المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

بداية اتصال الطفل بالثقافة
12-12-2021
الطمغة اللاجينية Epigenetic Signature
21-3-2018
سوسة طلع النخيل
8-1-2016
تنشأ تلال الاسكر بعدد من الطرق اهمهما – الطريقة الاولى
12/9/2022
شروط لاختبار المندوب الصحفي
28-11-2020
شعب ابي طالب وفشل حصار المشركين
10-12-2014


التطبيقات القضائية في مجال المسؤولية عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني  
  
7256   10:07 صباحاً   التاريخ: 6-4-2016
المؤلف : صلاح جبير البصيصي
الكتاب أو المصدر : دور محكمة العدل الدولية في تطوير مبادئ القانون الدولي الانساني
الجزء والصفحة : ص109-116
القسم : القانون / القانون العام / القانون الدولي العام و المنظمات الدولية / القانون الدولي العام /

 أصبح هناك اعتراف تدريجي بان المبادئ الأساسية للقانون الدولي العام بصورة خاصة تتسم بنظام التزامي خاص ولا تستند فيه هذه المبادئ إلى العلاقات الثنائية لأنها تُنشئ التزامات يتعين على كل دولة أن تفي بها اتجاه جميع الدول الأخرى. وقد شهد الفكر القانوني مرحلتين حاسمتين نحو الاعتراف بالمصلحة الاجتماعية للمجتمع الدولي، مصلحة لاتهم دولة دون غيرها وإنما تهم كافة الدول بوجه عام.

المرحلة الأولى: تمثلت في إبرام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 التي اعترفت بوجود قواعد آمرة تكون حجة على الكافة بمقتضى المادتين (53، 64) منها .

المرحلة الثانية: وهي التي أبرزتها المناقشات التي دارت في لجنة القانون الدولي بمناسبة وضع مشروع معاهدة يخص قانون المسؤولية الدولية وكرستها المادة التاسعة عشر من المشروع التي أشارت فيها إلى الالتزامات الرئيسية التي تهدف إلى حماية المصالح الأساسية للمجتمع الدولي برمته والتي يعتبر انتهاكها جريمة بحق هذا المجتمع.

فهذه الجريمة الدولية لا تقتصر على إنشاء علاقة ثنائية بين الضحية ومرتكب الانتهاك وإنما تنشأ علاقات قانونية بين مرتكب الانتهاك وجميع دول المجتمع الدولي التي تعتبر دوله متضررة بمفهوم المادة (5) من الجزء الثاني من مشروع اللجنة(1). ولما كانت محكمة العدل الدولية –وبحق- جهازا قضائيا للمجتمع الدولي برمته تطبق فيه قواعد القانون الدولي العامة فانه ومن خلال إسهاماتها العديدة يمكن القول إن هناك تطورا ملحوظا في اتجاه المحكمة نحو إرساء مبادئ هامة تجلى بعضها سابقا وتم التأكيد من خلالها على الطابع المميز لمبادئ القانون الدولي الإنساني سواء من حيث طبيعتها الاتفاقية أم العرفية أم الآمرة(2) إلا أن المبدأ الذي طرحته المحكمة في قضية (برشلونة تراكش) تمثل في توافر المصلحة لدى الدول كافة في الذود عن القواعد القانونية الدولية إذا ما انتهكت من دولة ما وتخويل الدول جميعا الحق في إقامة الدعوى أمام القضاء الدولي حتى ولو لم يلحق بها ضررا مباشرا جراء ذلك الانتهاك. ويجب القول أخيرا إن انتهاكات القانون الدولي يمكن نسبتها إلى الدولة ونكون عندئذ أمام فكرة المسؤولية الدولية ويمكن أن تنسب تلك الانتهاكات أيضا إلى أفراد وعندها تكون أمام فكرة المسؤولية الجنائية الفردية وهذه الإمكانية الثانية هي التي تميز القانون الدولي الإنساني عن معظم فروع القانون الدولي الأخرى.

