أقرأ أيضاً
التاريخ: 20/9/2022
1940
التاريخ: 22-5-2019
2616
التاريخ: 13-8-2022
3391
التاريخ: 28-3-2016
3868
|
الظاهرة الاُخرى في المجتمع الكوفي الغدر فقد كان مِنْ خصائصهم التي اشتهروا بها وقد ضُرِبَ بهم المثل فقيل : أغدر مِنْ كوفيّ كما ضُرِبَ المثل بعدم وفائهم فقيل : الكوفي لا يوفي ؛ وقد وصفهم أمير المؤمنين (عليهم السّلام) بقوله : اُسود روّاغة وثعالب روّاغة , وقال فيهم : إنّهم اُناس مجتمعة أبدانهم مختلفة أهواؤهم وإنّ مَنْ فاز بهم فاز بالسهم الأخيب , وإنّه أصبح لا يطمع في نصرتهم ولا يصدق قولهم .
لقد كان الجانب العملي في حياتهم هو التقلّب والتردّد والتخاذل وقد غرّوا زيد بن علي الثائر العظيم فقالوا له : إنّ معك مئة ألف رجل مِنْ أهل الكوفة يضربون دونّك بأسيافهم وقد أحصى ديوانه منهم خمسة عشر ألفاً كانوا قد بايعوه على النصرة ثمّ لمّا أعلن الثورة هبط عددهم إلى مئتي وثمانية عشر رجلاً ؛ وقد نصح داود بن علي زيداً بأنْ لا ينخدع بأهل الكوفة فقال له : يابن عمّ إنّ هؤلاء يغرّونك مِنْ نفسك ؛ أليس قد خذلوا مَنْ كان أعزّ عليهم منك جدّك علي بن أبي طالب حتّى قُتِلَ؟ والحسن مِنْ بعده بايعوه ثمّ وثبوا عليه فانتزعوا رداءه مِنْ عنقه وانتهبوا فسطاطه وجرحوه؟ أو ليس قد أخرجوا جدّك الحُسين وحلفوا له بأوكد الأيمان ثمّ خذلوه وأسلموه ثمّ لمْ يرضوا بذلك حتّى قتلوه ؟
وكانوا ينكثون البيعة بعد البيعة وقد ألمع إلى هذه الظاهرة أعشى همدان الذي كان شاعر ثورة محمّد بن الأشعث الذي ثار على الحجّاج يقول داعياً على أهل الكوفة :
أبى اللهُ إلاّ أنْ يتمّمَ نورَهُ ويُطفئَ نورَ الفاسقين فيخمدا
ويُنزل ذلاً بالعراقِ وأهلهِ لما نقضوا العهد الوثيق المؤكّدا
وما أحدثوا مِنْ بدعةٍ وعظيمةٍ مِن القول لمْ تصعد إلى الله مصعدا
وما نكثوا مِن بيعةٍ بعد بيعةٍ إذا ضمنوها اليوم خاسوا بها غدا
وقد عرفوا بهذا السمت عند جميع الباحثين ويرى فلهوزن إنّهم متردّدون متقلّبون وإنّهم لمْ يألفوا النظام والطاعة وإنّ الإخلاص السياسي والعسكري لمْ يكنْ معروفاً لهم على الإطلاق وأكّد ذلك الباحث وزتر شنين يقول : إنّ مِنْ صفاتهم المميّزة البارزة الهوائية والتقلّب ونقص الثقة بأنفسهم.
ولمْ يكنْ هذا التذبذب في حياتهم مقتصراً على العامّة وإنّما كان شائعاً حتّى عند رجال الفكر والأدب ؛ فسراقة الشاعر المعروف وقف في وجه المختار واشترك في قتاله يوم جبّانة السبيع فلمّا انتصر المختار وقع سراقة أسيراً بين يدي أصحابه فزُجّ به في السجن فأخذ سراقة يستعطفه وينظم القصيد في مدحه ويذكر مبادئ ثورته ويبالغ في تمجيده فكان ممّا قاله فيه :
نُصرتَ على عدوِّك كلّ يومٍ بكلّ كتيبةٍ تنعى حُسينا
كنصرِ محمّد في يوم بدرٍ ويوم الشِّعبِ إذ لاقى حُنينا
فأسجح إذ ملكت فلو ملكنا لجرنا في الحكومةِ واعتدينا
تقبّل توبةً منّي فإنّي سأشكرُ إنْ جعلتَ النقد دينا
ولمّا عفا عنه المختار خرج مِن الكوفة فلمْ يبعد عنها قليلاً حتّى أخذ يهجو المختار ويحرّض عليه وقد قال في هجائه :
ألا أبلغ أبا إسحاقَ أنّي رأيتُ البلقَ دهماً مصمتاتِ
كفرتُ بوحيكُمْ وجعلتُ نذراً عليّ قتالكمْ حتّى المماتِ
أرى عينيّ ما لمْ تُبصراهُ كلانا عالمٌ بالترّهاتِ
إذا قالوا أقولُ لهم كذبتمْ وإنْ خرجوا لبستُ لهم أداتي
لقد مضى يصبّ ثورته وسخريته على المختار وأصحابه في نفس الوزن الذي نظم فيه قصيدته السابقة ومِن الطبيعي إنّ هذا التناقض في حياتهم كان ناجماً مِن الاضطراب النفسي وعدم التوازن في السلوك.
ومِن غرائب ذلك التناقض أنّ بعضهم كان يحتاط في أبسط الاُمور ولا يتحرّج مِن اقتراف أعظم الموبقات! فقد جاء رجل مِنْ أهل الكوفة إلى عبد الله بن عمر يستفتيه في دم البعوض يكون على الثوب أطاهر أم نجس فقال له ابن عمر : مِنْ أين أنت؟
ـ مِنْ أهل العراق.
فبُهر ابن عمر وراح يقول : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)! وقد سمعته يقول فيه وفي أخيه : هما ريحانتاي مِن الدنيا !
ويعزو بعضهم السبب في هذا الاضطراب إلى الظروف السياسية القاسية التي مرّت عليهم ؛ فإنّ الحكم الاُموي كان قد عاملهم بمنتهى القسوة والشدّة فرماهم بأقسى الولاة وأشدّهم عنفاً أمثال المغيرة بن شعبة وزياد بن سُميّة ؛ ممّا جعل الحياة السياسية ضيّقة ومتحرّجة ممّا نجم عنه هذا التناقض في السلوك.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|