أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2016
279
التاريخ: 2024-09-08
236
التاريخ: 2024-09-08
250
التاريخ: 2024-09-08
210
|
الأول: كما في قوله تعالى عقيب الآية ((إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)) (1) ((اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) (2).
الثاني: قوله تعالى ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ قالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ... لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ)) (3).
الثالث: قوله تعالى ((وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، قالَ سُبْحانَكَ)) (4).
الرابع: قوله تعالى ((إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ، لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَ كُلٌّ فِيها خالِدُونَ، لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ هُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)) (5)، الذي هو خطاب الكافرين فنقضوا عموم الآية بشموله للنبي عيسى (ع) حيث ان النصارى يؤلّهونه فنزلت الآية ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ....)) (6).
الخامس: وقوله تعالى وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (7)، فههنا الاطلاق عليهم بصيغة الصفة.
ودفع ذلك: بأنه نظير قوله ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (8)، بيّن الحنف له (ع) وتبرءته من الميل عن حاق الوسط إلى أهل الكتاب أو الوثنيين وهو المراد من الآية السابقة (9).
ممنوع: بأن السياق لآيات السورة في الآية السابقة للرد على اختلاف أهل الكتاب فيما بينهم بسبب ما ابتدعوه من الاعتقادات والاحكام الباطلة، وان ملّة ابراهيم (ع) هي الملة الحنيفية الواحدة التي لا شرك فيها من المبتدعات وأنه سبب اختلافهم، بل ان السياق في الآية الثانية بلحاظ الآيات السابقة عليها في السورة والمتعقبة لها فالخطاب موجّه لخصوص أهل الكتاب فالاستعمال فيها أيضا من اطلاق الوصف عليهم وان كان من اطلاق العام على الخاص.
السادس: قوله تعالى ((شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ، وَ ما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ، فَلِذلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)) (10)
ونقلنا الآيات المتقدمة والمتعقبة لقوله تعالى ((كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ)) (11) ليتضح أن المراد بهم بحكم السياق هو أهل الكتاب أو ما يعمهم، حيث ان التفرق المذكور نظير قوله تعالى ((وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ )) (12) ، كما يشير إلى ذلك أيضا بقية الآيات المتعقبة بصراحة حيث ورد نظيره فيهم في آيات أخرى ويشير إلى ذلك أيضا بدء الآيات بذكر الشرائع السابقة والأمر بعدم التفرق.
وإلى ذلك ذهب الطبري من العامّة في تفسيره حيث قال: يقول تعالى ذكره وما تفرق المشركون بالله في أديانهم فصاروا أحزابا الا من بعد ما جاءهم العلم بأن الذي أمرهم الله به وبعث به نوحا هو اقامة الدين الحق وان لا تتفرقوا فيه.
وهذا هو الاقرب في مفاد الآية وان اختلفت أقوال المفسرين في مرجع الضمير ووحدة السياق كثيرا فلا حظ، وهو ناشيء من تفسيرهم للفظة بخصوص أصحاب الوثن.
وممن يظهر منه تفسيرها بما يعم أهل الكتاب تفسير الجلالين والبيضاوي حيث فسرا الآية بأنه عظم على المشركين ما تدعوهم اليه من التوحيد وما تفرقوا- أي الأمم السالفة والكافرون- إلا من بعد ما جاءهم العلم بالتوحيد، وهو قريب كما تقدم حيث ان من أهم ما دعا اليه (ص) أهل الكتاب الانتهاء عن القول ببنوّة عيسى وعزيز (ع) والتثليث إذ التوحيد أصل في الشرائع السابقة كما تشير اليه الآيات.
ثانيا: اطلاق الشرك عليهم في الروايات:
وقد ورد الاطلاق عليهم في الروايات أيضا بما يعزز ويشهد لاستعمال المشركين في التعبير القرآني بما يشمل أهل الكتاب في ما أخذ ذلك العنوان موضوعا لحكم في بعض الموارد منها:
الاولى: موثق الحسن بن الجهم، قال: قال لي أبو الحسن الرضا (ع): (يا أبا محمد ما تقول في رجل تزوج نصرانية على مسلمة؟ قال: قلت: جعلت فداك وما قولي بين يديك؟ قال:
لتقولنّ فان ذلك يعلم به قولي، قلت: لا يجوز تزويج النصرانية على المسلمة ولا غير مسلمة، قال:
ولم ... قلت: لقول الله عز وجل ((وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ قال: فما تقول في هذه الآية وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)) قلت: فقوله ((ولا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ نسخت هذه الآية فتبسم ثم سكت)) (13).