أولاً: المسؤولية الدولية عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني

تتعهد جميع الدول بموجب المادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الأول  بان (تكفل احترام أحكام الاتفاقية في جميع الأحوال) ويتفق الجميع اليوم على فهم هذه المادة باعتبارها تشير إلى الانتهاكات التي تقوم بها دول أخرى(3) وان مخالفة أي دولة لتلك التعهدات يثير مسؤوليتها الدولية، وقد أتيح لمحكمة العدل الدولية نظر عدد من الدعاوى أثير فيها تساؤل عن مدى توافر المصلحة لدى الدول في تقرير مسؤولية الدولة المنتهكة لأحكام الشرعية الدولية وبمعنى آخر انه إذا تعلق الأمر بمصلحة اجتماعية عامة فان أية دولة يمكن لها ممارسة رخصة اللجوء إلى القضاء الدولي لتحريك دعوى المسؤولية ضد الدولة التي تنتهك القواعد القانونية التي تحمي مجموعة المصالح(4). واستقرار موقف المحكمة في السوابق التي عُرضت لها يفصح لنا عن مدى التطور الذي طرأ على قضائها في هذا الشأن، والواقع أن التطور الذي الم بقضاء محكمة العدل الدولية في هذا الصدد قد فتح الطريق أمام جهود فقهية عديدة للاعتراف للدول المختلفة (بمصلحة قانونية) تتيح لها رقابة احترام الشرعية ويبرر قبول الدعاوى التي تقام لدى القضاء الدولي ضد من يخالفها من الدول الأخرى(5). وسوف نتناول بإيجاز ما انتهت إليه محكمة العدل الدولية في قضيتين شهيرتين كان لها ابلغ الأثر في إرساء المبدأ سالف الذكر وهما قضية جنوب أفريقيا وقضية شركة برشلونة للطاقة والإنارة.

1-قضية جنوب أفريقيا:

تتلخص وقائع القضية في أن كل من دولتي اثيوبيا وليبريا أقامتا دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد جمهورية جنوب أفريقيا في 4 تشرين الثاني سنة1960(باعتبارهما الدولتين الأفريقيتين اللتين كانتا في عضوية العصبة وقت إبرام الانتداب) إزاء رفض الأخيرة أن تحول نظام الانتداب الذي كانت تمارسه على إقليم جنوب غرب أفريقيا إلى نظام الوصاية أعمالا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ووصولا لمساعدتها للحصول على استقلالها إلا أن جمهورية جنوب أفريقيا رفضت ذلك وواصلت سياستها نحو ضم الإقليم فضلا عن ممارستها لسياسية التفرقة العنصرية ضد سكان الإقليم . ولقد انتهت المحكمة في حكمها إلى رفض هذه الدعوى استنادا إلى أن الدولتين المدعيتين ليس لهما مصلحة قانونية متعلقة بسكان إقليم جنوب غرب أفريقيا الواقع تحت انتداب (اتحاد جنوب أفريقيا) ومن ثم فليست لهما صفة في إقامة الدعوى أمام هذه المحكمة، وقد اثار هذا الحكم جدلا كبير ويكفي تدليلا على ذلك أن أعضاء المحكمة قد انقسموا على فريقين متساويين احدهما يعارض الحكم والآخر يؤيده ولم يصدر الحكم إلا بترجيح رأي الجانب الذي فيه الرئيس، وعلى ذلك فان المحكمة ترى انه لا يحق لدولة أن تدعي بوجود ضرر قانوني لحق بها ناجم عن انتهاك دولة أخرى لأحكام القانون الدولي ولا أن تطالب بإلزامها باحترام القواعد الدولية أو أن تستصدر حكما يدمغها بالعدوان على القانون الدولي(6).

ويمكن الرد على اتجاه المحكمة هذا بالآراء الانفرادية لقضاة المحكمة المعارضين لتوجه المحكمة السابق فالقاضي (تناكا) يرى أن اتفاق الانتداب باعتبار أن تفسيره وتحديد طبيعته كان محور النزاع بين أطراف هذه الدعوى يعكس من وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية طائفتين من المصالح:

الطائفة الأولى/ وتتضمن المصالح الوطنية للدول الأعضاء في عصبة الأمم ورعاياها وهذه بطبيعتها مصلحة شخصية ومباشرة.

