أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-13
348
التاريخ: 6-05-2015
11508
التاريخ: 2024-09-15
192
التاريخ: 16-10-2014
4039
|
من الضروري أن نبدأ بتوضيح مصطلح التفسير العصري :
الذي نفهم من التفسير هو الكشف واماطة اللثام ، وهذه الممارسة تصح حينما ينطوي الكلام على ابهام وغموض . فان البحث في التفسير هو غير الترجمة ومعادلة المعنى وغير البحث في بيان ظواهر الألفاظ والمدلولات الظاهرية للكلام ، بل توضيح المعنى والكشف عن زوايا الكلام .
والعصري ، اضاءة ثانية ترتبط بما يعنيه من الزمان . إذا ما اكتسب الشيء صبغة من حادثة ترتبط بزمان خاص تسمى هذه الحالة (عصرية) . فالفكرة التي تتعلق بزمان معين يُقال لها فكرة عصرية ، لإرتباطها بعصر محدّد . لذلك إذا ما قلنا بالعصرية ، فمعنى ذلك أن هناك فكرة ورؤية تتعلقان بزمن خاص .
فالتفسير العصري للقرآن ، تجديد النظرة الى القرآن وإعادة الرؤية به ثانية ، عناية الى فهم جديد ورعاية للمصالح وتبعاً للعوامل وصبغة للخصوصيات والدوافع المختلفة بين هذا المفسر وذاك .
من المناسب أن نشير لبعض الأمثلة التي تساعد على إيضاح المشهد أكثر . يقول الله سبحانه : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [فصلت : 11] . عندما يصل المفسرون القدماء الى الآية تراهم يفسرون الدخان بمعنى البخار من دون أن يخطر بذهنهم معنى البخار وكيفية انبثاقه ، ولكن غاية ما في الأمر أن البحث التفسيري القائم على أساس (الاسرائيليات) يعرض تفاسير عجيبة وغريبة عندما يصل الى هذا الأمر . عندما ارتقت حركة التفسير أكثر ، وجدنا ان الفخر الرازي يعرض عن الروايات الاسرائيلية عندما يبلغ هذه الآيات ويطرح مسألة تراكم الغيوم يوم لم تكن هنا لا أرض ولا سماء ولا ماء والمفسر العصري يقول : وهي دخان أي ذرات أي غازات أي سديم ثم تجاذبت كما يتجمع السحاب فصارت كتلة واحدة مصداقاً لقوله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء : 30] ، أي كتلة واحدة فدارت ثم تقطعت وتفصلت فتكونت الأرض والسماوات (1) .
كيف تحول التفسير من ذلك المعنى الى هذا ؟
إذا ما أردنا أن نغض النظر عن مناقشات المفسرين في تفسير الآية ؟ فهل هناك من دليل على تلك النقلة غير ما تمثل بتأثر المعلومات والمعارف التاريخية والخارجية والاشكالات والشبهات وللمفسر التي لها صبغة التعلق بالعصر ؟
ونموذج آخر في تفسير قوله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء : 34] ، نقتبسه من البحوث الاجتماعية . الملاحظ أن ما كان سائداً في أوساط المفسرين والباحثين الأقدم ، الذين تناولوا الآية الشريفة ، أن الرجل متفوق على المرأة في القابلية والذكاء والعقل والإدارة وجميع الجهات ، والنساء ناقصات عقولهن والآية الشريفة عندهم ناظر الى هذه المسألة (2) ، ولكن ما إذا سأل أحدهم في هذا العصر : هل الفتاة التي تواصل دراستها الجامعية أقل من الرجل على مستوى الفهم والذكاء والإدارة في المجتمعات ؟
ليس الأمر يقول كذلك جزماً ، فليس هناك من يشك بأن المرأة ليست أقل من الرجل على مستوى الفهم والذكاء ، إذ أضحى من الثابت الآن أن الفتيات والفتيان متساوون من هذه الجهة وان الفتيات يفهمن بالدرجة نفسها التي يفهم بها الفتيان . ومن هذه الجهة لقد علّل بعض المفسرين المسألة على ضوء حالة المرأة وأنها ما دامت حبيسة الدار في تلك الأزمنة لم تحظ بمعلومات وعي كاف بعصرها وستكون معلوماتها قليلة ووعيها ناقصاً وعندما ترد الميدان بهذه الخلفية ستتخلّف عن الجرل جزماً . ولهذا قال بعض المفسرين : انّ الآية موضوعها يرتبط بإدارة الأسرة وحسب (3) ؛ إذا لابد وأن يكون هناك من يتّسم أزمة إدارة شؤون الحياة العائلية والله قد عهد بالإدارة الى الرجل ، بيد انّ هذا الأمر لا يعني تقدم الرجل عقلياً على المرأة ولا يدخل في عداد الأفضلية الذاتية .
