أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-3-2022
2160
التاريخ: 13-3-2022
2660
التاريخ: 2024-09-09
190
التاريخ: 22-11-2015
3246
|
1 . نزل خبر بعثة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) كالصاعقة على زعماء قريش !
انتشر في مكة خبر أن محمداً أعلن نبوته ، فكان كالصاعقة على زعماء قريش لأن برأيهم حركة من بني هاشم لفرض رئاستهم على قريش والعرب ، وانقلابٌ على صيغة التوافق في تقسيم مناصب الشرف ، وهي : رئاسة قريش ، ورايتها ، وسقاية الحجاج ورفادتهم ! وتركزت أنظارهم على أبي طالب شيخ بني هاشم ، لمعرفة موقفه ، وهو صاحب شخصية قوية ، وكان يومها في نحو الخامسة والسبعين ، لأنه توفي قبيل الهجرة وعمره سبع وثمانون . الطبقات : 1 / 124 .
وزاد من تخوفهم أنهم سمعوا من اليهود ومن عبد المطلب أن نبياً سيبعث من ذريته ، وكان يتوقع أن يكون حفيده محمداً ، وأوصى به إلى أبي طالب وشدد عليه الوصية بحفظه وإكرامه ، فرباه أبو طالب وآثره على أولاده . وقد اشتهر حب أبي طالب له ، وتغنى في شعره بفضله وآياته ، وشهادة بحيرا الراهب بأنه نبي .
ويبدو أن علياً ( عليه السلام ) أخبر أباه بأن الملاك نزل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) فذهب أبو طالب إلى بيت النبي وسأله : « يا ابن أخي ، آللهُ أرسلك ؟ قال : نعم . قال : فأرني آية . قال : أدع لي تلك الشجرة ، فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت . فقال أبو طالب : أشهد أنك صادق ، يا علي صِلْ جناح ابن عمك » . أمالي الصدوق / 711 .
وحرص زعماء قريش على معرفة حقيقة موقف أبي طالب ، وتخوفوا لما بلغهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمره ربه أن يدعو عشيرته الأقربين فدعا بني هاشم ، وأخبرهم أن الله بعثه إليهم خاصة ثم إلى الناس عامة ، وأمره أن يتخذ منهم من يبايعه على نصرته أخاً ووزيراً ووصياً وخليفة ، فاستجاب له الفتى علي ( عليه السلام ) ، فأعلنه أخاه ووزيره وخليفته ، وأمر بني هاشم بطاعته ! وكان ذلك نبأ عظيماً على زعماء قريش كما وصفه الله تعالى في سورة النبأ ، حيث اعتبروا أن بني هاشم أعلنوا مشروعهم في النبوة ، وقرروا حماية محمد ، وقد اتخذ وزيراً ووصياً له منهم .
لقد قرر زعماء قريش بالإجماع قتل محمد لأن عمله خيانة عظمى ، فيجب على عمه أن يسلمه إليهم ليقتلوه !
ولم يتضمن قرارهم أن يسألوه عن دليله أو معجزته ! فلا يهمهم أن يكون عنده ذلك أو لا يكون ! لأن مجرد ادعائه النبوة مؤامرة على بقية القبائل !
وكان قرارهم غريباً فيه جلافة البداوة وخباثة اليهود ! لكن الشيطان زينه لهم فذهبوا إلى أبي طالب وطلبوا منه تسليم ابن أخيه لهم ليقتلوه !
فغضب أبو طالب وأعلن حمايته له وحذرهم إن مَسُّوا منه شعرةً ! فسكتوا لأنهم يعرفون شجاعة بني هاشم ، وأنهم لايُسَلِّمونهم محمداً إلا بحرب !