الطائفة الثانية/ وتتضمن أمورا تتعلق بالمصالح العامة أو المشتركة أو كما يسميها أيضا بالمصالح الاجتماعية وهي مصلحة تعمل عصبة الأمم على احترامها وتمثيلها.

على أن للدول الأعضاء هي الأخرى مصلحة في تحقيق أهداف نظام الانتداب كما أن لها مصلحة أيضا في ضمان حسن إدارة الإقليم الخاضع لنظام الانتداب فمصلحة كافة الدول ذات مضمون واحد ومن ثم فهي توصف بأنها عامة ولا يطعن في تحقيق هذه الطائفة من المصالح إلا تكون مادية ملموسة فهو يرى انه لا يوجد أي سبب يبرر إنكار وصف (المصلحة) على مبدأ هام من المبادئ الإنسانية مثل المهمة المقدسة لتحقيق التمدن فالجهود الدولية التي تبذل لمحاربة تجارة الرقيق والمعاهدات المتعلقة بمعاملة الأقليات والمعاهدات التي تهدف إلى حظر ومقاومة جرائم الإبادة وما إلى ذلك من المعاهدات والقواعد الدولية التي تكرس مبادئ القانون الدولي الإنساني وتؤكد القيم الإنسانية، تعتبر اعترافا قانونيا (بمصلحة) الدول في السهر على احترام المبادئ الإنسانية، وقد ذهب القاضي (جيسوب) مذهبا قريبا من ذلك وقال بإمكانية قبول دعوى دولة ما استنادا إلى مصلحة ذات طابع اجتماعي ودون أن يكون هناك مساس بمصلحة شخصية ومباشرة للمدعي أما القاضي (بوستامنت) فانه يذهب للقول بان قواعد القانون الدولي الإنساني لم تعد مجرد مبادئ أخلاقية أو إنسانية وإنما تتمتع بآثار قانونية لا يمكن إنكارها مما يصبح للدول الأعضاء في عصبة الأمم مصلحة قانونية في حماية شعوب الأقاليم المختلفة(7).

 ولعل كل هذه الآراء هي التي كانت وراء حكم متطور صدر عن محكمة العدل الدولية في قضية برشلونة للطاقة وإلانارة .

2-قضية برشلونة تراكشن(Barcelona Traction)(8)

