أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-12-2015
976
التاريخ: 16-12-2015
1268
التاريخ: 14-12-2015
1147
التاريخ: 16-12-2015
1085
|
ممّا لا شك فيه أنّ صحف الأعمال الذي تعرض يوم القيامة ليست كمثل الأوراق والدفاتر والكتب المتداولة وإنّما هي نقوش معبرة غير قابلة للانكار، فلو أنّ كتاب الأعمال كمثل هذه الأوراق والدفاتر المستعملة اليوم لاستوجب الأمر ملايين الأوراق لكتابة أعمال الإنسان خلال فترة عمره ولما أمكن للجميع مطالعة مثل هذا الكتاب ولما كان موجباً لخزي وفضح الأشرار وفخر الأخيار، في حين يستفاد من الآيات والروايات أنّ أعمال الإنسان مثبتة بحيث يمكن الوقوف عليها بإلقاء نظرة واحدة، إضافة إلى ذلك أنّ الخطوط والنقوش الاعتيادية ليست بالشكل الذي لا يمكن انكارها، في حين يتضح من الآيات والروايات أنّ خطوط هذا الكتاب ليست قابلة للانكار وهي سند حي وواضح لكل شخص وحتى لأصحابها.
نتطرق هنا بدقّة إلى بعض التفاسير المختلفة التي قيلت بخصوص صحف الأعمال :
1- قيل في تفسيرها : (هي بعينها نفس الإنسان التي رسخت فيها آثار أعماله بحيث نقشت بها).
وجاء ما يطابق هذا التعبير في كتاب المرحوم الفيض الكاشاني حيث يقول : «إنّ كتاب الأعمال هو كناية عن نفس الإنسان التي رسخت فيها آثار أعماله» «1»، إلّاأنّ هذا المعنى الكنائي لا يتوافق مع ظواهر آيات القرآن الكريم وذلك لأنّ القرآن يذكر إتيان كتاب أعمال أصحاب اليمين بأيمانهم وكتاب الفجار بشمائلهم أو من وراء ظهورهم وهذا التعبير لا يتلائم مع التفسير المذكور إلّا إذا حمل تعبير (يمين) و (شمال) وسائر التعابير الاخرى على المعنى الكنائي وهذا خلاف الظاهر وهو غير جائز بدون دليل، إضافة إلى ذلك لا يمكن أن يتوافق هذا التعبير مع تطاير الكتب الذي ذكرناه سابقاً.
2- للمرحوم العلّامة الطباطبائي تعبير آخر في هذا الصدد فيقول في تفسير الميزان مستفيداً من الآية الشريفة : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ...}. (آل عمران/ 30)
«إنّ الكتاب يتضمن نفس الأعمال بحقائقها دون الرسوم المخطوطة على حدّ الكتب المعمول بها فيما بيننا في الدنيا فهي نفس الأعمال يطلع اللَّه الإنسان عليها عياناً ولا حجّة كالعيان، إنّ كتاب الأعمال بحقائقها مستور عن إدراك الإنسان محجوب وراء حجب الغفلة وإنّما يخرجه اللَّه سبحانه وتعالى يوم القيامة فيطلعه على تفاصيله» «2».
كذلك لا ينسجم هذا المعنى بما يتعلق ب (الملائكة الكاتبين) وسائر الصفات الأخرى التي وردت في الآيات والروايات وذلك لأنّ المراد من حقائق الأعمال على الظاهر هو نفس الآثار التي تترك أثراً في داخل نفس الإنسان، وهنا يرد نفس الإشكال على تفسير المرحوم الفيض الكاشاني.
ولقد ذكر صاحب كتاب (روح المعاني) نفس هذا التفسير بشيء من التفصيل ثم اعترف بأنّ هذا التفسير لا ينسجم مع ظاهر آيات القرآن الكريم «3»، ومن الممكن أن يقال : كما تترك أعمال الإنسان أثراً في داخل نفسه كذلك تترك أثراً في العالم الخارجي أيضاً، وتترك أثراً في الفضاء والهواء وعلى الأرض التي يعيش عليها وفي كل شيء، وكأنّ أعماله نقشت بها نقشاً طبيعياً غير قابل للانكار.
وهذه النقوش تنقش في أعماق هذه الموجودات بواسطة قوى عالم الوجود والملائكة، ويوم القيامة يكشف عنها الحجب وتظهر للعيان وتعطى بيد كل إنسان وتكفي نظرة واحدة عليها للاطلاع على حال كل شخص.
ومن البديهي أنّ هذه الآثار لا يمكن إدراكها والاحساس بها في هذه الدنيا رغم أنّها موجودة ومثبتة، وعندما يأتي ذلك اليوم الذي يكشف فيه هذا الغطاء ويصبح البصر حديداً فسوف نراها عياناً ونقرأُها فنصدق.
وقد استطاع علماء اليوم من خلال دراسة علم الآثار ودراسة المتحجرات المتبقية من الكائنات الحية منذ ملايين السنين أن يكتشفوا- إضافة إلى شكل هياكلها- الكثير من حقائق حياتها مع أنّ المتحجر ليس حيواناً بعينه بل هو بقايا منه بقيت لحقب طويلة داخل الطبقات الأرضيّة.
الصخور الأرضيّة هي في الواقع كتاب أعمال وأشكال تلك الحيوانات مدون بخطوط غير قابلة للانكار.
نحن لا نقول إنّ كتاب الأعمال الذي يعرض يوم القيامة هو على هذه الصورة وذلك لأننا ذكرنا أكثر من مرّة أننا لا ندرك من القيامة والمسائل المتعلقة بها إلّانزراً يسيراً، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يكون الأثر الطبيعي هو نفس الأثر، ومن المناسب هنا أن نذكر حديثاً للإمام الصادق عليه السلام ورد في تفسير الآية 14 من سورة الاسراء : «يذكر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه، حتى كأنّه فعله تلك الساعة، فلذلك قالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها» «4».
3- احتمل البعض أنّ كتاب الأعمال هو (الضمير الباطن) للإنسان فقد أثبت علم النفس اليوم أنّ أعمال الإنسان تؤثر في وجدانه أو اللاشعور، وهذا التعبير لا يختلف عن تعبير الفيض الكاشاني وسائر المفسرين الذين أشرنا إليهم سابقاً، وفي الواقع أنّ هذا التعبير هو تعبير جديد مشتق من المعنى القديم، والتفسير الثالث هو الأنسب من بين التفاسير الأربعة.
على أيّة حال يجب أن نقول بما أنّ مسألة كتاب الأعمال وردت في القرآن الكريم وأكدتها الروايات المختلفة لذا يجب أن نؤمن بها حتى وإن لم ندرك مفهومها ومحتواها بشكل تفصيلي، مثلها كمثل سائر المسائل المتعلقة بيوم القيامة، أو أنّ كتاب الأعمال هو مجموعة الآثار التي خطتها أعمالنا خارج وجودنا وتجمع يوم القيامة وتوضع بين أيدينا حسب الأمر الإلهي، وبتعبير آخر هي مجموعة الآثار التكوينية التي يمكن تشبيهها من بعض الوجوه بالأفلام أو أشرطة التسجيل أو ما شاكلها.
ونحن لا نجزم بأنّ الأمر هكذا بل نقول أنّ هناك أوجه للشبه بينها.
__________________________
(1). تفسير الصافي، ذيل الآية 13 من سورة الاسراء.
(2). تفسير الميزان، ج 13، ص 58. ذيل الآية 13 الاسراء.
(3). تفسير روح المعاني، ج 15، ص 32.
(4). تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 267، ح 115.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|