أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-6-2018
9946
التاريخ: 6-8-2017
3108
التاريخ: 6-8-2017
1724
التاريخ: 2024-09-08
375
|
ظهرت فكرة القاعدة الدولية الآمرة في بعض أحكام القضاء الدولي وآرائه الإفتائية كما انطوت اتفاقية فينا على تقرير حماية إجرائية متميزة إلى جانب الحماية الموضوعية للقواعد الدولية الآمرة فقد خصَّت المادة (66/1) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات تلك القواعد بأحكام خاصة وقد جاء بها: "إذا لم يتم التوصل إلى حل وفقا للفقرة (3) من المادة (65) خلال الاثنى عشر شهر التالية لتاريخ بدء الاعتراض تطبق الإجراءات التالية :
1-يجوز لكل طرف في نزاع خاص بتطبيق أو تفسير المادتين (53و64) أنْ يرفعه كتابة إلى محكمة العدل الدولية إلا إذا قررت الأطراف باتفاق مشترك إخضاعه للتحكيم. فالأصل هو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية إذ تستطيع الدولة التي تدعي بطلان معاهدة لمخالفتها لقاعدة دولية آمرة أنْ تلجا إلى محكمة العدل الدولية دون انتظار لموافقة الدولة الأخرى على عرض المنازعة على المحكمة (ولاية إجبارية)، وذلك ما لم يتفق الطرفان على الالتجاء إلى أسلوب التحكيم ولا شك أنَّ محكمة العدل الدولية هي الأقدر على الكشف عن الصفة الآمرة للقواعد القانونية الدولية لان تلك القواعد لا تخص أطراف المعاهدة دون سواهم وإنما تتعلق بالمجتمع الدولي بأسره(1) . وبقدر تعلق الأمر بالطبيعة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني فإننا سنعرض الأحكام القضائية التي أصدرتها محكمة العدل الدولية والتي تثبت تلك الطبيعة إضافة إلى ذكر عدد من الأحكام القضائية التي أصدرتها المحاكم الدولية الأخرى فضلا عن استعراض الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية التي أشارت فيها إلى طبيعة القانون الدولي الإنساني الآمرة .
الفرع الأول
الأحكــام القضـائية
أصدرت محكمة العدل الدولية عددا من الأحكام القضائية اوحت بها إلى الطبيعة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني، هذا فضلا عن إصدار عدد آخر من المحاكم الدولية لبعض الأحكام التي تبين هي الأخرى ثبوت تلك الطبيعة .
أولا: الأحكام التي أصدرتها محكمة العدل الدولية:
يمكن ملاحظة وجود قضيتين أشارت بها محكمة العدل الدولية للطبيعة الآمرة إلى قواعد القانون الدولي الإنساني وهما:
1-قضية مضيق كورفو:
ملخص هذه القضية أنَّه بتاريخ 15 من أيار 1946 أطلقت قوات المدفعية الألبانية نيران مدافعها على سفينتين حربيتين بريطانيتين حال مرورها بالمياه الألبانية الإقليمية في مضيق كورفو وإزاء ذلك سلمت الحكومة البريطانية في 2 آب سنة1946 مذكرة احتجاج إلى الحكومة الألبانية وصفت فيها مرور سفينتيها في المضيق بأنه (مرور برئ) تم في مياه احد المضايق التي تشكل طرقا مفتوحة للتجارة البحرية الدولية وفي 22 من تشرين الثاني سنة 1946 شرعت أربع من قطع الأسطول البريطاني في عبور المضيق وما أنْ بلغت المياه الإقليمية الألبانية حتى اصطدمت بعدد من الألغام البحرية فانفجرت فأصيب اثنان منها بخسائر جسيمة فضلا عن مقتل أربعة وأربعين من ضباط وأفراد طاقميها، وفي أعقاب ذلك إن بعثت بريطانيا في 12-13 من تشرين الثاني سنة 1946 إلى المضيق بسفن حربية كاسحة للألغام وسوغت ذلك بما أسمته (حق التدخل) بيد أنَّ ألبانيا اعتبرته خرقا لسيادتها الإقليمية،(2) وعندما اتفق الطرفان على طرح النزاع أمام محكمة العدل الدولية ألقت بريطانيا على ألبانيا بالمسؤولية عن الأضرار التي أصابت