أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-10-2014
7667
التاريخ: 17-5-2022
2138
التاريخ: 19-2-2022
2216
التاريخ: 1-2-2016
13079
|
مقا- سلم : معظم بابه من الصحّة والعافية ، ويكون فيه ما يشذّ ، والشاذّ عنه قليل. فالسلامة : أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى. قال أهل العلم : اللّه جلّ ثناؤه هو السلام ، لسلامته ممّا يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء- واللّه يدعو الى دار السلام ، فالسلام اللّه ، وداره الجنّة. ومن الباب أيضا الإسلام وهو الانقياد لأنّه يسلم من الإباء والامتناع. والسلام : المسالمة ، وفعال تجيء في المفاعلة كثيرا ، نحو القتال. ومن باب الإصحاب والانقياد : السلم الّذي يسمّى السلف ، كأنّه مال أسلم ولم يمتنع من إعطائه. وممكن أن تكون الحجارة سمّيت سلاما لأنّه أبعد شيء في الأرض من الفناء والذهاب ، لشدّتها وصلابتها. فأمّا السليم وهو اللديغ ، وتسميته : لأنّه اسلم لما به أو أنّهم تفاءلوا بالسلامة. والسلّم : معروف وهو من السلامة ، لأنّ النازل عليه يرجى له السلامة. والّذي شذّ عن الباب السلم : الدلو الّتي لها عروة واحدة. والسلم : شجر. ومن الباب الأوّل : السلم وهو الصلح.
مصبا- السلم : في البيع مثل السلف وزنا ومعنى ، وأسلمت اليه بمعنى أسلفت أيضا. والسلم أيضا شجر العضاه ، الواحدة سلمة. والسلام اسم من سلم عليه ، والسلام من أسماء اللّه تعالى. والسلم : الصلح ، يذكّر ويؤنّث ، وسالمه مسالمة وسلاما. وسلم المسافر يسلم من باب تعب ، سلامة : خلص ونجا من الآفات ، فهو سالم. وسلّمه اللّه في التعدية وأسلم للّه ، فهو مسلم ، وأسلم : دخل في دين الإسلام . وأسلم : دخل في السلم. وأسلم أمره للّه ، وسلّم أمره للّه لغة.
وأسلمته : خذلته ، واستسلم : انقاد ، وسلّم الوديعة لصاحبها : أوصلها ، فتسلّم ذلك ، ومنه قيل سلّم الدعوى : إذا اعترف بصحّتها ، فهو إيصال معنويّ ، وسلّم الأجير نفسه للمستأجر : مكّنه من نفسه حيث لا مانع ، واستلأمت الحجر قال ابن السكّيت : همّزته العرب على غير قياس ، والأصل استلمت لأنّه من السلام وهي الحجارة ، وقال ابن الأعرابيّ : أصله مهموز من الملاءمة وهي الاجتماع.
الاشتقاق- 34- سلمى من السلم والسلم : ضدّ الحرب. والسلم والسلم واحد ، وألقوا إليكم السلم ، وجئتك بفلان سلما أي مستسلما لا ينازع. والسلم : دلو لها عروة واحدة نحو دلاء السقّائين. والسلامة : ضدّ البلاء. والسلام جمع سلمة وهي حجارة. وذكر يونس إنّ قولهم استلم فلان الحجر الأسود : هو افتعل من السلمة.
واشتقاق السلم من قولهم أسلمت للّه أي سلم له ضميري. والسلامي : عصب ظاهر الكفّ والقدم ، وعظام صغار حولها عصب.
والتحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة : هو ما يقابل الخصومة وهو الموافقة الشديدة في الظاهر والباطن بحيث لا يبقى خلاف في البين.
و من لوازم هذا المعنى مفاهيم الانقياد والصلح والرضا.
ولمّا كان أصل المادّة لازما : فيكون مفهومه حصول الوفاق ورفع الخلاف والخصومة في نفس الشيء ، سواء يلاحظ في نفسه أو بالنسبة الى غيره.
وإذا لوحظ في نفسه من حيث هو : يلازمه الاعتدال والنظم والمحفوظيّة من النقص والعيب والعاهة والآفة ، وهذا معنى السلامة والصحّة في نفس الشيء وفي أجزائه ، لفقدان الخلاف فيما بين الأجزاء والأعضاء ، وحصول الوفاق الكامل والنظم والاعتدال فيها ، فالصحّة تكون من مصاديق الأصل بهذا المعنى.
