أقرأ أيضاً
التاريخ: 12/11/2022
1435
التاريخ: 9-11-2014
7812
التاريخ: 30-09-2014
5647
التاريخ: 2024-11-06
170
|
حقيقة ميزان العدل الأخرويّ[1]
قال تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ﴾[2].
الآيتان تُخبران عن الوزن، وهو توزين الأعمال، أو الناس العاملين، من حيث عملهم، والدليل عليه، قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾[3]، حيث دلّ على أنّ هذا الوزن من شعب حساب الأعمال، وأوضح منه قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[4]، حيث ذكر العمل، وأضاف الثقل إليه خيراً وشرّاً.
وبالجملة، الوزن إنّما هو للعمل، دون عامله، فالآية تُثبت للعمل وزناً، سواء أكان خيراً أم شرّاً، غير أنّ قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾[5]، يدلّ على أنّ الأعمال في صور الحبط، لا وزن لها أصلاً، ويبقى للوزن أعمال من لم تحبط أعماله. فما لم يحبط من الأعمال الحسنة والسيئة له وزن يوزن به، لكنّ الآيات في عين أنّها تعتبر للحسنات والسيئات ثقلاً، إنّما تعتبر فيها الثقل الإضافي، وترتّب القضاء الفصل عليه، بمعنى أنّ ظاهرها أنّ الحسنات توجب ثقل الميزان، والسيّئات خفّة الميزان، لا أن توزن الحسنات، فيؤخذ ما لها من الثقل، ثمّ السيّئات، ويؤخذ ما لها من الثقل، ثمّ يقايس الثقلان، فأيّهما كان أكثر، كان القضاء له، فإنْ كان الثقل للحسنة، كان القضاء بالجنّة، وإنْ كان للسيّئة، كان القضاء بالنار، ولازم ذلك صحّة فرض أن يتعادل الثقلان، كما في الموازين الدائرة بيننا، من ذي الكفّتين، والقبّان، وغيرهما. لا بل ظاهر الآيات أنّ الحسنة تُظهر ثقلاً في الميزان، والسيّئة خفة فيه، كما هو ظاهر قوله تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ﴾[6]، ونظيره قوله تعالى: ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾[7]، وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾[8]. فالآيات، تُثبت الثقل في جانب الحسنات دائماً، والخفّة في جانب السيّئات دائماً. وعليه، فهناك أمر آخر تُقايس به الأعمال والثقل له، فما كان منها حسنة، انطبق عليه ووُزِنَ به، وهو ثقل الميزان، وما كان منها سيئة، لم ينطبق عليه، ولم يُوزَن به، وهو خفّة الميزان، كما نُشاهده في ما عندنا من الموازين، فإنّ فيها مقياساً، وهو الواحد من الثقل، كالمثقال يُوضع في إحدى الكفّتين، ثمّ يُوضع المتاع في الكفّة الأخرى، فإنْ عادل المثقال وزناً بوجه على ما يدلّ عليه الميزان، أُخذ به، وإلا فهو الترك لا محالة. والمثقال في الحقيقة، هو الميزان الذي يُوزَن به، وأمّا القبّان، وذو الكفّتين، ونظائرهما، فهي مقدّمة لما يُبيّنه المثقال، من حال المتاع الموزون به، ثقلاً وخفّة، كما أنّ واحد الطول، وهو الذراع أو المتر - مثلاً - ميزان يُوزن به الأطوال، فإنْ انطبق الطول على الواحد المقياس، فهو، وإلا ترك.
ففي الأعمال واحد مقياس تُوزَن به، فللصلاة - مثلاً - ميزان تُوزَن به، وهي الصلاة التامّة التي هي حقّ الصلاة، وللزكاة والإنفاق نظير ذلك، وللكلام والقول حقّ القول الذي لا يشتمل على باطل، وهكذا، كما يشير إليه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾[9]. فالأقرب إلى هذا البيان أن يكون المراد بقوله تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾، أنّ الوزن الذي يُوزَن به الأعمال يومئذ، إنّما هو الحقّ، فبقدر اشتمال العمل على الحقّ، يكون اعتباره وقيمته، والحسنات مشتملة على الحقّ، فلها ثقل، كما أنّ السيّئات ليست إلا باطلة، فلا ثقل لها، فالله سبحانه يَزن الأعمال يومئذ بالحقّ، فما اشتمل عليه العمل من الحقّ، فهو وزنه وثقله. ولعلّه إليه الإشارة بالقضاء بالحقّ في قوله: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾[10]. والكتاب الذي ذَكَر الله أنّه يُوضَع يومئذ - وإنّما يُوضع للحكم به - هو الذي أشار إليه بقوله تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ﴾[11]، فالكتاب يُعيّن الحقّ، وما اشتمل عليه العمل منه، والوزن يُشخّص مقدار الثقل.