سفينيتها وطاقميها استنادا إلى إن ألبانيا زرعت حقول الألغام أو في الأقل كانت تعلم بها فكان يقع على عاتقها الإعلان عنها وفقا لما تقضي به المادتان الثالثة والرابعة من معاهدة لاهاي الثانية لسنة 1907 والمبادئ العامة للقانون الدولي والقواعد الإنسانية، وفي سبيل درء مسؤوليتها تذرعت ألبانيا بانتفاء الدليل على ما نسب إليها وحملت بريطانيا المسؤولية لاعتدائها على سيادتها الإقليمية بسبب مرور سفنها في المياه الإقليمية الألبانية دون إن تخطر السلطات المحلية وتحصل على إذن سابق منها. وفي التاسع من نيسان سنة 1949 أصدرت المحكمة حكما يقضي بمسؤولية ألبانيا عن انفجار الألغام البحرية في المضيق وما نجم عنه من أضرار تستوجب التعويض تأسيسا على أنَّها قعدت عن الوفاء بالتزامها في الإعلان عن وجود هذه الألغام في مياهها الإقليمية وتحذير السفن البريطانية من هذا الخطر الداهم وهو التزام مقرر لمصلحة الملاحة الدولية عموما وقالت المحكمة في أسباب حكمها إن هذا الالتزام تأسس على بعض المبادئ العامة المعترف بها والتي تمليها الاعتبارات الأولية الإنسانية وهي مبادئ تطبق في زمن السلم والحرب على السواء وحددت هذه المبادئ في مبدأ حرية المواصلات البحرية والتزام كل دولة بالامتناع عن مباشرة أعمال على إقليمها تضر بحقوق الدول الأخرى، وفي الوقت نفسه قضت المحكمة بمسؤولية انكلترا لانتهاكها السيادة الإقليمية لألبانيا وأكدت على أنَّ احترام السيادة الإقليمية يعد احد الأسس الجوهرية في العلاقات الدولية(3). ويكشف هذا الحكم عن أنَّ المحكمة أقرت بوجود مصلحة دولية مشتركة وان التزام الدولة بالإعلان عن الألغام المعروفة في مياهها الإقليمية وتحذير السفن الأجنبية من مخاطرها هو التزام غايته تلك المصلحة ومبناه الاعتبارات الأولية الإنسانية الأكثر إطلاقا في وقت السلم منه في وقت الحرب وضرورة التزام كل دولة بعدم استعمال إقليمها لأغراض مخالفة لحقوق الدول الأخرى(4)، وعند ذلك يمكن القول أن ذلك يعكس ثمة قاعدة قانونية آمرة يمتنع على الدول أنَّ تخالفها في جميع الأوقات .
2-قضية برشلونة تراكشن(5):
وقد سبق شرح تفاصيل هذه القضية إذ أقرت محكمة العدل الدولية فيها قواعد أساسية تختلف عن القواعد الأخرى وخلصت إلى انه في مجال الحماية الدبلوماسية هناك فارق أساسي بين التزامات الدول نحو المجتمع الدولي في مجموعة والتزاماتها في مواجهة دولة أخرى وان الالتزامات الأولى هي في مواجهة الكافة وتهم في طبيعتها جميع الدول حيث إن لها مصلحة قانونية في أنْ تكون الحقوق المقابلة محمية وقد ضربت المحكمة أمثلة لهذه الالتزامات منها حظر أعمال العدوان والإبادة والمساس بالحقوق الأساسية للكائن البشري بما في ذلك الحق في عدم الخضوع للاسترقاق والتمييز(6)، ولا يخفى ما لهذا الحكم من دلالة هامة في صدد القواعد الإمرة فقد اقر فيه اثنا عشر قاضيا يمثلون حضارات متنوعة ونظما قانونية مختلفة بان الدولة تتحمل بعض الالتزامات حيال الجماعة الدولية في مجموعها وان هذه الالتزامات توجبها قواعد قائمة في القانون الدولي الوضعي وتفرضها على الدول كافة إذ هي لا ترعى مصلحة فردية لدولة معينة بقدر ما ترعى مصلحة عامة للجماعة الدولية بوصفها وحدة قائمة بذاتها، وعلى هذا تكون المحكمة قد نفذت – في واقع الأمر– إلى فكرة (النظام العام الدولي) وكشفت عن وضعية طائفة من القواعد الدولية الإمرة إذ إن مقتضى وصفها لتلك الالتزامات بأنها (التزامات مطلقة) تتقيد بها كل الدول في مواجهة الجماعة الدولية في مجموعها وان الاتفاق على ما يخالفها باطل ولا اثر له(7).
