأنه فعل ذلك بسبب أن ابنه هدده بقطع علاقته به إن لم يفعل , وفي نفس الوقت وعده بأنه سيهتم به كل الاهتمام اللازم ويأخذه الى بيته تعتني به زوجته وأولاده . ولكن الذي حصل أنه أخذ المال ثم أبقاه حيث هو وحيدا ولم يعد يزوره , بل أكثر من ذلك لم يعد يشتري له الدواء الضروري لحياته ما اضطر الاب للجوء الى المساعدات الاجتماعية لتحصيل دوائه وتأمين علاجه .

فلو كان هذا الأب امتنع عن إعطاء ابنه المال ونفذ ابنه التهديد فإن الذي سيحصل هو ترك الابن أباه ولكن مع ماله الذي يستطيع استعماله للإنفاق على نفسه من دون حاجة احد . أما اليوم فهو يعيش بلا مال ولا ولد .

3- خوف العوز كسبب لترك الاولاد النفقة على والديهم :

كثيراً من الأحيان يكون سبب ترك الأبناء رعاية آبائهم هو خوف العوز والفقر, لذلك لا يقومون بواجباتهم تجاه أهلهم انطلاقا من هذا الخوف , فقد يكون الأب بحاجة لعملية جراحية مكلفة توجب على الولد الاستدانة , أو إرهاق نفسه أو ترك بعض الكماليات لفترة حتى يستطيع تأمين الأموال اللازمة لهذه العملية , فيقوم الابن بترك الأب يعاني من المرض حتى يموت وهو بذلك يكون مأثوما من الناحية الشرعية , إضافة الى أنه يكون قد أساء الظن بالله كون الاحاديث متضافرة على أن الذي ينفق على أبويه لن يتعرض لنقص في ماله , بل إن الإنفاق على الأبوين سيزيد من ماله ويوسع عليه رزقه .

وقد ورد في ذلك ما رواه داوود بن كثير الرقي عن الإمام الصادق(عليه السلام) حيث قال: سمعت أبا عبد الله الصادق(عليه السلام) يقول : من أحب ان يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت , فليكن لقرابته وصولا , وبوالديه بارا , فإذا كان كذلك ,هون الله عليه سكرات الموت , ولم يصبه في حياته فقرا أبدا)(1) .

فمن الواضح أن الذي يبر والديه وينفق عليهما لن يصيبه الفقر أبدا وهذا وعد من الله سبحانه وتعالى وهو الذي لا يخلف وعده أبدا , في حين أن الفقر هو نتيجة حتمية للعقوق فقد ورد عن الإمام الهادي (عليه السلام) قوله:(العقوق يعقب القلة , ويؤدي الى الذلة)(2) ،وهذا الحديث يشكل دليلا واضحا على أن القلة والفقر هو نتيجة حتمية لعقوق الوالدين , فحتى من أراد أن يوسع رزقه عليه أن يبحث عن البر الأكبر للوالدين إذ إنه طريق حتمي له .

4- الوالدان بعد الكبر (التشريد – دور العجزة) :

من الأمور التي توقع الأبناء بالعقوق هو شيخوخة الأبوين الى حد وصولهم الى العجز الذي يؤدي الى عدم قدرتهم على قضاء حاجتهم لوحدهم , فترفض الزوجة ذلك باعتبار أنها غير مسؤولة عن ذلك , ويقوم الابن بذلك لفترة ثم يصل الى مرحلة يجد نفسه أنه غير قادر على إكمال هذه المسيرة فيطرد والده من البيت , أو على الأقل يأخذه الى مأوى للعجزة .

هذا الولد ألم يكن طفلا وكانت أمه التي يأنف منها الآن ويقرف تمسح له وسخه وتقضي له حاجته ؟ أين الوفاء ؟ وقبل ذلك أين الإنسانية ؟

كثيرة هي الحالات التي أدمت قلوبنا والناتجة عن ترك الأولاد لأهلهم في سن أصبحوا بحاجة فيه لأولادهم الذين بذلوا الوقت والمال وكل غال ورخيص من أجل تربيتهم ,لو أن هؤلاء الاولاد يعلمون الأجر الكبير الذي يتركونه بتركهم لأهلم لما فعلوا ذلك . بل لو أنهم يدرون العقاب الذي سينالونه من جراء تركهم لهم وهو جهنم وساءت مصيرا لما فعلوا ما فعلوه ولكنهم أصيبوا بغشاوة على أعينهم فلم يعودوا يبصرون .

وقد ورد عن إبراهيم بن شعيب أنه قال للإمام الصادق (عليه السلام):(إن أبي قد كبر جدا وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة ؟ فقال : إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقِّمه بيدك فإنه جنة لك غدا)(3) .

إن الإمام الصادق(عليه السلام) يطلب من هذا الشخص أن يستمر بقضاء حاجة والده, بل واضاف الامام الصادق (عليه السلام) عليه ان يلقمه وهو دليل على وجوب القيام بكل أمور الأب ولو استلزم الأمر أكثر من قضاء الحاجة والإطعام ،لان هذا الفعل سيكون حتما سببا لدخوله الجنة .