فإنّه يظهر جليا معهودية استعمال اللفظة في المعنى العام الشامل، كما يظهر من الرواية أنّ فهم العامّة الخاطىء لآية المائدة في حل طعامهم ونكاحهم بعد إشعار الأجر فيها بالعقد المنقطع، هو الذي أوجب مصيرهم إلى حلية ذبائحهم ونكاحهم الدائم.
الثانية: صحيح الحلبي (14) - المعدودة من طائفة التقية- التشريك في نفي البأس عن ذبيحتهم ونسائهم، والنسخ في الرواية ليس بمعناه الاصطلاحي، بل بالاصطلاح القرآني والروائي العام الشامل للتخصيص، وإلا فآية الحل من المائدة التي هي من آخر السور نزولا فلا تكون منسوخة بالمعنى الاصطلاحي.
وكرواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) أنّه منسوخ بقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ و بقوله و لا تمسكوا بعصم الكوافر (15).
الثالثة: ما رواه النعماني باسناده عن علي (ع) قال: (وأمّا الآيات التي نصفها منسوخ ونصفها متروك بحاله لم ينسخ وما جاء من الرخصة في العزيمة فقوله تعالى ((وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ...)) وذلك أن المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم حتى نزلت هذه الآية نهيا أن ينكح المسلم المشرك أو ينكحونه ... الحديث) (16).
الرابعة: صحيحة منصور بن حازم قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل مجوسي أو مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته امرأة فأسلم أو أسلمت ... الحديث) (17).
الخامسة: كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: (كل ذبيحة المشرك إذا ذكر اسم الله عليها وأنت تسمع، ولا تأكل ذبيحة نصارى العرب) (18)، فانّه ظاهر أنّ المراد من المشرك في الرواية هو خصوص أهل الكتاب واستثناء نصارى العرب لعدم كونهم في الأصل كذلك بل تنصروا فلا يقرّوا على ذلك.
وكرواية الزهري عن علي بن الحسين (ع) قال: (لا يحلّ للاسير ان يتزوج في أيدي المشركين مخافة أن يلد له فيبقى ولده كفارا في أيديهم ... الحديث) (19) المراد منه خصوص أهل الكتاب أيضا، وإلا فالوثنيون لا يجوز نكاحهم من رأس.
السادسة: مصحح إسماعيل بن الفضل قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن سبي الأكراد إذا حاربوا ومن حارب من المشركين هل يحل نكاحهم وشراؤهم؟ قال: نعم) (20) والتقريب كما سبق.
السابعة: صحيحة رفاعة النحاس قال: (قلت لأبي الحسن موسى (ع): ان القوم يغيرون على الصقالبة والنوبة فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ثمّ يبعثون إلى بغداد إلى التجار، فما ترى في شراؤهم ونحن نعلم أنهم مسروقون انما أغار عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال: لا بأس بشرائهم انما أخرجوهم من دار الشرك إلى دار الاسلام) (21)، وهذا قدر يسير يجد المتتبع موارد أخرى كثيرة.
ويتحصل من خصوص هذه القرينة وبعض ما تقدم أنّ إطلاق المشركين بهيئة الصفة على أهل الكتاب متعارف في الاستعمال القرآني والروائي، وأنّه مع عنوان أهل الكتاب نظير عنواني المسكين والفقير، إذا افترقا اتفقا في المعنى وإذا اجتمعا اختلفا في المعنى، خلافا لما يقال أنه خاص في الوثنيين.
كما يتضح بقوة من مجموع القرائن أن الموضوع في الآية عام لمطلق الكافر.
وأما الاشكال الثاني فاندفاعه ظاهر فان في العنوان ظاهر في الشرك الذي هو موضوع الاحكام المختلفة.
الآية الثانية الدالة على المختار:
الآية الثانية: فيما استدل به على نجاسة الكافر مطلقا.
قوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (22)، فإن الآية في سياق الخطاب مع الكافرين سواء غير المؤمنين به سبحانه أو بآياته، وأن الهداية في الايمان فينشرح الصدر وأن الضلال في الكفر فيضيق الصدر.
والرجس في الأصل لغة النتن والقذر، وقد يطلق على العذاب أو الشيطان ونحوه للمناسبة، وقد فسّر في الآية تارة بالشك كما هو مروي أيضا، وأخرى بالشيطان، وثالثة بالعذاب، ورابعة بما لا خير فيه، وخامسه بضيق الصدر أو الضلال وغير ذلك.
