المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05



الميزان في تفسير القرآن‏  
  
6998   03:56 مساءاً   التاريخ: 20-3-2016
المؤلف : د. احسان الامين.
الكتاب أو المصدر : التفسير بالمأثور وتطويره عند الشيعة
الجزء والصفحة : ص436-466 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التفاسير وتراجم مفسريها / التفاسير /

تفسير الميزان يعدّ من أنفس التفاسير التي جمعت بين المعقول والمنقول ، وتنوّعت فيه المطالب القرآنية والحديثية والكلامية والفلسفية والأخلاقية والعرفانية ، إضافة إلى مواضيع متفرّقة في التاريخ والاجتماع والسياسة وعلوم اخرى ، وهو بالتالي يمثّل قمة تطوّر التفسير عند الشيعة الإمامية ، وقد اخترناه كنموذج للتفسير المعاصر عندهم ، خصوصا وأنّه يعكس في الكثير من مباحثه آخر نتاجات العلوم الإسلامية ، إضافة إلى آراء ونظريّات اختصّ بها صاحب «الميزان» أو تكاملت عنده وبرزت إلى عالم التدوين دون سواه .

المؤلّف :

هو السيّد محمّد حسين ابن السيّد محمّد ابن السيّد محمّد حسين ابن الميرزا علي أصغر شيخ الاسلام الطباطبائي التبريزي القاضي .

يرجع نسبه من جهة أبيه إلى السيّد إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج وهو حفيد الحسن المثنى ابن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) ، ويرجع نسبه من جهة والدته إلى الإمام الحسين (عليه السلام) .

لذا فإنّ ألقابه هي : الحسني ، الحسيني ، الطباطبائي .

ولد الطباطبائي آخر سنة 1321 هـ في اسرة من الأشراف ورجال العلم ، حيث ارتحل منهم إلى إيران (تبريز) السيّد عبد الغفّار ثمّ ابنه سراج الدين عبد الوهّاب في أواخر القرن العاشر الهجري والذي تقلّد فيها سمة شيخ الإسلام ، ومن مشاهير اسرته‏ جدّه القريب السيّد محمّد حسين الشهير بشيخ آقا من أجداد تلامذة صاحب الجواهر والشيخ موسى كاشف الغطاء والشيخ جعفر الاسترابادي صاحب التأليفات الكثيرة «1» ، وهو من أعلام الدين في النجف يومذاك .

تلقّى الطباطبائي بمسقط رأسه بتبريز مبادئ العلوم الأوّلية وما يطلق عليها في الحوزات الدينية الشيعية بالمقدّمات ، إذ يدرس فيها الطالب المنطق والنحو والصّرف والبلاغة والعروض وبدايات الفقه والاصول . ثمّ هاجر إلى النجف سنة 1343 هـ ليمضي فيها عشر سنوات في إكمال دراساته العالية .

في النجف درس الطباطبائي على عدد من الأساتذة الكبار ، والذين كانوا يعدّون من أساطين العلم ، والروّاد في حقوله ، وقد برز كل من هؤلاء في حقل علمي معيّن ممّا هيّأ للطباطبائي فرصة التزود من علوم مختلفة وعلى مستوى عال ومن مراجع حاذقين وبارزين اشتهروا برؤاهم الاجتهادية والعلمية المتميّزة ، وكل هذا شكّل شخصية الطباطبائي العلمية المتنوّعة والتي انعكست بشكل واضح في تفسيره ، وكان أبرز هؤلاء الأساتذة هم :

1- الآية العظمى العلّامة الشيخ محمّد حسين النائيني الغروي ، الذي كان الأبرز في عصره في علم الاصول ، فكانت حلقة درسه من أكبر مجالس البحث في النجف وآلت إليه المرجعية الدينية فيها .

2- الآية العظمى الشيخ محمّد حسين الكمباني الاصفهاني ، الذي كان من أعاظم العلماء وأجلّاء الفلاسفة ، ومن أشهر الأساتذة في الاصول والفلسفة ، وكان شاعرا أديبا (ت : 1361 هـ) .

3- المحقّق البارع السيّد حسين البادكوبي ، العالم الكبير الذي اشتهر بالفلسفة والعلوم العقلية وعرف بالمهارة والخبرة والتحقيق والتدقيق حتى سطع نجمه في الأوساط النجفية والأندية العلمية .

4- الرياضي البارع السيّد أبو القاسم الخوانساري ، صاحب التصانيف المتعدّدة في الحساب والرياضيات .

5- وأخيرا : العالم الورع التقي ، السيّد ميرزا علي الطباطبائي التبريزي ، القاضي ، الفقيه الاصولي ، والمفسّر الأخلاقي الكبير ، الذي كانت له اليد الطولى في (الحكمة العملية) والعرفان (ت : 1366 هـ) .

وللسيد القاضي بصمات واضحة المعالم على شخصيّة العلّامة الطباطبائي ، سواء في الجانب العلمي ، أو في التربية الأخلاقية وفي مراتب تهذيب السلوك والعرفان ، حتّى أنّه كان يخصّه بلقب الاستاذ ويردّد : (كلّ ما عندنا في هذا المضمار فهو من المرحوم القاضي) ، كما إنّه اكتسب من استاذه طريقة التفسير ، وكان القاضي يفسّر القرآن ، فهو يقول : «إنّما سلكنا في تفسيرنا ذات المسلك الذي سلكه المرحوم القاضي ، كما هو الأمر بالنسبة لإدراك مكنون الأحاديث والروايات ، حيث تتلمذنا على يديه في مجال علم فقه الحديث) «2» .

عاد الطباطبائي بعد عشر سنوات من التحصيل في النجف إلى تبريز مسقط رأسه عام 1353 هـ وبقي هناك حتى عام 1365 هـ إذ هاجر منها إلى قم إثر الحرب العالمية الثانية .

وفي قم باشر الطباطبائي التدريس وإلقاء المحاضرات في التفسير والفلسفة وبرز فيها واشتهر فالتفّ حوله جمع كثير من الطلبة ، والذين برزوا فيما بعد كمفكرين وعلماء لامعين ، كان أشهرهم الشهيد الشيخ مرتضى المطهّري والشهيد الدكتور بهشتي والشهيد الدكتور مفتّح ، وكذلك جمع من كبار علماء الحوزة الدينية بقم وأساتذتها الكبار .

وقد خلّف عشرات المؤلفات في الحديث والاصول والفلسفة وكتب فيها الكثير ، وعلم الكلام وتفسيره (الميزان) إضافة إلى عدد من الرسائل الفكرية الاسلامية المختلفة .

تفسير الميزان :

يتكوّن هذا التفسير من عشرين مجلّدا ، ابتدأ بسورة الحمد في الجزء الأوّل وانتهى بسورة الناس في الجزء العشرين ، وقدم لتفسيره بمقدمة مختصرة تعرّض فيها لتاريخ التفسير وتطوّره ، وظهور مذاهب التفسير المختلفة ، وانتقد فيها مسلك المحدّثين في الاقتصار على التفسير بالمأثور ، «فإنّ اللّه سبحانه لم يبطل حجّة العقل في كتابه ، وكيف يعقل ذلك وحجّيّته تثبت به ، ولم يجعل حجّيّة في أقوال الصحابة والتابعين وأنظارهم على اختلافها الفاحش ، ولم يدع إلى السفسطة بتسليم المتناقضات والمتنافيات من الأقوال ، ولم يندب إلّا إلى التدبّر في آياته ، فرفع به أي اختلاف يتراءى منها ، وجعله هدى ونورا وتبيانا لكلّ شي‏ء ، فما بال النور يستنير بنور غيره ! وما شأن الهدى يهتدي بهداية سواه ! وكيف يتبيّن ما هو تبيان كلّ شي‏ء بشي‏ء دون نفسه!» «3» .