ذهبت محكمة العدل الدولية في هذه القضية للقول بأنه إلى جانب القواعد الدولية التي تفرض التزامات متبادلة في مواجهة المخاطبين بأحكامها كما هو الحال في القواعد التي تتضمنها المعاهدات الثنائية الأطراف إذ إن انتهاك أحكامها لا تتيح لغير أطرافها رخصة اللجوء إلى القضاء دفاعا عن حقوقهم ومصالحهم التي يمسها الانتهاك، فانه توجد طائفة أخرى من القواعد التي تهم المجتمع الدولي بوجه عام ويصبح لكافة أعضاء ذلك المجتمع مصلحة قانونية في ضمان احترامها لأنها تنتمي إلى طائفة القواعد القانونية التي تعتبر حجة على الكافة. ثم ذهبت المحكمة للقول بان هذه الالتزامات لا تنبثق فقط من القواعد الدولية المعاصرة التي تحرم أعمال العدوان وإبادة الجنس البشري وإنما أيضا من المبادئ والقواعد المتعلقة بالحقوق الأساسية للإنسان بما في ذلك حمايته من العبودية والتفرقة العنصرية بل أن بعضا من هذه الحقوق قد أصبحت جزءا من القواعد الدولية العامة حسبما جاء في الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية سنة 1951 المتعلق بالتحفظات على معاهدة تحريم الإبادة كما أن بعضها الآخر قد تم إقراره بواسطة وثائق دولية عالمية أو شبه عالمية(9).  على أن المحكمة لم تتماشى مع هذا المنطق إلى منتهاه فقد ذهبت بعد ذلك إلى تقرير انه على الصعيد الدولي لا يمكن الاعتراف بتوافر الصفة لدى الدول للنهوض بحماية ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بقطع النظر عن الجنسية التي يتمتع بها هؤلاء وهكذا فان المحكمة بعد أن استهلت حكمها باتخاذ موقف يفهم منه أن هناك مصلحة قانونية لدى الدول في ضمان احترام الشرعية الدولية عادت في موضع آخر من حكمها لتقرر أن جزءا من هذه القواعد التي تعد بالاتفاق حجة على الكافة ولا يمكن المطالبة باحترامها إلا من جانب الدول التي يتمتع ضحايا الاعتداء بجنسيتها(10). وإذا كانت محكمة العدل الدولية قد تجاوزت بهذا الحكم موقفها الذي تعرض للنقد الشديد في حكمها في قضية جنوب أفريقيا فإنها لم تصل إلى حد القول بوجود دعوى الحسبة في القانون الدولي والتي تقيمها أية دولة لضمان احترام أية قاعدة قانونية وإنما قصرت اعترافها بهذه المصلحة القانونية للدول في إقامة الدعوى أمام القضاء الدولي في الأحوال التي تكون القاعدة التي تجري المطالبة بوجوب احترامها جزءا من قواعد القانون الدولي العامة أي قاعدة آمرة -كما قيل بحق– وهو ما يتفق مع ما نادت به المحكمة من ضرورة التفرقة بين نوعين من القواعد القانونية تتيح كل منهما طائفة متميزة من الالتزامات الدولية، التزامات تتحملها الدول في مواجهة المجتمع الدولي وأخرى توجد في إطار العلاقات الثنائية بين الدول المختلفة(11). والواقع إن هذا الحكم لا يمثل موقفا منفردا للمحكمة في مشكلة تداولها الفقه والقضاء حول مدى وجود مصلحة عامة للجماعة الدولية يمكن أن تحميها دعوى، أو بعبارة أخرى مدى إمكان اللجوء إلى القضاء الدولي لحماية الشرعية الدولية بل أن هذا الحكم يمثل حلقة في سلسلة الجهود الرامية إلى الاعتراف بوجود مثل هذه المصلحة وهي جهود تمت بلورتها في أعمال لجنة القانون الدولي الخاصة بمشروعها الخاص بالمسؤولية الدولية الذي فرقت فيه ما أسمته بالمخالفة الدولية وتمثل الأشكال التقليدية للخطأ الذي يعتبر عنصرا من عناصر المسؤولية الدولية والتي تتسم بالطابع الشخصي أي أنها تثور في العلاقة المتبادلة بين دولتين أو أكثر وبين الجريمة الدولية وهي التي تأتي فيها الدولة عملا موجها ضد المجتمع الدولي ككل(12).

ثانيا: المسؤولية الجنائية الفردية عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني

تعد الدولة مناط الاهتمام الأساسي للقانون الدولي، والدول هي وحدها التي لها أهلية التقاضي بصورة مطلقة أمام محكمة العدل الدولية(13)، وحتى تعبير (القانون الدولي) ينبئ عن انه القانون الذي يحكم العلاقات بين الدول وحدها وعلى أية حال فان نشأة حقوق الإنسان على الساحة الدولية جعل الفرد أكثر قربا من القانون الدولي، وغدا من الأحكام المتعارف عليها في القانون الدولي العام المعاصر ذلك الحكم الذي يقضي بان الأشخاص الطبيعيين الذين يقومون بأعداد الجرائم ضد السلم والإنسانية وجرائم الحرب والتخطيط لها وتنظيمها أو ارتكابها يتحملون مسؤوليتهم عنها إلى جانب الدول المعنية(14). وبعد أن لاقى مبدأ المسؤولية الجنائية الدولية للأفراد التطبيق أمام القضاء الدولي اثر الحرب العالمية الثانية أمام محكمتي نورمبرغ وطوكيو(15)، فقد نصت عليه بعد ذلك العديد من الوثائق الدولية منها:

*اتفاقية منع الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948 في المادتين الرابعة والخامسة .

*اتفاقية جنيف لعام 1949 ومثال ذلك المادتين (129) من اتفاقية جنيف الثالثة والمادة (149) من اتفاقية جنيف الرابعة.

*الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لعام 1973 في المادتين الثالثة والرابعة(16). وتعكس اتفاقيات جنيف لعام 1949 تحولا تاريخيا في تطور القانون الدولي الإنساني حيث يوجد في كل من اتفاقيات جنيف باب خاص بالأفعال المرتكبة ضد الأشخاص المستمتعين بالحماية ويطلق على هذه الأفعال تعبير (الانتهاكات الخطيرة) وتعد بلا شك جرائم بمقتضى القانون الدولي وهناك تعريف تفصيلي لهذه الأفعال في المواد (147،130،51،50) على الترتيب من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وهي تتضمن جرائم مثل القتل العمد أو التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية (وبما في ذلك التجارب البيولوجية) أو تعمد إحداث معاناة كبيرة أو أضرار خطيرة بالجسد أو بالصحة أو تدمير الممتلكات أو مصادرتها على نطاق واسع أو إجبار أسير الحرب على الخدمة في قوات دولية معادية أو حرمانه عن عمد من الحق في محاكمة عادلة ونظامية أو الترحيل أو النقل والاحتجاز غير القانوني لشخص يمتع بالحماية أو اخذ الرهائن الذي لا تبرره ضرورة عسكرية والذي يتم بصورة غير قانونية ومتعسفة. وتقرر هذه الاتفاقيات المسؤولية الجنائية الفردية للمسؤولين المرتكبين لهذه الانتهاكات وكذلك رؤساءهم وقد أضاف بروتوكولا عام 1977 الملحقان باتفاقيات جنيف لعام 1949 قواعد أكثر تحديدا والنص على أن الانتهاكات الخطيرة تشكل خرقا خطيرا للقانون الدولي الإنساني(17) ولقد ألزمت اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الدول الأطراف فيها أن تنص في تشريعاتها الوطنية على ملاحقة الأشخاص الذين ينتهكون هذه الصكوك أو على اعتماد تدابير تأديبية ضد هؤلاء الأشخاص(18) وتعكس اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاهما الملحقان بها تقنياً للقواعد العرفية المستقرة في شأن المسؤولية الدولية الجنائية الفردية عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني وهذا يعني أن الأحكام المتعلقة بهذا النوع من المسؤولية لا تسند فقط إلى العرف الدولي ولكنها تسند أيضا إلى اتفاقيات دولية للقانون الدولي الإنساني التي تتمتع بطبيعة ملزمة لكافة الدول أعضاء المجتمع الدولي وهي اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولان الملحقان بها. وقد شهد المجتمع الدولي منذ الحرب العالمية الثانية إنشاء ثلاثة أنواع من المحاكم الجنائية الدولية التي عالجت الانتهاكات الخطيرة لقواعد القانون الدولي الإنساني وهي:

1-المحاكم العسكرية الدولية التي أنشأها الحلفاء لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب العالمية الثانية  في نورمبرغ أو طوكيو وكانت هذه المحاكم ذات طابع مؤقت وقد انتهت بانتهاء المحاكمات التي قامت بها، وقد أوضحت المادة السادسة من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ على أنها تختص بمحاكمة وعقاب كل الأشخاص الذين ارتكبوا بصفتهم الشخصية أو بوصفهم أعضاء في منظمة تعمل لحساب دول المحور فعلا يدخل في نطاق جرائم ضد السلام وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ويلاحظ أن اختصاص المحكمة العسكرية الدولية كان محددا بالجرائم المرتكبة في أكثر من دولة(19).

2-المحاكم الجنائية الخاصة(Aa Hoc) التي أنشأها مجلس الأمن الدولي لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة عام (1993) وفي رواندا عام(1994) وفي سيراليون عام2000 وكانت هذه المحاكم أيضا ذات طابع مؤقت ومحدد بالنزاع الذي أنشئت من اجله وقد أشار النظام الأساسي لهذه المحاكم على محاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني(20).

3-المحكمة الجنائية الدولية: وقد دخلت حيز النفاذ في الأول من تموز لعام 2002 عندما بلغ عدد الدول التي قامت بالتصديق على الاتفاقية ستين دولة. وهذه المحكمة تختلف عن النوعين السابقين في أنها محكمة دائمة وليست مؤقتة كما أنها محكمة عالمية تختص بالتصدي للجرائم المحددة في نظامها الأساسي والتي تهدد المجتمع الدولي بأسره وقد نص نظامها الأساسي على المسؤولية الجنائية الفردية للأشخاص الطبيعيين على أن لا تؤثر هذه المسؤولية الجنائية الفردية على مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي(21).

