أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-16
1158
التاريخ: 15-12-2015
981
التاريخ: 17-12-2015
1194
التاريخ: 2023-05-06
1108
|
إنَّ قصّة إبراهيم عليه السلام و «الطيور الأربعة» تعتبر من النماذج التاريخية الحيّة التي استدل بها القرآن الكريم على قضية المعاد، وقد ورد ذكر هذه القصة بعد ذكر قصة عزير عليه السلام مباشرة، قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة : 260]
لو أمعنّا النظر في ظاهر الآية بعيداً عن أي حكم مسبق وبعيداً عن تأثير آراء ونظرات الآخرين نراها تدلّ بوضوح على أنّ إبراهيم عليه السلام كان يريد أن يرى كيفية احياء الموتى ليطمئن قلبه، فأُمِرَ أن يمارس عملياً نموذجاً حيّاً لاحياء الموتى بإذن اللَّه، وهو أن يجعل أجساد الطيور الأربعة بعد ذبحها وسحقها كالعجين ثم يجعل عدّة أجزاء من العجين على عدّة جبال وبعد أن يدعو هذه الأجزاء إليه تصبح طيوراً أربعة كما كانت بإذن اللَّه وتُعاد إليها الحياة من جديد.
كما أنّ السبب الذي أشار إليه الكثير من المفسرين في شأن نزول هذه الآية الشريفة يؤيد هذا المدعى، فقد مرّ إبراهيم عليه السلام على ساحل البحر فوجد جيفة نصفها في الماء والنصف الآخر على الساحل تأكل منها حيوانات البحر من جانب والطيور من جانب آخر، فأثر هذا المنظر في نفسه عليه السلام وغرق في التفكير في كيفية جمع أجزاء هذا الجسد وإحيائه من جديد بعد أن صار جزءاً من حيوانات كثيرة اخرى.
إنَّ إبراهيم عليه السلام كان مؤمناً بالمعاد وكل ما يرتبط به لأنّه نبي وله ارتباط مع الوحي وكان إيمانه أعمق من الإيمان الحاصل عن طريق الاستدلال العقلي، لكنّهُ كان يبغي شاهداً حسياً في هذا المجال ولهذا جسَّد له اللَّه هذا المشهد كي يتجسّد أمامه المعاد الجسماني بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وليشاهده بأمّ عينيه كي يطمئن قلبه.
وهنا ينبغي أن نشير إلى عدّة امور :
أولًا : إنّ جملة : «فَصُرْهُنَّ» كما صّرح بذلك بعض اللغويين وعدد من المفسرين هي من مادّة «صور» على وزن (قول) بمعنى التقطيع والتمزيق، وهي دليل على أنّ إبراهيم عليه السلام أمر بأن يذبح تلك الطيور الأربعة ثم يقطعها ويخلط أجزائها.
لكنّ بعض اللغويين فسروها بمعنى التعويد والتربية (على الأخص عندما تتعدى ب «إلى») ومن أجل هذا أكّد بعض المفسرين الذين يسمّون أنفسهم بذوي الأفكار النيّرة على أنّ إبراهيم عليه السلام لم يقطع تلك الطيور أبداً، بل أمر بأن تعود تلك الطيور إليه وبعد أن تأنس به يضع كل واحد منها على جبل ثم يناديها كي تسعى إليه جميعاً فيحصل من خلال هذا العمل على دليل لإحياء الموتى، ولكي يعلم أنّ إحياء الموتى على اللَّه يبلغ من السهولة ما يبلغه نداء إبراهيم عليه السلام لتلك الطيور ومجيئها إليه بمجرّد أن يناديها «1».
وقد فات هؤلاء أنّ إبراهيم عليه السلام أراد مشاهدة إحياء الموتى وأنّ اللَّه تعالى استجاب دعوته من هذا الباب كي يطمئن قلبه، فلو كانت المسألة تُحلّ بتربية الطيور وإتيانها بعد دعوتها لما تحقق ما أراده إبراهيم عليه السلام من مشاهدة إحياء الموتى ولما اطمئن قلبه بذلك، بل لا علاقة لهذا الأمر بما طلبه إبراهيم عليه السلام فإنّ مثل هذا الجواب لمثل هذا الطلب قبيح وغير لائق لو صدر من الفرد العادي، فكيف يصدر ذلك من اللَّه تعالى وبالأخص عندما يرد في كلام فصيح ككلام القرآن ...؟
ثانيا : الظاهر أن تفسير كلمة «جزء» باطلاقها على كلِّ واحد من الطيور الأربعة، غير مناسب أبداً.
ثالثاً : إنّ سبب نزول هذه الآية الشريفة والوارد في روايات متعددة لا يتناسب مع هذا المعنى، بل صرحت جميعها بالحقيقة التالية، وهي أنّ إبراهيم عليه السلام أخذ أربعة من الطير فذبحها وخلط أوصالها ببعضها ثم قسّمها حصصاً فوضع كلٍ منها على جبل «2».
واما جملة «فصرهن» فهي لا تؤثر في محتوى الآية إن كانت بمعنى التقطيع أو بمعنى التعود، لأنّ الآية- على أية حال- جاءت لتوضيح كيفية إحياء الموتى بإذن اللَّه.
وكما قلنا آنفاً إنّ السبب الرئيسي في نزوع هؤلاء إلى مثل هذه التفاسير هو عدم استيعابهم للمعجزات الخارقة للنواميس الطبيعية، ولإرضاء المدافعين عن العقيدة المادية ولذلك ورطوا أنفسهم في هذه المتاهات، بينما تعتبر هذه الخوارق ووقوع المعجزات من البديهيات لدى جميع الأديان، ونحن في عالم الطبيعة نشاهد الكثير من هذه الخوارق التي عجز عن تفسيرها العلم الحديث (فتأمل).
2- والمعروف من أنواع الطيور الأربعة هي : الطاووس والديك والحمام والغراب، وكلّ واحد من هذه الطيور يحمل صفات متميزّة وقد شبّهوا حركات الإنسان بحركات هذه الطيور، فالطاووس هو مظهر الكبرياء والرياء، والديك هو مظهر الشره الجنسي، والحمام هو مظهر اللهو واللعب، والغراب هو مظهر الآمال البعيدة المنال!
وجاء في كثير من التفاسير احتمالات اخرى أيضاً منها : أنّ تلك الطيور هي الهدهد والبوم والقصر والنسر «3».
ومن البديهي أنّ خصوصيات تلك الطيور المذكورة لا علاقة لها بأصل المسألة، غاية ما نعلم هو أنّ أنواع الطيور كانت مختلفة وهذا الإختلاف جاء من أجل الحكاية عن اختلاط تراب البشر مع بعضه.
أمّا عدد الجبال التي وضع إبراهيم عليه السلام عليها أجزاء تلك الطيور فهي عشرة طبقاً لما ذُكر في الروايات ويحتمل أن يكون وقوع هذه الحادثة بعد ذهاب إبراهيم عليه السلام إلى الشام، لأنّ أرض بابل خالية من الجبال.
_________________________
(1) وهذا التفسير في الأساس مقتبس من أحد المفسرين المعروف باسم (أبو مسلم) وقد نقل عنه هذا التفسير في «المنار» ودافع عنه وأيّده (ج 3 ص 56).
(2) للاطلاع أكثر على هذه الروايات راجع تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 275- 282؛ وتفسير الدّر المنثور، ج 1، ص 335.
(3) تفاسير مجمع البيان والقرطبي والكبير ونور الثقلين في ذيل الآية مورد البحث.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|