أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
1473
التاريخ: 16-10-2014
1732
التاريخ: 14-11-2020
2062
التاريخ: 16-10-2014
4234
|
جمع القرآن وتأليفه
لا ريب في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حرص على تدوين الوحي، فاشتهر العشرات من أصحابه بأنهم من كتّاب الوحي في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد عدّ بعضهم ثلاثة وأربعين كاتباً ممّن شاركوا في كتابة الوحي. وهذا يدل على شدة اهتمام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر الكتابة والتدوين، نظراً لأهمية القرآن الكريم في الدّين الإسلامي، ومكانته كآخر كتاب سماوي، وضرورة الدقة في الحفاظ عليه بكل ما فيه من خصوصيات، لا سيما أنه المصدر الأول من مصادر الشريعة الإسلامية الحقّة.
متى جمع القرآن؟
كان يفرض النزول التدريجي للقرآن كتابته في صحف متفرقة ومقطّعة، ولا شك أنها لم تكن في بداية الأمر مجموعة ومؤلّفة في كتاب له دفّتان، وبعد مضي الزمن أصبح القرآن كتاباً كاملاً محفوظاً بين دفًتين، فمن الحري أن نسأل متى جمعت الصحف وألّف بينها؟
يذهب الكثير من أتباع مدرسة الخلفاء إلى أن جَمْع القرآن الكريم كان بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
بينما يرى أكثر أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الكريم كان قد جمع في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبرعايته وتوجيهه، وقبل الخوض في أدلة الفريقين ينبغي الإشارة إلى أن الجمع قد يستعمل بأربعة معانٍ مختلفة، وهذا من شأنه أن يوقع الباحث في الاشتباه مما يستوجب الدقة في هذه الأبحاث.
معنى جمع القرآن الكريم
1- الجمع في الصدر وحفظه.
2- التدوين: أي جمع السور مدوّنة في مكان واحد، فجمْع القرآن معناه جمع سوره وآياته كلها مدونة في صحفٍ، لكن من دون أن تكون مؤلفة في كتاب واحد مجلّدة بغلاف أو دفتين كما هو متعارف اليوم.
3- جمع النسخ المدوّنة: من أيدي الناس كمقدمة لتوحيد القراءة فيها، وهو ما أمر به عثمان بن عفان في زمان خلافته.
4- ترتيب الصحف وجمعها في كتاب واحد: وهذا المعنى هو الصحيح والمختار المقصود من البحث كما سيأتي.
روايات جمع القرآن
هناك مجموعة من النصوص التي نقلت في كتب أهل السنّة تنص على أن القرآن قد جمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرىء عليه، وفيما يلي نماذج منها:
1- أربعة جمعوا القرآن: في البخاري أن أربعة جمعوا القرآن الكريم على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد[1].
2- ستّة جمعوا القرآن: عن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة: أبيّ، وزيد، وأبو الدَّرداء وسعد بن عبيد، وأبو زيد، ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء أصحاب محمد غير عثمان[2].
3- ثلاثة جمعوا القرآن: وعن محمد بن إسحاق في الفهرست أن الجُمَّاع للقرآن الكريم على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هم: علي بن أبي طالب عليه السلام وسعد بن عبيد بن معاوية، وزيد بن ثابت[3].
4- جماعة جمعوا القرآن: وروى الحاكم عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نؤلف القرآن من الرقاع[4].
وهناك روايات أخرى تنصّ على أسماء أخرى ممّن جمعوا القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أحصى بعض المحقّقين أربعة وعشرين اسماً من مجموع الروايات، وأضاف عليهم غيرهم ممّن لم يذكر بشكل قاطع.
المقصود من رويات الجمع
1- هل المقصود من روايات الجمع في الصدر (المعنى الأول)؟
لقد حاول مصنِّفو أهل السنّة التوفيق بين هذه الروايات وبين ما ورد عندهم من أن أوّل من جمع القرآن الكريم في مصحف هو الخليفة الأول، ففسّروا الجمع في هذه الروايات بأنّه الجمع في الصدور وحفظ القرآن كاملاً (المعنى الأول).