لكن الأوّل لا ينافي الدلالة على القذارة لانه من اطلاق المسبب على السبب، إذ الشك موجب للكفر الموجب للنجاسة، وأمّا الثاني فلا شاهد له في السياق إذ لم يتقدم له ذكر ولا حديث عنه، وأمّا الثالث فلا شاهد له أيضا إذ ليست الآية في مقام الوعيد وجزاء الآخرة، بل بيان آثار الكفر في الظرف الحال الدنيوي، كما أن الاستعلاء له على الذين لا يؤمنون يفيد الاحاطة وهو انما يناسب المعنى الاصلي للفظة وهو القذارة لمجموع الروح والبدن، ومنه يتضح عدم مناسبة تفسيره بخصوص الخامس، ويتضح تطابق مفادها مع الآية السابقة في المبالغة في قذارة الكافرين.
آيات موهمة للطهارة:
اعترض على الاستدلال بالآيتين المتقدمتين بقوله تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ (23)، بتقريب أن اطلاق الطعام شامل للمطبوخ (24) الذي هو ملاق لأبدان أهل الكتاب في العادة فيدل على طهارتها.
ولك أن تقول أن حلية الطعام الجاف ليس محلا للشك كي تبيّن الآية حليته، وانما المشكوك هو ذبيحتهم وطعامهم المطبوخ فالحل نصّ في ذلك، ويعضد ذلك الآيات المتقدمة إذ موردها الذبائح وأقسامها، هذا مع الالتفات إلى كون الآية من سورة المائدة التي هي من أواخر السور، فقرينيتها على صرف اللفظة في الآية الأولى للخباثة المعنوية ظاهرة.
وقد استدل في كلمات العامة أيضا بالآية على جواز استعمال أوانيهم حيث أن جواز المظروف يلازم ذلك، ويؤيدون مجمل المفاد بروايات من طرقهم، وكذلك يستدلون بها على نكاح الكتابيات الدائم.
وفيه: ان في روايات الذباحة والنكاح اشارات عديدة إلى خطائهم في ذلك، بل ان لسان الباب الأول المشتمل على طائفة من الصادر تقية أيضا يشابه لسان روايات طهارتهم الآتية، وبنحو متفق في التعليل واللحن كما يأتي توضيحه، بل أن استدلالهم بالآية هو الموجب لورود روايات الطهارة مداراة معهم.
والوجه في تخطئتهم مضافا إلى تلك الروايات هو أن الطعام كما في لسان العرب عند أهل الحجاز إذا اطلقوا لفظه عنوا به البر خاصة، وقال الخليل: الغالب (العالي) في كلام العرب أن الطعام هو البر خاصة، وكذا باقي كلمات اللغويين في ان أصل الطعام وان كان ما يؤكل الا انه يطلق على البر خاصة أيضا بل يختص به عند أهل الحجاز، كما في القاموس والاساس والتاج والمقاييس والصحاح وكذا عن المغرب.
مضافا إلى أنّ الاحلال المتقابل لا معنى له إن كان محطّ نظر الآية إلى المطعوم، حيث انهم لا يدينون بالقرآن كي تخاطبهم الآية، فمتعلق الحلّية وموردها هو تبديل الاضافة المالكية بين الطرفين وتسويغ التعامل المالي.
لاسيما بعد انفهام المقاطعة والبراءة من الآيات السابقة نزولا كقوله تعالى ((لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) (25)، وكقوله تعالى ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ))(26)، وقوله ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ الْكُفَّارَ أَوْلِياءَ)) (27)، ومثل الآية الأولى الدالة على النجاسة وعلى مباعدتهم عن الحرام.
فآية حل الطعام من الطرفين على نسق قوله تعالى ((لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) (28) في سورة الممتحنة النازلة في المدينة قبل الفتح.
ومن الغريب أن العديد من مفسري العامة (29) ذهبوا إلى أن معنى حلية طعامنا لهم هي حلية اطعامنا إيّاهم أي ان الحلية الثانية المقابلة لا ربط لها بالمطعوم، وانما متعلقها الاعطاء الاباحي أو التمليكي، فهلّا كان ذلك منبها على متعلق الحلية الأولى.
والعجب من بعضهم انه تمادى في اطلاق الحلية في الذبيحة ولو علم انها على غير الشرائط المعتبرة، وكذا نكاحهم مع ان ذيل الآية وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) فيه تحذير من التمادي في المخالطة والمعاشرة بنحو يتأثر بسلوكهم وطريقتهم فيؤول إلى الخروج من الايمان إلى الكفر وحبط العمل.