لكنهم لم يتراجعوا فقاموا بشن حملات افتراء وسخرية من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقرآنه ووصيه الذي اختاره ، فكانوا يقولون : « هذا صفي محمد من بين أهله ، ويتغامزون بعلي ( عليه السلام ) » . « المناقب : 3 / 8 » . وأخذوا يعملون لاغتياله ( صلى الله عليه وآله ) ويرصدون من يستجيب لدعوته ! وفي المقابل قام أبو طالب « رحمه الله » بتوحيد بني هاشم لحمايته ( صلى الله عليه وآله ) ، وجعل حول النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثلاث حلقات أمنية كما يدل حديث إسلام أبي ذر « رحمه الله » ، فعندما طلب اللقاء بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) حقق معه أبو طالب ( عليه السلام ) وواعده اليوم الثاني ، وفي اليوم الثاني أخذه إلى حمزة ، فحقق معه وسلمه إلى جعفر « عليهما السلام » ، فحقق معه جعفر وسلمه إلى علي ( عليه السلام ) ، فحقق معه ، ثم أدخله على النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
2 . استمرت العاصفة ثلاث سنين حتى أهلك الله المستهزئين
استمرت هذه المرحلة الصعبة الخطرة ثلاث سنين ، حتى أزاح الله من طريق رسوله ( صلى الله عليه وآله ) عتاة المستهزئين في يوم واحد ، وأمره أن يصدع بالدعوة .
فقد قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) كمال الدين / 328 : « ما أجاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحدٌ قبل علي بن أبي طالب وخديجة « عليها السلام » ، ولقد مكث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكة ثلاث سنين مختفياً خائفاً يترقب ، ويخاف قومه والناس » .
وفي تفسير القمي : 1 / 377 : « فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ « الحجر : 94 - 95 » فإنها نزلت بمكة بعد أن نُبِّئ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بثلاث سنين . . . أنزل الله عليه : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ . . . دخل أبو طالب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يصلي وعليٌّ ( عليه السلام ) بجنبه وكان مع أبي طالب جعفر ، فقال له أبو طالب : صِلْ جناح ابن عمك ، فوقف جعفر على يسار رسول الله فبدر رسول الله من بينهما ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصلي وعلي وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة يأتمون به . فلما أتى لذلك ثلاث سنين أنزل الله عليه : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ . والمستهزؤون برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خمسة : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث ، والحرث بن طلاطلة الخزاعي » .
وفي تفسير العياشي : 2 / 253 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إكتتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكة سنين ليس يظهر ، وعلي معه وخديجة . ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر فظهر رسول الله فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب » .
وفي سيرة ابن إسحاق : 2 / 126 : « ثم إن الله تعالى أمر رسوله ( صلى الله عليه وآله ) أن يصدع بما جاء به ، وأن ينادي الناس بأمره ، وأن يدعو إلى الله تعالى ، وكان ربما أخفى الشئ واستسر به ، إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه » .
وفي سيرة ابن هشام : 1 / 169 : « وكان بين ما أخفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه ، ثم قال الله تعالى له : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ » .
وفي الإستيعاب لابن عبد البر : 1 / 34 : « ثم نبأه الله تعالى وهو ابن أربعين سنة ، وكان أول يوم أوحى الله تعالى إليه فيه يوم الاثنين ، فأسر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمره ثلاث سنين أو نحوها ، ثم أمره الله تعالى بإظهار دينه والدعاء إليه ، فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه » .
وروى الصدوق وغيره أن هذه المرحلة كانت خمس سنين ، ففي كمال الدين / 344 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « اكتتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكة مختفياً خائفاً خمس سنين ليس يظهر أمره ، وعلي ( عليه السلام ) معه وخديجة ، ثم أمره الله عز وجل أن يصدع بما أمر به ، فظهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأظهر أمره » . والمناقب : 1 / 150 ونحوه غيبة الطوسي / 332 .
وقد يكون المعنى أن اختفاءه ( صلى الله عليه وآله ) انتهى بعد ثلاث وصدع بدعوته علناً ، ثم استمر الخوف عليه من الإغتيال خمس سنين .
