أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-3-2016
3107
التاريخ: 15-3-2016
3445
التاريخ: 7-04-2015
3757
التاريخ: 19-3-2016
4799
|
عندما وقف في يوم عاشوراء فلذة كبد الزهراء عليها السلام مع 72 [1] من أصحابه أمام عدوّ مؤلّف من 30 ألف مقاتل[2] مجهّز, وكان بين أصحابه الطفل ذو العشر السنوات[3] والشابّ ذو الـ 13 سنة[4] والشيخ العجوز ذو الـ 70 سنة[5]. ظنّ العدوّ أنّ الحسين عليه السلام قد انتهى, خاصّة في تلك اللحظات الأخيرة من يوم عاشوراء, عندما استُشهد جميع أصحابه وتضرّجت أجسادهم بالدماء في صحراء كربلاء, وشاهدوا الحسين عليه السلام يحمل قماط طفل رضيع, تيقّن الجميع - حينها - أنّه لن يبقى أثر للحسين عليه السلام ولرسالته. في النهاية كان جميع أصحابه عليه السلام قد اجتمعوا هناك وكلّ المضحِّين قد مضوا معه، كانت المدينة كلّها في كربلاء، وقد اختُصرت الكوفة ومكّة والحجاز والعراق في (صحراء كربلاء) ذلك الميدان نفسه. لم يبق شخص يمكنه الادّعاء أنّه من أصحاب الحسين عليه السلام, أنصاره جميعهم قد ضُرّجوا بالدماء واحداً تلو الآخر, ونالوا درجة الشهادة.
في عصر ذلك اليوم، كانت عين الدنيا شاخصة باتّجاه الحسين عليه السلام, مقاتل واحد وحيد وابنه الرضيع على يديه، وقد ظهر أمام جيش العدوّ, ظنّ العدوّ - القصير النظر- أنّ الحسين عليه السلام قد انتهى. عندما خاطبهم الإمام قائلاً: "إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل"[6], يا قساة القلوب! أيّها الخارجون من ربقة الإنسانيّة! إذا لم يكن لديكم تلك الرحمة والرأفة فتمنعونني من شرب الماء, فما ذنب هذا الطفل الصغير ذي الأشهر الستّة؟ مرّة أخرى لم يفهموا أيضاً ماذا كان يفعل الإمام الحسين عليه السلام. ومرّة أخرى لم تتضح السياسة الإلهيّة لهؤلاء الذين خُتم على قلوبهم. استغلّ عمر بن سعد قسوة قلب حرملة وقال له: أرحنا من الحسين (اقطع نزاع القوم)[7]. وبدل أن يسقوا الطفل شربة ماء سقوه سهماً مثلّثاً مسموماً[8].
تململ الطفل بين يدي والده وفارت الدماء من منحره. بدأ الحسين عليه السلام عمله من هنا. لم يدع دماء عليّ الأصغر تتلوّث وتذهب هدراً, لم يدع مثيري الشائعات والكذّابين والمخادعين يقولون: مات طفل الحسين عليه السلام لوحده بمفرده أو مات من حرارة الشمس. وضع الحسين عليه السلام يديه تحت منحر عليّ الأصغر حتّى امتلأتا دماً رمى به إلى السماء أمام الجميع[9], أي: أيّها الجبناء انظروا, لقد قتلتم عليّ الأصغر! وهنا وقّع الإمام الحسين عليه السلام وثيقة ومستند حقّانيّته (بالدماء), أي أفهم العالم بأسباب مواجهته, أفهم التاريخ ماذا كان يحارب ومن! ومن أجل ماذا حارب! لقد دوّن الحسين عليه السلام في التاريخ أنّه ضحّى وحيداً وأنّ جيوش العدوّ قد هاجمته من كلّ ناحية. وقف وحيداً وقلّة من الأصحاب, لم يقل: أنا وحيد, ولم يقل: "الجميع ضدّي ومعارض لي ولن أستطيع فعل شيء", لم يقل: "أنا ضعيف ولم أحارب بدون جدوى".
لقد وقف على مفترق طريقي الحقّ والباطل, ومن المقطوع به أنّه يختار الحقّ, ومستعدٌّ ليقدّم روحه في سبيل الحقّ. من هذه النقطة بدأ انتشار ثقافة الحسين بن عليّ عليهما السلام, هو لم يقيّد يزيد بن معاوية والسلسلة الأمويّة بدماء عليّ الأصغر ودماء شهداء كربلاء فحسب, إنّما بدأت الثورات العالميّة في تاريخ المسلمين والثورات الكبرى من نقطة دماء هؤلاء المضحّين. فكلّ مصر من أمصار المسلمين قد دخل إليه اسم الإسلام, دخل معه أيضاً اسم الحسين عليه السلام، كمؤشّر على الإسلام وكدليل عليه.
