المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

أقتراح صيغة المعقدات
2024-01-17
أنماط الزراعة في العالم- الزراعة العلمية المدارية
25-1-2023
الفرقان في تفسير القرآن
23-02-2015
أهمية الكواشف العضوية reagents Importance of organic
2024-08-17
هدروجيني hydrogenous
16-3-2020
الفانيليا Vanilla fragrans
9-11-2017


شروط المفسِّر ومؤهّلاته  
  
320   09:59 صباحاً   التاريخ: 2024-09-02
المؤلف : مركز نون للترجمة والتأليف
الكتاب أو المصدر : اساسيات علم التفسير
الجزء والصفحة : ص37-46
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التفسير / مفهوم التفسير /

شروط المفسِّر ومؤهّلاته

المؤهّلات الذاتيّة

إنّ العمليّة التفسيريّة عمليّة دقيقة وحسّاسة جدّاً، لكونها محاولة بحثيّة لاستكشاف معاني القرآن الكريم وحقائقه، ومن هذا المنطلق، لا بدّ لهذه العمليّة من ضوابط معرفيّة ومنهجيّة وتطبيقيّة وفنّيّة تضبط هذه العمليّة وترشّدها وتوجّهها وجهتها الصحيحة والسليمة.

وتشكّل قواعد التفسير وقرائنه الضوابط المعرفيّة والمنهجيّة والتطبيقيّة لعمليّة التفسير1، في حين تشكّل شروط المفسِّر ومؤهّلاته وقدراته ومهاراته الشروط الفنّيّة لعمليّة التفسير.

ولا بدّ للمفسّر في عمليّة التفسير من توافره على مجموعة من الشروط والمؤهّلات والقدرات الخاصّة التي تتيح له مباشرة العمليّة التفسيريّة في ما يرتبط بسلامة فهم النصّ القرآنيّ وصحّته، والكشف عن معانيه ومقاصده التي تحيط به، بما ينسجم مع الشروط الأخرى المعتبرة في العمليّة التفسيريّة نفسها. وتتلخّص هذه الشروط والمؤهّلات الفنّيّة بالآتي2:  المؤهّلات الذاتيّة والشخصيّة، والمؤهّلات المعرفيّة والعلميّة. وسوف نتناول المؤهّلات الذاتية في هذا الدرس، على أن نتناول المؤهّلات المعرفيّة والعلميّة في الدرس اللاحق.

المؤهّلات الشخصيّة الذاتيّة

وهي عبارة عن مجموعة من المواصفات النفسيّة الّتي ينبغي أن يتوافر عليها المفسِّر في عمليّة التفسير، وهي:

1- صحّة الاعتقاد:

لا بدّ للمفسّر من أن يمتلك معتقداً سليماً صحيحاً، لجهة مصدر القرآن الغيبيّ ووحيانيّته: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [الشعراء: 192 - 195] ، وإعجازه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 13، 14] ، وصيانته عن التحريف: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42] ، وكونه كتاب هداية للبشريّة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] ، وخاتمة الكتب والرسالات السماويّة: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40]، وكذلك لجهة فهم القرآن وتفسيره بالاستناد إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والاعتقاد بنبوّته ورسالته: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] وإلى أهل البيت عليهم السلام والاعتقاد بولايتهم ودورهم ومرجعيّتهم الفكريّة والدِّينية3. فالّذي لا يملك اعتقاداً سليماً بهذه المسائل، لا يمكن له فهم القرآن فهماً صحيحاً وسليماً.

2- الإخلاص:

لا بدّ للمفسّر من إخلاص النيّة في عمله التفسيريّ والترفّع عن المنافع الدنيويّة، ليلقى التسديد والهداية، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. وقال سبحانه: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، فلا يُدرك حقائق القرآن الكريم إلّا أصحاب القلوب الطاهرة والنفوس الزكية. فلو لم تكن التزكية لما أمكن تعليم كتاب الحكمة. لذا يجب تزكية النفوس وتطهيرها من جميع الأدران، وإزالة الحجب والموانع من أمامها، وأعظمها حجاب النفس الإنسانية والأهواء النفسية. فما دام الإنسان لم يخرج من حجاب نفسه المظلم جداً، وطالما أنّه مبتلى بالأهواء النفسية، وبالعجب، وبالمعاصي وبحبّ الدنيا، وبالتقليد والاتّباع الأعمى، والآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة، وبالأمور التي أوجدها في باطن نفسه، والتي تشكّل في نفسه ظلمات بعضها فوق بعض، فإنّه لا يكون مؤهلاً لانعكاس هذا النور الإلهي في قلبه4.

