أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2016
6013
التاريخ: 21-3-2016
7004
التاريخ: 25-4-2017
2340
التاريخ: 21-3-2016
2559
|
ينمو الإنسان في محيط اجتماعي لم يكن له الخيار في انتقائه، اذ يولد فيه ويشب ضمنه فهو الميدان الخصب الذي يغذي نشأته الإنسانية وبحكم تبعيته لأهله وذويه يتفاعل مع هذا المحيط فيكتسب عاداته ومبادئه وأنماط سلوكه في فترة من الحياة تتميز بقوة الاقتباس والتعلم وتفتح البصيرة على ما حولها دون إمكان للتقويم والانتقاء. فالطفل الذي يكتسب العادات السلوكية ووسائل التعبير عن رغباته لا يمكن بحكم النمو التدريجي لمواهبه الفعلية ان يفصل بين المؤثرات الخارجية البناءه وتلك المسيئة وهذا ما جعل البعض يقول ان الانسان يتلقى في سنوات نموه الاولى ضغط محيطه وتاثيره دون دفاع كما حمل البعض على القول ان السلوك الانساني وليد الوراثة والمحيط. وفي الواقع يولد الانسان مع مؤهلات وراثية معينة للتعلم والاقتباس والتماثل منبثقة عن التكوين البيولوجيي بجسمه وقواه العقلية وبقدر ما يكون هذا التكوين العضوي سليما بقدر ما تكون مقدرة التعلم لدى الشخص مهيأه للاقتباس والتماثل وحفظ المبادئ السلوكية والتوافق معها ذهنيا وممارسة وعلى النقيض من ذلك بقدر ما يكون التكوين العضوي متخلف النمو او التكامل او يشكو امراضا تعيق ذلك النمو بقدر ما يصعب على الانسان التعلم واستيعاب المؤثرات الخارجية ولا سيما السلوكية منها فيبقى كائنا متخلفا نفسيا واجتماعيا لعدم اكتمال مقومات الشخصية السليمة لديه. وبقدر ما تكون المبادئ السلوكية والقيم سليمة في المحيط الاجتماعي الذي يولد فيه الانسان وينشا بقدر ما تكون عملية تجانسه الاجتماعي سليمة وبناءه فيشب على مبادئ سلوكية قويمة تطبع شخصيته وتوفر لها الاساس الصحيح لتحقيق ذاتها بصورة سوية وعلى العكس بقدر ما يكون المحيط الاجتماعي مشبعاً بقيم سلبيه هدامة ورافضة للنظام الاجتماعي بقدر ما تتكون لدى الولد شخصية رافضة غير متوازنة اجتماعيا فتطغى عليها السمة السلبية الرافضة للقيم والمعايير السائدة في المحيط للخلية الاجتماعية التي نشا فيها. إذن تفاعل الانسان منذ ولادته مع محيطه امر حتمي لانه يصبو بطبيعته نحو التجانس مع هذا المحيط فاكتمال الذات لا يتم الا من خلال تداخل الفرد مع محيطه وانصهاره فيه بصوره تعكس من جهة تفاعله مع هذا المحيط وتستجلي من جهة ثانية تقدير هذا المحيط للذات فالانسان كائن متطور قيد التكامل الدائم اذ ان الذات الانسانيه ليست فقط ماهي عليه الان في محطة زمنية معينة بل مانريد ان تكون في محطه زمنية مستقبلية فالجمود نقيض الحياه والانسان كائن حي اي متحرك . متطور دوماً وساع الى تحقيق الذات(1). تؤكد معظم الدراسات التي تناولت السلوك الاجرامي بشكل عام والسرقه بشكل خاص ان المحيط الذي يعيش ويترعرع فيه المجرم له اكبر الاثر في وقوع هذا السلوك، ومن الحقائق التي تم التوصل اليها ان السرقه سلوك متعلم فالشخص الذي لم يتدرب على هذا النمط من السلوك غير قادر على القيام به، ان هذا التعلم يتطلب بالضرورة ان يرتبط بعلاقات اجتماعيه مع اشخاص اخرين يشعر بسبب هذا الارتباط بنوع من الراحه والاطمئنان حيث يتعلم الفرد عند انتمائه الى هؤلاء ارتكاب السرقه يكون احياناً في منتهى التعقيد كما هو الحال في سرقه البنوك، وفي بعض الاحيان في غاية البساطة كالنشل، كما يتعلم كذلك طبيعة الاتجاهات التي تحرك الدوافع والميول والتصرف وتبرير هذا التصرف.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا المحيط الذي يعيش في ظله السارق في بعض المجتمعات قد يحيط الفرد بأشخاصً يرون جميعاً في نصوص القوانين قواعد ينبغي مراعاتها في حين انه قد يحاط في مجتمعات أخرى بأشخاص تحبذ آراؤهم انتهاك نصوص القوانين حيث يميل الافراد الى السرقة عندما ترجح لكفه الاراء التي تحبذ انتهاك القوانين على كفه الاراء التي تحترم القوانين(2). فحينما يصبح الاشخاص سراقاً فهم يفعلون هذا لاتصالهم بنماذج اجرامية اتخذت السرقه سبيلاً لمعيشتها من جهة وبسبب عزلهم عن النماذج التي تقاوم هذا السلوك الاجرامي من جهة اخرى حيث ان كل فرد يتشرب حتماً بالثقافه المحيطه به الاِ اذا وجدت حوله نماذج اخرى في صراع معها. كما نجد ان جريمة الاعتداء على الاموال في صورة السرقه على الاخص قد تتولد عرضاً اما بدافع ميل طبيعي اليها في تكوين السارق نفسه، وقد روعي هذا الاختلاف في سرقات الاحداث، فهناك سرقة يرتكبها الحدث بدافع الضرورة، ويسميها علماء الاجرام خطأ بالسرقة دفاعاً شرعياً عن النفس، كما في اختلاس رغيف خبز دفعاً لفاقه جوع، وهناك سرقة يرتكبها الحدث بدافع الحرمان الذي يجد نفسه فيه تبعاً لظروف عائليه سيئه، انفض فيها العطف عنه فانعدم معها من يحتضنه ويرعاه، وهناك سرقة يأتيها الحدث اشباعاً لحاجته الى اصلاح وضع يراه غير عادل او الى الظفر بشئ يعتقد ان له الحق فيه ويسميها بعض العلماء بالسرقه العزائية ((التعويضية)) وهناك سرقة يرتكبها الحدث بفعل مركب نقص قائم لديه نتيجة بخل وتقصير وسوء معامله يلقاها في اسرته من الناحيه الماديه او الأدبية او نتيجة استحالة عثوره على ما يشبع مطامحه ومطامعه وتتخذ السرقة العرضية احياناً صورة اختلاس اشياء من الغني لحاجة فقير اي ان صورة السرقة في سبيل الغير باعتبارها مضادة للصورة المألوفة من السرقة في سبيل النفس والظاهر ان هذه السرقات تتولد بصفة عرضيه تميزها من السرقات المنبعثه من ميل طبع به تكوين السارق. هذه المقابلة بين السارق بالصدفة وبين السارق بحكم الميل والتكوين تصدف كذلك على اللصوص الكبار في السن، فمنهم من يسرق عرضاً ومنهم من يسرق لميل لديه الى السرقه. ((فمن قبيل الميل الى السرقة العرضية ما يحدث من سرقات يرتكبها بعض افراد الكتل الشعبيه في اوقات الضيق الاقتصادي المصاحبة للحروب والثورات والاضطرابات السياسية والاجتماعية اذ يعز عندئذٍ على المرء ان يجد ما ييسر له حاجته الضرورية فتشح الموارد ويختل توزيعها وتصبح صعبة المنال وتضفي قوة الحاجة الغريزية على نداء العقل فيستحل الفرد في سبيل اشباعها كل سبيل ولو كان هو السرقة او اية جريمة اخرى، من جرائم الاموال، بل حتى في تلك الاوقات الاستثنائية من الازمات الاقتصادية يتميز المجرم بالصدفة من المجرم بالتكوين))(3).
_____________________
1 - Mustafa higazi, Delinquance Javenile et Realistion de soi Paris, 1966, P.115.
2- د . مازن بشير ، د. احسان محمد حسن ، السرقة كمشكلة اجتماعية، بغداد ، 1983، ص23.
3ـ د. رمسيس بهنام، الاجرام والعقاب، الاسكندرية، 1978، ص153.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|