فكلّ من كان مع الحسين عليه السلام كان الإسلام ملكاً له. وكلّ من اقتفى أثر الحسين كان صادقاً في دعواه,كلّ من يختار طريق الحسين عليه السلام ينطق صدقاً وهو من أمّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم آخر الزمان.
لقد افتُضح اليزيديّون في التاريخ, وانتصر الدم على السيف.
دماء الحسين بن عليّ عليهما السلام أماتت السلالة الأمويّة
في واقعة عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام, بدا أنّ رعد جبابرة الظلم وبرقهم قد أنهيا كلّ شيء - في الظاهر -. وقعت جماعة في اليأس, إلّا أنّه وكما رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام فقد قضت دماء الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام ودماء أصحابه على سلالة بني أميّة وأحفاد أبي سفيان وأطاحت بها, كما إنّ دماء زيد بن عليّ وأصحابه كانت هي الأساس في اقتلاع واجتثاث السلالة المروانيّة،[10].
انتصار الدم على الخبث
في حادثة كربلاء تعرّض الإمام الحسين عليه السلام لمظلوميّتين,
الأولى: مظلوميّة تلك الواقعة وأذيّة شخص الحسين عليه السلام ثمّ قتله ومضيّه شهيداً.
الثانية: عمليّة التشويش المنافقة والضجّة الخبيثة التي عمَّت أرجاء الدنيا, ففي الكوفة أثاروا الأوضاع وخرّبوها, وكذلك في الشام و.. وقدّموا الإمام الحسين عليه السلام للعالم الإسلاميّ[11] على أنّه خارجيّ قد خرج على إمام زمانه والحكومة القائمة, وقد امتلأت المنابر والخطب والألسنة الخبيثة والحناجر النجسة بالتهم والافتراءات والإهانات والدعايات التي زادت من مظلوميّة الحسين بن عليّ عليهما السلام[12].
وفي نهاية المطاف لقد أدّت هذه المظلوميّة دورها وفعلت فعلها, فخرقت الحجب وفضحت الوجوه الخبيثة وفرضت الحقيقة نفسها على الأذهان والقلوب, على الرغم من عدم إرادتهم لأن تظهر الحقيقة وتتجلّى, لكنّ العدوّ انهزم وانتصر الحسين عليه السلام في نهاية المطاف.
ثورة الإمام عليه السلام ودماؤه, ضمنتْ بقاء دين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
ذكر بعضهم في معنى حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين منّي وأنا من حسين", إنّ معنى "وأنا من حسين": أنّ ديني قد استمدّ بركة من الحسين وبقي خالداً وضمن بقاءه. وهذا صحيح تماماً, أي أنّه من الممكن أن يكون هذا هو معنى هذه الجملة ومن الممكن أن لا يكون هذا هو معناها. لكن أن يكون دين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد بقي واستمرّ من خلال ثورة الحسين فهذا لا شكّ فيه, لأنّه لولا ثورة الإمام الحسين عليه السلام لما وصلت الواجبات والتكاليف إلى النّاس ولما حصلت تلك الثورات في عهود بني أميّة وبني العبّاس, ولما استمرّت الحركة المتوهّجة والحيّة والفدائيّة والاستشهاديّة, ولما بقيت حياة التشيّع في التاريخ, ولاعتادت أذهان النّاس على تقبّل أيّ شخص يأتي على رأس الحكومة, مهما كانت رؤيته وأخلاقه ومنهج عمله, وينبغي أن يطيعوه كوليّ للأمر!! حتّى لو كان فاسقاً فاجراً, ولما وُجد في مواجهة هذا الفكر الباطل والمنحرف أيّ فكر صحيح وأصيل, وفي هذه الحالة كانت ستستمر هذه الحالة الانحرافيّة بسبب عدم قيام الثورة التي وصلت اليوم, إمّا أنّه لم يكن سيصل إلينا اسم الإسلام، أو إن وصل إلينا اسمه فسيكون فارغ المحتوى.
وإنّ الذي حفظ هذا المحتوى هو ثورة الإمام الحسين عليه السلام. وإنّ ثورة الشعب الإيرانيّ تابعة لهذه الثورة. وإنّ سياسة انتصار الدم على السيف كانت جزءاً من هذه الحركة والفلسفة التي أوجدها الحسين بن عليّ عليهما السلام.