وهذا لا يعني أنّ المفسّر يفتح الباب لكلّ من هبّ ودبّ ليقول في القرآن ما يرى من دون هدي ولا دليل ، لذا فإنّه انتقد في نفس الوقت التفسير القائم على رؤى فلسفية أو مذهبية تلقي بظلالها على القرآن وتدبّره ، فهو يقول :

«وأمّا المتكلّمون فقد دعتهم الأقوال المذهبية على اختلافها أن يسيروا في التفسير على ما يوافق مذاهبهم بأخذ ما وافق وتأويل ما خالف على حسب ما يجوّزه قول المذهب» «4» .

ووصف التفسير المذهبي المسبق برأي أو نظر خاص بأنّه من قبل التطبيق لا التفسير ، وهناك فرق بين أن يقول الباحث عن معنى آية من الآيات : ما ذا يقول القرآن؟ أو يقول : ما ذا يجب أن نحمل عليه الآية «5» ؟

ثمّ تعرّض بعد هذه المقدّمة بالنقد لتفسير الفلاسفة ، والمتصوّفة ، وأخيرا التفاسير «العلمية» المعاصرة .

وأوعز منشأ الخطأ في هذه التفاسير إلى حمل معاني القرآن على ما يسبق إلى الأذهان من معان ماديّة قد ألفناها واعتدناها ، مع أنّ هذه محكومة بالتغيّر والتبدّل .

وأخيرا بيّن منهجه الذي اختاره من تفسير القرآن بالقرآن ، من خلال استيضاح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في نفس القرآن وتشخيص المصاديق والتعرّف بالخواص التي تعطيها الآيات ، كما قال تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل : 89] ، وحاشا أن يكون القرآن تبيانا لكلّ شي‏ء ولا يكون تبيانا لنفسه‏ «6» .

وهو يؤكّد أنّ هذه الطريقة (الحديثة) في تفسيره هي من أقدم الطرق المأثورة في التفسير التي سلكها معلموه «النبي والأئمة (عليهم السلام)» «7» .

منهجه في التفسير :

ثمّ شرح السيد المفسّر منهجه في التفسير ، فهو يبتدئ أوّلا بتفسير الآيات مستعينا بالقرآن نفسه وبالتدبّر فيه وسمّى ذلك بالبيانات ، وأكّد على اجتنابه الركون- في استخراج هذه البيانات للآيات- إلى حجة نظرية فلسفية أو إلى فرضية علمية أو إلى مكاشفة عرفانية .

وقد تحصّل من هذه البيانات المذكورة على هذه الطريقة من البحث استفراغ الكلام في أهمّ المعارف الاسلامية المتعلقة بأسماء اللّه وصفاته وأفعاله والوسائط الواقعة بينه وبين الانسان ، وكذلك المعارف المتعلقة بالانسان قبل الدنيا وفي الدنيا وبعدها وهو البرزخ والمعاد ، ومن ثمّ المعارف المتعلقة بالأخلاق الانسانية .

على أنّ المفسّر يتجنّب التفصيل في آيات الأحكام لرجوع ذلك إلى الفقه .

ويؤكّد المؤلّف بأنّ هذه الطريقة من البحث- القرآني- أفادت في ارتفاع التأويل ، بمعنى الحمل على المعنى المخالف للظاهر من بين الآيات- فلا يكون هذا من التفسير ولا التأويل- ، وأمّا التأويل الذي يثبته القرآن في مواضع من الآيات فهو ليس من قبيل المعاني‏ «8» ، إذ يرى المفسّر أنّه الحقيقة الواقعية للآيات‏ «9» .

ثمّ يقوم المفسّر- بعد البيانات القرآنية- بذكر أبحاث روائية- حيثما وجدت- يورد فيها ما تيسّر من الروايات المنقولة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليه السلام) من طرق العامّة والخاصّة ، ولا يعتبر السيّد المفسّر الروايات الواردة عن مفسّري الصحابة والتابعين حجّة في نفسها ، وذلك لما فيها من الخلط والتناقض‏ «10» .

وبعد الأبحاث الروائية ، يفرد المؤلّف أبحاثا مختلفة : فلسفية وعلمية وتاريخية واجتماعية وأخلاقية ، حسبما تيسّر له من البحث إغناء للتفسير وإرساء للفكر الاسلامي على مبانيه القرآنية والحديثية .

وسنركّز في بحثنا الآتي على منهج المفسّر في التفسير بالمأثور وهو الذي يتعلّق بدراستنا هذه ، ومن اللّه نستمدّ العون والتوفيق .

منهج التفسير بالمأثور عند الطباطبائي‏

مرّ علينا أنّ التفسير بالمأثور يشمل ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته ، وكذلك المأثور من الروايات والأخبار من كل ما هو بيان وتوضيح لمراد اللّه تعالى من نصوص كتابه الكريم‏ «11» .

وقد عدّ المفسرون تفسير القرآن بالقرآن أحسن طريق للتفسير ، فما أجمل في مكان فقد فصّل في موضع آخر «12» ، فالقرآن يفسّر بعضه بعضا «13» ، وإنّ أبين البيان بيانه ، وأفضل الكلام كلامه ، وإنّ قدر بيانه- جلّ ذكره- على بيان جميع خلقه كفضله على جميع عباده‏ «14» .

كما إنّ الامّة اتّفقت على أنّ السنّة النبويّة هي المصدر الثاني للتشريع- بعد القرآن الكريم- ، كما اتّفقت على الرجوع إلى ما صحّ منها في تفسير القرآن ، فهي شارحة للقرآن وموضحة له‏ «15» .

لذا فإنّنا سندرس منهج الطباطبائي في :

1- تفسير القرآن بالقرآن .

2- تفسير القرآن بالسنّة .

مع ملاحظة المواضيع المتعلقة بكلا الأمرين ، كالسياق والنظم القرآني ، وشأن‏ النزول ومناسبته من جهة ، ثمّ تفسير الصحابة والتابعين وموقفه من الموضوعات والإسرائيليات من جهة اخرى .

كما سندرس أيضا موضوع التفسير بالباطن ، وما اطلق عليه الجري والتطبيق ، وهو نوع من أنواع التأويل .

1- تفسير القرآن بالقرآن :

في تفسير قوله تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء : 82] ، يضع الطباطبائي من خلال بيان هذه الآيات المباركة الاسس التي ينطلق منها في تفسيره القرآن بالقرآن وهي :

أوّلا : أنّ القرآن ممّا يناله الفهم العادي .

فالآية الكريمة تحضّ الناس على التدبّر في القرآن ، وهو هنا التأمّل في الآية عقيب الآية أو التأمّل بعد التأمّل في الآية .

ثانيا : أنّ الآيات القرآنية يفسّر بعضها بعضا .

فالمراد ترغيبهم أن يتدبّروا في الآيات القرآنية ويراجعوا في كل حكم نازل أو حكمة مبيّنة أو قصّة أو عظة أو غير ذلك جميع الآيات المرتبطة بها ممّا نزلت؛ مكّيّها ومدنيّها ، ومحكمها ومتشابهها ، ويضمّوا بعضها إلى البعض حتى يظهر لهم أنّه لا اختلاف بينها ، فالآيات يصدّق قديمها حديثها ويشهد بعضها على بعض من غير أن يكون أي اختلاف مفروض .

ثالثا : أنّ القرآن كتاب لا يقبل نسخا ولا إبطالا ولا تكميلا ولا تهذيبا ، ولا أي حاكم يحكم عليه أبدا .

وذلك أن ما يقبل شيئا منها لا مناص من كونه يقبل نوعا من التحوّل والتغيّر بالضرورة ، وإذا كان القرآن لا يقبل الاختلاف ، فليس يقبل التحوّل والتغيّر ، فلا يقبل نسخا ولا إبطالا ولا غير ذلك ، ولازم ذلك أنّ الشريعة الاسلامية مستمرّة إلى يوم‏ القيامة «16» .