ولا يخفى ايماء الذيل إلى مذهب الأصحاب في تخصيص نكاحهم بالمتعة دون الدائم الذي هو بناء يقام على الخلّة والموادّة المتينة، وكذا ذبيحتهم حيث يذكرون عليها شركهم فيتحصل ان لحن الخطاب في آية الطعام بالنظر إلى الذيل المزبور متطابق مع الآيتين السابقتين.
ثانيا الاستدلال بالروايات على النجاسة:
الطائفة الأولى:
ثمّ أنّه بالإلتفات إلى الروايات الواردة في ذيل الآية والمتعرضة لذبائح أهل الكتاب يستفاد منها التعريض بنجاستهم، كما أنّها تشير إلى السبب الخاطىء لذهابهم إلى طهارة أهل الكتاب، فلتكن هذه من الروايات الطائفة الأولى من السنة مما يستدل به على النجاسة ويستشف منه وجه اختلاف الطوائف الاخرى في حكم أبدانهم وهي:
الاولى: حسنة حسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام:- في حديث- أيّ شيء قولك في ذبائح اليهود والنصارى؟ فقال: (يا حسين الذبيحة بالاسم، ولا يؤمن عليها إلا أهل التوحيد) (31)، ولا يخفى ظهورها في اشراك أهل الكتاب وانه الموجب لعدم حلّ ذبيحتهم، نظير ما ورد في المرتد كمعتبرة السكوني (المرتد عن الاسلام تعزل عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته) (32)، فهو نحو تعريض بنجاستهم وعدم صحة اطلاق الطعام في الآية للذبيحة والمطبوخ كي تدل على طهارتهم.
وفي رواية أخرى عن حنان عنه (انهم أحدثوا فيها شيئا لا أشتهيه) (33)، أي تسميتهم عليها باسم المسييح.
الثانية: صحيحة قتيبة الأعشي انه سأل رجل أبا عبد الله (ع) وقال له الرجل: قال الله تعالى ((الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ)) فقال له أبو عبد الله (ع):
(كان أبي (ع) يقول: انما هو الحبوب وأشباهها) (34)، فإن تخصيص الطعام بالجافّ فيه اشعار بدرجة الدلالة والتعريض بنجاستهم، وهذا المضمون مروي بالاستفاضة (35)، وفي بعضها عن طعام أهل الذمة ما يحلّ منه؟ قال (ع): (الحبوب) (36)، والتعريض المزبور فيها آكد، بل في بعضها (انّما هي الحبوب وأشباهها) (37) وفسّر الاشباه في آخر بالعدس والحمص (38)، ووجه الدلالة ما تكرر ذكره .
الثالثة: مصحح إسماعيل بن جابر قال: قال لي أبو عبد الله (ع): (لا تأكل ذبائحهم ولا تأكل في آنيتهم- يعني أهل الكتاب) (39)، وهي كالصريحة في وحدة الموضوع لحرمة ذبيحتهم ونجاستهم، فبضميمة ما تقدم في الرواية الأولى من شركهم الموجب لحرمة ذبيحتهم، يتقوى المفاد المزبور.
الرابعة: مصحح معاوية بن وهب، قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن ذبائح أهل الكتاب، فقال: لا بأس إذا ذكروا اسم الله، ولكن أعني منهم: من يكون على أمر موسى وعيسى (ع)) (40)، وهي في الدلالة كالرواية الأولى، حيث انه ليس في اليهود والنصارى الذي أحدثوا الشرك وغيره من هو على أمرهما (ع) إذ مقتضاه الدخول في الإسلام.
ثم انه يعضد مفاد هذه الطائفة ما ورد من حرمة ذبيحة الناصب والحروري والمشبهة والمجسمة (41)، لاسيما التعليل لذلك في الأخيرين بالشرك والكفر، والوجه في ذلك ظهورها في وحدة الموضوع لحرمة الذبيحة والذي هو موضوع النجاسة.
هذا وقد اشتملت تلك الروايات الناهية عن ذبيحتهم على التعليل بالجهة العرضية وهي عدم التسمية تقية إذ قد ورد فيها النهي عن ذبيحتهم سمّوا أم لم يسمّوا (42)، وكما هو مفاد مصححة ابن وهب وصحيحة قتيبة الأعشى المتقدمتين، وهو مما ينبأ بشدة التقية كما يشهد لها كثرة الروايات المجوّزة، ولذلك فرّق فيها بين المجوس وبينهم مع اندراجهم في العنوان لذهاب العامة إلى حرمة ذبائح المجوس فلا مقتضى للتقية فيهم، بخلاف النصارى واليهود، ولعل وجه اشتداد الحال في المسألة هو تشبث العامة على زعمهم بآية حلّ الطعام.