انتصار الجهاد المظلوم
من الدروس الأخرى التي تقدّمها عاشوراء، والتي ينبغي أن تكون محلّ اهتمام لدينا, هو أنّ المواجهة والجهاد مطلوبان حتّى لو تمّ إبادتهما كما حصل في كربلاء فإنّ الله سبحانه لن يدع هذه الدماء تجفّ أبداً! إنّ دماء الإمام الحسين فوّارة متجدّدة, وقد سقت مدرسة الإسلام ومدرسة التشيّع العظيمة على مدى تاريخ الإسلام الطويل, بعثت فيه الحياة وأوصلته إلى عصرنا الحاليّ. انظروا اليوم, لقد نهض الإسلام بكم وقد تعلّمنا من عاشوراء. لولا عاشوراء لما تعلّمنا كيف نقف في مواجهة ظلم النظام الجبّار السابق وجَوْره (نظام الشاه)! هذا هو درس الحسين بن عليّ عليهما السلام.
القدرة الماديّة, مغلوبة للقدرات المعنويّة
انظروا كيف واجهت زينب الكبرى عليها السلام بنتُ فاطمة الزهراء عليها السلام[13] وهي مسبيّة, أقوى سلاطين عصرها، ذلك السلطان الظالم السفّاك، قائلةً له: "كِدْ كيدك واسعَ سعيك, فوالله لا تمحو ذكرنا"[14], ولو كانت القوّة الماديّة قادرة على هذا لما قصّر ذلك الظالم في فعله ولما خُذلت القوى الماديّة عنه اليوم.
الدماء والمظلوميّة, لغة التاريخ الخالدة
لنهضة الإمام الحسين هدفان, يمكن أن يسفر كلّ واحد منهما عن نتيجة طيّبة, الأوّل: أن يستطيع الإمام الحسين عليه السلام التغلّب على حكومة يزيد واسترداد السلطة من يد أولئك الذين يقمعون النّاس ويتلاعبون بمصيرهم, ووضع الأمور في نصابها الصحيح, فلو كان حدث ذلك لتغيّرت مسيرة التاريخ.
وأمّا الثاني فكان عدم تمكّن الإمام الحسين عليه السلام من إحراز هذا النصر السياسيّ والعسكريّ لأيّ سبب من الأسباب، وعندئذٍ لم يكن أمامه سوى استبدال المواجهة بالقول، إلى المواجهة بالدم, والمظلوميّة بلسان لن ينساه التاريخ على مدى الزمان، لتبقى كلمته تيّاراً جارفاً لا ينقطع أبد الدهر. وهذا هو ما فعله الإمام الحسين عليه السلام.
فقد وقع التقصير, وبسبب تقصير الآخرين لم يتحقّق الهدف (البعد) الأوّل، بينما تحقّق الهدف الثاني، وهو الشيء الذي لم يكن باستطاعة أيّة قوّة سلبه من الإمام الحسين عليه السلام، حيث إنّ قوّة التوجّه إلى ميدان الشهادة، والتضحية بالنفس والأحبّة، هما ذلك الحدث العظيم الذي تضاءلت وتلاشت أمام عظمته قوّة العدوّ وعظمته.
السنّة الإلهيّة, الانتصار مشروط
درس عاشوراء هو أنّه: يجب القيام والنهوض مهما كان العدوّ قويّاً. بالطبع يوجد مصيران في نهاية هذا الطريق: الأوّل الانتصار الظاهريّ, والثاني الهزيمة الظاهريّة, وأحد هذين المصيرين هو في انتظار الإنسان.
للتاريخ قوانين وسنن, بالتأكيد عندما تُنجز سلسلة الواجبات والأعمال, سيتحقّق النّصر.
فلو أنّ المسلمين الذين دعوا الإمام الحسينعليه السلام في ذلك العصر, أي أهل الكوفة أنفسهم - وليس جميع المسلمين - قاوموا واستقاموا لكان النّصر حليف الإمام الحسين عليه السلام. فالقضيّة لم تكن على النحو الذي نتصوّره بأنّ الإمام الحسين عليه السلام كان سينتهي به الأمر في المعركة إلى الشهادة حتماً. نعم كان الإمام الحسين عليه السلام يعرف مصيره, لكن في صورة ما لو نهض النّاس وتحرّكوا وصمّموا لتبدّل هذا المصير, كما تمكّنّا نحن. فالشعب الإيرانيّ مع أنّه كان لديه تجربة هزائم قاسية على طول التاريخ إلّا أنّه استطاع في النهاية أن ينتصر, وهذه هي القضيّة في يومنا هذا.