ثانيا: الأحكام القضائية التي أصدرتها بعض المحاكم الدولية:
أصدرت بعض المحاكم الدولية عددا من الإحكام القضائية التي تؤكد الطبيعة الإمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني ومنها:
1-محكمة نومبورغ :
أُتُهمَ (الفريد كروب) بأنه أبان الحرب العالمية الثانية أُستخدم أسرى الحرب الفرنسيين في أمور تتصل مباشرة بالأعمال الحربية ومن بينها تشغيلهم في صنع العتاد والسلاح الحربي ونقله مخالفا بذلك قواعد العرف الدولي المعلن عنها في لائحة لاهاي لسنة 1907 واتفاقية جنيف لسنة 1906 واتفاقية جنيف لعام 1929 التي تحرم تشغيل أسرى الحرب وقد دافع (كروب) عن نفسه بأنه أُستخدم الأسرى في تلك الأعمال تنفيذا لاتفاق دولي أبرمته ألمانيا مع حكومة فيشي يسوغ للسلطات الألمانية استخدام الأسرى الفرنسيين في مصانع إنتاج الأسلحة ومن ثم يرتفع فعله عن وصف (العمل غير المشروع) وقد قضت المحكمة ابتداء ببطلان الاتفاق المبرم بين السلطات الألمانية وحكومة فيشي لمخالفته الآداب العامة الدولية . وفي القضاء ببطلان الاتفاق انف الذكر لم تحدد المحكمة قاعدة القانون الدولي الإمرة التي خولفت فاكتفت ببطلانه لمخالفته الآداب العامة الدولية(8) وهذه الفكرة تدخل في الحقيقة في إطار مفهوم (النظام العام الدولي) التي يدخل فيها منع إجبار الأسرى على العمل وضرورة معاملتهم المعاملة الإنسانية التي بينتها اتفاقيات القانون الدولي الإنساني وبالأخص اتفاقية جنيف الثالثة.
2-المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة:
ابتداءا لم تتردد لجنة التحكيم المنبثقة عن المؤتمر الأوربي للسلام في يوغسلافيا السابقة في رأيها الأول في 29 تشرين الثاني 1991 وفي رأيها الثاني الصادر في 11 كانون الثاني 1992 في أنْ تصنف (الحقوق الأساسية للكائن البشري وحقوق الشعوب والأقليات ضمن القواعد الإمرة في القانون الدولي العمومي)(9)، غير أنّ المرة الأولى التي كرس فيها القضاء الدولي صراحة فكرة القواعد الآمرة كانت في الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية الخاص بيوغسلافيا السابقة في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1998 في قضية (Furundzija) إذ أكدت المحكمة للمرة الأولى في تاريخ القانون الدولي صراحة وجود قواعد آمرة تعلو على القواعد الاتفاقية وعلى القواعد العرفية المعتادة وأضافت المحكمة انه (نظرا للقيمة المهمة التي يحميها مبدأ تحريم التعذيب فانه قد تطور إلى قاعدة آمرة تتمتع بمنزلة أعلى من قواعد القانون الدولي الاتفاقي أو العرفي)(10)، وقد أضفت المحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا السابقة الوصف ذاته على الحقوق الأساسية للإنسان واعتبرتها جزءا من النظام العام الدولي ومن القانون الدولي العالمي في حكم آخر صدر لها عام 2000 (11) .
الفرع الثاني
الآراء الإفتائية
أصدرت محكمة العدل الدولية بعض الآراء الإفتائية بينت فيها الصفة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني .
أولا: قضية التحفظات على اتفاقية مكافحة جريمة إبادة الجنس البشري
في رأيها الإفتائي الذي أصدرته في 28 أيار سنة 1951 رأت محكمة العدل الدولية أنّ إبادة الجنس التي تصفها الأمم المتحدة بأنها (جريمة قانون دولي)، تتضمن رفض حق الوجود بكونها جماعات إنسانية كاملة وهذا الرفض يقلق الضمير الإنساني يسبب خسائر كبرى للإنسانية ويخالف كلا من القانون الأخلاقي وروح الأمم المتحدة وأغراضها . وخلصت المحكمة إلى أنْ المبادئ التي تضمنتها الاتفاقية هي مبادئ معترف بها من الأمم المتمدنة بوصفها مبادئ ملزمة للدول بصرف النظر عن أي رابطة اتفاقية وان الدول المشتركة لا تلحظ مصلحة خاصة بها وإنما مصلحة الجماعة الدولية وعليه فلا يمكن الحديث في مثل هذا النوع من الاتفاقيات عن مصلحة فردية والحديث عن توازن عقدي بين الحقوق أو الواجبات فالالتزامات الواردة بها ملزمة للدول بغض النظر عن أي رابطة اتفاقية(12) . ويتبين من هذه الفتوى أنَّ المحكمة تطرقت بصورة غير مباشرة لفكرة القواعد الدولية الآمرة إذ أقرت بوجود مصلحة مشتركة وغايات عليا لمجموع الدول وان من قواعد القانون الدولي ما يتعلق بتلك المصلحة أو هذه الغايات كالشأن في القواعد التي تضمنتها اتفاقية منع وعقاب جريمة إبادة الجنس البشري فهي قواعد عالمية النطاق تلزم الدول جميعا حتى تلك التي لم تكن طرفا في الاتفاقية المقننة لها، ذلك أنَّ المبادئ الإنسانية التي تتضمنها هذه الاتفاقية تعد مبادئ أساسية للقانون الدولي العام وذات صفة القواعد الآمرة (13).