وعلى هذا، فالوزن في الآية، بمعنى: الثقل دون المعنى المصدري، وإنّما عُبِّرَ بالموازين بصيغة الجمع في قوله تعالى: ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ ،﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾، الدالّ على أنّ لكلّ أحد موازين كثيرة، من جهة اختلاف الحقّ الذي يُوزَن به، باختلاف الأعمال، فالحقّ في الصلاة، وهو حقّ الصلاة، غير الحقّ في الزكاة، والصيام، والحجّ، وغيرها.
وعليه، يتبيّن ممّا تقدّم:
• أنّ الوزن يوم القيامة، هو تطبيق الأعمال، على ما هو الحقّ فيها، وبقدر اشتمالها عليه، تستعقب الثواب، وإنْ لم تشتمل، فهو الهلاك. وهذا التوزين هو العدل.
• أنّ هناك بالنسبة إلى كلّ إنسان موازين تُوزَن بها أعماله، والميزان في كلّ باب من العمل، هو الحقّ الذي يشتمل عليه ذلك العمل، فإنّ يوم القيامة هو اليوم الذي لا سلطان فيه إلا للحقّ، ولا ولاية فيه إلا لله الحقّ، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾[12]، ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ﴾[13]، ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾[14].
وقد وردت مجموعة من الروايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام، تُشير إلى حقيقة ميزان العدل الأخرويّ، بالمعنى المتقدّم، منها:
• ما رواه هشام بن الحكم، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه سأله الزنديق، فقال: أو ليس يُوزن الأعمال؟ قال: "لا، إنّ الأعمال ليست بأجسام، وإنّما هي صفة ما عملوا، وإنّما يحتاج إلى وزن الشيء، مَنْ جهل عدد الأشياء، ولا يعرف ثقلها وخفّتها، وإنّ الله لا يخفى عليه شيء"، قال: فما معنى الميزان؟ قال: "العدل". قال: فما معناه في كتابه: ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾؟ قال: "فمن رجح عمله"[15].
• ما رواه أبو معمّر السعداني، عن أمير المؤمنين عليه السلام، في حديث، قال: "وأمّا قوله: ﴿فَمَن ثَقُلَتْ ... ﴿خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾، فإنّما يعني الحسنات تُوزن الحسنات والسيّئات، فالحسنات ثقل الميزان، والسيّئات خفّة الميزان"[16].
• ما رواه سعيد بن المسيّب، عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام، في ما كان يعظ به، قال: "ثمّ رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب، فقال عزّ وجلّ: ﴿وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾[17]، فإنْ قلتم أيّها الناس: إنّ الله عزّ وجلّ إنّما عنى بها أهل الشرك، فكيف ذلك؟ وهو يقول: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾[18]، فاعلموا عباد الله، أنّ أهل الشرك لا تُنصَب لهم الموازين، ولا تُنشَر لهم الدواوين، وإنّما يُحشرون إلى جهنّم زمراً، وإنّما نصب الموازين، ونشر الدواوين، لأهل الإسلام"[19].
[1] انظر: م.ن، ج8، ص10-17.
[2] سورة الأعراف، الآيتان 8-9.
[3] سورة الأنبياء، الآية 47.
[4] سورة الزلزلة، الآيات 6-8.
[5] سورة الكهف، الآية 105.
[6] سورة الأعراف، الآيتان 8-9.
[7] سورة المؤمنون، الآيتان 102-103.
[8] سورة القارعة، الآيات 6-11.
[9] سورة آل عمران، الآية 102.
[10] سورة الزمر، الآية 69.
[11] سورة الجاثية، الآية 29.
[12] سورة النبأ، الآية 39.
[13] سورة الكهف، الآية 44.
[14] سورة يونس، الآية 30.
[15] الطبرسي، أحمد بن علي: الاحتجاج، تعليق وملاحظات: محمد باقر الخرسان، لا.ط، النجف الأشرف، دار النعمان، 1386هـ.ق/ 1966م، ج2، ص98-99.
[16] ابن بابويه، محمد بن علي (الصدوق): التوحيد، تصحيح وتعليق: هاشم الحسيني الطهراني، لا.ط، قم المقدّسة، منشورات جماعة المدرّسين بقم المقدّسة، لا.ت، ص268.
[17] سورة الأنبياء، الآية 46.
[18] سورة الأنبياء، الآية 47.
[19] ابن بابويه، محمد بن علي (الصدوق): الأمالي، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، ط1، قم المقدّسة، 1417 هـ.ق، ص595.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|