أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2016
8278
التاريخ: 15-2-2022
2240
التاريخ: 3-1-2022
1327
التاريخ: 20-11-2016
11667
|
عدوانية الحشائش
من المثير للدهشة، تميز كثير من الحشائش بمملكتها مترامية الأطراف في الأرض والماء، بالعدوانية والشراسة على بنى ذويها من الأنواع، الأمر الذى يتناظر وإلى حد بعيد مع قانون الغاب ومناطق النفوذ. وتعتمد الحشائش في هذا الأمر على نوعين رئيسيين من الأسلحة هما القوة والغلبة بالسرعة والتفوق، والسلاح البيوكيميائى العجيب. ويعرف الأول بالتنافس competitionوالثاني بالتضاد البيوكيميائى allelopathy، ويمثلان معاً مايعرف بالتداخل interference.
والتنافس، وإن كان مشروعاً بين بنى البشر في الخير والبناء والعمل، فإنه في عالم الحشائش لا يعرف سوى التفوق من أجل البقاء، فترى الحشيشة وقد امتدت بهامتها بسرعة عجيبة لتتجاوز جيرانها من الأنواع الأخرى فتستأثر بضوء الشمس الحتمي في الحصول على الطاقة التي تصنع منها طعامها الأساسي في عملية البناء الضوئي، محولة لطاقة الشمس بالاستعانة مما حولها من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى السكر الذى يمثل المادة الخام لصناعات تحويلية أخرى تتم في ذلك الجزء المجهري الذى يعرف بالخلية والذى يحوى من أسرار ما زال العلم يلهث في سَبْر أغوارها حتى أنشأ علماً جديداً يقوم على أدق مكونات الخلية وعناصرها أسماه بعلم الحياة الجزيئي molecular biology. فتحصل الحشيشة بهذا السبق على عناصر القوة وكمال البنيان فتغطى بأوراقها - التي تتخذ عادة هيئة المظلة - ما حولها من نبت الأرض، مانعة لضوء الشمس عما عداها من أنواع، وحاجبة إياه كمصدر الحياة الرئيسي، فتموت الأخيرة بسبب ضعفها وقلة حيلتها. كما يتنافس النوع النباتي من الحشائش مع محيطيه من النباتات على ماء التربة ومحلولها الذى يحمل بدوره من مغذيات الأرض ما يشبع جوع الحشيشة ويسد حاجتها ويزيد من نموها واكتناز خلاياها بمختلف صنوف الغذاء.
وفى خضم تلك المعركة الطاحنة، يلجأ كثير من أنواع الحشائش إلى سلاح حرمه الإنسان في حروبه مع غيره من البشر ولم تحرمه الطبيعة، وهو السلاح الكيميائي. فتفرز تلك الأنواع مواد كيميائية تطلقها فيما حولها، مانعة لنمو منافسيها من الأنواع، فتستأثر بالموطن وترتع في خيره وحدها، وما عداها هالك لا محالة.
وقد حظى السلاح الكيميائي لدى الحشائش بدراسات لا تحصى كظاهرة فريدة، حتى كُتب عنه مراجع متخصصة. وقد تبين من بعض تلك الدراسات تركيب تلك المواد الكيميائية المنطلقة، وظهر أن العديد منها ليس غازاً ساماً أو مخلوطاً فتاكاً، ولكنه ليس أكثر من مركبات كيميائية مألوفة لدى الإنسان كالفينولات والتانينات وغيرها (150). وهذه وإن كانت لا تثير مخاوف الإنسان أو فزعه فإنها تحرم أنواعاً من النبات من مجرد الإنبات والظهور في عالم الأرض.
ولا تقتصر عدوانية النبات المستخدم للسلاح الكيميائي على إفراز تلك المواد في تربة بيئته، بل يحملها ويخزنها عادة في خلاياه، حتى إذا ما انقضى عمره المكتوب على الأرض، ترك بعضاً من تلك الكيميائيات في رفات جسده كميراث شرعي لخالفيه من أبناء. فإذا ما تركت هذه البقايا في الأرض، فإنه بتحللها المحتوم سوف تبعد عنهم الضرر من عواقب اقتراب الغريب من الأنواع. ويمثل هذا التداخل الكيميائي حرباً مستترة بين الأنواع النباتية لا يراها الإنسان ولا يحس باحتدام وطيسها. ومن بين الإخوة الأعداء في عالم الحشائش حشيشتي الغاب والتايفا، وحشيشة النجيل وبعض الحشائش الحولية. ويمتد هذا العداء ليصل بين الأنواع النباتية المنزرعة مثل الأرز والخس فيؤثر الأول على الثاني، بل يصل أحياناً إلى داخل النوع النباتي نفسه مثل القمح الذى تؤثر بقاياه - إذا ما وجدت في التربة - على إنبات بادراته. وبطبيعة الأمر، لا يقتصر العدو المستهدف من الحشيشة المهاجمة بالسلاح الكيميائي على غيرها من أنواع الحشائش المحيطة، بل يمتد إلى أي نوع نباتي آخر قد تسول له نفسه الاقتراب من منطقة النفوذ التي تصنعها تلك الحشيشة فيما حول منبت عودها، وكأنها ابتاعتها لمجرد ظهورها فيها ولا يملك غيرها حق الانتفاع ولو بجزء يسير من الأرض. وما أشبه ذلك بعرف وضع اليد الذى صاغه بنى البشر فيما بينهم، بما يشمله من تملك وانتفاع بما لم يشتر ولم يُبع.
وقد حاول الإنسان، بذكاء أغنياء الحروب، وكأنه يسعى إلى الكسب بين أنقاض المعارك وصراع الخصوم، إلى استغلال تلك الظاهرة في حربه بدوره مع الحشائش الضارة. فكانت هناك المحاولة تلو الأخرى لضم هذا السلاح إلى عتاد ترسانته. وقد بدأ الأمر باستخلاص عصارة الأنواع ذات العدوان الكيميائي ثم معاملتها على الأنواع التي ثبت ضعفها وقهرها في المعارك النباتية الثنائية، محاولاً استغلال سلاح الغير بعد قتله واستنزاف دمائه، في معركة مع النوع الضعيف، محاولاً القضاء على كلا النوعين بضربة واحدة. وقد نجح إلى حد بعيد في كثير من تلك المحاولات، وإن كانت هناك مشاكل مازالت تبحث عن حلول، كالحجم الهائل المطلوب من مستخلصات النباتات الأقوى كيميائياً للمعاملة على النباتات الضعيفة، وصعوبة تنفيذ ذلك على المستوى الحقلي العريض، وإن كانت تبدو سهلة التنفيذ يسيرة الإجراء.
ثم تقدمت خُطى التفكير والمواجهة الأذكى، وذلك بالتعرف أولاً على المكونات الفاعلة في السلاح الكيميائي، ومحاكاتها بالتخليق المعملي، ثم إنتاجها كمبيد للحشائش من أصل طبيعي. ومازالت هذه التقنية في دراساتها الدائبة تحتاج إلى المزيد من المعرفة تجاه جواهر المكونات الفاعلة وخصائصها الكيميائية. زِد على ذلك آثارها البيئية، التي يعتقد أنها تقل كثيراً عن تلك الناجمة عن مبيدات الحشائش الكيميائية المعروفة، وإن كان الطريق سوف يؤدى في النهاية إلى مركبات كيميائية مخلقة قد تحمل خطراً أو نوعاً من الخطر عند الاستخدام الواسع والمكثف لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: احمد, سيد عاشور.2003. الحشائش ومبيداتها.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|