أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-14
1034
التاريخ: 2024-07-22
475
التاريخ: 2024-04-05
941
التاريخ: 2024-04-19
683
|
وفي أثناء هذه الفترة من تاريخ البلاد نلحظ أن عناصر أجنبية كانت تفد على مصر بلا انقطاع، وتقيم فيها بوصفهم أسرى حروب يستخدمون عبيدًا للآلهة وللجنود ولعِلية القوم، أو بوصفهم من التجار والجنود المرتزقة الذين كانوا يعملون في الجيش المصري بجانب الجنود الوطنيين، وكذلك كان يفد على البلاد طوائف من البدو استوطنوا «وادي طليمات»، وكل هؤلاء كانت تزخر بهم المدن المصرية الكبيرة، ففي مدينة «بررعمسيس» عاصمة الملك (قنتير الحالية)، وفي «منف» وغيرهما من المدن قد أنشئت أحياء كاملة لأولئك المهاجرين من الكنعانيين، والفينيقيين الذين جاءوا إلى مصر، مصطحبين معهم آلهتهم، وأربابهم المحليين. من أجل ذلك نجد أن الجنس المصري قد اعتراه تغيرًا ماديًّا باختلاط الدم الأجنبي به، وقد كان هذا الاختلاط لا ينقطع وفوده من الجنوب (أهل النوبة والسودان). ولا أدل على ذلك من أن هذا الاختلاط قد ظهر في الدم الملكي نفسه، وهذا ما نلحظه في مومية الملك «سيتي الأول» التي تدل على وجود دم نوبي في عروقه، ونلحظ فضلًا عن ذلك أنه في العهد الذي تلا عصر «رعمسيس الثاني» قد اختلط الدم المصري بدم الأقوام الذين كانوا يسكنون غربي مصر، وهم اللوبيون، كما نجد نفس الظاهرة شائعة من جهة الحدود الشرقية؛ فقد اختلط الدم المصري بالدم السامى؛ ولكن على الرغم من كل هذا الاختلاط في الدم نجد أن المصري من جهة أخرى قد تغلب عقليًّا وخلقيًّا بما له من ثقافة قديمة، ومدنية عريقة وطيدة الأركان ثابتة الدعائم على هؤلاء النزلاء من كل الجهات، وصبغهم بثقافته، وجعلهم جزءًا منه، ولكن نلحظ من جهة أخرى في هذه الثقافة أن تيارًا أجنبيًّا لا ينقطع قد ظهر في المنتجات الصناعية التي كانت تأتي من هذه البلاد الأجنبية، وكان غريبًا عنها، وبخاصة من العالم السامي.
والواقع أن بلاد «فينيقية»، وبلاد «فلسطين» لم يكن لهما فن أو صناعات خاصة بهما، ولكن كل صناعاتهما كانت تنحصر في مصنوعات عادية آلية ليست من مبتكرات البلاد؛ ولذلك لم تترك صناعة هذين القطرين أثرًا في الصناعة المصرية، كالذي تركته الصناعات المبتكرة الكريتية فيها خلال الأسرة الثامنة عشرة، غير أن هذه الأصقاع كان لها أثرها في مصر من ناحية أخرى، وهي اللغة؛ إذ نجد أن الكلمات الكنعانية كانت تتدفق بمقدار عظيم على اللغة المصرية، ولم يكن ذلك قاصرًا على أسماء السلع والبضائع، والأسلحة والخيل، والعربات، وأدوات الحرب من بلط ودروع، بل تخطى ذلك إلى أن الألفاظ السامية التي تستعمل في أداء التحية مثل كلمة «السلام»، وكذلك الألفاظ الدالة على الشباب، هذا إلى حشر العبارات المنمقة من اللغات الأجنبية التي تدل على حسن الذوق، والثقافة العالية في اللغة المصرية. كما نلحظ في أيامنا هذه في استعمال الطبقة الراقية للألفاظ الأجنبية للتعبير عن أشياء خاصة، وإقحامها في لغتنا. وقد ضرب لنا كاتب «ورقة أنسطاسي» الأولى التي تنتسب إلى عهد «رعمسيس الثاني» الأمثلة الكثيرة في هذا الصدد.
والواقع أن ما جاء في هذه الورقة يكشف لنا عن صفحة جديدة في تطور الثقافة المصرية، وصلتها بالبلاد المجاورة، وبخاصة «سوريا» و«فلسطين»، وسنورد ملخصها عند الكلام على الأدب المصري.
وكذلك نجد أن الآلهة الساميين أخذ يزداد دخولهم في زمرة الآلهة المصريين بصفة مطردة، فنجد مثلًا الإلهة «قادش «(1) وإله الحرب «رشب»، والإلهة «عنتا «(2)، وكانت هذه الآلهة موضع تبجيل المصريين أنفسهم، وبخاصة عندما نعلم أن الفرعون «رعمسيس الثاني» نفسه قد سمى إحدى بناته «بنت عنتا»، وقد تزوج من ابنته هذه فيما بعد كما ذكرنا، وكذلك نلحظ أنه سمى بعض خيله وكلابه بأسماء آلهة؛ ومن هذه الآلهة كذلك الإلهة «عشيت»، وكانت تمثل ممتطية جوادًا، وفي يدها حربة، وعلى رأسها قبعة، وتحميها درع (راجع L. D. III, 138. a.)، والظاهر أنها كانت زوج الإله «عشو»، وصورة هذه الإلهة وجدت في «معبد الردسية» الذي أقامه «سيتي الأول«.
أما الإله «بعل» السامي الأصل فكان موحدًا عند المصريين مع الإله «ست» الذي كان يعد إله البلاد الأجنبية، وهو الذي عبده الهكسوس عندما احتلوا مصر، ثم هوت عبادته للحضيض بعد طرد الهكسوس، ولكن لم تلبث أن أحييت عبادته ثانية في عهد الرعامسة، كما فصلنا القول في ذلك (راجع الجزء الرابع)، ولدينا كذلك اسم إلهة تُدعى «بعلات سابون» كانت تُعبد في «منف»، ولا بد أنها كانت زوج «بعل «.
وقد سمي «سيتي الأول» باسم إله المقاطعة التي نشأ منها، كما أقام «رعمسيس الثاني» لهذا الإله المعابد في أنحاء القطر، وقد ظهرت كذلك الإلهة «عشتارت» إلهة الحياة والفزع بصورة واضحة في تلك الفترة؛ فقد كان لها معبد في الحي السامي من مدينة «منف»، ويقع جنوبي معبد الإله «بتاح»، وكانت تلقب ابنة هذا الإله الأخير، وقد بقيت لنا قطعة من قصة تنتسب إلى هذه الإلهة، تدل على ما كان لها من مكانة سامية بين الآلهة السامية؛ إذ كان لها تاسوع خاص بها، ولكن مما يؤسف له جد الأسف أن هذه الورقة قد وُجدت ممزقة، ويدل ما تبقى من الورقة على أن هذه القصة تخبرنا كيف أحضرت «عشتارت» إلى مصر من بلادها، وإذا كان هذا التفسير صحيحًا كانت قصتها قد أُلفت على نمط خرافة اللبؤة التي هربت إلى بلاد النوبة، ثم أحضرها الإله «تحوت«(3). ويظهر من القطعة الأولى من البردية أن إلهًا كان يطلب الجزية بوصفه ملكًا، كما يظهر أنه كان هناك قضية خاصة بذلك في المحكمة (راجع كتاب الأدب المصري القديم جزء1).
والواقع أن عبادة هذه الإلهة كانت كذلك سائدة منتشرة في عهد الأسرة السادسة والعشرين، وقد بقيت عبادتها قائمة في «منف»، و«السرابيوم» حتى العهد الإغريقي في مصر (4)، ويلاحظ هنا أن لفظة «عشتارت» رُسمت بتاء التأنيث فيها، ولكنها حُذفت في المصرية، وهو اسم كنعاني تثبت فيه التاء الدالة على المؤنث.
والواقع أن عبادة الآلهة الأجنبية كانت منتشرة مما يدل على أهميتها في نظر المصري، ولا أدل على ذلك من إحياء عاصمة «رعمسيس الجديدة»، وهي «بررعمسيس» (بيت رعمسيس) كانت معلمة بمعبد «آمون» في الغرب، ومعبد الإلهة «بوتو»، وهي الإلهة الحامية للدلتا في الشمال، ومعبد الإلهة «عشتارت» في الشرق (5)، ومعبد الإله «ست» في الجنوب. وقد كان كل من «سيتي الأول»، وابنه «رعمسيس الثاني» يطلق اسم إله المقاطعة التي نشأت منها أسرتهما، وهو الإله «ست» على أحد الفيالق الأربعة التي كان يتألف منها جيشه، أما الفيالق الثلاثة الأخرى فكان يطلق على كل منها اسم أحد الآلهة الثلاثة الآخرين أصحاب النفوذ والقوة في مصر، وهم: «آمون»، و«رع»، و«بتاح»، وذلك يدل على مقدار تعظيم المصريين للإله «ست» الذي كان فيما مضى يعد أبغض الآلهة للمصريين في الجهات الأخرى من القطر؛ لأنه كان يعد قاتل الإله «أوزير» إله الآخرة، وهو أخوه في الوقت نفسه.
.......................................
1- راجع: Ed. Meyer. II, 1, p. 101.
2- راجع: Muller Asien & Europa p. 315..
3- راجع: Junker, Onorislegende.
4- راجع: Wilchen. Urkunden der Plolemaerzeit I, p. 37.
5- راجع: J. E. A. Vol. V, p. 187.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|