ومجمل قوله في ذلك : أنّ مرجعيّة القرآن- والتي أكّدت عليها الأخبار المتواترة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) المتضمّنة لوصيّته بالتمسّك به والأخذ بآياته وعرض الروايات على كتاب اللّه- ، تؤكّد أنّ كل نظر ديني يجب أن ينتهي إلى القرآن الذي فيه تبيان كلّ شي‏ء ، وأنّ المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبّر والبحث ، وأنّ جميع ما نقل عن النبي (صلى الله عليه واله)- في تفسير القرآن- يمكن استفادته من الكتاب ، إذ لو توقّف ذلك على بيان النبي (صلى الله عليه وآله) لكان من الدور الباطل وهو ظاهر ، ومن هنا تكون أهمّية دور النبي (صلى الله عليه وآله) في تعليم الناس وبيان ما يدلّ عليه القرآن بنفسه ، فشأن النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا المقام هو التعليم فحسب ، والتعليم إنّما هو هداية المعلّم الخبير ذهن المتعلّم وإرشاده إلى ما يصعب عليه . . . فإنّما التعليم تسهيل للطريق وتقريب للمقصد ، لا ايجاد للطريق وخلق للمقصد «17» .

أمّا تفاصيل الأحكام- لا تفسير الآيات وفهم معناها اللفظي- فهي ممّا لا سبيل إلى تلقّيها من غير بيان النبيّ (صلى الله عليه وآله) كما أرجعها القرآن إليه في قوله تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر : 7] وما في معناه من الآيات وكذلك تفاصيل القصص والمعاد مثلا (ممّا اجمل في القرآن) .

لذا فإنّ طريقة تفسير القرآن بالقرآن عند الطباطبائي تختلف عمّن سبقه من عامّة المفسّرين الذين لجأوا إلى القرآن بشكل محدود كإحدى الوسائل لفهم القرآن ، فهي عند الطباطبائي الأساس الأوّل والأخير ، والمستقلّ القائم بذاته لفهم القرآن والتدبّر به ، ولا يستغنى عن الروايات في ذلك ، ولكن لا من باب توقّف التفسير عليها ، فالقرآن لا يحتاج إلى غيره في بيان مقاصده ، لأنّه لو احتاج في بيان مقاصده إلى شي‏ء آخر لم‏ تتمّ به الحجّة . . . «18» .

وأمّا الروايات فإنّ لها دور التعليم والإرشاد والانموذج والمثال ، إذ أنّ جمّا غفيرا من الروايات التفسيرية الواردة عنهم- عليهم السلام- مشتملة على الاستدلال بآية على آية ، والاستشهاد بمعنى على معنى ، ولا يستقيم ذلك إلّا بكون المعنى ممّا يمكن أن يناله المخاطب ويستقل به ذهنه لوروده من طريقه المتعيّن له‏ «19» .

ويلخّص المفسّر أخيرا منهجه في تفسير القرآن بالقرآن ، واستمداده من الروايات ذلك بقوله : «وقد تبيّن أنّ المتعيّن في التفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية ، وذلك بالتدرّب بالآثار المنقولة عن النبيّ وأهل بيته- صلّى اللّه عليه وعليهم- وتهيئة ذوق مكتسب منها ثمّ الورود واللّه الهادي» «20» .

وهو بذلك يجمع بين الأحاديث الدالّة على امكانية نيل المعارف القرآنية من القرآن- وكذلك الآيات- وعدم احتجابها عن العقول ، وبين ما هو ظاهره خلافه- من النهي عن التفسير بالرأي- والأمر بالتمسّك بالقرآن والعترة في حديث الثقلين ، الدال على حجّية قول أهل البيت (عليهم السلام) .

ومن هنا جاءت روايات عن أهل البيت (عليه السلام) تدل على المطابقة- بين قولهم والقرآن- ، كما روى في المحاسن بإسناده عن أبي لبيد البحراني عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : «فمن زعم أنّ كتاب اللّه مبهم فقد هلك وأهلك» ، ويقرب منه ما فيه وفي الاحتجاج عنه (عليه السلام) قال : «إذا حدّثتكم بشي‏ء فاسألوني من كتاب اللّه» «21» .

لذا كانت طريقة الطباطبائي في التفسير تختلف عن غيره بأنّه يشرع في تفسير الآيات ابتداء بالرجوع إلى القرآن وحده : بالتدبّر في معاني الآيات ، ومراجعة الآيات الاخرى المتضمّنة لنفس الألفاظ ، أو المعاني ، ومراجعة سياق الآيات وارتباطها بما قبلها وما بعدها ، والكشف عن زمان النزول وتسلسل الأحداث ، والعلائق المنطقية والقرائن الحالية للنص .

وأمّا المأثور من السنّة والأخبار فإنّ دوره يأتي بعد أن يكون المعنى القرآني قد تجلّى بنفسه مستقلّا ومن دون مؤثرات ، فما انسجم المأثور مع ذلك المعنى قبل ، وما تعارض توقّف فيه أو ردّ حتى لو كان صحيح السند ، إذ إنّ الروايات تؤكّد على إرجاع السنّة إلى القرآن ، والقرآن غني ببيانه عن سائر البيان .

ولا يعني ذلك أبدا الاستغناء عن السنّة الشريفة والتقليل من شأنها العظيم ، فهي التي تعلّمنا وترشدنا إلى المنهج الصحيح في تفسير القرآن وطريقة التدبّر فيه والاستمداد به لفهم ألفاظه ومعانيه ، وهي مرجعنا الوحيد في معرفة تفاصيل الأحكام والقضايا التي أجملها القرآن ، ولكن يبقى الميزان هو الأخذ بالأحاديث التي توافق الكتاب وطرح ما عداها «22» .

تطبيقات تفسير القرآن بالقرآن :

1- رفع التشابه من الآيات :

وهو من أهم مكاسب تفسير القرآن بالقرآن ، ومن أكثرها أهميّة ، فقد قال تعالى :

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران : 7] .

فقسّم القرآن الآيات إلى محكمات هنّ امّ الكتاب ، والام معناه ما يرجع إليه ، واخر متشابهات ، والمراد بالتشابه كون الآية بحيث لا يتعيّن مرادها لفهم السامع بمجرّد استماعها بل يتردّد بين معنى وآخر حتى يرجع إلى محكمات الكتاب ، فتعيّن هي معناها وتبيّنها ، فتصير الآية المتشابهة محكمة بواسطة الآية المحكمة .

لذا فإنّ المراد بالمحكمات هي الآيات المتضمّنة للأصول المسلّمة من القرآن ، والمتشابهات هي الآيات التي تتعيّن وتتّضح معانيها بتلك الاصول‏ «23» .

ومثال ذلك : أنّ المرء إذا استمع إلى قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه : 5] ، فإنّه قد يتبادر إلى ذهنه المستأنس بالمحسوس من الأحكام معان هي من أوصاف الأجسام وخواصّها ، لذا فيشتبه المراد منه على السامع أوّل ما يسمعه ، ولكنّه إذا رجع إلى قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى : 11] بعدت عن ذهنه المعاني الحسّية المتصوّرة واستقرّ في الذّهن أنّ المراد به التسلّط على الملك والإحاطة على الخلق .

وكذلك في قوله تعالى : {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر : 22] ، فإنّ نسبة المجي‏ء إليه تعالى من المتشابه الذي يحكمه قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ } ، ومثله ما ورد في آيات القيامة من خواص اليوم كتقطّع الأسباب وارتفاع الحجب عنهم وظهور أنّ اللّه هو الحقّ المبين .

فإنّ المراد بالمجي‏ء هنا مجي‏ء أمر اللّه ، وقد جاء ذلك في الروايات ، قال تعالى : { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار : 19] «24» .

ومن ذلك تظهر أهميّة الرجوع إلى القرآن من خلال محكماته في حلّ الكثير من المسائل العقيدية والتي التبست على كثير من الناس ، وقد مرّ بنا نماذج من ذلك في‏

موضوع (الوضع) من الفصل الرابع ، ومنه التشابه في قوله تعالى : {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة : 23]  فإنّه إذا ارجع إلى قوله تعالى : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام : 103] ، علم أنّ المراد بالنظر غير النظر بالبصر الحسّي .

ومن تطبيقات هذا الباب أيضا : عرض الآية المنسوخة على الآية الناسخة فإنّه يتبيّن بذلك أنّ المراد بها حكم محدود بحدّ الناسخ‏ «25» .