وهذا الأمر لم يرتضه محقّقو الشيعة الإماميّة لعدّة أسباب، منها ما يرجع إلى ظاهر روايات الحفظ في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي:
أ- إنّ الجمع بمعنى الحفظ في الصدور كاملاً خلاف الظاهر، لذلك لا يذهب إليه إلاّ بقرينة، وهي غير موجودة في هذه الروايات.
ب- لا يعقل أن يكون عدد من حفظ تمام القرآن محصوراً في أربعة أو ستة أو عشرة أشخاص، وذلك لأن تعليم وتحفيظ القرآن كان موضع اهتمام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، وكما أن القرّاء في زمانه (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يعدّون بالمئات بل بالآلاف، فلا بد أن يكون الجمع هنا بمعنى امتلاكه مكتوباً مدوّناً.
ج- الروايات التي رويت من طرق الفريقين التي تؤكّد على وجود المصحف في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). بالإضافة إلى ما قد يستفاد من وصاياه بالمصحف وأحكامه وما ورد في استحباب القراءة في المصحف نظراً وحفظاً، من الاستدلال على وجود ذلك المصحف وكونه متعارفاً عند الصحابة[5].
ومنها ما يرجع إلى ظاهر روايات الجمع في زمن أبي بكر، وهي:
أ- إن روايات جمع القرآن بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مضطربة ومتهافتة، بحيث إنه لا يمكن الاعتماد عليها ولا الركون إلى شيء ثابت فيها.
فمن حيث الزمان ظاهر بعضها أن الجمع لم يتم إلا في زمان عثمان، بينما تحكي روايات أخرى أن الجمع كان في زمن عمر بن الخطاب، وتنص طائفة أخرى على أنه في زمان أبي بكر.
ومن جهة المتصدّي للجمع، ففي بعضها أنه أبو بكر، وفي بعضها أنه عمر وزيد بن ثابت، بينما في بعضها أنه زيد فحسب. وفي بعض الروايات أن أبا بكر قد فوّض إليه ذلك، حتى أنّ عمر جاءه بآية الرجم فلم تقبل منه.
وقد اضطربت الروايات من جهة كون الجمع كان تاماً في زمان أبي بكر، حتى أنه لم يبق منه شيء إلا دوّن فيه، بينما صريح رواية بقاء شيء منه لم يثبت في المصحف إلى زمان عثمان.
ب- إن روايات جمع القرآن بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكن القبول بها، لأنها تفرض أنّ القرآن الكريم قد جمع بالشاهد والشاهدين، وهي تفترض إمكانية ضياع أجزاء كثيرة منه، حيث زعمت أنهم كانوا يطلبون الآية فلا يجدونها إلاّ عند شخص من الصحابة استشهد أو توفي، وأن بعض الآيات لم يتوفّر لها شاهدان، وهذا كان له عظيم الأثر في زرع الشبهات في نفوس البسطاء الذين صدّقوا هذه الروايات، وغفلوا عما تقتضيه الضرورة والشواهد القطعية والدلائل البينة على تواتر القرآن الكريم، واهتمام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بنشره وتعليمه للمسلمين وتدوينه بشكل واسع، وتوفير كل مقتضيات حفظه وبقائه وتواتره في كل العصور.
ج- والصحيح أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يشرف بنفسه على تدوين القرآن الكريم، وتأليف سوره، وجمع الصحف المدوّنة بشكل مستمر[6]. ولم يرحل عن دار الفناء إلا وهو مطمئن النفس مرتاح البال تجاه هذه الأمانة العظمى والمعجزة الكبرى، وأن المصحف المقروء على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان متوفّراً عند عدد من الصحابة الكرام، بالإضافة إلى القطع والأجزاء المتفرّقة عند المئات بل الآلاف من المسلمين، الذين لم تتوفّر لهم فرصة الحصول على نسخة كاملة، فكتب ما تيسّر له وما سمعه من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة أو أقرأه إياه بعض القراء.
