أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-10-2014
1854
التاريخ: 5/11/2022
1351
التاريخ: 11-10-2014
2081
التاريخ: 6-12-2015
2105
|
نقرأ في قوله تعالى : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكرِ انَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصّالِحُونَ* انَّ فِى هَذَا لَبَلَاغَاً لِّقَومٍ عَابِدِينَ} (الأنبياء/ 105- 106).
تأتي هذه الآيات بعد الآيات التي تبيّن الأجر الاخروي للصالحين، وفي الواقع فانها تكشف عن الاجر الدنيوي لهم، وهو أجرٌ مهمٌ جداً، ذلك أنّه يهيء أرضية السعادة وتطبيق أحكام اللَّه تعالى، وصلاح ونجاة المجتمع الإنساني.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ «الأرض» بمعناها المطلق تشمل كل الكرة الأرضية، وجميع أنحاء العالم (إلّا إذا كانت هناك قرينة خاصة)، فإنّ هذه الآية تعدّ بشارةً بخصوص الحكومة العالمية للصالحين، وإذ لم يتحقق هذا المعنى في الماضي، فلابدّ من انتظار تحققه في المستقبل، وهذا هو نفس الشيء الذي نتوخاه تحت عنوان «الحكومة العالمية للمهدي».
وهذه الملاحظة جديرة بالاهتمام أيضاً إذ تقول الآية : ولقد كتبنا هذا الوعد في كتب الأنبياء السابقين أيضاً، وهذه إشارة إلى أنّ هذا الوعد ليس وعداً جديداً، بل إنّه امرٌ متجذر ورد في المذاهب الاخرى أيضاً.
والمراد ب «الزبور» على الأقوى نفس «زبور داود»، وهو عبارة عن مجموعة من المناجاة، والأدعية، ونصائح داود النبي المذكورة في كتب العهد القديم (الكتب الملحقة بالتوراة) باسم «مزامير داود».
واللطيف أنّه- بالرغم من كل التحريفات التي طالت كتب العهد القديم بمرور الزمان- فإنّ هذه البشارة الكبيرة يمكن ملاحظتها بشكل واضح في نفس هذا الكتاب أي «مزامير داود».
ونقرأ في المزمور/ 37 الجملة/ 9 : (... لأن الأشرار سينقطعون، وأمّا المتوكلون على الرب فسيكونون ورثة الأرض، وحالًا يختفي الأشرار، وكلما بحثت عنهم فسوف لن تجد لهم أثراً).
وجاء في الجملة/ 11 : (أما المتواضعون فقد ورثوا الأرض، وهم يتلذذون من وفور النعمة).
وورد المعنى نفسه أيضاً في الجملة/ 27 من نفس المزمور بالعبارة التالية : (لأنّ مباركي الرب سيرثون الأرض، اما ملعونوه فسوف يتقطعون).
وجاء في الجملة/ 29 : (فالصديقون ورثوا الأرض، وسيسكنونها أبداً).
ومن الواضح أن التعابير السابقة من قبل «الصديقون»، «المتوكلون» «المتبركون» و «المتواضعون» إشارة لعبارة «عبادي الصالحون» التي وردت في القرآن الكريم.
والمراد من «الذكر» في الآية الآنفة، الذكر حسب اعتقاد الكثير من مفسّري التوراة، وتشهد على ذلك الآية : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الفُرقَانَ وَضِياءً وَ ذِكرى لِلّمُتَّقِينَ} (الأنبياء/ 48).
واحتمل البعض الآخر أنّ المراد من «الذكر»، «القرآن»، وجميع كتب الأنبياء السابقين من «الزبور»، (وبناء على ذلك فإنّ معنى الآية يصبح بهذا الشكل : لقد كتبنا هذه البشارة في جميع كتب الأنبياء السابقين بالإضافة «للقرآن»).
وعلى أيّة حال فإنّ هذه البشارة قد جاءت أيضاً في قسم من ملحقات التوراة مثل كتاب «النبي اشعياء» كما نقرأ ذلك في الفصل الحادي عشر من هذا الكتاب :
«الاذلاء بعدالة الحكم، وستكون الأرض حقاً نكالًا «ورمزاً لليقظة» للمساكين ... حزام ظهرها العدل ... ونطاق وسطها سيكون الوفاء ... سيسكن «سيأنس» الذئب مع الشاة ...
وسيكون الطفل الصغير راعيها ... لأن الأرض ستمتليء من علم اللَّه، كما تمتليء البحار من المياه).
كما تلاحظ مثل هذه الإشارات في كتاب التوراة نفسه أيضاً من جملتها : الفصل/ 13 رقم 15 : (سنعطي الأرض إلى واحد من أولاد إبراهيم. ولو عد أحد ذرات غبار الأرض لعدَّ ذريته).
وجاء في الفصل/ 17 الجملة/ 20 : (اعطيته «إسماعيل» بركتي واربيته (ابناؤه) إلى أقصى غاية وسيظهر منه اثنا عشر سيداً وامّة عظيمة).
لاحظوا الجملة الثانية عشر فانه سيبعث السرور ممّا يدل على أنّ الأئمّة الاثني عشر كلهم من ذريته وأولاده.
وفي الفصل/ 18 الجملة/ 18 : (سيتبارك منه جميع أقوام الدنيا ...).
وهناك تعابير واشارات اخرى من هذا القبيل لو اردنا ذكرها لطال بنا المقام.
لقد وردت هذه المسألة بشكل صريح في الروايات الإسلامية أيضاً- بالإضافة إلى الإشارات الواضحة لمسألة قيام المهدي عليه السلام في الآية السابقة، ومنها أنّ المرحوم «الطبرسي» في «مجمع البيان» نقل في نهاية هذه الآية عن الإمام الباقر عليه السلام قوله : «هم أصحابُ المهديِّ في آخر الزَّمانِ».
وجاء في تفسير القمي أيضاً في نهاية هذه الآية ما يلي : «قال القائمُ وَاصحابُه».
ليس من شك في أنّه من الممكن أن يقيم عباد اللَّه الصالحون حكومة على جزء من الأرض، كما حصل في عصر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وبعض الأعصار الاخرى، إلّا أنّ استقرار الحكومة بأيدي الصالحين على وجه الأرض كلها ستحصل في عصر المهدي عليه السلام فقط، وهناك روايات كثيرة بلغت حد التواتر، وقد وردت عن طرق السنّة والشيعة بهذا الصدد.
كما أنَّ «الشيخ منصور علي ناصف» مؤلف كتاب «التاج الجامع للأصول»- وهو كتاب يضم الاصول الخمسة المعروفة لدى السنّة، وقد كتب علماء الازهر تقاريض مهمة عليه- أورد في الكتاب المذكور ما يلي : «اشتهر بين العلماءِ سَلَفاً وخَلَفاً انَّهُ في آخِر الزمانِ لابدَّ من ظهورٍ لرجلٍ من أهلِ البيت مُسَمّى المهدي يستولي على الممالكَ الإسلاميةِ ويتَّبعُهُ المسلمونَ ويَعدِلُ بينهم ويؤيِّدُ الدين».
ثم يضيف قائلًا : «وقد روى أحاديث المهدي جماعة من خيارِ الصَّحابةَ، واخرَجَها أكابرُ المَحَدّثين : كابي داود، والترمذي، وابن ماجة، والطبراني، وأبي يعلي والبزاز والإمام أحمد والحاكم (1).
لم يستطع حتى ابن خلدون المعروف بمخالفته لأحاديث المهدي، انكار شهرة هذه الأحاديث بين جميع علماء الإسلام أيضاً (2).
ومن الذين أوردوا تواتر هذه الأخبار في كتبهم «محمد الشبلنجي» العالم المصري المعروف في كتاب «نور الأبصار» إذ يقول : «تواتُرِ الأخبار عن النبي صلى الله عليه و آله على أنَّ المهدي من أهل بيتهِ وأَنّه يملأ الأرضَ عدلًا».
لقد ورد هذا التعبير في الكثير من الكتب الاخرى أيضاً، حتى أنّ «الشوكاني» من علماء السنّة المعروفين يقول في كتاب ألَّفَهُ حول تواتر الأحاديث المرتبطة بالمهدي عليه السلام، وخروج الدجال، وعودة المسيح عليه السلام، بعد بحثٍ مفصّل بشأن تواتر الأحاديث المتعلقة بالمهدي عليه السلام :
«هذا يكفي لمن كان عندَهُ ذرَّةٌ من الإيمان وقليل من انصافٍ» (3).
ومن المستحسن هنا أن نذكر على الأقل بعضاً من روايات النخبة الواردة في أشهر المصادر الإسلامية كنموذج من هذا البيدر :
1- ينقل «أحمد بن حنبل» من أئمّة السنّة الاربعة في كتابه «مسند أحمد» عن «أبو سعيد الخدري» أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قال : «لا تقوم الساعَةَ حتى تمتلأ الأرض ظلماً وعدواناً، قال ثم يخرجُ رجلٌ من عترتي او مِنْ أهل بيتي يملأها قسطاً وعدلًا كما مُلِئَتْ ظلماً وعدواناً» (4).
2- ونقل الحافظ أبو داود السجستاني نفس هذا المعنى في كتابه «السنن» مع فارق ضئيل (5).
3- نقل الترمذي المحدّث المعروف بسند صحيح (طبقاً لتصريح منصور علي ناصف في التاج) عن عبد اللَّه، عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يومٌ لطوَّلَ اللهُ ذلك اليومَ حتى يبعثَ رجلًا منّي أو من أهل بيتي يواطيُ اسمَهُ اسمي، واسم ابيهِ اسم ابي (6)، يملأُ الأرضَ قسطاً وعدلًا، كما مُلئَتْ ظلماً وجوراً» (7).
وأورد الحاكم النيسابوري في «المستدرك» ما يشبه هذا الحديث مع فارق قليل، ويقول في نهايته : هذا حديث صحيح (8).
4- ونقل أيضاً في صحيح «أبي داود» عن امّ سلمة أنّها قالت : سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله : إنّه كان يقول : «المهديُّ من عترتي من ولدِ فاطمَةَ» (9).
5- نقل الحاكم النيسابوري في المستدرك، حديثاً أكثر تفصيلًا بهذا الشأن عن أبي سعيد الخدري عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله أنّه قال : «ينِزِلُ بأُمتي في آخِرِ الزمانِ بلاءٌ شديد من سلطانهِمْ، لم يُسمع بلاءٌ اشدّ منه، حَتّى تضيقَ عَنْهُمُ الأرضُ الرَّحْبَةُ، وحتى يملأُ الأرضَ جوراً وظَلماً، لا يجدُ المؤمنُ مَلْجأً يَلتَجِأُ اليهِ مِنَ الظلْمِ فيبعثُ اللهُ عزَّ وجَلَّ رجُلًا من عترتي، فيمَلأُ الأرضَ قسطاً وعدلًا كما مُلَئِتْ ظُلماً وَجَوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكنُ الارضِ، لا تدَّخِرُ الأرضُ مِنْ بَذرها شَيْئاً الّا اخْرَجَتْهُ، ولا السماءُ من قطرها شيئاً الّا صَبَّهُ اللهُ عليهم مدراراً» (10).
وبعد ذكر هذا الحديث يقول الحاكم : هذا حديث صحيح وبالرغم من أنّ «البخاري» و «مسلم» لم يورداه في كتبهما.
ومثل هذه الأحاديث- الواردة عن مختلف الرواة من المصادر المشهورة- كثيرة جدّاً، وتشير إلى الحكومة العالمية التي ستقام في نهاية المطاف على اليد المقتدرة الكفوءة للإمام المهدي عليه السلام، ويملأ العدل والقسط كل مكان، ويتحقق بالتالي مضمون الآية السابقة : {أنَّ الأرضِ يَرثُها عباديَ الصالحون}.
____________________
(1) التاج الجامع للُاصول، ج 5 ص 341 (ورد هذا المطلب كهامش في تلك الصفحة).
(2) ابن خلدون، ص 311.
(3) نقلًا عن كتاب التاج، ج 5، ص 360.
(4) مستدرك أحمد، جملة 3، ص 36.
(5) سنن أبي داود، ج 4 ص 152.
(6) صرّح بعض العلماء الكبار أنّ الصحيح هنا، اسم ابيه اسم ابني، وبهذا الشكل يكون موافقاً تماماً للاسم المبارك للإمام المهدي حسب اعتقاد الشيعة أي (محمد بن الحسن العسكري).
(7) التّاج، ج 5، ص 343.
(8) المستدرك، ج 4، ص 558.
(9) صحيح أبي داود، ج 2، ص 207.
(10) المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 465.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|