ثانيا: قضية مشروعية استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية
وصفت محكمة العدل الدولية في فتواها الصادرة عام 1996 بخصوص هذه القضية القواعد الأساسية للقانون الإنساني على أنها (تشكل مبادئ لا يجوز انتهاكها لأنها من مبادئ القانون الدولي العرفي)(14) كما أوضحت هذه المحكمة أنَّ هذه الحقوق الأساسية تعد بمنزلة (الأسس والركائز الدولية الإنسانية) وأنها أصبحت التزامات عرفية وجزءا من القانون الدولي العالمي المفروض على الكافة(15). وإنها تعتقد أنْ ليس من واجبها الفصل في المسألة لمعرفة ما إذا كان الأمر يتعلق بقواعد آمرة، الأمر الذي قد يثير نقاشاً أو جدلاً، فالمحكمة ترى أنَّ عبارة (غير قابل للانتهاك) لا تعني (على نحو أمر) ولكن مفهوما قريبا من ذلك يؤدي إلى انه لا يجوز التذرع بأي ظرف لانتهاك حقوق الإنسان الأساسية بحجة موافقة الضحية أو الدفاع عن النفس أو ادعاء حالة الضرورة(16)، إلا انه مع ذلك فإنّ المحكمة اعترفت ضمنيا بهذه الصفة الآمرة للقواعد الأساسية للائحة لاهاي واتفاقيات جنيف لسنة 1949 نظرا لأنها وصفتها بأنها (مبادئ للقانون الدولي العرفي لا يجوز مخالفتها) وان كان على المحكمة وبشكل قطعي أن تأخذ بالحسبان الطبيعة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني وترجحها على جميع القواعد الاتفاقية المتعلقة بالأسلحة النووية وعند ذلك فانه لا يجوز استعمال أي سلاح نووي من شانه انتهاك تلك الحقوق الآمرة .
__________________________
1- د.صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص148-149.
2- د. سليمان عبد المجيد، النظرية العامة للقواعد الآمرة في النظام القانوني الدولي، رسالة دكتوراه-جامعة القاهرة- كلية الحقوق 1979، ص246 .
3- د. سليمان عبد المجيد، مرجع سابق، ص245-247.
-4 I.C.J. Rec 1949.p22.
5- انظر : د.محمد سعيد الدقاق، شرط المصلحة في دعوى المسؤولية عن انتهاك الشرعية الدولية، بلا سنة طبع، ص64 وما بعدها.
6- I.C.J Rec 1970 p32.
7- د.سليمان عبد المجيد مصدر سابق،ص249.
8- المرجع نفسه، ص244-245 .
-9 R.G.D.I.P. 1992, P264 ets
10- .G.D.I.P. 1998, P491-492
11- د.محمد خليل الموسى، تكامل حقوق الإنسان في القانون الدولي الإقليمي المعاصر، مجلة عالم الفكر، العدد4، المجلد 31، نيسان- أيار، 2003، ص 164 .
12- I.C.J.Rec ,1951, pp.32-33.
13-أكدت محكمة العدل الدولية في القضية الخاصة بتطبيق اتفاقية جريمة الإبادة الجماعية والمعاقب عليها في يوغسلافيا السابقة إن الالتزامات التي كرستها هذه الاتفاقية هي( التزامات حجة على الكافة) انظر :I.C.J.Rec. 1996 pora(31)
14- الفقرة (79) من الفتوى.
15- الفقرة(94) من الفتوى.
16- لويجي كوندرويللي، محكمة العدل الدولية ترزح تحت حمل الأسلحة النووية، المجلة الدولية للصليب الأحمر، السنة العاشرة- العدد 53، مرجع سابق، ص15.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|