3- الموضوعيّة:

على المفسّر أن يكون موضوعيّاً في تفسيره للقرآن، بحيث يتجرّد عن الآراء والقناعات المسبقة والميول والرغبات الذاتيّة، فلا يقوم بإسقاطها وتحميلها على القرآن، بل عليه أن يقرأ الآيات بتجرُّد، فيسير إلى حيث تأخذه الآيات، ولا يأخذ الآيات إلى حيث أفكاره ومعتقداته المسبقة ويُلزِم القرآن بها، حتّى لا يقع في محذور التفسير بالرأي المنهيّ عنه في الروايات المستفيضة الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام5.

4- الفهم الشموليّ:

على المفسّر أن يمتلك فهماً شموليّاً جمعيّاً للقرآن الكريم، فلا يتناوله بنحو مجتزأ متناثر، لأنّه يحوي وحدة موضوعيّة بين آياته وسوره، على المفسِّر أن يراعيها، ويربط بينها، وإلّا فإنّه لا يستطيع تفسير القرآن وفهمه فهماً صحيحاً وسليماً6.

قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23] ، بمعنى أنّ بعض آيات القرآن ناظر إلى بعضها الآخر، وأنّ كل قسم منها يوضّح القسم الآخر ويفسِّره، لانعطاف بعض آياته على بعضها الآخر ورجوعه إليه بتبين بعضها ببعضها الآخر وتفسير بعضها لبعضها الآخر من غير اختلاف فيها، بحيث يدفع بعضه بعضه الآخر ويناقضه، كما قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء: 82]. وعن الإمام عليّ عليه السلام: "كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض"7.

5- التأمّل والتدبّر:

فلا بدّ للمفسّر من التأمّل والتفكّر دوماً في القرآن، لأنّ القرآن غضّ طريّ لا تنفد معانيه على المدارسة، ونبع لا تنضب معارفه على من يَرِده متأمّلاً ومتفكّراً.

والتّدَبُّر: هو تأمّل عقليّ ذاتيّ دقيق وعميق في تعابير القرآن الكريم، للحصول على نكات دقيقة، تربويّة وأخلاقيّة وعقديّة وغيرها، وذلك ضمن ضوابط وشروط مرعيّة الإجراء، مع كون هذه النكات احتماليّة تبقى في دائرة الرؤية ووجهة النظر الخاصّة بالمتدبّر، ولا يمكن نسبتها على نحو الجزم إلى المراد الإلهيّ.

وقد حثّ الإمام الخمينيّ قدس سره على إعمال التدبّر في آيات القرآن الكريم لاكتشاف معارف القرآن وحقائقه، حيث قال: "لا بدّ لك أن تلفت النظر إلى مطلب مهمّ يُكشَفُ لكَ بالتوجّه إليه طريقُ الاستفادة من الكتاب الشريف، وتنفتح على قلبك أبواب المعارف والحكم، وهو: أن يكون نظرك إلى الكتاب الشريف الإلهيّ نظر التعليم، وتراه كتاب التعليم والإفادة، وترى نفسك موظّفة على التعلّم والاستفادة، وليس مقصودنا من التعليم والتعلّم والإفادة والاستفادة: أن تتعلّم منه الجهات الأدبيّة والنحو والصرف، أو تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانيّة والبديعيّة، أو تنظر في قصصه وحكاياته بالنظر التاريخيّ والاطّلاع على الأمم السالفة، فإنّه ليس شي‏ء من هذه داخلاً في مقاصد القرآن، وهو بعيد عن المنظور الأصليّ للكتاب الإلهيّ بمراحل. وليس مقصودنا من هذا البيان الانتقاد للتفاسير، فإنّ كلّ واحد من المفسّرين تحمّل المشاق الكثيرة والأتعاب التي لا نهاية لها حتّى صنف كتاباً شريفاً، فلله درّهم، وعلى الله أجرهم، بل مقصودنا هو: أنّه لا بدّ وأن يُفتَح للناس طريق الاستفادة من هذا الكتاب الشريف، الذي هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله، والكتاب الأحديّ في تهذيب النفوس والآداب والسنن الإلهيّة، وأعظم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق، والعروة الوثقى، والحبل المتين للتمسّك بعزّ الربوبية. فعلى العلماء والمفسّرين أن يكتبوا التفاسير، وليكن مقصودهم: بيان التعاليم والمقرّرات العرفانيّة والأخلاقيّة، وبيان كيفيّة ربط المخلوق بالخالق، وبيان الهجرة من دار الغرور إلى دار السرور والخلود، على نحو ما أُودِعَت في هذا الكتاب الشريف، فصاحب هذا الكتاب ليس هو السكّاكيّ، فيكون مقصده جهات البلاغة والفصاحة، وليس هو سيبويه والخليل، حتّى يكون منظوره جهات النحو والصرف، وليس المسعوديّ وابن خلّكان، حتّى يبحث حول تاريخ العالم... هذا الكتاب ليس كعصى موسى عليه السلام ويده البيضاء، أو نفس عيسى عليه السلام الذي يحيي الموتى، فيكون للإعجاز فقط، وللدّلالة على صدق النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، بل هذه الصحيفة الإلهيّة كتاب إحياء القلوب بالحياة الأبديّة العلميّة والمعارف الإلهية. هذا كتاب الله يدعو إلى الشؤون الإلهيّة، فالمفسّر، لا بدّ وأن يعلم الشؤون الإلهيّة، ويُرجِع الناس  إلى تفسيره، لتعلّم الشؤون الإلهيّة، حتّى تتحصّل الاستفادة منه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [الإسراء: 82]. فأيّ خسران أعظم من أن نقرأ الكتاب الإلهيّ منذ ثلاثين أو أربعين سنة، ونراجع التفاسير، ونحرم مقاصده: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] "8.