أمامنا آلاف من المسائل التي نفهمها من الآيات وتغيير التفسير فيها . فكثير من الأمور التي كانت تعد بديهية في السابق ، خرجت الآن من اهاب البداهة ، وكثير من الأمور التي كان يكتنفها الشك وتحيط بها الشبهة بدت الآن بديهية ، كما أن هناك أسئلة كثيرة لا تطرح الآن ولكنها سوف تطرح في المستقبل .
وعندما نتحدّث عن التفسير العصري ، فان هذا التفسير يتحرك في نهاية المطاف داخل الحقيقة التي تفيد بأن لدينا عدداً من الأمور القطعية التي لا مجال فيها البحث أيضاً ، وبذلك نحن لا نتعاطى مع جميع الأمور بنظرة تشكيكية لكي يكون التفسير العصري موجباً للشك في الأمور كلّها . ولكن هناك أمور طبيعية تكون بحاجة الى فهم متزايد ، ومرور الزمان إما أن يؤدي الى أن تكتسب بسبب معلومات جديدة وضوحاً أكبر بالنسبة لنا . فالعصرية بالنسبة الى هذه الأمور لا تعني زوال الحقيقة السابقة ، بل يمكن أن تعني وضوحاً أكثر تصير اليه الحقيقة في زمان آخر . على سبيل المثال : هناك رواية تفيد بأن الله أنزل سورة التوحيد لجماعة متعمقة في آخر الزمان تفهمها على نحو أفضل (4) . فهذا لا يعني أن أحداً لم يكن يفهمها في عصر نزولها ، بل هي تفهم الآن بوضوح أكبر والمفسر الذي سيأتي بعد مائة سيفهمها بوضوح أكبر من فهمنا لها .
أما أن يختلف تفسيره عن تفاسير السابقين بدليل اختلاف معلومات المفسر واطلاعه على الشبهات الموجودة حيال تفاسير السابقين حول الآية (5) . وأما أن يختلف بدليل تحول علمي .
التفسير العصري عندنا غير ما أرادها بعض الكتاب بالنسبة الى التفسير العصري (6) ، فان التفسير العصري هو شيء غير التفسير العلمي ، صحيح أن شطراً من التفسير العصري يرجع في نهاية المطاف الى التفسير العلمي سواء أردنا ذلك أم لا ، ولكن يبقى التفسير العلمي هو مجرد قسم من أقسام التفسير العصري وهو لا يعني أن المفسر يبتغي تطبيق النظريات العلمية مع القرآن .
ضرورة التفسير العصري
1 . ما دام الانسان في حال تحول ، فان احتياجاته في حال تحول أيضاً؛ لما كان القرآن لم يأت لزمان دون آخر فينبغي للتفسير اذن أن يتطابق مع هذه التحولات والاحتياجات الإنسانية المستجدة .
على هذا الأساس أول دليل للتفسير العصري هو ان يكون متناسباً نع كل عصر ، ملبياً للاحتياجات الدينية في ذلك العصر .
2 . إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الأذواق في حال تحول كل يوم . وأن دور القرآن في الهداية والتربية شديد . فلابد وأن يكون الأمر في المسائل المعنوية على هذه الشاكلة . فاذا أردنا أن نفسر القرآن بما يتناسب والخاطبين وعصرهم كي تكون لهم جاذبية أكثر ، فينبغي لنا ان نعرضه في إطار تلك الأمور المؤثرة في جذب المجتمع وهدايته وسوقه صوب المعنويات, فالعصرية من جهة الصورة وبيان هداية القرآن لا لكشف المعنى ، طبيعي ان لهذا المعنى جهتين . الأولى من جهة الصورة والثانية من جهة الكيفية .
فمن جهة الصورة يتحقق ذلك بأن يكون الأسلوب التفسيري مثلاً جذاباً جميلاً ، مُفهماً ومن حيث الطبع مناسباً جذاباً ومن الأدب واللغة مناسباً لعصر المخاطب .
فمن جهة المعنى – المهم الذي نعنيه – أن يستطيع التفسير أن يقيم صلة ويؤلف علاقة مع المخاطب به وأن تعرف احتياجات العصر ويستخلص من الآيات التي يعرضها ما يلبي تلك الاحتياجات وينسجم معها ، ولذلك يعتقد بعض باحث القرآن ، بأننا في عصر تحتاج فيه كل طبقة من طبقات المجتمع الى أن يؤلف لها تفسيرها الخاص الذي يتناسب مع احتياجات تلك الطبقة وتطلعاتها .
ومن هذه الجهة وردت روايات منها ما ورد عن طريق أهل البيت عليهم السلام ن الامام الرضا عليه السلام : أن القرآن لا يختص بزمان معين : وان الله تبارك وتعالى لم يجعل القرآن لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض الى يوم القيامة (7) .
فعندما طرح أئمة أهل البيت عليهم السلام ، مسألة امتداد القرآن للأزمنة جميعاً وعدم اختصاصه بزمان خاص ، فمن الأكيد انّه كان يدور بذهنهم انّ الإنسانية في حال تحول وانّ وعيها ومعارفها تتزايد يوماً بعد آخر وتنمو أكثر . لذلك عندما يقرأ هؤلاء القرآن ، فانّ كل انسان إنّما يقرأه بما يتناسب مع التحولات التي تطرأ عليه ، فالتفسير الذي يراد أن يكتب عليه ، فينبغي أن يكون متناسباً مع الشروط الخاصة لذلك العصر ، الذي يدون به بحيث يكون له معه علاقة وثيقة عن اسئلته ويعرض ما يشفي الأمة واعتلاجاته الخاصة .
3 . من جهة أخرى في ضرورة التفسير العصري ، هي أنه ينبغي للمفسر العصري أن يجيب عن إشكالات عصره وما يثار فيه من شبهات . وقد يكون الاشكال الذي يطرح اليوم هو غير اشكال الأمس وفي المستقبل سيطرح اشكال آخر وهكذا فعندئذ ، إذا كان المفسر على دراية بشبهات عصره وما يثار فيه من إشكالات وتعاطى مع المسألة على نحو صحيح ، فيكون بمقدوره أن يعطي جواب كثير من الشبهات الموجودة في عصره من خلال القرآن .
4 . الجهة الأخرى للتفسير العصري تتجه الى أهداف نزول القرآن من المسائل الهداية والمعنوية والتربوية والأخلاقية . يقول الله في القرآن الكريم : {وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل : 89] ، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات : 55] بيد ان الذي يكتسب أهمية كبرى هو نمط البيان الذي يكون بمقدوره أن يجذب مخاطبه الى هذا النور والهدى الشافي ، هذه النقطة بذاتها تعدّ من أهداف التفسير هناك كثيرة من التفاسير السابقة تنطوي على هذه الخصوصية . على سبيل المثال يعدّ تفسير روح البيان من التفاسير العرفانية وكذلك تفسير بيان السعادة للجنابادي وكشف الأسرار للميبدي اللذان يهتمان بالأخلاق والسير والسلوك ، ولكن هل يمكن لهذه التفاسير أن تكون نافعة للمخاطب المعاصر ويُتم التعاطي معها على أنها تفاسير عصرية ؟ هذه التفاسير لا تنطوي على صفة العصرية جزماً . فلابد أن يكتب تفسير يحتوي هذه الخصوصية بما تناسب العصر (8) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- القاسمي ، محاسن التأويل (تفسير القاسمي) 6/ 146 .
2- أنظر : الطوسي ، التبيان ، 3/ 189 ، الطبرسي مجمع البيان ، 3/ 68 ، 5/ 23و 38 والآلوسي ، روح المعاني ، 5/ 23 .
3- فضل الله ، محمد حسين ، تفسير من وحي القرآن ، 3/ 160- 162 .
4- الحويزي ، نور الثقلين ، 5/ 706 : عن توحيد الصدوق فقال : ان الله عز وجل علم أنه يكون في لآخر الزمان أقوام متعمقون فانزل الله تعالى : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص : 1] .
5- أنظر مقالة المؤلف في مجلة صحيفة مبين بعنوان : اثر شخصية المفسر في التفسير ، عدد 19 ، ص3 .
6- أنظر : بنت الشاطئ ، القرآن وقضايا الانسان/ 280 .
7- صدوق ، عيون أخبار الرضا ، ج1/ 87 .
8- لتفصيل مباحث العصرنة راجع كتاب المؤلف : "القرآن والتفسير العصري" من منشورات دفتر نشر فرهنك إسلامي ، الطبعة الثالثة ، طهران ، 1417 ق ومجلة قضايا إسلامية ، العدد السابع ، التفسير العصري ، المعنى والمكونات ، حوار مع السيد محمد علي ايازي ، 1420هـ - 1999م . ومجلة الثقافة الإسلامية ، عدد 90 و 91 ، التفسير العصري للقرآن الكريم ، تصدر من المستشارية الثقافية في دمشق ، 1424 هـ من المؤلف .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|