فالمجمع عليه أنه ( صلى الله عليه وآله ) في السنين الثلاث الأولى لم يدع غير بني هاشم . ولم أجد نصاً يذكر أنه جلس في المسجد في هذه المدة ، فقد هدده عتاة المستهزئين بأنه إن دعا الناس فسيقتلونه ، وأخيراً أنذروه إلى يوم معين ليعلن تراجعه عن نبوته ( صلى الله عليه وآله ) وإلا قتلوه ، فكفاه الله شرهم وقتلهم ، وأنزل عليه : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ !
وبسبب ما تقدم قالت بعض الأحاديث السنية والشيعية إن سنوات البعثة في مكة عشر سنوات ، فاستثنت الثلاث الأولى ، لأنها خاصة ببني هاشم .
ففي الكافي : 5 / 7 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن الله عز وجل بعث رسوله ( صلى الله عليه وآله ) بالإسلام إلى الناس عشر سنين ، فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال . فالخير في السيف وتحت السيف . والأمر يعود كما بدأ » . يقصد ظهور المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) .
3 . الإنجازات الرسولية في هذه المرحلة
1 . توالى نزول القرآن ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يتلوه على المسلمين ، ويوصله إلى المشركين فيستهزئون به ، وكانت بعض الآيات تنزل جواباً لهم .
2 . آمن له علي وخديجة « عليهما السلام » وعمه أبو طالب وابنه جعفر وعمه حمزة ومولاه زيد رضي الله عنهم ، وأمره الله أن يدعو عشيرته الأقربين ويتخذ منهم وصياً ، ففعل .
3 . أخبر عن نبوته فشاع خبرها ، واستنفرت قريش ضده ، وبدأت حملتها .
4 . نهض أبو طالب ( عليه السلام ) لنصرته ، وحشد معه كل بني هاشم ، وشذ منهم أبو لهب ، واستخفى النبي ( صلى الله عليه وآله ) من فراعنة قريش وشياطينهم .
5 . آمن له أفراد من قبائل قريش وغفار والحلفاء والعبيد ، سراً على تخوف .
6 . كان للنبي ( صلى الله عليه وآله ) لقاءات بزعماء قريش لإقامة الحجة عليهم ، لكنها قليلة .
4 . معنى السرية في المرحلة الأولى للدعوة
السرية التي يضخمونها في هذه المرحلة ، إنما كانت في أسماء المسلمين الجدد الذين لا يستطيعون إعلان إسلامهم خوفاً من قريش ، أو الذين أمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بإخفاء إسلامهم لمصلحة الدعوة ، كأبي طالب وحمزة .
أما النبوة فلم تبق سرية لأنه خبرها انتشر من أول يوم ، ومكة صغيرة : 40 ألفاً . كما أن نزول القرآن كان متواصلاً والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يتلوه ويوصل آياته إلى قريش وغيرها . وقد نزلت في هذه السنوات سور عديدة .
قال ابن النديم في الفهرست / 28 ، والزركشي في البرهان : 1 / 193 : « أول ما نزل من القرآن بمكة : إِقْرَأ باسْمِ رَبِّكَ ، ثم نون ، ثم والقلم ، ثم يا أيها المزمل ، ثم المدثر ، ثم تبت يدا أبي لهب ، ثم إذا الشمس كورت ، ثم سبح اسم ربك الأعلى ، ثم والليل إذا يغشى ، ثم والفجر ، ثم والضحى ، ثم ألم نشرح ، ثم والعشر ، ثم والعاديات ، ثم إنا أعطيناك الكوثر ، ثم ألهاكم التكاثر ، ثم أرأيت الذي ، ثم قل يا أيها الكافرون ، ثم سورة الفيل ، ثم الفلق ، ثم الناس ، ثم قل هو الله أحد ، ثم والنجم إذا هوى ، ثم عبس » .
وردَّت بعض السور مقولات المشركين ، ووصفت عاصفتهم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما بلغهم خبر نبوته ! ففي سورة القلم نقرأ قوله تعالى : فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ . وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ . وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . . .
وفي سورة المزمل نقرأ : وَاصْبِرْ عَلَى مَايَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً . وَذَرْنِي وَالمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً . . .
وفي سورة المدثر : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا . وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا . وَبَنِينَ شُهُودًا . وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا . ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً . سَأُرْهِقْهُ صَعُودًا . .
وفي سورة التكوير جواب الذين قالوا إنه ( صلى الله عليه وآله ) مجنون : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . ذِي قُوَةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ . مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ . وَمَاصَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ . وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ المُبِينِ . وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِضَنِينٍ . وَمَاهُو بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ .
وفي المرسلات جواب من سخروا من الصلاة : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ . وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ . فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ .
وفي سورة قاف جواب تكذيبهم للنبوة : بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا شَئٌ عَجِيبٌ . فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ .
5 . آية المستهزئين تكشف تخبط رواة السلطة وكذبهم !
اتفق المفسرون والمحدثون على أن آيات : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئينَ . نزلت بعد ثلاث سنين من البعثة ، فبدأ النبي ( صلى الله عليه وآله ) مرحلة جديدة هي مرحلة الإعلان والصدع بالدعوة لكل الناس ، بعد أن أزال الله من طريقه العقبة الأساسية وأهلك المستهزئين الخمسة في يوم واحد !
فكل نص مبني على وجود أحد منهم بعد ذلك التاريخ خطأ أو مكذوب ! وبه يظهر عوار عدد من نصوص رواة السلطة :
فمنها : روايتهم التي تتنافى مع الخطر الشديد والحيطة التي كان فيها النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تلك الفترة ، مثل إيمان أبي بكر وغيره ، لأنه لو صح ذلك لرووا ردة فعل قريش كردة فعلها على إسلام أبي ذر ، وخالد بن سعيد ، وعمار بن ياسر ووالديه ، وخباب بن الأرت ، وغيرهم ممن أسلم في تلك الفترة !
ومنها : زعمهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) صدع بدعوته العامة من السنة الأولى ، وأنه عندما أمره الله في سورة الشعراء : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ . . صعد على الصفا ونادى كل قريش يا آل فلان ويا آل فلان . . الخ . والصحيح أنه دعا بني هاشم فقط ، وأن دعوته العامة بدأت بعد ثلاث سنين ، بعد هلاك المستهزئين .
ومنها : تضخيم دار الأرقم ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يلتقي فيها بالمسلمين قبل السنة الثالثة ، وقد جعلوا أحداثاً وقعت بعد السنة الثالثة في دار الأرقم ، ومنها سورة عبس التي ربطوها بابن أم مكتوم مع أنها نزلت قبل إسلامه !
ومنها أن عمر جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في دار الأرقم وأعز الله به الإسلام بعد ذلته ، وتكاملوا أربعين رجلاً فخرجوا يتحدون قريشاً ، فخافت قريش وسكتت !
ومنها : خطأ ما رواه بخاري : 4 / 242 من حماية العاص بن وائل لعمرعندما أسلم لأن العاص أحد المستهزئين الستة الذين هلكوا في السنة الثالثة ، وعمر أسلم في السنة السادسة بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة ، كما نص عليه ابن هشام : 1 / 229 وغيره ، قال : « كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الحبشة » . وكان هلاك المستهزئين ومنهم العاص بن وائل ، قبل ذلك بسنوات !
ومنها : أن من المتفق عليه أن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، كان أحد المستهزئين وهلك في السنة الثالثة ، لكنهم رووا أنه بكى على أولاده الذين قتلوا في بدر ! قال ابن هشام : 2 / 474 : « وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة بن الأسود ، وعقيل بن الأسود ، والحارث بن زمعة وكان يحب أن يبكى على بنيه . . . الخ . » . والطبري : 2 / 161 ، ابن كثير : 2 / 480 . راجع : الصحيح : 3 / 171 .