ـ قصة وعبرة :

ومن القضايا الكثيرة التي عشناها قضية امرأة كبرت بالعمر كثيرا وصارت لا تستطيع قضاء

حاجتها بنفسها وكان أولادها يُلقون همها كل واحد منهم على الآخر ما يؤدي الى تخاصمهم ولجوئهم الى المحاكم , وعندما جاؤوا إلينا قمنا بوعظهم ونبهناهم الى عظم الجرم الذي يقعون فيه , وبعد إفهامهم الحكم الشرعي بوجوب قيامهم برعاية أمهم وأنه لا يسقط الوجوب عن أحدهم بعصيان الآخر اتفقنا على توزيع هذا الواجب عليهم بالتساوي فقمنا ببرمجة الأمر حيث يكون نصيب كل واحد منهم وقتا محددا مساويا للآخرين , ولكن هذا البرنامج كثيرا ما كان يتعرض للانتكاس بسبب ضيق زوجة أحدهم من تحمل هذه الام المعذبة , ومع ذلك ظلوا يتحملون الأمر لسنوات طوال متمنين في كل سنة أن ينتهي عمر هذه الأم ولكنها قاومت الأمراض وعاشت سنين طويلة حتى وصلت الى مرحلة متقدمة من الهرم مع بعض الخوف الذي ينتابها بين الحين والآخر , حتى وصل الأبناء الى قناعة أن يدخلوها الى مأوى للعجزة وقلنا لهم وقتها عندما سألونا عن الموقف الشرعي في هذا المجال بأنه صحيح قد لا يكون محرما عليكم أن تدخلوها المأوى ولكنكم تتركون أجر كبيرا إضافة الى أنكم تضيعون سمعة طيبة حصلتم عليها من خلال احتضانكم لأمكم اصبروا قليلا ولا تضيعوا ما فعلتموه . ولكنهم أصروا وأدخلوا أمهم المصحة وانتشر الخبر بين الناس ما اضطرهم الى التبرير الدائم عن الفعل الذي قاموا به , ولكن المفاجأة التي حصلت أنها توفيت في المصح بعد عشرة أيام من دخولها إليه , فلو أنهم تحملوا قليلا لكانوا حصلوا على الأجر الكبير من الله سبحانه وتعالى ولما تعرضوا للكلام الذي سمعوه الآن بأنهم لم يستطيعوا التحمل قليلا من أجل أمهم فحصل معهم تماما كالذي يحلب البقرة فيملأ دلوا كبيرة ثم يريقه على الارض , وهذا أبرز مصاديق سوء التوفيق المرتبط أساسا بعدم صدق النية , لانهم تحملوا الأمر مع كثير من الشكوى والمشاكل طوال أحد عشرة سنة اضاعوها بعدم القدرة على الصبر عشرة أيام وهذا دليل على عدم خلوص النية لله عز وجل فكما قيل في الحكمة الشائعة:(خير الأعمال بالإكمال).

5- بِروا تُبَروا علاقة جدلية :

من الأمور التي تحصل عادة وهي من الحكم والسنن التي يجب الالتفات إليها , موضوع تختصره عبارة كما تُعامِل تُعامَل , وقد ثبت لنا ذلك من خلال دارسة حالات الأولاد العاقين بوالديهم إذ بيتن لنا من خلال التقصي ان كثيرا من الحالات التي يكون فيها الأب يعقه ابنه , أن هذا الأب كان في أيام شبابه عاقا بوالديه , ما يؤكد مسألة العقاب في الدنيا للعاق لوالديه ... , وهذا الأمر تحدثت عنه الاحاديث الشريفة أيضا فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله:(بروا آباءكم يبركم أبناؤكم , وعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم)(4).

فإن العاق بوالديه عليه أن يتوقع مستقبلا أن يعقه ابنه فهذه سنة في الكون ولعله العقاب الآجل على ما فعله وقد اختبرت الامر علميا من خلال أسئلة وجهتها لأكثر الآباء الذي كانوا يتابعون مشكلتهم مع أبنائهم لدي فوجدت إن نسبة عالية منهم كانوا عاقين لوالديهم , وكثيرا منهم تحدثوا عن هذا الموضوع ابتداء من دون سؤال منا فكانوا يقولون نحن نستأهل ذلك لقد أرانا الله سبحانه وتعالى نتيجة عقوقنا لوالدينا من خلال عقوق أبنائنا لنا .

باختصار مسألة بر الوالدين مسألة مهمة أعطاها الشارع الكريم رعاية خاصة فجعل بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله عز وجل في حين اعتبر العقوق أكبر الكبائر بعد الشرك بالله سبحانه وتعالى , ويجب على الإنسان أن يعامل والديه بالحسنى فلا يسيئ إليهم بكلمة حتى لو كانت بمستوى أف ولا بنظرة فيها غضب أو إساءة ولا بتصرف يؤدي الى انزعاجهم , بل يجب على الأولاد الإنفاق على أبويهم ورعايتهم في أثناء عجزهم ولو بأن يقضوا لهما حاجتهما الخاصة ولا يمنن بما يفعلان فهذا أقل الواجب وبفعلهم له لا يكونوا قد وفوا لأمهم ساعة قضتها في ليل مظلم أمام سريرهم عندما مرضوا ويكفي أن أمك وأباك عندما رعياك فعلا ذلك وهما يتمنيان حياتك أما أنت فإنك تفعل ذلك وأنت تتمنى موتهما والفارق بين الثمنين كبير وأوضح من أن يبين .

يجب على الاولاد البحث عن الطريقة المثلى التي يقوموا بها ببر والديهم , وإذا ما تعارض  ذلك مع حق الآخرين فيجب ان يفتش الأبناء عن مراعاة التوازن الذي قد يكون صعبا في بعض المجالات بين حفظ حق الاخرين كالزوجة مثلا، وبين حق الوالدين الذي هو في مطلق الأحوال أعظم عند الله سبحانه وتعالى وأهم.

_______________

1ـ أمالي الصدوق ص 473 .

2ـ مستدرك الوسائل الجزء 15 ص 195 .

3ـ الكافي الجزء 2 ص 762 .

4ـ الكافي الجزء 5 ص 554 .




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.