وهذا القيد هو الفارق بين السلامة والصحّة والعافية ، فالنظر في هذه المادّة الى حصول الوفاق ورفع الخلاف في نفس الشيء من حيث هو.
ومن لوازم هذا المعنى : مفاهيم التخلّص من الآفات والنجاة من العاهات والصحّة والعافية من النقص والعيب.
وأمّا مفهوم الخذلان في قولهم- أسلمته أي خذلته : فمأخوذ من السلم ، أي جعلته سلما موافقا ومنقادا ، فهو من آثار الأصل.
وأمّا استلام الحجر : فهو افتعال وهو بمعنى المطاوعة والاختيار ، والمعنى اختيار التسلّم في قبال الحجر الأسود الّذي شرّفه اللّه حول البيت ، والتسلّم يتجلّى بتعظيمه كتعظيم البيت وتقبيله ومسّه بقصد التيمّن.
وامّا الإطلاق في الحجارة : فكأنّها مصاديق طبيعيّة للتسلّم ، وهذا المعنى متحقّق في الدلو للسقاء أيضا ، حيث إنّه مسخّر ومنقاد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة : 208].
فالسلم اسم مصدر ، وهو المفهوم المتحصّل من المصدر والمسالمة.
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال : 61].
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد : 35].
السلم مصدر بمعنى التوافق ورفع الخلاف والخصومة. وتشير الآيتان الكريمتان الى أنّ الأصل الأوّلي في الإسلام هو المسالمة إذا تمايل المخالف ، ولا يجوز الاستسلام وطلب المسالمة من جانب المسلمين ابتداء ، فانّ هذا علامة الوهن والضعف في إرادة المسلمين وإيمانهم ، فانّهم الأعلون إن كانوا مؤمنين.
{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء : 90] .... {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} [النساء : 91].
{وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [النحل : 87]. { فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} [النحل : 28].
السلم أيضا مصدر كتعب ، والإلقاء بمعنى الإظهار والإبلاغ ، والآيتان الأوليان تدلان على نفي التعرّض والسبيل على المخالفين إذا أظهروا الاعتزال وألقوا السلم في الدنيا. والأخيرتان إشارة الى إظهار السلم منهم في الآخرة وبعد انقضاء
زمان العمل ، وهو غير نافع لهم في يوم الحساب.
وأمّا الإسلام والتسليم : فالنظر في الأوّل الى جهة الصدور من الفاعل وقيام الفعل به ، وفي الثاني الى جهة وقوع الفعل وتعلّقه بالمفعول.
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ...} [البقرة : 112] ، . {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...} [آل عمران : 83] ، . {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر : 66].
أي من جعل نفسه وذاته ووجهه في سلم قبال ربّ العالمين ، حتّى لا يبقى جهة خلاف في البين.
{فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً...} [النور : 61] ، . {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا...} [الأحزاب : 56] ، . {إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 233].
أي التسليم وجعل هذا العمل متعلّقا بالغير ، كتسليم التحيّة وتسليم النفس وتسليم ما آتيتم ، والمراد جعل هذه الموضوعات مسلّمة وفي سلم في هذه الموارد ، في كلّ مورد بحسبه.
والتعبير في هذه الموارد بهذه المادّة دون ما يماثلها من التأدية والإيتاء والإعطاء والدفع وغيرها : إشارة الى تحقّق مفهوم السلم وأن لا يبقى أدنى خلاف وبغض ، ويكون هذا من خلوص النيّة.
ثمّ إنّ متعلّق التسليم والإسلام إمّا أمر مادّيّ أو روحانيّ : فالأوّل كما في : {إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 233].
ما تريدون إيتاءه في مقابل الرضاعة ، وكما في : { وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ } [الأنفال : 43].
أي جعلكم سلما متوافقين في مقابل العدوّ.
والأمر الروحانيّ كما في : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب : 56].
أي اجعلوا أنفسكم وقلوبكم سلما وموافقا قبال رسول اللّه (صلى الله عليه واله). ونظيرها قوله تعالى : . {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء : 65].
أي حتّى لا يبقى خلاف باطنيّ واستنكار قلبيّ بل يوافقون من جميع الجهات و يسلّمون أنفسهم وقلوبهم فيما قضى (صلى الله عليه واله).
والإسلام أيضا من جهة متعلّقه كذلك ، فالمادّيّ كما في : . { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [الفتح : 16].