2- هل المقصود من روايات الجمع التدوين (المعنى الثاني)؟
حاول بعض المحقّقين التوفيق بين روايات الجمع، فزعم أن روايات الجمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إضافة إلى الأدلة الأخرى التي تقتضي ذلك تُحمل على المعنى الثاني من الجمع وهو التدوين للجميع من أحد الوسائل المعروفة، وجمعها في صرّة أو ربطها بخيط أو وضعها في إضبارة مثلاً، وأما الجمع في كتاب واحد فهو لم يتم إلا على عدّة صور: جمع الإمام علي عليه السلام وجمع زيد بن ثابت، وجمع أبي بن كعب، وجمع عبد الله بن سعود وهذا المعنى لا يغيّر في الأمر شيئاً، إذ أن التأليف بين الصحف وترتيبها بشكل كتاب محفوظ فيما بعد في إضبارة أو مربوط في خيط هو جمع حقيقي.
3- هل المقصود بالجمع لمّ النسخ المدوّنة (المعنى الثالث)؟
روى السيوطي عن ابن اشتة قال: اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلّمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال: عندي تكذبون به وتلحنون فيه، فمن نأى عني كان أشدّ تكذيباً وأكثر لحناً، يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً، فاجتمعوا فكتبوا[7].
ولا إشكال في أن عثمان بن عفان أمر بجمع القرآن بالمعنى الثالث المتقدّم فقد قام بكتابة نسخة من المصحف سماها بالإمام، فصارت مرجعاً لمن يريد ضبط نسخته أو استنساخ نسخة منه.
وقد أقرّه أمير المؤمنين عليه السلام على خطوة توحيد القراءة وقطع الخلاف فيها، خاصة أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد نهى عن الاختلاف في القرآن، والاختلاف في قراءته أوضح مصاديق الاختلاف المنهي عنه[8].
ومهما يكن فإنّه بعد توحيد المصحف أمر عثمان باستنساخ عدّة مصاحف وأرسلها إلى الأمصار لتكون هناك مرجعاً يؤخذ عنه، لكن ليس هذا المعنى هو محل النزاع والخلاف.
والنتيجة: استظهار المعنى الرابع للجمع، فإن ظاهر الجمع هو الحصول على الجميع مدوّناً، لأنّه تقريب ما كان مفرّقاً، فالجمع بالمعنى الرابع ترتيب الصحف وجمعها في كتاب واحد هو المتعيّن وهو الظاهر من القرائن والشواهد والنصوص.
وهذه النتيجة التي توصّلنا إليها وهي المقبولة عند كبار علمائنا ومحقّقينا، كالحر العاملي وابن طاووس والسيد شرف الدّين العاملي، والسيد أبو القاسم الخوئي وغيرهم[9].
وأما عدد تلك المصاحف فقيل أربعة، والمشهور أنها خمسة، بل ذهب بعضٌ إلى أنها سبعة مصاحف، أرسلت إلى مكة والشام واليمن والبحرين والبصرة والكوفة، وبقي أحدها في المدينة[10]. والجدير بالذكر أن لا وجود لهذه المصاحف في عصرنا الحاضر.
[1] الزركشي، البرهان، ج1، ص304، صحيح البخاري، الباب 20، سورة 9، من كتاب التفسير.
[2] الزركشي، البرهان، ج1، ص305.
[3] الزنجاني، تاريخ القرآن، 46.
[4] الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج2، ص611.
[5] الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج1، ص305.
[6] راجع: الخوئي، البيان في تفسير القرآن، ص 90.
- علوم القرآن، السيد محمد باقر الحكيم، ص 101 - 107.
- الشيخ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 1، ص 43.
[7] السيوطي، الاتقان في علوم القرآن، ج1، ص209.
[8] م. ن، ج 1، ص 166.
[9] راجع: السيد جعفر مرتضى حقائق هامة حول القرآن الكريم، ص88-82.
[10] السجستاني، كتاب المصاحف، ص43. الصغير، تاريخ القرآن، ص93.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|