أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-4-2016
13752
التاريخ: 17-4-2016
2540
التاريخ: 2-12-2015
1718
التاريخ: 7-10-2014
1609
|
وردت في القرآن الكريم عبارات مختلفة وغنية في معانيها في مجال خلق الجبال، يقول تعالى في أحد المواضع : {وَالْقَى فِى الارْضِ رَوَاسِىَ انْ تَمِيدَ بِكُمْ وَانْهَاراً وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. (النحل/ 15)
وفي موضع آخر يقول تعالى : {الَمْ نَجْعَلِ الارْضَ مِهَادَاً* وَالْجِبالَ اوْتَادَاً}. (النبأ/ 6- 7)
ونقرأ في آية اخرى قوله عزّ وجلّ : {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَواسِىَ شَامِخَاتٍ وَاسْقَيْنَاكُمْ مَّاءً فُرَاتاً}. (المرسلات/ 27)
ويقول تعالى أيضاً : {وَالْقَى فِى الارْضِ رَواسِىَ انْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} (لقمان/ 10) .
وهناك آيات اخرى بهذا المضمون أو قريبة منها في القرآن الكريم أيضاً.
الأمر الذي نواجهه لأول وهلة في هذه الآيات، هو تأثير وجود الجبال في الحفاظ على استقرار الأرض، والتي عبر عنها تارة ب «الأوْتاد» والتي تستخدم عادة في اقفال أقسام مختلفة من الأبواب والصناديق والسفن وما شابه ذلك، أو صيانة المخيمات وتقويتها في مقابل هبوب الرياح.
وتارة اخرى عبر عنها ب {أنْ تَميدَ بِكُم} المأخوذة من مادة «مَيْدان» بمعنى الاهتزاز والاضطراب، ومعنى ذلك أنّ الجبال تَحُدُّ دون اضطراب الأرض واهتزازها. ولم يطلع أحد على هذا المطلب في ذلك العصر، ونحن في هذا الوقت نعلم جيداً مدى دور الجبال على هذا الصعيد، وذلك للنقاط التالية :
أولًا : إنّ الجبال في واقع الأمر هي في قوة أحد الدروع الفولاذية التي تحيط بالأرض من كل جوانبها، ونظراً لقوة ارتباطها واتصالها بأعماق الأرض تشكل بدورها أحد الشبكات القوية الشاملة، وإذا لم يكن كذلك وكانت الرمال الناعمة تغطي صعيد الأرض، لوقعت تحت تأثير الجاذبية القوية للقمر بكل سهولة، ولهزَّ الجزر والمدُّ كل شيء على اليابسة نظير المد والجزر في البحار، واستولى الاضطراب والاهتزاز والحركة على وجه الأرض في الليل والنهار، ولتعرض لإمكان الانهدام والسقوط كل مبنى من المباني.
بيدَ أنّ وجود هذا الحصن المنيع في الأرض ينزل بالمد والجزر إلى أدنى مستوى، وحالياً تأخذ القشرة السميكة للأرض بالارتفاع والانخفاض بمقدار ثلاثين سانتيمتراً في كل يوم وليلة أيضاً، وهذا بعكس البحار التي ترتفع وتنخفض على أثر الجزر والمد امتاراً متعددة أحياناً.
وتوجِد جاذبية الشمس المد والجزر أيضاً وإن كان ضعيفاً، ولو وقع مسير الشمس والقمر في خط واحد واتصلت الجاذبيتان في جانب واحد، لاشتدت قوة هذه الحركات وتضاعفت قوتها، إلّا أنّ القرآن يذهب بالقول إلى أنّ الجبال التي هي أوتاد الأرض تصونها من الاهتزاز.
ثانياً : إنّ الضغط الداخلي للأرض بواسطة حرارتها المركزية الهائلة يؤثر على قشرة الأرض بصورة دائمة، ولولا وجود الجبال لأصبح مصدراً من مصادر الاضطراب المستمر للأرض.
والآن تدبّروا لو اشتد الاضطراب الناجم عن المد والجزر والضغط الداخلي على أثر مرونة قشرة الأرض وطراوتها، فهل سننعم بالهدوء والاستقرار الذي نعيشه الآن على الكرة الأرضية؟ وهل سنجد بيتاً وملجأً ومأوىً نلجأ إليه؟
ثالثاً : لقد ثبت في وقتنا الحاضر أنّ الجبال بأعمدتها القوية تحرك معها الهواء الحاصل في أطراف الأرض، والآن لو فرضنا أنّ الأرض تتحرك في دورانها حول نفسها بسرعتها الذاتية المعهودة- أي ما يقارب الثلاثين كيلو متر في الدقيقة-، فلو لم تكن الجبال، لما تحقق مثل هذا الدوران للهواء الموجود في أطرافها، ولثارت ثائرة العواصف والأعاصير والرياح الشديدة على أثر اصطدام جزيئات الهواء بوجه الأرض، فضلًا عما يولِّد ذلك من حرارة هائلة تحرق الأخضر واليابس. كما أنّ الطائرات السريعة لو سارت في الطبقات السفلى للجو لارتفعت درجة حرارة أجنحتها بحيث قد يؤدّي ذلك إلى عواقب وخيمة، لهذا تضطر إلى الصعود في الطبقات العليا للجو لتتحرك في وسط الهواء الرقيق جدّاً حتى يقل احتكاكها بالهواء الذي هو المنشأ لإيجاد الحرارة.
أجل، لقد أزالت منخفضات ومرتفعات وجبال الأرض هذه الازمة وحرَّكت الطبقة السميكة للجو مضافاً إلى حركة الأرض، تماماً كدوران أسنان الدواليب ذات المقود التي تدور مع دورانها بقية الأشياء الاخرى.
فبناءً على ذلك، تعتبر الجبال وسيلة من وسائل استقرار الأرض واستقرار ساكنيها سواء في مقابل جاذبية القمر والشمس، أو في مقابل الضغط الداخلي، أو في مقابل العواصف الشديدة والمستمرة، أو في مقابل تولد الحرارة الشاقة.
من جهة اخرى، تقدمت الإشارة في الآيات السابقة إلى وجود العلاقة بين الجبال وبين نزول المطر وارتواء الأراضي والحصول على الماء الفرات وهو «الماء العذب»، يقول عزّ من قائل : {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شَامِخَاتٍ وَاسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُراتاً}.
ممّا لا يقبل الشك هو أنّ العلاقة بين الاثنين- الماء والجبال- لم تكن معروفة في السابق، إلّا أنّنا نعلم في الوقت الحالي :
أولًا : أنّ الجبال هي سبب من اسباب تجمع بخار الماء، أي تراكم السحب.
وثانياً : أنّها سبب من أسباب برودة طبقة الهواء المجاور لها.
وثالثاً : أنّها تحتفظ بالقسم الأكبر من الأمطار على شكل ثلج، كما أنّها مصدر من مصادر الطاقة المستمرة لجريان المياه على سطح الأرض، ومن ثم صيانة المياه من الهدر والضياع.
بالإضافة إلى أنّ الامتداد الواسع للجبال، وقشرتها المتعرجة تقلب أمواج الماء وتعرضها للهواء النقي، فيصفو الماء ويتحول إلى «ماء فرات» وهو (الماء العذب).
وبغض النظر عن كل ذلك، فإنّ النكتة الظريفة الاخرى التي استأثرت باهتمام بعض العلماء في صدد جبال الأرض، هي أنّ الجبال في مقابل تغيرات الضغط الأرضي في قوّة «الدولاب الثابت» الذي يحول دون تبدل السرعة.
توضيح ذلك : أنّ المقصود من «الدولاب الثابت» هو نفس الشيء الموجود في جميع الوسائل التي لها حركة دورية مشابهة، وذلك في صورة دولاب ثقيل يدعى بالدولاب الطيار أو الدولاب الثابت، ينصب في محورها حتى ينظم سرعتها، وعلى سبيل المثال لو ورد ضغط من الخارج على هذه الوسيلة ذات الحركة الدورية ثم انقطع الضغط فجأة لقفزت إلى الأمام ووجهت صدمة إلى ذلك الجهاز، أمّا إذا نصب الدولاب الثابت عليها لاحتفظت بهذا الضغط في داخلها، ثم تدفعه بالتدريج بدون أن تتوجه أي صدمة إلى ذلك الجهاز (تأمل جيداً).
هذا من جهة، ومن جهة اخرى بإمكان العواصف الهائجة التي تهب أحياناً في الجهة المخالفة أو الموافقة لحركة الأرض أن تؤثر على حركتها ...، وحينما تهدأ فورة العاصفة تتحول الأرض إلى حالة من الاندفاع العشوائي الذي يوجه ضربة قاصمة إلى جميع الموجودات الأرضية، بحيث يولد الاضطراب في كل شيء.
إلّا أنّ لوجود الجبال التي هي بمثابة «الدولاب الثابت» دور في الاحتفاظ بكل هذه الضغوط المثبتة فيها والمنفية فتحدُّ دون حدوث الصدمات، وتحافظ على الحركة المتوازنة للأرض، وعلى حد تعبير القرآن تقف مانعاً دون حدوث الاهتزازات وزعزعة الاستقرار.
ولو كان البحث في زمن هذه الآيات قائماً على قدم وساق في مجال مباحث «الدولاب الثابت» وآثاره في ذلك العصر، لما كانت التعبيرات في هذه الآيات مدهشة ومثيرة، ولكن نظراً إلى عدم وجود مثل هذه المسائل في ذلك الزمن على الاطلاق، خصوصاً أنّه لم يكن للفيزياء معنى في محيط الجزيرة العربية، فضلًا عن هذه المسائل المعقدة، فلابدّ من الاعتراف بأنّ بيان مثل هذه الآيات تعبير عن احدى المعاجز العلمية الكبرى (1).
والنكتة الاخرى هي أنّ القرآن الكريم عندما يتحدث عن تكوين الجبال يقول : {وَالْقَى فِى الارْضِ رَواسِىَ}. ويقول في مكان آخر : {أَمَّن جَعَلَ الارْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالِهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ}. (النمل/ 61)
هذه التعابير ونظائرها التي تكررت في القرآن تبين بوضوح أنّ الجبال خلقت بعد خلق الأرض، وقد أثبت العلم الحديث هذا المعنى بوضوح أيضاً، وذهب إلى القول بأنّ الكثير من الجبال حدث على أثر إلتواء الأرض، والبعض حدث على أثر المواد الذائبة المحرقة، والبعض الآخر حدث بسبب تنقية المواد الرخوة من اطراف المواد الصلبة للأرض الذي يحصل على أثر نزول المطر، وكل ذلك تحقق بعد خلق الأرض وايجادها .. وممّا لا ريب فيه أنّ هذه المسائل لم تكن معروفة حين نزول هذه الآيات من القرآن.
___________________
(1) ما تقدم أعلاه موجز من مقال محقق تحت عنوان «أثر الجبال في استقرار الأرض» (مسألة الدولاب الثابت) في المجلة الدينية والعلمية المدرسة الإسلامية العدد 8، السنة 13 (ص 68- 73 باللغة الفارسية)، ولمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع والوقوف على جزئياته راجع المقال المذكور.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|