6- الحضور القلبيّ والعقليّ مع القرآن:

إنّ معاني القرآن لا يدركها، ولن يدركها على حقيقتها، ويعرف عظمتها إلّا من يحسّها في أعماقه، ويسلّم معها بقلبه وعقله، ويختلط إيمانه بها بدمه ولحمه9.

وكيفيّة تحقيق هذا الأمر تكمن بالتفكّر في كلّ آية من الآيات الشريفة وتطبيق مفادها في النفس ورفع نقصانها بواسطة هذا التطبيق، فعلى سبيل المثال: ينبغي التفكّر في قصة آدم عليه السلام الشريفة والسؤال عن سبب مطروديّة الشيطان عن جناب القدس مع تلك السجدات والعبادات الطويلة، لكي يطهّر الإنسان نفسه منه، لأنّ مقام القرب الإلهيّ مقام المطهّرين، فمع الأوصاف والأخلاق الشيطانية لا يمكن القدوم إلى ذلك الجناب الرفيع. وفي عدم سجود إبليس نجد أنّ الأمر راجع إلى رؤية النفس والعجب، حيث قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12].

 

فهذا العجب صار سبباً لحبّ النفس والاستكبار، وصار سبباً للاستقلال والاستكبار وعصيان الأمر، فصار مطروداً عن الجناب. فهو مطرود، وليس للشيطان خصوصية، فما كان سبباً لطرده عن جناب القدس يكون مانعاً من أن نتطرّق إليه. كما نتفكّر في سبب مزيّة آدم عليه السلام وأفضليّته على الملائكة، فنرى أنّ سبب التفضيل هو تعليم الأسماء، كما قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31]. والمرتبة العالية من تعليم الأسماء هي التحقّق بمقام أسماء الله. كما أنّ المرتبة العالية من الإحصاء الذي هو في الرواية الشريفة أنّ لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، هي التحقّق بحقيقتها التي تنيل الإنسان جنة الأسماء. فالإنسان يستطيع أن يكون مظهراً لأسماء الله، والآية الكبرى الإلهية بالارتياضات القلبية، ويكون وجوده وجوداً ربّانياً، ويكون المتصرّف في مملكته يدا الجمال والجلال الإلهيّ. وبالجملة، من أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظّ الوافر والنصيب الكافي فلا بدّ له من أن يطبّق كلّ آية شريفة من الآيات على حالات نفسه حتّى يستفيد استفادة كاملة، مثلاً يقول الله تعالى في سورة الأنفال في الآية الشريفة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] ، فلا بدّ للسالك من أن يلاحظ هل هذه الأوصاف الثلاثة منطبقة عليه، وهل قلبه يجِلُ إذا ذكر الله ويخاف؟ وإذا تليت عليه الآيات الشريفة الإلهية يزداد نور الإيمان في قلبه؟ وهل اعتماده وتوكّله على الحقّ تعالى؟ أو أنّه في كلّ من هذه المراحل راجل ومن كلّ هذه الخواص محروم؟ فإن أراد أن يفهم أنّه من الحق تعالى خائف وقلبه من خوفه وجل، فلينظر إلى أعماله. فوظيفة السالك إلى الله هي أن يعرض نفسه على القرآن الشريف، فكما أنّ الميزان في صحة الحديث وعدم صحته واعتباره وعدم اعتباره أن يعرض على كتاب الله فما خالف كتاب الله فهو باطل وزخرف، كذلك الميزان في الاستقامة والاعوجاج والشقاوة والسعادة هو أن يكون مستقيماً وصحيحاً في ميزان كتاب الله، وكما أن خُلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو القرآن، فاللازم له أن يجعل خُلقه موافقاً للقرآن حتّى يكون مطابقاً لخُلق الوليّ الكامل أيضاً، والخُلق الذي يكون مخالفاً لكتاب الله فهو زخرف وباطل. وكذلك جميع المعارف وأحوال قلبه وأعمال الباطن والظاهر له لا بدّ من أن يطبّقها على كتاب الله ويعرضها عليه حتّى يتحقّق بحقيقة القرآن ويكون القرآن له صورة باطنية10.

7- القدرة على التحليل والتركيب:

لا بدّ للمفسّر في عمليّة التفسير من امتلاك قدرة تحليليّة للنصّ القرآنيّ الذي يريد اكتشاف معانيه وفهم مقاصده. وهذه القدرة التحليليّة ليست بمعنى تجزئة المعلومات والمعطيات في النصّ كيفما كان، بل ينبغي أن يكون التحليل ضمن ضوابط وقواعد محدّدة تأخذ بعين الاعتبار تشابك محتوى النصّ القرآنيّ ورسالته وأهدافه العامّة ومبادئه الأساسيّة، وتجنّب التحليل الذي يؤدّي إلى انكسار المعنى وانقطاعه عن النظام المعرفيّ للنصّ القرآنيّ(11).

وكذلك الأمر بالنسبة لعمليّة التركيب، فينبغي للمفسّر أن يكون ملمّاً بعناصر التركيب المحلّلة سابقاً وبالعلاقة الواقعة فيما بينها، بهدف إيجاد أو استنتاج تركيب جديد مؤلّف العناصر ضمن انسجام وتوليف معرفيّ واضح ومفيد، لا يتعارض مع رسالة القرآن وأهدافه العامّة ومبادئه الأساسيّة.

__________________
1. سوف يجري بحثها مفصّلاً في دروس لاحقة.

2.لمزيد من التفصيل في شروط المفسِّر ومؤهّلاته، انظر، السبحاني، جعفر: المناهج التفسيريّة في علوم القرآن، ط4، قم المقدّسة، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، 1432هـ.ق، ص21-48، الرجبي، محمود: بحوث في منهج تفسير القرآن الكريم، ترجمة: حسين صافي، ط2، بيروت، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2010م، ص337-352، الصغير، محمد حسين: المبادىء العامّة لتفسير القرآن الكريم بين النظريّة والتطبيق، ط1، بيروت، دار المؤرّخ العربي، 1420هـ.ق/ 2000م، ص37-57، مصطفوي، محمد: المبادئ العامّة لدرس القرآن وتفسيره، ط1، بيروت، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2012م، ص369-372، 377-381.

3.انظر: الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط5، طهران، دار الكتب الإسلامية، مطبعة حيدري، 1363هـ.ش، ج1، كتاب الحجّة، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة، ح1-3، ص221، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ورثة العلم يرث بعضهم بعضاً العلم، ح 1-8، ص221-223، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ورثوا علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأنبياء عليهم السلام والأوصياء عليهم السلام الذين من قبلهم، ح 1-7، ص223-226، باب أنّ الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عزّ وجلّ وأنّهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها، ح1-2، ص227-228، باب أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلا الأئمّة عليهم السلام وأنّهم يعلمون علمه كلّه، ح1-6، ص228-229،...

4.انظر: الخميني، روح الله: منهجية الثورة الإسلامية مقتطفات من أفكار الإمام الخميني قدس سره وآرائه-، إعداد ونشر مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني قدس سره، ط1، طهران، 1996م، ص57، 64-68.

5.سوف يأتي تفصيل الكلام في التفسير بالرأي في درس لاحق.

6. انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص16، 40، ج17، ص256، الصدر، المدرسة القرآنية، م.س، ص30.

7.الموسوي، محمد بن الحسين الشريف الرضي-: نهج البلاغة الجامع لخطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ورسائله وحكمه -، شرح: ابن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، 1378هـ.ق/ 1959م، ج8، الخطبة 133، ص287.

8.الخميني، روح الله: الآداب المعنويّة للصلاة، ترجمة وشرح وتعليق: أحمد الفهري، ط2، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1406هـ.ق/ 1986م، ص332-333.

9.انظر: مغنيّة، محمّد جواد: التفسير الكاشف، ط3، بيروت، دار العلم للملايين، 1981م، ج1، المقدّمة، ص9-10.

10. انظر: الخميني، الآداب المعنويّة للصلاة، م.س، ص353-356.

11.سوف يأتي تفصيل الكلام في رسالة القرآن وأهدافه العامّة ومبادئه الأساسيّة في الدرس اللاحق خطوات التفسير-.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .