أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2014
6536
التاريخ: 17-1-2016
3297
التاريخ: 28-01-2015
2175
التاريخ: 7-11-2014
15767
|
إذا ثبت [للمعارضة] تعذّرها فليس يمكن أن يدّعى دخول التّعذّر فيما جرت العادة بمثله ، إلّا بأحد الوجوه الّتي ذكرناها ، مثل قولهم : إنّه كان أفصحهم ، أو تعمّل للقرآن فتأتّى (1) منه ما تعذّر عليهم. أو منعهم عن المعارضة بالحروب. أو امتنعوا منها خوفا من أصحابه ونصّاره ، من حيث كانت قوّة الدولة ، واجتماع الكلمة يحسمان ويمنعان من استيفاء الحجج ، والتّصرّف فيها عن الاختيار.
وهذا الوجه الأخير خاصّة يمكن أن يجعل قدحا في ثبوت الدّواعي إلى المعارضة ، من حيث كانت هذه الأمور المذكورة- إذا صحّت- غيّرت أحوال الدّواعي ، فلحق بالفصل المتقدّم ، وإن كان لحوقه بهذا الفصل من حيث أمكن أن يجعل ما ذكر كالمانع من المعارضة.
فإذا أبطلنا هذه الوجوه لم يكن وراءها إلّا أنّ التّعذّر كان على وجه يخالف العادة ، وحينئذ يعود الأمر إلى الأقسام الّتي ذكرناها في صدر هذا الكتاب وأبطلناها ، عدا القول بالصّرفة منها ، ونحن نتكلّم على ما أوردناه من الوجوه :
أمّا تعلّقهم بأنّه صلّى اللّه عليه وآله كان أفصحهم ، فيسقط من وجوه :
أوّلها : إنّ كونه أفصحهم لا يمنع من أن يقارب كلامهم كلامه مقاربة قد جرت بمثلها العادة؛ لأنّه ليس يصحّ في العادة أن يتقدّم أحد في شيء من الصّنائع حتّى لا يقاربه فيها غيره ، بل لا بدّ- وإن انتفت (2) المساواة- من المقاربة. وقد مضى أنّه تحدّاهم بأن يأتوا بما يقاربه لا بما يماثله على التّحقيق؛ فقد كان يجب أن يعارضوا وإن كان أفصحهم.
على أنّا قد بيّنا أنّ التحدّي وقع بالقرآن [من جهة] المعارضة؛ فيعلم أنّهم عنها مصروفون ، وأنّه إنّما طالبهم بأن يفعلوا من الكلام ما كان المعلوم من حالهم تمكّنهم منه وأنّه الغالب على كلامهم دون ما تشكل الحال فيه ، وذلك يسقط التعلّق بكونه أفصحهم؛ لأنّه لم يطالبهم إلّا بما يعهدون ويعرفون من الفصاحة على طريقتنا.
وثانيها : إنّ الأفصح وإن امتنعت مساواته من جميع كلامه؛ فإنّ مساواته في البعض غير ممتنعة ، بهذا جرت العادات.
أ لا ترى أنّ من كان في الطّبقة الأولى من الشّعراء- وإن كانوا قد بانوا من سائر أهل الطّبقات وتقدّموهم في الفصاحة- فإنّه لا بدّ أن يكون في كلام من تأخّر عنهم ما يساوي كلامهم بل ربّما زاد عليه ، ولهذا نجد كثيرا من المحدثين يساوون [شعراء] الجاهليّة ويماثلونهم في مواضع كثيرة من كلامهم- وإن كان المتقدّمون يفضلونهم في جملة كلامهم وعمومه- فقد كان إذا كان التّحدّي وقع بسورة من عرضه ، وإن قصرت ، أن يعارض ولا يمنع التقدّم في الفصاحة من معارضته .
وثالثها : إنّ هذا لو كان جائزا لكان القوم الّذين تحدّوا بالقرآن فعجزوا عن معارضته ، إليه أهدى وبه أعلم؛ فكان يجب أن يواقفوه على ذلك ويحتجّوا به ، ويقولوا له : وما في تعذّر معارضتك ممّا يدلّ على نبوّتك ، وأنت إنّما أمكنك الإتيان بما تعذّر علينا لفرط فصاحتك لا لمكان نبوّتك ، وما تقدّمك في هذا الباب إلّا كتقدّم فلان وفلان في كذا وكذا من لا حجّة في تقدّمه ، ولا نبوّة له ، ولا عادة انخرقت على يده! وفي إمساكهم عن هذا- مع أنّ مثله لا يذهب عليهم- دليل على أنّ الأمر بخلافه .
ليس لهم أن يقولوا : إنّما لم يقرّوا له بالفصاحة والتّقدم فيها للأنفة الّتي كانت طريقتهم وعادتهم؛ لأنّهم إنّما يأنفون من الاعتراف بمثل ذلك في الموضع الّذي يقتضي الاعتراف به نقصا يلحقهم (3) ، وضررا يدخل عليهم ، وشهادة لخصمهم بما يعظّم أمره وينوّه باسمه .
وليس هذه حال الاعتراف بما ذكرناه في القرآن؛ لأنّهم إذا اعترفوا بذلك ووافقوا عليه ، كان فيه تكذيب للمحتجّ عليهم ، وصرف الوجوه عنه ، وإزالة الشّبهة في أمره ، والخلاص ممّا ألزمهم الدّخول فيه .
فأيّ نقص وضرر يدخل بهذا الاعتراف ؟ وهل النّقص (4) الشّديد والضّرر الحقيقيّ إلّا في الإمساك عن المواقفة (5) والصّبر على المذلّة ؟
ولو كان يلحقهم بالاعتراف بعض العار لكان ما يثمره هذا الاعتراف من وجوه المنافع ويصرفه من (6) ضروب المضارّ وصنوف الصّغار (7) ، يوفي عليه ويلجئ إلى المبادرة إلى فعله .
ورابعها : إنّا قد علمنا أنّ حال كلامه عليه السّلام كحال كلام غيره إذا أضفناهما إلى القرآن ، وليس لشيء من كلامه مزيّة في هذا الباب. ولو كان القرآن من كلامه ، وتعذّرت معارضته- لأنّه أفصحهم- لظهر ذلك في كلامه .
وليس لهم أن يقولوا : إنّه تعمّل لإخلال ما عدا القرآن من كلامه من مثل فصاحته؛ لأنّا قد علمنا من حاله عليه وآله السّلام أنّه قصد في مواضع كثيرة ومقامات عدّة ، إلى إيراد الفصيح من الكلام والبليغ من الخطاب ، وكلامه في كلّ ذلك غير متميّز من كلام غيره من الفصحاء. والاعتماد على ما تقدّم من الوجوه؛ لأنّه أولى وأوضح.
فأمّا التّعلّق بأنّه تعمّل للقرآن زمانا طويلا فتأتّى منه ما تعذّر [عليهم] ، فيسقط بالوجوه الأربعة الّتي ذكرناها. ووجه سقوطه بالوجوه (8) الثّلاثة المتقدّمة واضح يغني عن التّنبيه .
وأمّا وجه سقوطه بالرابع ، فهو : أنّ من تقدّم في الفصاحة وعلت منزلته فيها لا يجوز أن يباين كلامه- الّذي لا يرتجله ولا يروّي فيه- لما يتعمّل (9) غاية المباينة ، بل لا بدّ أن يكون فيما لم يتعمّل له مثل الّذي ، يروّي فيه ويتعمّل لإيراده ، أو ما يدانيه ويقاربه؛ بهذا جرت العادات.
وإذا وجدنا كلامه عليه وآله السّلام- بالإضافة إلى القرآن- ككلام غيره ، بطلت هذه الشّبهة.