2- بيان الآيات بعضها ببعض :

ولذلك مصاديق كثيرة ومتنوّعة ، منه في بيان معنى مجمل أو مبهم في الآية بالاستعانة بآيات اخر ، كما في تفسير قوله تعالى : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود : 118 ، 119] .

فإنّ السيّد المفسّر ذهب إلى أنّ معنى الاختلاف في الآية ، هو الاختلاف في أمر الدين ، وليس في أمر الحياة والمعيشة ، وذلك بالرجوع إلى آية اخرى أشارت إلى هذين النوعين من الاختلاف ، وهي قوله تعالى : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة : 213] .

فالأوّل هو الاختلاف في الحياة والمعيشة ، والثاني هو الاختلاف في الدين ، ثمّ فصّل المؤلّف القول في تفسيره للآية بالرجوع إلى الآيات الأخر التي تذمّ التفرّق في الدين والإعراض عن الحق‏ «26» .

ومن هذا الباب أن يستعين المفسّر بالآيات الأخر لترجيح أحد المعاني المطروحة في الآية كما في قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة : 30] .

فإنّ المفسّر اختار أنّ الخلافة المقصودة هي خلافة اللّه ، لا خلافة لنوع من الوجود الانساني ، وذلك استنادا إلى قوله تعالى : {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ } [يونس : 14] ، وقوله تعالى : { إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } [الأعراف : 69] ، وقوله : {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ } [النمل : 62] «27» .

3- التفسير الموضوعي للقرآن :

وهو من معطيات تفسير القرآن بالقرآن ، إذ يتمّ به مراجعة الآيات الواردة في موضوع واحد ، ليتدبّر فيها وينظر في معانيها ، وقد يتمّ ذلك بمستويين من النظر ، أحدهما نظر كلّي إلى مجموع الآيات للخروج برؤية عامّة وشاملة لرأي الاسلام في الموضوع وتعيين خطوطه الكلّية ومبادئه العريضة ، ومستوى آخر من النظر لبيان معالمه التفصيلية وأحكامه الجزئية .

والواقع أنّ هذا النوع من التفسير هو من أرقى أنواعه رغم أنّه لم يظهر بشكل متكامل إلّا عند المتأخرين .

وقد استعمل الطباطبائي هذا اللّون من التفسير بشكل واسع وفي مواضيع أساسية واخرى تفصيلية؛ فخرج ببحوث قرآنية رائعة في سائر المباحث كالتوحيد والعبادة والتوبة والدعاء والرزق والجهاد ، وهكذا علوم القرآن ، وقضايا العقائد والكلام ، ومواضيع تربوية وأخلاقية ، واخرى اجتماعية وسياسية ، ومباحث تاريخية مختلفة .

ولا يسعنا هنا أن نستقصي عشرات البحوث المبثوثة في سائر أجزاء الميزان ، ولكن نضرب مثلا بعناوين البحوث التي ضمّها جزء واحد بين أيدينا ، وهو الجزء الثالث‏

وهي :

 1- معنى العذاب في القرآن .

 2- في المحكم والمتشابه والتأويل؛ في عدّة فصول .

3- تفسير القرآن بالرأي .

4- معنى الرّزق في القرآن .

5- معنى الملك واعتباره .

6- في الخواطر الملكية والشيطانية .

7- قصّة عيسى وامّه في القرآن .

8- احتجاج القرآن على مذهب التثليث .

9- ما هو الكتاب الذي انتسب إليه أهل الكتاب .

10- قصّة التوراة .

11- قصّة المسيح والإنجيل .

12- انشعاب الكنائس .

13- ملخص تاريخ الكعبة ، إضافة إلى عناوين فرعية اخرى .

وذلك يدلّنا على الغنى الفكري الذي جاء به (الميزان) من خلال نهجه التفسيري (القرآن بالقرآن) .

2- التفسير بالمأثور من السنّة :

أ- دور السنّة في التفسير :

أكّد الطباطبائي على حجية قول النبي (صلى الله عليه وآله) في بيان الآيات القرآنية «28» ، وأنّ الخبر المروي- عن المعصوم (عليه السلام)- إذا كان متواترا أو محفوفا بقرينة قطعيّة فلا ريب في حجيته ويلزم قبوله‏ «29» .

وحذّر من ترك السنّة وطرحها إذ إنّ ذلك يهدم الدّين من أساسه ويؤدّي ذلك بنظره إلى : «إلغاء وإبطال للكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو القائل جلّ ثناؤه : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر : 7] ، وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء : 64] ، إذ لو لم يكن لقول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حجّية أو لما ينقل من قوله (عليه السلام) إلينا معاشر الغائبين في عصره أو الموجودين بعد ارتحاله من الدنيا حجّية لما استقرّ من الدّين‏ حجر على حجر . . .» «30» .

ولكنّ الطباطبائي يميّز هنا- في موقع التفسير- بين دور القرآن في تفسير القرآن ، ودور السنّة في تفسيره ، فهو يرى أنّ القرآن الذي‏ {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل : 89] ، فمن باب الأولى أن لا يحتاج في تبيين مقاصده إلى غيره ، فكيف يكون تبيانا لكل شي‏ء ويكون مفتقرا إلى هاد غيره ومستنيرا بنور غيره ومبيّنا بأمر غيره‏ «31» .

لذا فهو يرى أنّ من الممكن الوصول إلى بيان القرآن بنفسه دون التوسّل بالروايات ، وأنّ الكثير ممّا ورد من الروايات كان من قبيل تفسير القرآن بالقرآن ، وأنّ شأن النبي (صلى الله عليه وآله) هو التعليم ، وهذا هو الذي يدل عليه أمثال قوله تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل : 44] ، وقوله تعالى : { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة : 2] ، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما يعلّم الناس ويبيّن لهم ما يدلّ عليه القرآن بنفسه ، وبيّنه اللّه سبحانه بكلامه . . . «32» فيكون المتعيّن بالتفسير- عنده- هو الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية وذلك بالتدرّب بالآثار المنقولة عن النبي وأهل بيته (عليه السلام) وتهيئة ذوق مكتسب منها ثمّ الورود ، واللّه الهادي‏ «33» .

جدير ذكره أنّ الطباطبائي أكّد أنّ بيان أهل البيت (عليه السلام) يلحق ببيان النبيّ (صلى الله عليه وآله) لحديث الثقلين المتواتر وغيره ، وهو قوله (صلى الله عليه وآله) في آخر خطبة خطبها : «إنّي تارك فيكم الثقلين : الثقل الأكبر ، والثقل الأصغر ، فأمّا الأكبر فكتاب ربّي ، وأمّا الأصغر فعترتي أهل بيتي ، فاحفظوني فيها ، فلن تضلّوا ما تمسّكتم بهما» «34» ، والذي رواه الفريقان‏ بطرق متواترة عن جمّ غفير من أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عنه ، وأنهى علماء الحديث عدّتهم إلى خمسة وثلاثين صحابيا ، وفي بعض طرقه : «لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» ، والحديث دال على حجية قول أهل البيت (عليه السلام) في القرآن ووجوب اتّباع ما ورد عنهم في تفسيره والاقتصار على ذلك وإلّا لزم التفرقة بينهم وبينه‏ «35» .

لذا فإنّ الطباطبائي ذهب أوّلا إلى استمداد بيان الآيات من القرآن نفسه ، ومن ثمّ مراجعة الروايات الواردة فيها ، وملاحظة انسجامها وانطباقها أو عدمه مع البيانات القرآنية وسياق الآيات .

والأمر الهامّ الآخر في رؤية الطباطبائي لعلاقة السنّة بالقرآن ، أنّه يرى عدم جواز نسخ القرآن بالسنّة ، لكونه مخالفا للأخبار المتواترة بعرض الأخبار على الكتاب وطرح ما خالفه والرجوع إلى الكتاب‏ «36» ، إذ كيف يكون القرآن حاكما على غيره وميزانا له ويكون هو في نفسه محكوما ، ومعدّلا بذلك الغير؟

أمّا تفاصيل الأحكام فهي ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النبي (صلى الله عليه وآله) كما أرجعها القرآن إليه في قوله تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر : 7] ، وما في معناه من الآيات ، وكذلك تفاصيل القصص والمعاد مثلا .