 ويمكن القول استنادا لما تقدم إن ما جاءت به الاتفاقيات والقرارات الدولية من نصوص تفرض بموجبه واجبات مباشرة للفرد تجعل منه مسؤولاً عن ارتكاب الجرائم الدولية وتوقع عليها عقوباتها وبالتالي فانه يعد اليوم محلاً للمسؤولية في القانون الدولي الإنساني بمثل ما هو محل للمسؤولية في القانون الجنائي الداخلي.

__________________

1-   د. كامن ساخاريت، مرجع سابق، ص 38.

2-  انظر:ص42 وما بعدها، من هذه الرسالة.

3-  ماركو ساسولي، مرجع سابق، ص252-253.

4-  السيد محمد جبر، مرجع سابق، ص399.

5-  د.محمد السعيد الدقاق، مرجع سابق، ص42-43.

6-  د.محمد السعيد الدقاق، مرجع سابق، ص43 وما بعدها.

7-  انظر : محمد سعيد الدقاق، مرجع سابق، ص58 وما بعدها.

  I.C.J.Rec,1962 p.p 325-425-428-

,1966 p.p 250-232-325    I.C.J.Rec-  

8-   انظر تفاصيل القضية في ص53  من الأطروحة.

9-    1970 p.32 , I.C.J.Rec

10- لقد حاول القاضي موريللي في رأيه الانفرادي الملحق بالحكم أن يبدد ما قد يبدو تناقضا في الأجزاء المختلفة للحكم فقرر انه على الرغم من إن القواعد الدولية التي تكفل معاملة معينة للأجانب تعتبر من قبيل قواعد القانون الدولي العامة ومن ثم فأنها تلزم كل دولة في مواجهة الدول الأخرى، إلا أنها لا تطبق إلا عن طريق إرساء مجموعة من العلاقات الثنائية على نحو تلتزم فيه الدول المعينة بكفالة هذه المعاملة التي تقررها تلك القواعد في مواجهة الدول الأخرى فيما يخص رعاياها ،انظر د. محمد سعيد الدقاق، مرجع سابق،ص67.

11-  د.صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص153-156.

12-   في 8/12/2004 طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا حول بناء الجدار العازل الذي تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية وقد افتت المحكمة بعدم مشروعية هذا الجدار وتحمل إسرائيل المسؤولية بتعويض الفلسطينين المتضررين من بنائه باعتباره يشكل مخالفة لمبادئ القانون الدولي الإنساني.

13- م(34/ ف1) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

14- بطرح بعض الفقه الدولي إمكانية مسالة الدولة مسؤولية جنائية كما في حالة مسؤولية الفرد الجنائية، والحقيقة إن الفعل المنسوب إلى الدولة والذي يعتبر جريمة بمقتضى القانون الدولي يتحمل المسؤولية الجنائية عنه الشخص الطبيعي ممثل الدولة أو الموجه من قبلها وذلك دون أن يعفي الدولة من المسؤولية القانونية على غرار مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة في القانون الداخلي وتبقى هذه المسؤولية في ظل الوضع الحالي للنظام القانوني الدولي حبيسة إطار المسؤولية المدنية والتي تمثل أثرها في التعويض العيني أو النقدي ، انظر:

- د.إبراهيم العناني، النظام الدولي الأمني، القاهرة، 1997، ص121.

- د.عبد الواحد محمد الفار، الجرائم الدولية، سلطة العقاب عليها، دار النهضة العربية،1996،ص36-37.

15- ,henkin and other op. cit, p331-332.  Louis

16- H.Louter Pacht, International Law and Human right, Archanbook,1968,p 42,45.

17- انظر المادة(85) من البروتوكول الإضافي الأول.

18- انظر المواد(146،129،50،49) وعلى الترتيب في اتفاقيات جنيف الأربعة.

19-  د. سعيد سالم جويلي، المرجع السابق، ص182 وما بعدها.

20-  انظر د. سعيد سالم جويلي، المرجع السابق، ص182 وما بعدها.

21- انظر الفقرات الأربعة للمادة (25) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الخاصة.

 

  

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .