أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-06-2015
5712
التاريخ: 3-06-2015
6296
التاريخ: 25-10-2014
5903
التاريخ: 26-10-2014
23361
|
إنَّ شعار فصل الدين عن السياسة هو الأكثر رواجاً في الدول الغربية ، وقد يعد من بديهياتهم المتفق عليها ، ومن هنا يأخذهم الرعب والخوف من تشكيل الحكومة الإسلامية التي تجمع بين «الدين» و «السياسة» بشكل تام ! وذلك لسببين :
1- الدين الموجود في المجتمعات الغربية هو دين المسيحية الحالي ، ونحن نعلم أنّ هذا الدين ونتيجة للتحريفات الكثيرة التي طرأت عليه على مرّ الزمن قد تجسّد في سلسلة من التوصيات الأخلاقية ، ولا علاقة له بالقضايا الاجتماعية خصوصاً السياسية منها.
والفرق بين الشخص المتديّن وغير المتديّن في هذه المجتمعات ، هو أنّ الأول ملتزم بسلسلة من الاصول الأخلاقية ، ويذهب في الاسبوع مرّة واحدة إلى الكنيسة ليتضرع ويناجي ربّه ساعة من الزمن ، أمّا غير المتدين فلا يبالي بمثل هذه الأخلاقيات (وإن احترموها أحياناً باعتبارها من المثل الإنسانية لا الدينية) ، ولا يذهبون إلى الكنيسة أبداً.
2- الذكرى المؤلمة جدّاً التي يحملونها معهم من حكومة أرباب الكنيسة في القرون الوسطى وعهد «انكيزيسيون» (تفتيش العقائد) ، سَببت في أن يفصلوا الدين عن السياسة وإلى الأبد.
توضيح ذلك : لقد هيمن رجال الكنيسة في القرون الوسطى على كافة الشؤون السياسية والاجتماعية لشعوب اوربا ، وحَكم البابوات دول هذه القارة بكل قوة ، بحيث انتهت حكومتهم إلى الاستبداد والطغيان ، حتى أنّهم وقفوا أمام كل تقدم علمي ، وسحقوا كل تطور علمي وفكري باعتباره منافياً للدين ، فأسسوا محاكم سميت فيما بعد ب «انكيزيسيون» «محاكم تفتيش العقائد» ، وحكموا على أعداد كبيرة في هذه المحاكم بالموت ، فقطعوا رؤوس بعضهم ، وأحرقوا البعض الآخر بالنّار وهم أحياء ، أو أنّهم حكموا عليهم بالسجن ، ومن بينهم عدد من العلماء الطبيعيين المعروفين. وكلُّ الملوك كانوا يحسبون لرجال الدّين هؤلاء حساباً ويطيعون أوامرهم.
بالإضافة إلى الأموال الطائلة التي أخذوها وعاشوا في نعيم لا يوصف.
وقد أثارت كل هذه الامور الشعب ضدهم ، خصوصاً علماء العلوم الطبيعية ، حيث إنّهم وقفوا في وجوههم بقوة ، وعمّ شعار «فصل الدين عن السياسة» من جهة ، والتنافي بين العلم والدين ، من جهة اخرى ، كلَّ مكان ، ثم وبانتصار هذا الجناح ، انسحبت الكنيسة ورجالها من المجتمع والحكومة ، والدولة الوحيدة التي بقيت بيد رجال الكنيسة من تلك الامبراطورية الواسعة هي دولة الفاتيكان الصغيرة التي لا تتجاوز الكيلومتر المربع الواحد أي بمساحة قرية صغيرة (1).
كانت هذه كلها ، تطورات قد حدثت في اوربا وخلال تلك الظروف الخاصة.
ثم إنّ فريقاً من الدول الإسلامية حينما ذهب إلى الغرب للدراسة أو التجارة أو السياحة جاء بمثل هذه الأفكار معه كهدية من الغرب للشرق الإسلامي وهي لزوم فصل الدين عن السياسة ، دون الوقوف على البون الشاسع بين «الإسلام» وبين «المسيحية» المحرّفة ، وبدون التأمل في التفاوت بين الثقافة الإسلامية الحاكمة على هذه الدول وثقافة الكنيسة.
ومع الأسف فقد رضخت بعض الدول الإسلامية لهذه المؤامرة الاعلامية واعتبرتها أصلًا لا يمكن التنازل عنه (لا يخفى أنّ الدول الغربية التي كانت ولا تزال تخاف قوّة الحكومة الإسلامية ، قد تابعت هذه القضية بجدية ، وأن الدول المستغربة مثل تركيا ، قد اتبعت هذا الأصل ووضعته على رأس قائمة أعمالها وقامت بتشكيل الحكومة العلمانية).
هذا في الوقت الذي وقفت الكثير من الدول الإسلامية وشعوبها اليقظة في وجه هذه المؤامرة ، التي أرادت فصل «المسلمين» عن «الإسلام» ، وجعل الإسلام كمسيحية اليوم مجرد طقوس ظاهرية خاصة بالخلق والخالق بعيدة عن المجتمع والسياسة.
ولهذا السبب ، فحينما نجحت الثورة الإسلامية الايرانية وآتت اكلها وقامت بتشكيل أول حكومة إسلامية ثورية ، أخذت الحيرة والدهشة كل من في الغرب من كيفية إمكان إمساك الدين بزمام الحكم؟ وهل بإمكان الدين تلبية كل متطلبات عصرنا؟ ولكن بعد أن فوجئوا بثبات وصلابة هذه الحكومة ، ولغرض حصرها ضمن حدودها الجغرافية ولئلا تكون نموذجاً لبقية الدول الإسلامية ، فقد توسّلوا بعمليات تخريبية كثيرة ، بالإمكان الوقوف عليها في الكتب التي تتناول هذا الموضوع.
ولحسن الحظ بقيت هذه المؤامرات عقيمة ، وتجذّرت نظرية تأسيس الحكومة الإسلامية في الكثير من الدول الإسلامية ، في قارة آسيا وأفريقيا وأصبح تياراً حياً ومنقذاً ، مع ما يحاول الغرب بكل ما اوتي من قوّة ، ولم يترك أي شيء في هذا الطريق إلّا وتوسل به من كيل الاتهامات المغرضة الكاذبة والإعلام المغرض والمدسوس.
أمّا كيف أنّ الإسلام اقترن بمسألة الحكومة من حيث الاصول والفروع والتاريخ ، فهذه المسألة ليست بتلك الصعوبة ، وكل من يتأمل في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه و آله والأئمّة المعصومين عليهم السلام وكذلك تاريخ الإسلام ، يدرك هذه المسألة بكل وضوح ، وهي استحالة فصل الحكومة والسياسة في الإسلام ، ولأنّ ذلك بمنزلة فصل الإسلام عن نفسه!.
والشاهد على هذا الأمر وقبل كل شيء هو تاريخ الإسلام ، فكما تمّت الإشارة سابقاً فإنّ أول عمل قام به النبي الأكرم صلى الله عليه و آله بعد الهجرة إلى المدينة كان تشكيل الحكومة الإسلامية ، فقد كان صلى الله عليه و آله يدرك جيداً أنّ أهداف النبوة وبعثة الأنبياء وهي التربية والتعليم ، وإقامة القسط والعدل وسعادة الإنسان ورفعته ، غير ممكنة بدون تشكيل الحكومة ، ولهذا السبب فقد بدأ في أول فرصة ممكنة بإرساء اسس الحكومة وذلك بأمر من اللَّه تعالى.
فشكل جيشاً من المهاجرين والأنصار ، وأوجب على الجميع في أي سن كانوا وتحت أي ظروف (باستثناء النساء والأطفال والمرضى والمقعدين) المشاركة فيه ، وكان قسمٌ من تأمين السلاح والمؤونة والدواب لهذا الجيش المتواضع والبسيط على عاتق الشعب ، والقسم الآخر على عاتق الحكومة الإسلامية ، وكلما ازادادت الغزوات والمطاحنات مع الأعداء الشرسين واتّسعت رقعة الحروب أكثر ، ازداد جيش الإسلام رسوخاً وتنظيماً.
ونزل حكم الزكاة ، وتمّ ولأول مرّة تأسيس بيت المال الإسلامي لضمان تكاليف الجهاد ، واحتياجات المحرومين.
ثم نزلت أحكام القضاء والعقوبات المترتبة على الجرائم والتخلفات الواحدة تلو الأخرى ، ودخلت الحكومة الإسلامية مراحل جديدة.
ولو لم يكن للإسلام حكومة ، فما هي ضرورة تشكيل الجيش وبيت المال وكيف يمكن معاقبة المجرمين والجناة إذا لم تكن هناك محاكم.
وقد امتد هذا الوضع على هذا المنوال إلى ما بعد النبي صلى الله عليه و آله في فترة الخلفاء ، بل وحتى في عهد خلفاء بني امية وبني العباس ، حيث إنّهم كانوا يحكمون باسم خلفاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ، ومع أنّ حكومتهم كانت تتسم بالظلم والخروج عن اطار الشرعية والقوانين الإسلامية ، لكن مهما يكن فهي تعكس هذه الحقيقة وهي أن تشكيل الحكومة الإسلامية يعدّ من المسائل الأولية والأساسية في الإسلام.
والضغوط الموجهة لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وثورة الإمام الحسين عليه السلام ، وولاية عهد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، وحبس الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، ونفي الإمام الهادي عليه السلام والإمام الحسن العسكري عليه السلام إلى سامراء ووضعهم تحت الرقابة خوفاً من الثورة على الحكومة ، كلها تبيّن بوضوح أنّ الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام كانوا يعتبرون تشكيل حكومة العدل الإلهي من مسؤولياتهم الأكيدة ، وقد استغلوا كل فرصة من أجل إثبات حقهم ، كما أنّ عدوهم كان يدرك هذا الأمر جيداً.
ولو كان الإسلام كمسيحية اليوم محدوداً بسلسلة من الأحكام الأخلاقية ، لما كان لهذه الظواهر في تاريخ الإسلام أي مفهوم ، إذ لا أحد يعارض معلماً بسيطاً للأخلاق أو زاهداً منعزلًا في زاوية مكتفياً بإقامة صلاة الجماعة.
إنّما تبدأ المعارضة حينما يتعلق الأمر بالحكومة ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فهنالك الكثير من الأحكام الإسلامية في القرآن المجيد والتي تصرخ عالياً بضرورة تشكيل الحكومة وإرساء اسسها ، وبعبارة اخرى ، فهذه الأحكام أحكام سياسية ، وهي الّتي ترسم الخط السياسي للمجتمع الإسلامي.
هناك آيات قرآنية كثيرة حول الجهاد ، وتكليف المجاهدين ، وغنائم دار الحرب ، والشهداء ، والاسرى ، فهل يا ترى بالإمكان توجيه مثل هذه الأحكام خارج نطاق الحكومة؟
الكثير من الآيات القرآنية سلطت الأضواء على مسؤوليات القاضي ، وأحكام القضاء ، وتطبيق الحدود والقصاص وأمثالها ، والكثير منها ناظر إلى أموال بيت المال.
وأمّا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي من واجبات كل فرد مادام في حدود التذكير والأوامر والنواهي الكلامية ، لكن بعض مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تحتاج إلى الصلابة والقوة ، بل وحتى المواجهة العسكرية المسلحة غير ممكنة إلّا عن طريق الحكومة.
وتطبيق العدالة الاجتماعية وإقامة القسط والعدل ، وفتح الطريق للتبليغ بحرية في أقصى نقاط العالم ، لا يكون بالنصيحة والموعظة والممارسات الأخلاقية أبداً ، الحكومة هي التي ينبغي أن تنزل إلى الميدان لتفك قيد الظالم عن عنق المظلوم ، وتعيد حقوق المستضعفين ، وتوصل نداء التوحيد إلى اسماع كل سكان المعمورة عن طريق وسائل الإعلام المتوفرة في كل زمان.
وقد وردت نفس هذه المضامين وبشكل أوسع في أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وروايات المعصومين عليهم السلام ، والّتي تشكّل قسماً كبيراً من فقه الإسلام والكتب الفقهية ، ولو أردنا فصل هذه المسائل عن الروايات والكتب الفقهية لما بقي هنا لك ما يعتد به.
وكما تقدم فالكتب الفقهية تقسم إلى ثلاثة أقسام ، وهي «العبادات» ، و «المعاملات» ، و «السياسة».
فالعبادات هي علاقة الخلق بالخالق.
والمعاملات هي علاقة الناس بعضهم ببعض.