ولا يعني ذلك بحال عدم الاعتناء بالمأثور من السنّة ، فإنّ إلقاء نظرة سريعة على مجلّدات الميزان العشرين تعطينا صورة واضحة عن عناية الطباطبائي الكبيرة بالمأثور من الروايات إذ اشتملت أجزاؤه على مئات البحوث الروائية التي أعقبت البيانات القرآنية ، وقد ضمّت هذه البحوث آلاف الروايات من مختلف المصادر الروائية لكلا الفريقين .

ب- دراسة السنّة والمتن :

يهتمّ الطباطبائي ابتداء بالأخبار المتواترة ، أو المحفوفة بقرائن قطعية ، فهو يعتبرها تامّة الحجّية ولازمة القبول‏ «37» .

إلّا أنّه لا يعتبر صحّة السند دليلا على اعتبار الرواية- إذ ربّما وضع لها الوضّاع سندا صحيحا ليعطوها الاعتبار ، أو أنّهم دسّوها في كتب الأصحاب ، كما فصّلنا القول في ذلك في باب الوضع- ، لذا فإنّ البحث عن حال السند يكون من باب التوسل إلى تحصيل القرائن على صحّة المتن‏ «38» .

كما إنّ عدم صحّة الأسانيد لا يوجب طرح الروايات أو ردّها ، فإنّ ذلك لا يوجب الطرح ما لم يخالف الأثر العقل ، أو يخالف النقل الصريح : أي الكتاب والسنّة القطعية فتدلّان على منعه . أمّا إذا لم يخالف العقل ولا النقل الصحيح فلا دليل على ردّه ، ولا على قبوله‏ «39» .

كما إنّه لا يعتبر الحجّية في روايات الآحاد في التفسير ، خصوصا القصص والتفاصيل المختلفة إلّا ما وافق منها مضامين الآيات‏ «40» . نعم ، الأخبار الواردة في الأحكام الشرعية الفردية تختلف عن غيرها ، فإنّ لها الحجّية إذا كانت موثوقة الصدور بالظن النوعي على ما هو مفصّل في علم الاصول‏ «41» .

ونتيجة لأن أكثر الأخبار في التفسير مرسلة وفيها الكثير من الضعيف والموضوع ، حتّى قال أحمد : ثلاثة كتب لا أصل لها : المغازي والملاحم والتفسير ، وقيل أنّ مراده : أنّه ليس لها أسانيد صحاح متصلة . . . وقال السيوطي : الذي صحّ من ذلك قليل جدّا ، بل أصل المرفوع منه في غاية القلّة . . . «42» .

لذا فإنّ الطباطبائي لم يهتم غالبا بدراسة السند ، إلّا ما كان في السند من دلالات واضحة على صحّة الحديث أو ضعفه ، فهو يشترط قبل أيّ شي‏ء في قبول الأخبار عدم مخالفتها للكتاب ، فهو الميزان الديني المضروب لتمييز الحق من الباطل والصدق من الكذب ، وعلى ذلك أخبار متواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته (عليه السلام) «43» ، وهي الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب وطرح ما خالفه والرجوع إلى الكتاب‏ «44» .

وطريقته في مراجعة النص الروائي تتضمن الخطوات التالية :

1- ملاحظة عدم معارضة الرواية لمضمون الآيات ، بل ربّما كانت الآيات تؤيد ما ورد في الروايات ، كما في قوله تعالى : { وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } [طه : 114] ، قال : «وهذه الآية ممّا يؤيد ما ورد من الروايات أنّ للقرآن نزولا دفعة واحدة غير نزوله نجوما على النبي (صلى الله عليه واله)» «45» .

وهو يردّ الروايات إذا كانت مخالفة للقرآن ، كما في موضوع : رؤية اللّه ، وهو يستعين بقول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) عند ما ردّ هذه الروايات إذ يقول له أبو قرة : فتكذّب الروايات؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام) : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها ، وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علم ولا تدركه الأبصار وليس كمثله شي‏ء .

كما إنّه يردّ الروايات إذا كانت تعارض أصلا دينيا مسلّما عليه ، فبعد ما ذكر ما روى في «الدرّ المنثور» عن ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله تعالى : {ولا تَعْجَلْ‏ بِالْقُرْآنِ} ، أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كان إذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل تمام نزول الآية خوفا من النسيان ، عقّب قائلا : «وأنت تعلم أنّ نسيان الوحي لا يلائم عصمة النبوّة» «46» .

كما إنّه يهتم بموافقة الرواية للسياق القرآني ويعتبر مخالفة الرواية للسياق دليلا لردّها أو التوقّف فيها بحسب حجم المخالفة ونوعها ، من ذلك أنّه روى عن الدرّ المنثور . . . عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : إذا أخذتم الساحر فاقتلوه . ثمّ قرأ : {ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى}‏ قال : لا يأمن حيث وجد .

وعقّب عليها بقوله : «وفي انطباق المعنى المذكور في الحديث على الآية بما لها من السياق خفاء» «47» .

وفي تعقيبه على الروايات الواردة في قوله تعالى : {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم : 77] قال : «وقد تقدّم أنّ الروايات لا تنطبق على سياق الآيات . . .» «48» .

وهو لا يهمل سند الحديث ، خصوصا إذا أفاد في تقييمه ، فهو مثلا بعد ما نقل رواية وشكّك بمتنها فإنّه استعان بمراجعة حال السند ليتم حجيته في ردّها ، لذا قال : « . . . ونقل عن الحافظ ابن حجر أنّ الحديث لا أصل له ولم يوجد في شي‏ء من كتب الحديث لا مسند ولا غير مسند» «49» .

وكذلك بعد ما روى رواية عن القمي في ذيل تفسيره لقوله تعالى : {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ } [طه : 85] ، قال : «ظاهر هذا الذي نقلناه أنّ قوله (و السبب في ذلك) إلخ ، ليس ذيلا للرواية التي في أوّل الكلام . . . بل هو من كلام القمي اقتبسه من أخبار آخرين كما هو دأبه في أغلب ما أورده في تفسيره من أسباب نزول الآيات ، وعلى ذلك شواهد من خلال القصّة التي ذكرها . . .» .

ثمّ أضاف : «ثمّ على تقدير كونه رواية وتتمة للرواية السابقة هي رواية مرسلة مضمرة» «50» .

وهو بذلك يريد إضعاف سند الرواية خصوصا عند من يعتقد بصحّة أسناد وتفسير القمي .

موقفه من أخبار الصحابة والتابعين :

تضمّن تفسير «الميزان» آلاف الروايات المروية عن الصحابة والتابعين ورجع في ذلك إلى امّهات التفسير بالمأثور كجامع البيان للطبري والكشّاف والدرّ المنثور للسيوطي وغيرها ، وقد رجع إلى الأخير في أكثر من ثمانمائة مورد ، وهو يستفيد من هذه المرويّات في توضيح الآيات وتطبيقاتها ، جاريا على سنّة من سبقه من المفسّرين الشيعة ، كالطوسي في تبيانه والطبرسي في مجمع البيان ، فالصحابة كانوا معاصرين لنزول الآيات وهم أقرب إلى فهم اللغة وقد نزلت بلغتهم ، والأمثلة على ذلك في الميزان كثيرة .

إلّا أنّه في نفس الوقت لا يعتقد حجّية المروي عن الصحابة والتابعين ، لأنّ اللّه تعالى لم يجعل حجّية في أقوالهم‏ «51» وهو يردّ من يوجب على المفسّر أن لا يخرج عن قول الصحابة وأن يختار قول أحدهم ولا يخترق إجماعهم . . . يردّ هذا بأن ما ورد عنهم من النقل ، مع قطع النظر عن طرقه ، لا يخلو من الاختلاف فيما بين الصحابة أنفسهم ، بل الاختلاف فيما نقل عن الواحد منهم ، وهم أنفسهم لم يلتزموا هذا المنهج ولم يبالوا بالخلاف فيما بينهم ولم يختصوا بحجية قولهم على غيرهم ، ولا بتحريم الخلاف على غيرهم من دونهم‏ «52» «53» .