ومنها : تخليطهم أو كذبهم في سبب نزول السور والآيات ، فتراهم يذكرون اسم أحد المستهزئين الخمسة في سورة نزلت بعد سورة الحجرمع أنه هلك عند نزولها ! بل ذكروا بعضهم في معركة بدر وبعدها !
لذلك وجب أن نرد روايات أسباب النزول إلا قليلاً منها كآية : واصْدَعْ بمَا تُؤمر المتقدمة . . فقد أجمعوا على أنها نزلت في السنة الثالثة ، وأن سورة صاد نزلت بعد أن صدع ( صلى الله عليه وآله ) بدعوته ، وجاء زعماء قريش إلى أبي طالب « رحمه الله » فدعاهم إلى الإسلام !
ففي الكافي : 2 / 649 بسند صحيح عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش ، فدخلوا على أبي طالب فقالوا : إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا ، فادعه ومره فليكف عن آلهتنا ونكف عن إلهه ، قال فبعث أبو طالب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدعاه ، فلما دخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم ير في البيت إلا مشركاً فقال : السلام على من اتبع الهدى ، ثم جلس ، فخبَّره أبو طالب بما جاؤوا له ، فقال : أوَهَل لهم في كلمة خير لهم من هذا ، يسودون بها العرب ويطؤون أعناقهم ؟ فقال أبو جهل : نعم ، وما هذه الكلمة ؟ فقال : تقولون لا إله إلا الله . قال : فوضعوا أصابعهم في آذانهم وخرجوا هُرَّاباً ، وهم يقولون : ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ! فأنزل الله تعالى في قولهم : صاد . وَالقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ . بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ . . » .
فالذي جاء إلى أبي طالب هو أبو جهل الذي ورث زعامة بني مخزوم بعد هلاك الوليد بن المغيرة ، وبعد مجيئه نزلت سورة صاد جواباً على كلامه ، فلا تصح الروايات التي تذكر أن الوليد كان حياً عند نزولها .
ومنها : خلطهم في الروايات التي تذكر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يذهب إلى أفنية قريش ويدعوهم إلى الإسلام قبل هلاك المستهزئين ، كالذي رواه الحاكم : 3 / 577 وأبو يعلى : 12 / 176 ومجمع الزوائد : 6 / 14 وصححه : « جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك يأتينا في أفنيتنا وفي نادينا فيسمعنا ما يؤذينا به ، فإن رأيت أن تكفه عنا فافعل . . . فقال له أبو طالب : يا ابن أخي والله ما علمت إن كنت لي لمطاعاً وقد جاء قومك يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم تسمعهم ما يؤذيهم ، فإن رأيت أن تكف عنهم ؟ فحلق ببصره إلى السماء فقال : والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار . فقال أبو طالب : والله ما كذب ابن أخي قط ، إرجعوا راشدين » .
فالحديث مسوق لتعذير قريش في شكايتها من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والوقت المزعوم لهذا الحديث قبل انتهاء الثلاث سنوات ، وهذا لا يصح ، لأنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يذهب إلى نواديهم قبل ذلك أبداً ، بل نشك في ذهابه إليهم بعدها ، لأنه كان يدعو إلى ربه في المسجد وحوله ، وكان يقصد القبائل في موسم الحج ، ويطلب منهم النصرة .
وأخيراً ، فإن سبب جعلهم بعض هؤلاء الخمسة أحياء بعد هلاكهم أن أولادهم وأقاربهم صاروا حكاماً وشركاء في دولة « الخلافة » كعمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد ، وزمعة بن الأسود من أسد عبد العزى ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري ، وأقارب الحارث بن طلاطلة الخزاعي ، فأراد الرواة إظهار مكانة آبائهم حتى في كفرهم ، فكذبوا ، ولا حافظة لكذوب !
6 . تخبط الكتَّاب المعاصرين في مراحل الدعوة تبعاً لرواة السلطة
اشتهر عند الكتَّاب المعاصرين تقسيم مراحل دعوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة إلى المرحلة السرية ، ثم مرحلة دار أبي الأرقم ، ثم مراحل الاضطهاد والهجرة إلى الحبشة والمدينة . فقلدوا الحكومات التي غيبت مراحل هامة من السيرة لتحذف أدوار بني هاشم والعترة النبوية « عليهم السلام » ! غيبوا المرحلة الأولى حيث بعثه الله تعالى إلى بني هاشم خاصة ، مع أنهم أنفسهم رووا قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة ، وإلى الناس عامة » . تفسير ابن كثير : 3 / 363 وتفسير مقاتل : 2 / 466 .
وروينا : « مكث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكة بعد ما جاءه الوحي عن الله تبارك وتعالى ثلاثة عشر سنة ، منها ثلاث سنين مختفياً خائفاً لا يظهر حتى أمره الله أن يصدع بما أمر به ، فأظهر حينئذ الدعوة » . غيبة الطوسي / 333 .
كما أهمل كتَّاب السيرة مرحلة ما قبل محاصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبني هاشم في شعب أبي طالب وما بعدها ، وكان الحصار في السنة الخامسة ، واستمر بضع سنوات !
كما أهملوا مرحلتين تقدمتا في حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) من مصادرهم : « صَلَّتْ الملائكة عليَّ وعلى عليٍّ سبع سنين ، وذلك أنه لم يصل معي أحد قبله » .
وقول علي ( عليه السلام ) : « صليت مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل الناس ثلاث سنين ، وسبع سنين » .
وكذا مرحلة ما قبل الإسراء والمعراج في السنة الثانية للبعثة ، وما بعدها .
ومرحلة ما قبل وفاة أبي طالب « رحمه الله » وما بعدها ، حيث فقد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ناصره وحاميه القوي ، اضطر أن يذهب إلى الطائف ليطلب من ثقيف حمايته من قريش ، ثم كان أحياناً يختبئ مع علي ( عليه السلام ) من قريش في الحجون .
ومرحلة ما قبل بيعة الأنصار سراً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في موسم الحج ، وما بعدها . . .
وكذا مرحلة الثلاث سنين التي زعموا أن الله بعث فيها إسرافيل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعلمه ويوجهه ، ولم ينزل عليه قرآناً حتى أنزله مع جبرئيل ( عليه السلام ) .
أهملوا كل ذلك وغيبوه ، وركزوا على مرحلة السرية بمفهوم خاطئ ، ومرحلة دار أبي الأرقم بتضخيم خيالي ! كما كذبوا في انتعاش النبي ( صلى الله عليه وآله ) بإسلام أبي بكر وإنفاقه عليه عند فقره ! وقوة الإسلام بعمر وإعزازه بعد ذلته ! مع أن راوياً واحداً لم يرو أن أبا بكر أوصل صاع طحين إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سنوات الحصار يوم وصل بهم الأمر إلى أن أكلوا ورق الشجر من الجوع ، ومص أطفالهم الرمل من العطش ! ولا رووا أين كان عمر عند تهديد قريش للنبي ( صلى الله عليه وآله ) واستنفارها بعد أبي طالب لقتله ، حتى اضطر لطلب حماية ثقيف ، واضطر لأن يختبئ في الحجون !
إن إهمالهم لهذه المراحل ، خاصة مرحلة دعوة الأقربين ، واختراعهم أدواراً افترضوها لزيد وعمرو . . يضع يدك على غرضهم من التحريف ، ويجعلك تشك فيما يروونه من أدوار مناقبية لمن صاروا حكاماً فيما بعد ، ويجعلك تدقق في النصوص لتكشف الأدوار التي غيبوها لعلي وحمزة وجعفر وغيرهم من بني هاشم ، ومعهم كبار الصحابة السابقون الأولون : أبو ذر ، وعمار ، والمقداد ، وأبو سلمة ، وخالد بن سعيد ، وخباب ، ومصعب ، وسلمان ، رضوان الله عليهم !
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|