يراد إظهار التسلّم وكونهم سلما في المرتبة الاولى من الإسلام. وكما في قوله تعالى : . { أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل : 31].
يراد الاطاعة والاتّباع في الظاهر.
و الروحانيّ كما في : . {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر : 66].
فظهر أنّ الإسلام عبارة عن جعل شيء سلما أي موافقا متلائما لا يبقى خلاف ولا ترى جهة مغايرة ومنافرة.
وللإسلام مراتب :
الأوّل- اسلام في أعمال الظاهريّة وفي الأركان البدنيّة والجوارح والأعضاء الجسمانيّة ، كما في : . {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات : 14].
والمرتبة الثانية- جعل النفس سلما وموافقا في الظاهر والباطن ، بحيث لا يبقى خلاف في أعماله وفي نيّاته وقلبه ، كما في : . {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [النمل : 81].
والمرتبة الثالثة- رفع الخلاف كلّا ، سواء كان في عمل أو في نيّة أو في إنّيّة ذات ، ففي هذه المرتبة لا يبقى إنيّة ولا تشخّص نفسيّ ، ولا رؤية نفس ، ويكون وجوده مستغرقا في بحر الوجود الحقّ ، وفانيا في عظمة نوره تعالى ، وفي هذا المقام يقلع أثر الخلاف من أصله ، وهو الإنّيّة ، ويتجلّى حقيقة مفهوم التسلّم والموافقة الحقّة المطلقة-. {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } [آل عمران : 19].
فانّ الإسلام المطلق الكامل هو يكون متحقّقا في هذا المقام.
وأمّا السلام : فهو مصدر كالكلام ، ومعناه السلم والسلم ، بزيادة في مفهومه لزيادة في لفظه ومبناه ، وهو التوافق الكامل ورفع أيّ خلاف في الظاهر والباطن.
و قلنا إنّ السلم في ذات الشيء من حيث هو : عبارة عن تحقّق الاعتدال والنظم الكامل فيما بين الأجزاء وتنزّهه عن النقص والعيب ، فانّ التوافق الحقّ فيما بين الأجزاء وارتفاع الخلاف إنّما يتحصّل ويتحقّق في هذه الصورة فقط ، والصحّة مرجعها الى هذا المعنى.
. {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد : 24].
. {يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل : 32].
. {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل : 59].
. {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا} [الزمر : 73].
فتدلّ الآيات على ما ذكرنا من مفهوم السلام ، فانّ السلام قد ذكر فيها مربوطا ومنوطا بالعمل والاصطفاء والتطيّب والصبر ، ويذكر بانّ نتيجة السلام هي دخول الجنّة ، وليس هذا إلّا أن يتحقّق الاعتدال ويتنزّه عن النقص والعيب ، ويتحصّل حقّ الخلوص والصفا والطهارة والنظم الكامل.
ويدلّ على هذا المعنى أيضا : التعبير بقوله تعالى-. {سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة : 16] ، . { دَارُ السَّلَامِ} [الأنعام : 127] * ، في قوله :
{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة : 16].
{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس : 25].
{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} [الأنعام : 127].
يراد دار فيها اعتدال وصفاء وطهارة ونظم كامل ، خالية عن النقص والعيب.
وأمّا السلام وهو من أسماء اللّه عزّ وجلّ : وهو المصداق الأتمّ الأكمل الحقّ من هذا المفهوم ، ليس في وجوده أقلّ نقطة من الضعف والحاجة والفقر والنقص والمحدوديّة ، وليس في ذاته عزّ وجلّ أثر من خلاف ، وهو الحقّ المطلق ، والمنزّه عن كلّ ما يتصوّر من الضعف ، سبحانه وتعالى عمّا يقولون.
{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} [الحشر : 23].
وأمّا كونه تعالى في غاية التوافق وكمال السِلميّة : فانّ ذاته تعالى المصداق الأتمّ من حقيقة الوفاق والسلميّة والصلح والرفق والسداد ، وفي اثر هذه الصفة تتجلّى منه تعالى صفات الرحمة والعطوفة والكرم ، وهو الحنّان المنّان الودود الرحمن الرحيم ، سبقت رحمته غضبه ، ليس في ذاته تعالى مثقال ذرّة من بغض وخلاف وغضب وعدوان و محدوديّة في أمر أو في حقّ مخلوق. فانّ هذه الصفات انّما تنشأ من الضعف والحاجة والفقر والمحدوديّة. وهو الغنيّ العزيز.
وأمّا السليم : فهو فعيل ويدلّ على ثبوت صفة السلميّة في ذات الشيء ويتنزّه عن النقص والعيب في حدّ ذاته.
{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء : 88 ، 89].
{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات : 83 ، 84].
يراد قلب طاهر من العيوب والنقائص ، وحقيقته السلميّة وتحصّل مفهوم الوفاق والصلح والرفق في القلب ، وهذه الحقيقة إنّما تتحقّق بالتنزّه عن العيوب.
ويظهر من هذا التعبير أنّ النافع المفيد للإنسان في يوم الجزاء وفي مقام السير الى الكمال والسعادة : هو السلميّة المتحصّلة في القلب لا غير.
ولا يصحّ حمل الكلمة على الصحّة والعافية الظاهريّة ، فانّ صحّة القلب المادّيّ لا تأثير لها في مقام الجزاء والثواب والعقاب ، مضافا الى أنّ هذه الصحّة المادّيّة تتبدّل في الآخرة بسنخ آخر يلائم تلك الدار.
وكذلك في الآية الكريمة : {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم : 43].
فليس المراد هو الصحّة والعافية ، فانّ السجود بمعنى كمال الخضوع ومنتهى التذلّل ، وهو أمر باطنيّ قلبيّ وقد يظهر بصورة السجود الظاهريّ ، فلا ارتباط بين الصحّة وحقيقة السجود.
فالمراد انّ وجودهم الجسمانيّ والروحي كانا في وفاق واعتدال وسلميّة فطريّة ، ومع هذا الاقتضاء الفطريّ والدعوة الإلهيّة : إنّهم كانوا في خلاف وتمرّد وعصيان عملا.
ثمّ إنّ السلميّة والوفاق إمّا طبيعيّ فطريّ وإمّا إراديّ اختياريّ : فالطبيعيّ : ما يكون باقتضاء الفطرة والتكوين الإلهيّ ، كما في قوله تعالى :
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران : 83].
فانّ كلّ موجود من الجماد أو النبات أو الحيوان أو الملائكة أو الإنسان وقد خلقوا خاضعين متذلّلين منقادين تحت حكم اللّه وسلطة أمره بفطرتهم وطبيعتهم الّتي فطرهم عليها ، وهم سالكون على مقتضى تكوينهم موافقون في ما قدّر لهم مسالمون في إجراء وظائفهم المقدّرة لا يخالفون ما أمر اللّه لهم في حركة ولا في سكون ولا عمل ، ولا يعصون.
وأمّا الإراديّ : فهو ما يتحقّق في المرتبة الثانية وفي مقابل تكاليف تشريعيّة ووظائف إلهيّة ثانويّة ، كما في : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [البقرة : 112].
يراد تحقّق السلميّة الإراديّة والوفاق الباطنيّ في صورة العمل بالطاعات ووظائف العبوديّة.
{وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ} [البقرة : 71].
أي مربّاة على السلميّة والتسلّم.
وأمّا السلّم بمعنى المرقاة : هو وسيلة يتوسل بها الى الوصول بحاجة ومقصود ، وهو سلم في قبال من يتوسّل اليه ، وهذه الصيغة كالقمّل والذمّل والقبّر ، وليست بمعنى المرقاة ، بل هي من مصاديقه.
{فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ} [الأنعام : 35].
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور : 38].
أي تبتغون وسيلة تتوسّلون اليها في محيط السماء وتستفيدون منها في ذلك المحيط ، وأم لهم وسيلة موجودة ليقدروا فيها على الاستماع.
ولا يخفى أنّ هذه الكلمة مضافا الى تناسب هذا الاشتقاق : معرّبة ومأخوذة عن اللغة العبريّة بتغيير مختصر كما ترى :
قع- (سولّام) سلّم ، مرقاة ، سلّم موسيقيّ ، تدرّج.
فظهر أنّ تفسير المادّة في الآيات المذكورة بالصحّة والعافية والانقياد والصلح والخلاص والنجاة والتمكين وغيرها : في غير محلّه.
وباعتبار هذا الأصل أيضا يطلق السليم على اللديغ الجريح : فانّه بابتلائه دفعة بألم شديد وجراحة مؤلمة ، يكون في سلم قهرا وفي حال اضطرار.
_____________________
- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، ٦ مجلدات ، طبع مصر ١٣٩ هـ .
- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .
- قع = قاموس عبريّ - عربيّ ، لحزقيل قوجمان ، 1970 م .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|