كما وأنّ السياسة هي علاقة الناس بالحكومة.
لكن لو دققنا النظر ، لوجدنا أنّ قسم السياسة ليس الوحيد الذي لا يطبق بغياب الحكومة ، بل إنّ المعاملات أيضاً لو لم تكن تحت اشراف الحكومة لحدثت الآلاف من المصاعب والعراقيل ، ولضاعت حقوق المستضعفين ، وانقسم المجتمع إلى قطبين أغنياء وفقراء ، ولعانى الشعب من مئات المشاكل المصطنعة.
بل وحتى العبادات لا تُقام إلّافي ظل حكومة قوية عادلة ، ومن العبادات الحج وهو فريضة ذات صبغة سياسية قوية جدّاً.
وصلاة الجمعة عبادة مهمّة اخرى ، حيث إنّه وفضلًا عن الحضور الواسع لكل شرائح المجتمع فيها ، فإنّ أهم القضايا الإسلامية والسياسية والاجتماعية والثقافية المعاصرة تطرح في خطبتيها.
كما أنّ صلاة الجماعة اليومية لا تخلو من هذا المحتوى أيضاً ، وإن كانت صبغتها السياسية أقل درجة.
وفي سورة الحج إشارة لطيفة إلى هذه الامور ، يقول تعالى : {الَّذِينَ انْ مَكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ}. (الحج/ 41)
وممّا تقدّم ، لا يبقى هناك أدنى شك في أنّ فصل التعاليم الإسلامية عن المسائل السياسية أمر غير ممكن ، وأنّ الشعارات التي تُطلق في الغرب لفصل الدين عن السياسة فارغة من المحتوى تماماً في الشرق الإسلامي.
ونختتم هذا الكلام بحديث جامع ولطيف عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :
حينما جاء «أبو الدرداء» و «أبو هريرة» برسالة معاوية إلى علي عليه السلام وكان قد طلب فيها تسليم قتلة عثمان إليه ليحاكمهم ، قال الإمام علي عليه السلام : «لقد أبلغتماني ما قاله معاوية ، والآن اسمعا كلامي وأبلغاه عنّي ، إنّ عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين : إمّا إمام هدىً حرام الدّم وواجب النّصرة لا تحلّ معصيته ولا يسع الامّة خذلانه ، أو إمام ضلالة حلال الدّم ، لا تحلّ ولايته ولا نصرته ، فلا يخلوا من احدى الخصلتين.
والواجب في حكم اللَّه وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتلُ ، ضالّاً كان أو مهتدياً ، ومظلوماً كان أو ظالماً ، حلال الدّم أو حرام الدّم ، أن لا يعملوا عملًا ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدّموا يداً ولا رجلًا ولا يبدأوا بشيٍ قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً بالقضاء والسنّة ، يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذ للمظلوم من الظّالم حقّه ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجتهم ويجبي صدقاتهم ، ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلماً ليحكم بينهم بالحقّ ، فإن كان إمامهم قتل مظلوماً حكم لأوليائه بدمه ، وإن كان قتل ظالماً نظر كيف الحكم في ذلك» (2).
وعلى هذا الأساس وجب عليك يا معاوية وقبل التطرق لقضية قتل عثمان الرضوخ للحكومة الإسلامية وتبايع من بايعه كل الناس ولا تتأخر ولو لحظة بالتوسل بهذه الحجج والذرائع.
________________________
(1) ذكرت مساحة الفاتيكان في قاموس دهخدا وقاموس معين بأنّها 44 هكتاراً (أقل من نصف كم) ، وبلغ عدد نفوسها حسب بعض المصادر 525 نفراً! وفي البعض الآخر 700 نفر ، وفي البعض الآخر ألف نفر! وفي الحقيقة فإنّ هذه الدولة عبارة عن مجموعة من الكنائس والأبنية المتعلقة بها ، وفيها محطة قطار ، دائرة البريد ، محطة الاذاعة ، ولها قانون خاص بها وحكومة مستقلة ، وهناك حوالي خمسين دولة لها ممثلين لدى البابا. والملفت للنظر أنّ هذا البلد يقع في قلب روما عاصمة ايطاليا (قاموس دهخدا ، قاموس معين ، والمنجد في الاعلام).
(2) كتاب سليم بن قيس ، ص 182.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|