ولذلك فإنّ الطباطبائي لم يتردد في إعلانه عن هذا المبدأ ، فنجده يعقّب على رواية منسوبة لابن عباس : «وأمّا انتساب القول إلى ابن عباس فعلى تقدير ثبوته لا حجية فيه» «54» .

وليس هذا الأمر بمستغرب مع كثرة الوضع وضعف الاسناد والاجتهاد الشخصي للصحابة ، حيث أنّ أكثر مرويّاتهم من الموقوف فيه النقل عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، لذلك فإنّ الطباطبائي يتعامل مع المرويّات عنهم ، بنفس المعيار الذي تعامل فيه مع المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليه السلام) من حيث عدم مخالفته للقرآن وموافقته للسياق . . . وغير ذلك من المعايير التي التزم بها في مراجعة النص في التفسير .

ج- موقفه من الإسرائيليات :

أبدى الطباطبائي ومن بداية تفسيره تحسّسا واعيا تجاه تسلل الإسرائيليات في التفسير ، حيث أشار إلى دخول الروايات الإسرائيلية في عصر التابعين ، خصوصا في القصص والمعارف الراجعة إلى الخلقة كابتداء السماوات وتكوين الأرض . . . وعثرات الأنبياء وتحريف الكتاب (عندهم) «56» .

واعتبر الطباطبائي أخذ الصحابة عن علماء أهل الكتاب الذين دخلوا في الاسلام‏ كوهب بن منبه وكعب الأحبار ومعاملة رواياتهم معاملة الأخبار المرفوعة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) . . . اعتبر ذلك بلوى‏ «57» ، وذلك لآثاره الخطيرة على الفكر الاسلامي .

وأرجع الطباطبائي أخذ المسلمين بالإسرائيليات إلى بحثهم عن تفاصيل لما ورد في القرآن من قصص وأخبار ، خصوصا أنّ القرآن يقتصر عادة في هذه القصص على نكاتها المهمّة المتعلقة بالهداية والاعتبار لا السّرد التاريخي ، فالقرآن كتاب هدى لا كتاب تاريخ‏ «58» .

وهكذا نجد الطباطبائي يردّ الروايات الإسرائيلية ، خصوصا تلك التي تتعارض مع النص القرآني أو اصول العقيدة أو لا يحتملها العقل ، وهو يلاحق هذه الروايات ويشخّصها أينما وجدت ، ولا يعني ذلك بحال رفضه كل ما روي في هذا الباب إذا لم يكن مخالفا للقرآن وللشرائط المعتبرة في تفسيره .

ففي معرض حديثه عن الروايات في قصّة ذي القرنين يعقّب بقوله : «واعلم أنّ الروايات المرويّة من طرق الشيعة وأهل السنّة عن النبي (صلى الله عليه وآله) ومن طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليه السلام) وكذا الأقوال المنقولة عن الصحابة والتابعين ويعامل معها أهل السنّة معاملة الأحاديث الموقوفة في قصّة ذي القرنين ، مختلفة اختلافا عجيبا متعارضة متهافتة في جميع خصوصيات القصّة وكافّة أطرافها ، وهي مع ذلك مشتملة على غرائب يستوحش منها الذوق السليم أو يحيلها العقل وينكرها الوجود ، لا يرتاب الباحث الناقد إذا قاس بعضها إلى بعض وتدبّر فيها أنّها غير سليمة عن الدسّ والوضع ومبالغات عجيبة في وصف القصة ، وأغربها ما روي عن علماء اليهود الذين أسلموا كوهب بن منبه وكعب الأحبار أو ما تشعر القرائن أنّه مأخوذ منهم ، فلا يجدينا والحال هذه نقلها بالاستقصاء على كثرتها وطولها ، وإنّما نشير بعض الاشارة إلى وجوه‏ اختلافها ، ونقتصر على نقل ما يسلم عن الاختلاف في الجملة» «59» .

ولم يكتف الطباطبائي بمناقشة الروايات بذاتها فحسب ، بل راح يتابع هذه الروايات في اصولها الإسرائيلية : التوراة والإنجيل ، ففي تعقيبه على الروايات الواردة في قصّة النبيّ داود وتزوجه امرأة أوريا ، قال : «والقصّة مأخوذة من التوراة غير أنّ التي فيها أشنع وأفظع فعدّلت بعض التعديل على ما سيلوح لك» ، ثمّ ذكر ملخّص ما ورد في التوراة ليقارنها بالروايات‏ «60» .

وكان موقفه هذا من سائر ما روي في مطاعن الأنبياء (عليه السلام) وعثراتهم ، إذ يصرّ الطباطبائي على عصمة الأنبياء ونزاهتهم منها ، فها هو يعقّب على الروايات الواردة في قصّة هاروت وماروت فيقول : «فهذه القصة كالتي قبلها المذكورة في الرواية السابقة تطابق ما عند اليهود على ما قيل من قصة هاروت وماروت ، تلك القصة الخرافية التي تشبه خرافات يونان في الكواكب والنجوم .

ومن هاهنا يظهر للباحث المتأمل : أنّ هذه الأحاديث كغيرها الواردة في مطاعن الأنبياء وعثراتهم لا تخلو من دسّ دسّته اليهود فيها ، وتكشف عن تسربهم الدقيق ونفوذهم العميق بين أصحاب الحديث في الصدر الأوّل ، فقد لعبوا في رواياتهم بكل ما شاءوا من الدسّ والخلط وأعانهم على ذلك قوم آخرون» «61» .

ولكنّه- ورغم كثرة المروي من الإسرائيليات وخطورته- يعتقد أنّ القرآن يدفع الباطل عن ساحته ، ولا سبيل إلى التخلّص من هذه المرويّات المدسوسة وآثارها المخربة إلّا بالاعتصام بكتاب اللّه وعرض الأخبار عليه وطرح ما خالف الكتاب منها ، فهو يقول : «لكنّ اللّه عزّ وجلّ جعل كتابه في محفظة إلهية من هوسات المتهوّسين من‏ أعدائه كلّما استرق السمع شيطان من شياطينهم أتبعه بشهاب مبين ، فقال عزّ من قائل : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : 9] . . .

فما من خلط أو دسّ إلّا ويدفعه القرآن ويظهر خسارة صاحبه بالكشف عن حاله واقراء صفحة تاريخه . . .» «62» .

ولذا يمكن القول بأنّ موقف الطباطبائي وتعامله مع الإسرائيليات قد جعل تفسيره في منأى عن تأثيرها وكانت طريقة معالجته لها أنّه استفاد من مرويّاتها التي تتوافق مع الكتاب ورفض الكثير منها ممّا يتعارض معه فكان تفسيره نموذجا رائعا في هذا المجال أيضا ، كما هو في المجالات الاخرى .

د- التأويل والباطن :

يرى الطباطبائي- ووفاقا لمعظم المفسّرين المسلمين- بوجود معنى باطن للآيات ، تكشف عنه ظواهر الآيات نفسها ، إذ الظاهر عنوان الباطن وطريقه ، إلّا أنّه شدّد على أن لا يكون هذا الباطن مناقضا لمعطيات ظواهر الكتاب نفسه وحقائق الشريعة ، وأن يكون هذا الباطن ممّا تكشف عنه ظواهر الآيات ، وهو يكون في طول المعنى الظاهر لا في عرضه فلا تزاحم بينهما «63» .

ومع كل هذا فإنّ ظاهر النص القرآني مقدّم على ما سواه ويتمسّك به أوّلا؛ فلا دليل على أنّه يقصد من كلمات القرآن غير المعاني التي ندركها من ألفاظه وجمله‏ «64» ، ولذا فهو ينتقد بشدّة تفسيرات الباطنية وتأويلات الصوفية الذين يعتقدون أنّ الباطن هو المقصود وأنّ الباطنيات لا ينالها فهم أهل الظاهر «65» .

لذا كان منهج المفسّر في ميزانه ، هو الابتداء بتحصيل بيان القرآن وتفسيره من خلال نفس الآيات القرآنية وسياقها العام والآيات المشتركة في المعنى بالرجوع إلى معاني الألفاظ واستعمالاتها في مواضع اخرى من القرآن ، وذلك كلّه للوصول إلى تفسير يدل عليه ظاهر القرآن ويبيّنه ببيانه .

وإذ تحصّل لدى المفسّر البيان القرآني واضحا وصريحا وقائما بذاته ، فإنّه ربّما يستمر في البحث ليصل إلى مراتب متقدّمة أو أفهام عالية للآيات ، ويتوسّع في المطالب لتشمل مساحة أوسع من الفكر والحياة ، وتلك الطريقة هي التي تغني البحث بما تستفيده من القرآن ، وهي التي تمكننا من استنباط واستفادة أحكام وآراء ونظريّات قرآنية عالية المقاصد وسامية الأهداف لنستنير بها في حياتنا الفردية والاجتماعية ، وليس ذلك ببدع ولا جديد بذاته ، فقد روي عن ابن مسعود : «من أراد علم الأوّلين والآخرين فليثوّر القرآن» ، قال ابن الأثير في شرحه : أي لينقّر عنه ويفكّر في معانيه وتفسيره وقراءته ، كما ورد عن أبي الدرداء قوله : لا يفقه الرجل كل الفقه حتّى يجعل للقرآن وجوها «66» .

وعلى أيّ حال ، فإنّ أحد إبداعات الطباطبائي التي تميّز بها في تفسيره ، هو بحوثه القرآنية الرائعة التي استقاها واستفادها من القرآن الكريم ، والتي انطلق فيها من البيانات اللّفظية القرآنية ، والتي كان يراها أنّها : أمثال للمعارف الحقّة الإلهية ، التي يجب أن لا تقف الأفهام عندها دون الاتّساع والانتشار منها وعنها ، فهي أمثال للتأمّل والتدبّر ، وقد قال جلّ شأنه : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر : 21] .

فإلى القرآن يجب أن ينتهي كل نظر ديني ، كيف لا والقرآن (ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تحصى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظّلمات إلّا به) ، كما روي عن‏ الإمام عليّ (عليه السلام) «67» .

وقد كان من نتاج هذا الفهم الصائب والذهن المنفتح على القرآن ، أن أغنانا الطباطبائي بعشرات البحوث القرآنية المتوزّعة على أجزاء تفسيره والشاملة لجميع مراحل حياة الانسان ، في نشوئه وارتقائه من عالم الخلق والتكوين ، ثمّ سيره وأسباب تكامله وسعادته في هذه الحياة الدنيا حتّى استقراره في عالم الخلود .

وقد أعطانا الطباطبائي بذلك دليلا بيّنا وتاما على إعجاز القرآن الكريم وعظمته وجلاله وجماله ، والذي يتجلّى بأروع صورة في ما اشتمل عليه القرآن من معارف حقيقية وأخلاق فاضلة وأحكام تشريعية وأخبار غيبية وغيرها ، فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته ، وللحكيم في حكمته ، وللعالم في علمه ، وللاجتماعي في اجتماعه ، وللمقنّنين في تقنينهم ، وللسياسيين في سياستهم ، وللحكّام في حكومتهم ، ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعا كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم والبيان ، فهو معجزة لكل فرد بما أتى به من معارف إلهية مبرهنة ، وأخلاق حقة في الصفاء والفضيلة وأحكام فقهية تامّة ، وأخبار غيبية ماضية ومستقبلة ، وكلّها قائمة على أساس من التوحيد والطّهر وحفظ كلمة التقوى‏ «77» .

وهكذا كان «الميزان» فإنّنا كلّما ألقينا عليه نظرة بعد اخرى ، كلّما وجدنا فيه مطالب جديدة وبحوثا إضافية ممّا جعله بحق موسوعة قرآنية شاملة لا نظير لها في سائر ما بين أيدينا من كتب وتفاسير ، فكان للطالب غاية وللمستزيد زيادة ، دوحة للعلماء وسياحة للأدباء .

هـ- الجري والتطبيق :

تقدّم أنّ العلّامة الطباطبائي كان يؤكّد أنّ ما جاء في القرآن من آيات وما فيها من‏ حكم وعبر لا تختصّ بزمان دون زمان ، ولا مكان دون غيره ، فإن شأن النزول وموارده لا يحدد الآيات ويختصها به لأنّ «للقرآن اتّساعا من حيث انطباقه على المصاديق وبيان حالها ، فالآية منه لا تختصّ بمورد نزولها بل تجري في كل مورد يتّحد مع مورد النزول ملاكا كالأمثال لا تختص بموردها الأوّل ، بل تتعداها إلى ما يناسبها» «68» .

وقد سمّى الطباطبائي هذا المعنى بجري القرآن ، وهو اصطلاح مأخوذ من قول أئمة أهل البيت (عليه السلام) ، كما ورد في الحديث عن الباقر (عليه السلام) إذ سأله الفضيل بن يسار عن هذه الرواية : ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن ، وما فيها من حرف إلّا وله حد ، ولكل حد مطلع ، ما يعني بقوله : ظهر وبطن؟ قال : «ظهره تنزيله وبطنه تأويله ، منه ما مضى ، ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما يجري الشمس والقمر ، كلّما جاء منه شي‏ء وقع» «69» .

فالآية لا تتحدّد بمورد نزولها ، وإنّما هي كالأمثال تنطبق على ما يشابهها من موارد ، قال الطباطبائي : «وفي هذا المعنى روايات اخر ، وهذه سليقة أئمة أهل البيت ، فإنّهم (عليه السلام) يطبقون الآية من القرآن على ما يقبل أن ينطبق عليه من الموارد وإن كان خارجا عن مورد النزول ، والاعتبار يساعده ، فإنّ القرآن نزل هدى للعالمين يهديهم إلى واجب الاعتقاد وواجب الخلق وواجب العمل ، وما بيّنه من المعارف النظرية حقائق لا تختصّ بحال دون حال ولا زمان دون زمان ، وما ذكره من فضيلة أو رذيلة أو شرّعه من حكم عملي لا يتقيّد بفرد دون فرد ولا عصر دون عصر لعموم التشريع» «70» .

وأكّد الطباطبائي مرّة اخرى أنّ شأن النزول لا يوجب قصر الحكم على الواقعة لينقضي الحكم بانقضائها ويموت بموتها؛ لأنّ البيان عام والتعليل مطلق ، وكان من أبرز مصاديق ذلك ما ورد في القرآن من مدح أو ذم في حق أفراد معينين ، فإنّ هذا المدح أو الذم معلل بوجود صفات فيهم ، ولا يمكن قصرها على شخص مورد النزول ، مع وجود تلك الصفات في قوم آخرين بعدهم .

وكان أبرز أمثلة الطباطبائي للجري والتطبيق : الروايات في تطبيق الآيات القرآنية على أهل البيت (عليه السلام) ، أو على أعدائهم ، وسمّاها بروايات الجري وقال : «روايات الجري كثيرة في الأبواب المختلفة ، وربّما تبلغ المئين ، ونحن بعد هذا التنبيه العام نترك إيراد أكثرها في الأبحاث الروائية لخروجها عن الغرض في الكتاب ، إلّا ما تعلّق بها غرض في البحث ، فليتذكر» «71» .

وما ينبغي ذكره هنا ، أنّ الطباطبائي ميّز ما بين التفسير وهو ما يتعلّق ببيان الآيات وشرح معانيها ، وبين التأويل وما ورد من الروايات في الجري والتطبيق ، والتي عدّها من روايات البطن ، في الوقت الذي نجد فيه بعض المحاولات التفسيرية السابقة قد اقتصرت في تفسيرها للآيات على روايات الجري والتطبيق التي أوردتها بعنوان تفسير الآيات لا تأويلها .

وبهذا التمييز فقد قسّم الطباطبائي البحث هنا إلى مستويين ، بل لنقل موضوعين مختلفين؛ بين تفسير القرآن العام ، وبين موارد التطبيق وعدّ المصاديق التي يمكن أن تتّسع وتضيق وتقلّ وتكثر بحسب انطباق مفاهيم هذه الآيات على تلك المصاديق ، وهذا- ممّا لا شكّ فيه- سيساعد كثيرا في توسيع مساحة الاشتراك والتفاهم بين المفسّرين من عموم المذاهب الذين ستكون لديهم مساحة واسعة من اللّقاء في تفسير القرآن وتدبّر معانيه والاستهداء بهديه والاستنارة بأنواره .

ومن المفيد هنا أن نذكر بعض الأمثلة للروايات التي عدّها الطباطبائي من الجري والتطبيق علما بأنّ الطباطبائي أورد هذه الروايات في البحث الروائي الذي يأتي به مستقلّا بعد فراغه من تفسير الآيات تحت عنوان (بيان) وفقا لمنهجه في تفسير القرآن بالقرآن :

1- تفسير القمي ، بإسناده عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [الأنبياء : 7] من المعنيّون بذلك؟ قال : نحن ، قلت : فأنتم المسئولون؟ قال : نعم ، قلت : ونحن السائلون؟ قال : نعم ، قلت : فعلينا أن نسألكم؟

قال : نعم ، قلت : فعليكم أن تجيبونا؟ قال : لا ، ذاك إلينا إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا تركنا ، ثمّ قال (عليه السلام) : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب .

فقد عقّب الطباطبائي على الرواية بقوله : «وروى هذا المعنى الطبرسي في مجمع البيان عن علي وأبي جعفر ، قال : ويؤيده أنّ اللّه تعالى سمّى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ذكرا رسولا .

وهو من الجري ضرورة أنّ الآية ليست بخاصّة والذكر إمّا القرآن أو مطلق الكتب السماوية أو المعارف الإلهية ، وهم على أيّ حال أهله ، وليس بتفسير للآية بحسب مورد النزول ، إذ لا معنى لإرجاع المشركين إلى أهل الرسول أو أهل القرآن وهم خصماؤهم ، ولو قبلوا منهم لقبلوا من النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه» «72» .

2- وروى عن تفسير العياشي ، عن يزيد الكناني ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى : {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ}‏ الآية ، قال : يقول : ما ذا أجبتم في أوصيائكم الذين خلفتم على امّتكم؟ قال : فيقولون لا علم لنا بما فعلوا من بعدنا .

وعقّب عليها الطباطبائي بقوله : ورواه القمي في تفسيره عن محمّد بن مسلم عنه (عليه السلام) .

وفي الكافي عن زيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ما في معناه ، وهو من الجري أو من قبيل الباطن‏ «73» .

وقد تردّد هنا بين الجري أو الباطن ، لأنّ الطباطبائي وإن كان يعتبر بطن القرآن مثل الجري أحيانا «74» ، إلّا أنّ في الجري تكون الآية بمعنى عام وتجري في أمثالها ، وفي‏ الباطن يكون للآية معنى ظاهر تام ، وتحمل على معان باطنية موازية لهذا المعنى ، إذ يؤخذ الظاهر فيه مأخذ الرمز والاشارة .

فقد ذكر الطباطبائي رواية الدرّ المنثور فيما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن : 19] ‏ قال : عليّ وفاطمة ، {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ } [الرحمن : 20] قال : النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } [الرحمن : 22] قال : الحسن والحسين .

وعقّب عليها بقوله : «ورواه أيضا عن ابن مردويه عن أنس بن مالك مثله ، ورواه في مجمع البيان عن سلمان الفارسي وسعيد بن جبير وسفيان الثوري ، وهو من البطن» «75» . ووصفه بالبطن لأنّه فسّر الرواية بمعناها اللّغوي ، وليس في الآية مفهوم يجري على غير موردها ، وما في الرواية يشير إلى أنّ ما في الآية إشارة وتعبير رمزي عن هذه الأسماء المباركة .

________________________

  1. من ترجمة المؤلف لنفسه (الطباطبائي ومنهجه في تفسير الميزان) علي الأوسي/ ص 39 .
  2. تفسير القرآن بالقرآن عند العلّامة الطباطبائي/ ص 21 .
  3. الميزان/ ج 1/ المقدّمة/ ص 9 .
  4. م . ن .
  5.  م . ن .
  6. م . ن/ ص 14 .
  7. م . ن/ ص 17 .
  8. م . ن/ ص 16 .
  9. م . ن/ ج 3/ ص 45 .
  10. م . ن/ ج 1/ ص 16 .
  11. التفسير والمفسرون/ ج 1/ ص 156 .
  12. الاتقان/ ج 2/ ص 1197 .
  13. الكشّاف/ ج 1/ ص 406 .
  14. تفسير الطبري/ ج 1/ ص 7 .
  15. البرهان/ ج 2/ ص 157 .
  16. الميزان/ ج 5/ ص 20- 21 .
  17. الميزان/ ج 3/ ص 96- 98 .
  18. القرآن في الاسلام/ ص 64 .
  19. الميزان/ ج 3/ ص 98 .
  20. م . ن/ ص 101 .
  21. م . ن/ ص 100 .
  22. القرآن في الاسلام/ ص 86 ، الميزان/ ج 3/ ص 101 .
  23. الميزان/ ج 3/ ص 25 .
  24. م . ن/ ج 20/ ص 321 .
  25. م . ن/ ج 3/ ص 24 .
  26. الميزان/ ج 11/ ص 60- 65 .
  27. الميزان/ ج 1/ ص 115- 116 .
  28. الميزان/ ج 12/ ص 261 .
  29. م . ن/ ج 1/ ص 288 .
  30. م . ن/ ص 237 .
  31. م . ن/ ج 3/ ص 101 .
  32. م . ن/ ج 2/ ص 98 .
  33. م . ن/ ج 3/ ص 101 .
  34. رواه مسلم في صحيحه والترمذي في سننه والحاكم في مستدركه وأحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم .
  35. الميزان/ ج 3/ ص 100 ، وج 14/ ص 260 .
  36. م . ن/ ج 4/ ص 282 .
  37. م . ن/ ج 12/ ص 351 .
  38. م . ن/ ج 10/ ص 213 .
  39. م . ن/ ج 1/ ص 288 .
  40. م . ن/ ص 241 .
  41. م . ن/ ج 14/ ص 204 ، والقرآن في الاسلام/ ص 93 .
  42. الإتقان/ ج 2/ ص 1205 .
  43. الميزان/ ج 1/ ص 241 .
  44. م . ن/ ج 4/ ص 282 .
  45. م . ن/ ج 14/ ص 214 .
  46. م . ن/ ص 216 .
  47. م . ن/ ج 14/ ص 184 .
  48. م . ن/ ص 104 .
  49. م . ن/ ص 336 .
  50. م . ن/ ص 202 .
  51. م . ن/ ج 1/ ص 9 .
  52. م . ن/ ج 3/ ص 99 .
  53. راجع للتفصيل حول الآراء المختلفة في الموضوع : بحثنا عن الصحابة في الفصل الثاني من هذا الكتاب .
  54.  م . ن/ ج 13/ ص 142 .
  55. م . ن/ ج 1/ ص 8 .
  56.  م . ن/ ج 13/ ص 218 .
  57. م . ن .
  58. م . ن/ ص 36 .
  59. م . ن/ ج 17/ ص 68 .
  60. م . ن/ ج 1/ ص 237 .
  61.  م . ن .
  62. القرآن في الإسلام/ ص 41 .
  63. م . ن/ ص 24 .
  64. الميزان/ ج 6/ ص 287 ، وانظر : ج 1/ مقدمة المفسّر .
  65. الإتقان/ ج 2/ ص 1221 .
  66. الميزان/ ج 3/ ص 95 .
  67. م . ن/ ج 1/ ص 62 .
  68. الميزان/ ج 3/ ص 78 .
  69. الرواية من تفسير العياشي .
  70. الميزان/ ج 1/ ص 44 .
  71. م . ن/ ج 1/ ص 45 .
  72. م . ن/ ج 14/ ص 257 .
  73. م . ن/ ج 4/ ص 217 .
  74. القرآن في الإسلام/ ص 52 .
  75. الميزان/ ج 19/ ص 108 .



وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .