ما حقيقة بكاء الزهراء على ابيها ؟ وهل كان لبكائها اهداف معينة ؟ |
119
09:12 صباحاً
التاريخ: 2024-10-28
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2020
854
التاريخ: 2024-10-29
101
التاريخ: 2024-10-28
225
التاريخ: 2024-10-28
145
|
السؤال : ما صحّة هذا الكلام حول الحزن الهادئ؟ وهل يمكنكم إيراد الروايات التي تقول إنّها كانت تبكي على أبيها؟ وهل بكائها على أبيها منقصة لها؟
الحزن الرسالي : إنّنا نسمع الكثير من الناس الذين حاصروا الزهراء عليها السلام في دائرة الحزن إلى حدّ الجزع ، يقولون : إنّها كانت تبكي في الليل والنهار ، وكان أهل المدينة يضجّون من بكائها حتّى قالوا لعلي : إمّا أن تبكي أباها ليلاً أو نهاراً!! أيّ كلام هو هذا الكلام؟!
إنّ الزهراء عليها السلام أعظم وأعظم من ذلك ، ولاسيّما أنّنا نقرأ في حديث عن الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام في تفسير الآية الكريمة : {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] ، قال : « إنّ رسول الله صلى الله عليه واله قال لفاطمة : إذا أنا متّ فلا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا ترخي عليّ شعراً ، ولا تنادي بالويل ، ولا تقيمن عليّ نائحة » ، قال : ثمّ قال : « هذا هو المعروف » (1).
كان حزنها حزناً رسالياً ، كانت تذهب إلى قبر رسول الله وقبور الشهداء ولا تزيد عن القول : « ها هنا كان رسول الله » ، لتذكّر الناس كي لا ينسوا رسول الله في مسجده ، وفي مواقعه التي كان يتجوّل فيها ، وكانت تأخذ الحسن والحسين إلى قبر جدّهما وتحدّثهما عن حركة أبيها هنا وهناك.
كان حزنها حزناً رسالياً هادئاً منفتحاً على الرسالة في تذكّرها لرسول الله صلى الله عليه واله ، لأنّ التذكر لرسول الله صلى الله عليه واله كان يحمل الانفتاح على الإسلام كُلّه ، وفي كتاب الكافي يقول بعض الرواة عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو يعظ الناس : « مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم » ، ويستشهد الإمام علي عليه السلام في هذا الخطّ بالزهراء عليها السلام فقال : « فإنّ فاطمة لمّا قُبض أبوها صلى الله عليه واله أسعدتها بنات هاشم ـ على طريقة النساء عند الموت ـ فقالت : اتركن التعداد ـ أي لا تعددن الآلام والأحزان ـ وعليكن بالدعاء » (2).
هكذا كانت الزهراء عليها السلام تفهم قضية الاحتفال بمناسبة الموت ، حتّى لو كان الميت رسول الله صلى الله عليه واله ، لذلك فإنّ هؤلاء الذين يتحدّثون بهذه الطريقة عن الزهراء عليها السلام في جزعها يسيئون إليها ، باعتبار وصية رسول الله صلى الله عليه واله ووعي الزهراء وعصمتها ، فالزهراء لم تكن في موقع الإمامة ، ولكنّها كانت في موقع العصمة ، لأنّها أوّلاً كانت من أهل هذا البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وهذا دليل عصمة علي والحسن والحسين وفاطمة.
وثانياً : لأنّها كانت سيّدة نساء أهل الجنّة ، ولا يمكن إلاّ أن تكون معصومة.
وثالثاً : لأنّنا لو درسنا كُلّ حياة الزهراء لرأيناها تمثّل العصمة كُلّها ، ولهذا لم تخطئ في حياتها لا في قول ولا في فعل ، كانت لا تقول إلاّ حقّاً ، ولا تتصرّف إلاّ بالحقّ ، سواء مع الذين يلتقون معها أو مع الذين لا يلتقون معها.
وكانت قمّة احتجاجها على الواقع المنحرف أنّها قالت لعلي عليه السلام : « ادفني ليلاً » ، لا تدع هؤلاء يحضرون جنازتي ، ودُفنت ليلاً ، واختلف الناس في موضع قبرها ، وهناك أحاديث عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّها دُفنت في بيتها ، وعندما وُسّع المسجد دخل بيتها وقبرها في المسجد ، ولعل الحديث : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » (3) ، يشير إلى الزهراء عليها السلام ، وهناك رواية تقول إنّها دُفنت في البقيع.
الزهراء عليها السلام الطاهرة ، الصدّيقة ، المعصومة ، التي كانت تمثّل التجسيد الحيّ لكُلّ القيم الروحية والإنسانية ، كانت قوية في مواقع القوّة للدفاع عن الحقّ ، وكانت عابدة ترتفع صلواتها إلى الله ، ومعلّمة تعطي العلم للنساء ، وكانت تعيش مسؤوليتها في البيت والمجتمع مع أبيها وزوجها ، فسلام الله عليها حين وُلدت ، وحين انتقلت إلى رحاب ربّها ، وعندما تُبعث حية.