الطائفة الثانية:
ما ورد في النهي عن المؤاكلة معهم (43)، وهي وان كان كثير منها واردا في حكم التعامل والمقاطعة وعدم التوالي معهم، إلا أن البعض متضمن للدلالة على نجاستهم، تارة بدرجة الظهور، وأخرى بدرجة الصراحة، وثالثة كالصريح، وهو كثير بل لا يبعد في النهي عن مؤاكلتهم من طعامهم هو أن يكون تعريضا بالعامة القائلين بحلية وطهارة ذبائحهم، وفي النهي عن المؤاكلة في قصعة واحدة التعريض بهم أيضا لقولهم بطهارة أبدانهم لاطلاق آية الحل للطعام المماس لابدانهم.
كما انه من المحتمل- أو الظاهر-- أن من حكمة الحكم بنجاستهم- أو أحدها- مضافا إلى القذارة الواقعية، هو مصلحة التدبير في المباعدة عنهم وعدم الانغماس فيهم والعشرة الوطيدة معهم، وعلى هذا فلا يصرف ظهور النهي عن الأكل معهم في اناء واحد أومن طعامهم إردافه بالنهي عن مجالستهم ومخالطتهم، لاسيما ان العناوين المنهي عنها هي موارد موجبة للتلوث المادي فاختصاص النهي بها دون مطلق ألوان العشرة والمخالطة شاهد على أنّ الحكم بلحاظ أبدانهم وان كانت الحكمة فيه تحديد العشرة، بل ان بعض تلك العناوين المنهي عنها- كما يأتي- خاص بحكم النجاسة المادية كما في النهي عن الأكل في قصعة واحدة أو غسل اليد من المصافحة ونحو ذلك.
____________________
(1) سورة التوبة، الآية: 28 .
(2) سورة التوبة، الآية 31 .
(3) سورة المائدة، الآية 73 72 .
(4) سورة المائدة، الآية: 116 .
(5) سورة الانبياء، الآية: 101 98.
(6) سورة الانبياء، الآية: 101 .
(7) سورة البقرة، الآية: 135 .
(8) سورة آل عمران، الآية: 67.
(9) الميزان، ج 2، ص 202 .
(10) سورة الشورى، الآية: 15 13 .
(11) سورة الشورى، الآية: 13 .
(12) سورة الشورى، الآية: 19 .
(13) وسائل الشيعة، ج 20، ص 534، باب 1 من ابواب الكفر، ح 3 .
(14) وسائل الشيعة، من ابواب الذبائح، باب 27، ح 34 .
(15) وسائل الشيعة، من ابواب ما يحرم بالكفر، باب 1، ح 7 .
(16) وسائل الشيعة، ج 20، ص 538، باب 2 ما يحرم بالكفر، ح 6 .
(17) المصدر، باب 9، ح 3.
(18) وسائل الشيعة، ابواب الذبائح، باب 27، ح 32 .
(19) وسائل الشيعة، ج 15، ص 118، باب 45 من ابواب الجهاد، ح 2 .
(20) المصدر، باب 50، ح 1 .
(21) المصدر، باب 50، ح 6 .
(22) سورة الانعام، الآية: 125 .
(23) سورة المائدة، الآية: 5 .
(24) التبيان، ج 2، ص 444 .
(25) سورة آل عمران، الآية: 28.
(26) سورة المائدة، الآية: 51 .
(27) سورة المائدة، الآية: 57 .
(28) سورة الممتحنة، الآية: 8 .
(29) كما في انوار التنزيل واسرار التاويل، ج 2، ص 116. وتفسير روح البيان، ج 2، ص 349. وغيرهما.
(30) سورة المائدة، الآية: 5 .
(31) وسائل الشيعة، ج 24، ص 28، باب 26 ابواب الذبائح، ح 2 .
(32) الفقيه، ج 3، ص 149.
(33) وسائل الشيعة، ج 24، ص 49، باب 26 من ابواب الذبائح، ح 3.
(34) المصدر، ح 1 .
(35) وسائل الشيعة، ابواب الاطعمة والاشربة، باب 51 .
(36) وسائل الشيعة، ج 24، ص 203، باب 51 من ابواب الذبائح، ح 1 .
(37) وسائل الشيعة، ج 24، ص 206.
(38) وسائل الشيعة، ج 24، ص 402 .
(39) وسائل الشيعة، ابواب الذبائح باب 27، ح 1.
(40) المصدر، ح 11 .
(41) المصدر، باب 28.
(42) المصدر، باب 27، ح 5.
(43) وسائل الشيعة، ج 24، باب 26 و 27 من ابواب الذبائح.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|