أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-12-2021
1050
التاريخ: 7-12-2015
17965
التاريخ: 31-12-2021
1082
التاريخ: 24-10-2016
2492
|
صعوبة استئصال الحشائش الضارة
بالقطع، لو لم تكن هناك خصائص فريدة في العشب البرى يمكنه بها مواجهة الظروف غير المواتية لنموه، لما استطاع أن يحيا وتتوالى أجياله منذ نشأته، خاصة أنه لا يجد من الإنسان– بدءاً من رحلته في احتراف الزراعة– أية عناية أو اهتمام، عكس ما يلاقيه المحصول المنزرع من زراعة في وقت محدد وفى مهد مُعّد ومن ري منظم وتسميد كاف وحماية من مختلف الأعداء حتى موعد الحصاد، وإن كان هذا أدى إلى حساسية كثير من المحاصيل لأى اضطراب في تلك الرعاية.
ويبدو أن الخصائص التحميلة للحشائش قد ظهرت كرَدّ فعل طبيعي تجاه تلك التفرقة في المعاملة. فحينما يتعرض النوع النباتي لقسوة الطبيعة من جفاف التربة أو عدم ملاءمتها لنموه مثلاً فغالباً ما يفنى معظمه وتبقى في نفس الوقت الأفراد ذات التحمل الطبيعي، وهذه رغم قلة عددها تستطيع أن تحوِّر ذاتها وراثياً جيلاً بعد جيل خاصة عند تعاقب تلك الظروف الصعبة حتى تصل بالنوع إلى أفراد مكافحة صابرة تجاه مثل تلك الظروف. وقد يتداعى التفكير هنا إلى تماثل ذلك الأمر مع الرعاية المتطرفة للأطفال بالحرص المتناهي في عدم تعريضهم لأقل تيار من الهواء أو الغبار خشية الإصابة بالبرد أو الأمراض. وأمر كهذا على رغم أنه يحافظ بالطبع على حياتهم يجعلهم – عند الغُلو فيه – أكثر حساسية من غيرهم لتيارات الهواء وأمراض الطبيعة. فالتعرض البسيط وبقدر محدود قد يكون كفيلاً بإكسابهم تحملاً ومناعة. كما يبدو الأمر جلياً في تطعيم الصغار باللقاحات والتي هي ميكروبات مضعفة يكتسب الطفل من خلالها تحصيناً يستعين به طوال حياته.
والحشائش وهى تعلم – وراثياً – أن بذورها في العادة لن تنتشر بيد إنسان ولا إلى مهد أو عمق مناسب لإنباتها، فلا عجب أن تراها قد تفننت في مواجهة ذلك بسبل عديدة منها إنتاج الأعداد العظيمة من البذور، كما صنع بعضها مظلات من شعيرات رفيعة فوق بذورها تسهل من خفتها وحركتها ومناوراتها في الهواء كما في حشيشة الجَبَل fleabane، بل إن بعض الأنواع ذات البذور الثقيلة صنعت حول ثمارها أشواكاً طويلة تسهل التصاقها وتعلقها بما قد يلامسها من أسطح كملابس المزارعين وصوف وشعر حيوانات الرعي كما في حشيشة الشُبّيط cocklebur. وتساعد من جهة أخرى الطيور والحيوانات آكلة العشب في انتقال وانتشار بذور أنواع الحشائش التي لا تقوى أمعاؤها على هضمها. كما تستطيع بذور الحشائش الحولية عادة أن تدخل في طور من السكون والكُمون "عدم الإنبات" حتى تجد الظروف المواتية لإنباتها، كما قد تعيش حية في التربة بضع سنوات، ناهيك عن تَنَكُّر الحشائش وتماثلها في شكلها وهيئتها مع المحصول المنزرع، مثل حشيشة الزُمّير wild oat في محصول القمح، الأمر الذى يصعب من تمييزها واستبعادها في الوقت المناسب.
حشيشة الشبيط
ويمثل تعدد مصادر الإصابة بالحشائش وتنوعها سبباً جوهرياً آخر في صعوبة استئصالها، فكثير من أنواع الحشائش يمكنها أن تتكاثر جنسياً "بالبذور" ولا جنسياً "خضرياً بالدرنات أو الريزومات أو أجزاء من النبات". كذلك فإنه يمكن لبذور عديد من أنواع الحشائش الانتقال بالهواء من أماكن بعيدة أو بسباحتها مع ماء الري أو بتعلقها بأرجل الطيور أو أقدام المزارعين، أو مع تقاوى المحصول المنزرع، خاصة وأن بذور العديد من الحشائش تتشابه إلى حد بعيد مع تقاوى المحصول مما يصعب تمييزها واستبعادها. ومن المسجل دخول الأراضي الصينية ما يزيد عن 500 نوع من الحشائش مع التقاوي المستوردة من الخارج.
وللحشائش الطفيلية قدرات خارقة، فبالإضافة إلى آلاف أو ملايين البذور التي يمكن لفرد واحد من تلك الحشائش أن ينتجها، وإلى دقة البذور المتناهية التي يمكن حتى للهواء أن يحملها، فإن هذه البذور يمكن أن تظل حية في التربة لسنوات طويلة تصل في بعض الأنواع كالهالوك إلى أكثر من عقدين من الزمان. وتقوم التربة أيضاً بدور كبير في المحافظة على أنواع الحشائش، وذلك بأن تجعل من نفسها بمثابة "بنك" للبذور. ويزيد الأمر في صالح الحشيشة، بقدرة بذورها على دخول طور الكُمون والقدرة على المناورة بين الكمون واللاكمون اعتماداً على الظروف البيئية للتربة، مما يزيد الأمر تعقيداً في محاولات القضاء على الحشيشة نتيجة الإمداد المستمر بنباتات جديدة من البذور التي تكسر طور سكونها وتجد ظروفاً مواتية لإنباتها.
الهالوك
ويمكن أيضاً لعديد من الحشائش المعمرة كالحلفا والنجيل والعُلّيق إصابة مناطق جديدة بوصول الأجزاء الصغيرة والقليلة من ريزوماتها المدادة إلى تلك المناطق، وهو ما يمكن حدوثه بسهولة ويسر خلال نقل كميات ضئيلة من التربة ولو خلال أقدام الإنسان أو حيوانات الرعي. كما يمكن للأجزاء الضئيلة المقطوعة من عديد من الحشائش المائية- وبخاصة الأنواع المغمورة- الانتقال إلى مسافات بعيدة مع التيار لتصيب مناطق أخرى لم تكن موجودة بها من قبل.
ومن الأمور العجيبة التي لم تكشف إلا منذ عهد قريب، انفراد معظم الحشائش الضارة بالمزروعات بنظام حياتي خاص يميزها عن كثير من الأنواع النباتية المستأنسة. ففي أوائل الستينيات اكتشف عالم الفسيولوجي كورتشاك أثناء بحوثه على قصب السكر في جزر هاواي أن أولى المركبات الناتجة في عملية البناء الضوئي في نبات قصب السكر هو مركب رباعي الكربون "مركب المالات". فقد كان معروفاً حتى ذلك الوقت أن المركب الأول في تلك العملية بكل نباتات الأرض هو مركب ثلاثي الكربون "حمض الفوسفوجليسريك". وقد أدى هذا إلى البحث بشغف في كل الأنواع النباتية المعروفة. وحُصِر في خلال ذلك الحشائش أيضاً فتبين أن بعض أنواعها يسلك المسلك المذكور لنبات القصب، وأطلق على مثل تلك الأنواع نباتات ك4 (C4)، تمييزاً لها عن نباتات ك3 (C3)، ولوحظ أن نسبة نباتات ك4 إلى نباتات ك3 في أنواع الحشائش الضارة تصل 18 مرة قدر نسبتها في أنواع النباتات المسالمة، بل إن ثمانية من قائمة أخطر عشر حشائش في العالم "يتصدرها السِّعد purple nutsedge والنجيل bermudagrass"تتبع نباتات ك4. ومن الغريب أنه تبين أن لأنواع نباتات ك4 قدرات فريدة على البناء الضوئي في كثافات الضوء الشديدة واستغلال فائق لثاني أكسيد الكربون الجوي حتى في تركيزاته المنخفضة، وانخفاض في معدل التنفس الضوئي. ويعطى هذا للنبات ميزات كبرى خاصة في المناطق الحارة والجافة، بل ويزيد من قدرته التنافسية أيضاً تحت الأجواء الأكثر اعتدالاً.
ولهذه الأسباب الرئيسية، فإنه لم يثبت حتى الآن إمكانية استئصال نوع بعينه من الحشائش في مساحة شاسعة من الأرض. وحتى في المساحات الصغيرة قد يتطلب الأمر عشرات السنين لاستئصال بعض الأنواع منها. وقد حدث هذا الأمر في ألمانيا، حيث تم التخلص من حوالى نصف أنواع الحشائش السائدة بإحدى المزارع التجريبية بهوهِنهايم في الفترة من عام 1860 حتى عام 1957م، وكان هذا نتيجة الرعاية المكثفة واستنفاذ مخزون التربة من بذور تلك الحشائش، وقد تزامن ذلك مع إجراءات مشددة للحيلولة دون وصول بذور جديدة إلى المنطقة.
وحتى باستخدام مبيدات الحشائش، فإن استئصال حشيشة ما أمر يصعب طبيعياً الوصول إليه. فكما ذُكر في مواجهة الحشيشة للظروف غير المواتية لنموها، يمثل معاملة المبيد على الحشيشة نوعاً من الإجهاد البيئيenvironmental stress، ففي الوقت الذى يكون فيه بعض أفراد مجتمع الحشيشة حساساً للغاية لفاعلية المبيد والكثير منه يتأثر بذلك المبيد، فإن بعض أفراد المجتمع يمتلك تحملاً طبيعياً وضعه الخالق فيه للمساعدة على الصمود والبقاء. وتمثل المجموعة الأخيرة مفتاح الإصرار والمثابرة، فحالما تحس بذلك الكيميائي الدخيل الذى ينفذ إلى خلاياها رغماً عنها، فإنها وإن كانت لا تستطيع طرده، فإنها تحاول تكسيره وتحطيمه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وتسعى في ذات الوقت إلى التعرف الواعي على أثره الضار على خلاياها وأنسجتها، وتضع خططاً ذكية – أغلبها بيوكيميائى – لاحتواء ذلك الضرر. فإن كان أذى المبيد يقع مثلاً على أنزيم بعينه فإنها تجاهد لإنتاج كميات وفيرة من ذلك الإنزيم لتتلقى ضربات المبيد على بعض من كميات الإنزيم الوفيرة وتحفظ الكميات الأخرى لتؤدي دورها الطبيعي في الخلية. وإن كان الفعل على خطوة معينة في سلاسل التفاعلات الحيوية، فإنها تناضل من أجل أن تلغى كُلّيةً تلك الخطوة من تفاعلاتها فتتجنب هدف المبيد المنشود. وجيلاً بعد جيل من تعرض مجتمع الحشيشة لذات المبيد، تصل المجموعة الأخيرة المذكورة بكامل المجتمع إلى أفراد عنيدة مكافحة لأثر المبيد الضار. وبحدوث هذا الأمر الذاتي التلقائي العجيب في مجتمع الحشيشة المعرض للمبيد يقف ذلك المبيد عاجزاً عن التأثير كما كان يفعل في الماضي بعد أن وضع مجتمع الحشيشة أفراده في حصن منيع وأفقد الخصم المهاجم حدة سلاحه المضاء السريع.
ويساعد الإنسان، بطريقة غير مباشرة، على الإسراع بحدوث تلك الظاهرة الدفاعية عند مداومته على استخدام تركيزات أقل من تلك المقرر معاملتها "تركيزات تحت قاتلة sublethal" لنوع واحد من المبيد أو لعدة أنواع تنتمى إلى نفس المجموعة الكيميائية، حيث تتشابه عادة استجابة الحشيشة لأفراد ذات المجموعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
احمد, سيد عاشور.2003. الحشائش ومبيداتها.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|