علينا أنّ نجعل منها القدوة ـ رجالاً ونساءً ـ لأنّها من خير من يُقتدى به ، كانت حبيبة رسول الله وتلميذته ورفيقته ، وقد قال أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يتحدّث عن الزهراء عليها السلام :
ما تمنّى غيرها نسلاً ومن
يلد الزهراء يزهد في سواها
الجواب : لقد وردت روايات صحيحة تخبرنا عن بكاء سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام على أبيها رسول الله صلى الله عليه واله بعد وفاته ، ويستفاد أيضاً من هذه الروايات شدّة تأثّرها وحزنها لفراق أبيها صلى الله عليه واله ، وكذلك للأحداث المؤلمة التي جرت بعد وفاته مباشرة.
ومن ذلك ما رواه الشيخ المفيد قدس سره بسنده عن عبد الله بن محمّد بن سليمان الهاشمي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت : « لمّا اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة عليها السلام فدك والعوالي ، وآيست من إجابته لها عدلت إلى قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه واله ، فألقت نفسها عليه ، وشكت إليه ما فعله القوم بها ، وبكت حتّى بلّت تربته بدموعها وندبته ، ثمّ قالت في آخر ندبتها :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها
وأختل قومك فأشهدهم فقد نكبوا
إلى قولها :
فقد لقينا الذي لم يلقه أحد
من البرية لا عجم ولا عرب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت
لنا العيون بتهمال له سكب » (4)
وكذلك روى الشيخ القمّي قدس سره بسند صحيح عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : « لمّا بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله منها ، فجاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر ... فخرجت فاطمة عليها السلام من عندهما باكية حزينة ... ودخلت فاطمة إلى المسجد ، وطافت بقبر أبيها عليه السلام وهي تبكي » (5) ، ثمّ أنشدت أبياتاً مقاربة لما أورده الشيخ المفيد.
وروى الشيخ الكليني قدس سره بسندين صحيحين عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : « عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة ، تأتي قبور الشهداء في كُلّ جمعة مرّتين : الاثنين والخميس ، فتقول : هاهنا كان رسول الله صلى الله عليه واله ، هاهنا كان المشركون » (6).
والكشر كما نعرف هو بدو الأسنان عند التبسّم ، ومن هنا نعرف أيّ حزن وألم عاشته الزهراء عليها السلام في تلك الأيّام بعد وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه واله.
وفي الرواية الصحيحة الأُولى عن الشيخ المفيد ورد قولها عليها السلام في أبيات الشعر : سوف نبكيك ما عشنا وما بقيت.
ومن المعلوم أنّ الزهراء عليها السلام عاشت على أكثر الروايات ستة أشهر بعد رسول الله صلى الله عليه واله ، فإذا عددنا المواقف التي جاء فيها ذكر لبكاء الزهراء من يوم وفاته صلى الله عليه واله ، وأخذ فدك والهجوم على بيتها وخطبها في المسجد ، والدوران على بيوت الأنصار وغيرها ، وأخذنا نسبة بينها وبين أيّامها القلائل التي عاشت فيها بعد النبيّ صلى الله عليه واله ، يظهر لنا أنّ القول بكثرة بكائها بعد أبيها صلى الله عليه واله لا يخرج عن الصواب.
وأنّ الروايات المصرّحة بذلك الواردة عن طريق أئمّة أهل البيت عليهم السلام يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان بها ، وإن لم تكن ترقى إلى درجة الصحّة ، ولذا جعلها علمائنا مورداً للقبول على أنّا لا نتعامل مع الروايات التاريخية كما نتعامل مع روايات الأحكام ، فلاحظ.
ولا يتنافى هذا البكاء والحزن المتواصل من سيّدة النساء عليها السلام مع الشرع ، كما يريد البعض أن يوحي بذلك ، فقد ذكر القرآن الكريم شدّة تأثّر يعقوب عليه السلام لفراق ابنه يوسف عليه السلام الذي كان يعلم بعدم موته ، ولكنّه يجهل مكانه ، قال تعالى : {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84] .
وقد ذكر المفسّرون أنّه أُصيب بالعمى نتيجة هذا الحزن وشدّة البكاء المتواصل ، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي عشرين سنة ، أو أربعين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى على الحسين ، حتّى قال له مولى له : جعلت فداك يا بن رسول الله إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال عليه السلام : {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [يوسف: 86] (7) .
وروى ابن قولويه قدس سره : إنّه لما كثر بكاؤه عليه السلام قال له مولاه : أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال : « ويحك والله شكى يعقوب عليه السلام إلى ربّه في أقل ممّا رأيت حتى قال : ( يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ) ، إنّه فقد ابنا واحداً ، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي » (8).
فلماذا لم يكن حزن الإمام السجّاد عليه السلام رسالياً كما يسمّيه هذا المدّعي؟ ولماذا لا يتنافى هذا البكاء مع مسؤوليات الإمام عليه السلام؟ ويعقوب النبيّ عليه السلام ، ولماذا لا يكتب في حزنهما مثلما كتب هنا!؟
وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه وقف على قبر رسول الله صلى الله عليه واله ساعة دفنه فقال : « إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك ، وأنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك » (9).
وعليه ، فإنّ بكاء الزهراء عليها السلام على أبيها رسول الله صلى الله عليه واله ـ وفي الوقت الذي تزامنت فيه تلك الأحداث الجسام من غصب الخلافة ، وغصب الإرث ، وكشف البيت الطاهر ، والاستخفاف بحرمة الدين وأهله ـ كان بكاءً على الرسالة ، والدين القويم ، والحقوق المضيّعة ، بل هو بكاء على الملايين من المسلمين الذين سيكونون ضحايا هذه المظالم ، وتبعات هذه الأحداث.
والزهراء عليها السلام تعلم بتلك الأُمور ، وما ستؤول إليه ، لذا كان البكاء عند الزهراء عليها السلام يتجاوز معناه العاطفي المحدود إلى معان أُخرى من الاستنهاض والثورة على الظالمين ، وبعث رسالة إلى أعماق التاريخ أن لا يغفلوا عن أحداث هذه الفترة التي غيّرت وجه الدنيا بانحرافها وميلها عن الحقّ ، فقد كان البكاء هو الوسيلة الوحيدة المتخذة أمام الزهراء عليها السلام لإعلان الحقّ ورفض الباطل ، واستمراره ليلاً ونهاراً هو استمرار المطالبة بالحقّ واستمرار رفض الباطل.
ومن هناك أدرك الخصوم المعاني التي يختزنها بكاء الزهراء عليها السلام ، لذا قاموا بالتحريض عليه ، مع أنّه من المستحبّات البكاء على سيّد المرسلين صلى الله عليه واله ، والزهراء عليها السلام حين بكت على رسول الله صلى الله عليه واله وطال حزنها ، وأظهرت هذا الحزن لم تخالف وصية رسول الله ، فهي : لم تخمش عليه وجهاً ، ولم ترخ عليه شعراً ، ولم تناد بالويل ، ولم تقم عليه نائحة ... إنّما كان بكاؤها بكاء الثائرين ... كما يمثّل بكاء شيعة أهل البيت عليهم السلام على الحسين عليه السلام ، وتواصل هذا البكاء لقرون متمادية ، وحثّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام عليه ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة المعتبرة ، ثورتهم ورفضهم للظلم والظالمين ، ومن هنا جاءت قوّة منعه من قبل سلاطين الجور وأئمّة الضلال.
ومن هذا يظهر سخف ما رتّب على الفرض من أنّ بكائها كان ينافي العصمة ، أو يخلّ بالمسؤولية ، أو أنّها كانت إلى حدّ الجزع ـ وإن كان في قبح الجزع في مثل هذا المورد كلام ولنا في يعقوب أُسوة ـ وأنّ حزنها كان هادئاً ، وإن الحزن الهادئ هو الرسالي وغيره فلا ، وغير ذلك ممّا يحتويه هذا الكلام الإنشائي ، فهو كُلّه مبنيّ على فكرة باخت في عقل قائلها ، سببها عدم إدراك حقيقي لمعنى بكاء الزهراء ودوافع منعها ، فإذا وعينا ذلك سنجد أنّ كُلّ ما قيل سينهار كالرماد ، وإليك قول القائل : وكانت قمّة احتجاجها على الواقع المنحرف أنّها قالت لعلي عليه السلام : « ادفني ليلاً ... ».
يا الله أين هذا من خطبتها الصريحة بكفرهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله؟ وأين هو من مطالبة الأنصار بالثورة يوم كانت تدور عليهم وتطالبهم بالوفاء ببيعة الغدير ، ألمثل الزهراء يقال إنّ قمّة احتجاجها أن تطالب بدفنها ليلاً!
____________
1 ـ وسائل الشيعة 3 / 272.
2 ـ الكافي 3 / 217.
3 ـ من لا يحضره الفقيه 2 / 568.
4 ـ الأمالي للشيخ المفيد : 40.
5 ـ تفسير القمّي 2 / 155.
6 ـ الكافي 3 / 228.
7 ـ كامل الزيارات : 213.
8 ـ نفس المصدر السابق.
9 ـ شرح نهج البلاغة 19 / 195.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|