وممّا يبطلها زائدا على ما تقدّم : أنّ السّبب في ذلك لو كان التعمّل لوجب ، مع تطاول الزّمان ، أن يتعمّلوا ويظفروا بما دعوا إليه من المعارضة ، وقد تحدّاهم صلّى اللّه عليه وآله بالقرآن مدّة مقامه بمكّة ، وهي ثلاث عشرة سنة ، لم يتخلّلها شيء من الحروب ، وفي بعض هذه المدّة فسحة للرّويّة والتعمّل؛ فقد كان يجب أن يتعمّلوا فيها أو فيما بعدها من الأزمان ، مع تماديها وتطاولها؛ وكلّ هذا يبيّن بطلان التعلّق بالتعمّل.
فأمّا تعلّقهم بأنّه عليه وآله السّلام منعهم عن المعارضة بالحروب واتّصالها ، فضعيف جدّا.
والجواب عنه : إنّ الحرب لا تمنع من الكلام ، والمعارضة ليست بأكثر من كلام على وجه مخصوص ، وقد كانوا يتمثّلون في حروبهم بالشّعر ويرتجلونه في الحال ولا تمنعهم الحرب من ذلك ، فكيف يصحّ أن تكون مانعة عن المعارضة وهي غير مانعة ممّا يجري مجراها ؟! وأيضا : فإنّ الحرب لم تكن دائمة متّصلة ، بل قد كانوا يغبّونها (10) أحيانا ، ويعاودونها أحيانا؛ فقد كان يجب- إن كانت الحرب هي المانعة من المعارضة- أن يأتوا في أوقات الإغباب وعند وضع الحرب أوزارها.
وأيضا : فإنّه عليه وآله السّلام لم يكن محاربا لجميع أعدائه من العرب في حال واحدة ، وإنّما كان يقوم بالحرب منهم قوم ويقعد آخرون ، فكيف لم يعارضه من لم يكن محاربا إذا كانت الحرب شغلت المحاربين ؟
وأيضا : فإنّ المدّة التي أقام فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بمكّة لم يكن في شيء منها محاربا ، وإنّما كانت الحروب بعد الهجرة ، فألّا عارضوا في تلك الأحوال ، إن كانت المعارضة ممكنة ؟
وأيضا : فلو كانت الحرب منعت من المعارضة مع إمكانها ، لوجب أن يواقف القوم النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله على ذلك ، ويقولوا (11) له : كيف نعارضك وقد منعتنا بحربك عن معارضتك؟ ولا حجّة لك في امتناع معارضتك علينا إذا كنت قد شغلتنا عنها واقتطعتنا عن فعلها! وأمّا التعلّق بأنّهم لم يعارضوا خوفا من أوليائه وقوّة دولته ، فأضعف من كلّ ما تقدّم.
والجواب عنه : إنّ خوفا لم يمنع من نصب الحروب وزحف (12) الجيوش في مقام بعد مقام ، ومرّة بعد أخرى ، ولم يمنع أيضا من الهجاء والقذف.
وادّعاء المعارضة بأخبار الفرس لا يجوز أن يكون عند عاقل مانعا من فعل المعارضة.
على أنّه قد بيّنا فيما مضى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله كان مدّة مقامه بمكّة هو الخائف ، وأنّ أصحابه ونصّاره في تلك الأحوال كانوا قليلين مغمورين مهتضمين ، وأنّ قوّة الإسلام وأهله كان ابتداؤها بالمدينة.
ولم يخل الكفّار أيضا في أحوال القوّة والغلبة والتمكّن- وإلى الآن- من بلاد واسعة ، وممالك كثيرة ، لا تقيّة على أهلها من الإسلام وأهله . فقد كان يجب أن يعارضوا في أوّل الأمر كيف شاءوا ، وفي أحوال القوّة والتّمكّن في بلدانهم ، وبين أعداء الإسلام. وإذا لم يفعلوا فقد صحّ أنّ تعذّر المعارضة كان على وجه مخالف للعادة. وهذا بيّن لمن تأمّله ونصح نفسه . تمّ الكتاب.
كتبه محمّد بن الحسين بن حمير الجشميّ ، حامدا للّه تعالى على نعمه ، ومصلّيا على النّبيّ محمد وعترته ، ومستغفرا من ذنوبه ، وفرغ منه يوم الأربعاء منتصف المحرّم سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
____________________
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|