حينما ينهض شعب, ويحافظ على وحدته, ويتحمّل مقداراً من الشدائد والمحن لمدّة قصيرة, حتّى لو لم يستمرّ على الدوام، فإنّه سيتمكّن من الظفر. لقد ثار الإمام الحسين عليه السلام في ذلك اليوم وأدّى وظيفته, لكنّ الآخرين لم يتعاونوا معه, فكانت النتيجة أن وقعت تلك الفاجعة التاريخيّة العظيمة. بالطبع, هذا درس للنّاس والشعوب, وإلى الأبد. هذا هو تقييم الإمام الحسين عليه السلام للموقف والموقع.
سرّ الانتصار على العدوّ
لا شيء يمكنه أن يردع أعداء الإسلام وأدواتهم المجهّزة ويجبرهم على التراجع غير قوّة الإيمان لدى الشعب المسلم. فبهذا العامل الوحيد يمكن إجبار أعداء الدّين، وأعداء الثورة، وأعداء استقلال الشعب على التراجع, وبالتالي يُسقَط في أيديهم.
يمكن للوسائل الماديّة أن يقابل بعضُها بعضاً وتتواجه, إلّا أنّه عندما يحضر عنصر الإيمان والمعنويّات وقوّة الإنسان المؤمن، فلا يمكن لأيّة وسيلة ماديّة أن تتغلّب عليه. فلو لم يكن الأمر كذلك, لما بقيت الحقيقة والعدالة والدّين الحقّ على طول التاريخ, فقد تمّ خلال التاريخ مواجهة الفكر الحقّ والطريق الحقّ. فقد وقف كلّ أصحاب القدرة والمستكبرين في مقابل الحقّ, ونهض كلّ الجبابرة لمواجهته واستخدموا ما حازوا عليه من قدرات وأموال وإمكانات باهظة الثمن حتّى لا يبقى الحقّ, وليزيلوا فكر الحقّ من الدنيا. وإنّ الذي ساهم في بقائه على طول التاريخ وبين النّاس وأبقاه حيّاً هو هذا.
ثمّة أداة تجعل كلّ قوّة المال والذهب والسلطة والفرعونيّة والتجبّر عديمة الفعاليّة, وهي قوّة الإنسان المؤمن ذاتها. عندما يقتحم الإنسان المؤمن ميدان العمل بالإيمان, تُعطّل الوسائل الماديّة.
الانتصار الحقيقيّ والخالد في ظلّ عوامل القدرة المعنويّة
إنّ كلّاً من هؤلاء الرجال الذين أناروا التاريخ بشكل أو آخر- الحسين بن عليّ عليهما السلام والإمام السجّاد عليه السلام وأبي الفضل العبّاس عليه السلام - ظهر في عهده من كان لهم تخيّلات ماديّة باطلة في شأنهم، وهؤلاء قد زالوا واندثروا بالكامل. استُشهد الإمام الحسين عليه السلام في الغربة مع جميع من كان معه من الشباب والوجوه البارزة من عائلته - الإخوة والأولاد والأقارب والصحابة الغيارى - ودُفنوا في منتهى الغربة[15]، ولم يُشيَّعوا، ولم يُقِم أحد عليهم العزاء.
بعضهم كان يتوهّم أنّ بقاء هذه الثلّة قد يدعوهم للانتقام، كانوا يتصوّرون أنّ المسألة ستنتهي بالقضاء على الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه. فالإمام السجّاد عليه السلام يبدو أنّه عاش بعد الإمام الحسين عليه السلام مدة أربع وثلاثين سنة في حالة انزواء في الظاهر بدون أن يشكّل تكتّلاً أو جماعة أو عسكراً أو تمرّداً. أمّا أبو الفضل عليه السلام فقد أصبح واحداً من الشهداء الذين سقطوا يوم عاشوراء.
كانت القوى الماديّة - التي تتسلّط على النّاس بالمنطق الماديّ- تتصوّر أنّ الأمر- كما في العادة - قد انتهى بمجرّد القضاء على هذه الشخصيّات, لكنّ واقع الأمر كان مختلفاً عمّا كانوا يتصوّرون، فلم يُقضَ عليهم، بل خُلّدوا، وأخذ جلالهم وجاذبيّتهم وتأثيرهم يزداد يوماً بعد آخر، فقد استولوا على قلوب النّاس وفتحوها، فزادوا من دائرة وجودهم. واليوم يتبرّك بأسمائهم مئات الملايين - من الشيعة وغير الشيعة - وينهلون من كلامهم، ويبجّلون ذكراهم, إنّه النّصر التاريخيّ، النّصر الحقيقيّ والخالد.
إنّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما هو واقع الأمر في هذه القضيّة؟ وما هو سبب البقاء والخلود؟
برأيي إنّها إحدى أكثر الحقائق أساسيّةً، وفي الوقت نفسه من أوضح حقائق الحياة البشريّة وأشدّها رواجاً، إلّا أنّ شأنها شأن جميع الحقائق الواضحة والبديهيّة، فلا تثير اهتمام الغافلين. فـحقائق العالم جميعها حقائق وظواهر مهمّة, كالشمس والقمر والليل والنهار ومجيء الفصول المختلفة، والحياة والموت, في كلّ واحدة من هذه الحوادث درسٌ جديرٌ بالتدبّر بالنسبة إلى الإنسان، إلّا أنّ الغافلين لا يلتفتون إليها، بينما يعتني بها المتدبّرون وينهلون منها زادهم.
إنّ الحقيقة التي أشرنا إليها هي من تلك الحقائق الواضحة التي كانت على مرّ العصور, وهي أنّه لدينا نوعان من عوامل القدرة: العوامل الماديّة، والنوع الآخر هو القدرة الناشئة عن عوامل معنويّة.
إنّ عوامل القدرة الماديّة هي المال والقوّة التي مارسها الجبابرة على طول التاريخ، صحيح أنّ هذه القدرات قد أثمرت نتيجة ما, إلّا أنّه لم يكتب لهذه القدرة البقاء سوى أيّام معدودة. انظروا إلى جبابرة العالم كم عُمّروا, خاضوا فيه المعارك وسعوا ومارسوا السياسة لأجل اقتطاف ثمار لم تدم إلّا سنوات قليلة, في الواقع هم لم يجنوا أيّ شيء.
لكنّ هناك مجموعة أخرى من العوامل المعنويّة للقدرة، وهي الإيمان والطهر والتقوى والصدق والحقّانيّة، والقيم الدّينيّة التي تقترن بالجهاد والسعي. فهذه القدرة قدرة خالدة، وهذه القدرة لا تعني الأخذ والتخزين والربح والتمتّع، بل هي القدرة على الخلود التاريخيّ، والقدرة على صناعة مصير البشريّة والبقاء, كما هو الحال بالنسبة إلى الأنبياء، فهم أحياء حتّى اليوم. كما إنّ عظماء حَملة مشاعل العدل والحقّ لا زالوا أحياءً في تاريخ البشريّة, وماذا يعني "أنّهم أحياء"؟ أي أنّ النهج الذي سعوا وجاهدوا وناضلوا في سبيل توطينه في نفوس البشريّة، قد بقي في حياة النّاس وغدا مفهوماً خالداً, وصار درساً لا زالت البشريّة تنهل منه.
إنّ الخيرات والصالحات والمحاسن التي نجدها عند البشريّة اليوم ناشئة من تلك الدروس وهي استمرار لتعاليم الأنبياء وجهود كلّ المصلحين والخيّرين، فهذه تبقى وتخلد.
كان لدى الإمام الحسين عليه السلام كلّ عوامل القدرة المعنويّة، ورغم أنّه استشهد في النهاية، إلّا أنّ جهاده لم يكن لأجل التمتّع بلذائذ الدنيا لأيّام معدودة لكي نقول إنّه خسر المعركة بشهادته, بل إنّ جهاده كان لأجل إبقاء منهج التوحيد وحكومة الله ومنهج الدّين والنجاة وصلاح الإنسان، وتخليد هذا المنهج في حياة البشريّة, لأنّه كان ذلك في وقت يسعى فيه عملاء ومأجورون لطمس هذا المنهج كلّيّاً، وأنتم ترون نماذج من أولئك اليوم!
في وقت ما, كانت هذه القضايا تعدّ تصوّرات ذهنيّة إذا ما طُرحت، إلّا أنّ هذه الحقائق الذهنيّة تحقّقت اليوم وأصبح لها واقع.
[1] الأمالي، الصدوق، ص547, عمدة الطالب، ص192, بحار الأنوار، ج44، ص298.
[2] أنساب الأشراف، ج3، ص187, الإرشاد، ج2، ص95, بحار الأنوار، ج45، ص4.
[3] مقتل الحسين، الخوارزميّ، ج2، ص31, بحار الأنوار، ج45، ص34.
[4] مقتل الحسين، المقرّم، ص294.
[5] التاريخ الكبير، ج2، ص30, رجال الطوسيّ، ص21.
[6] تذكرة الخواص، ص227.
[7] من المدينة إلى المدينة، ج5, ص688.
[8] تذكرة الشهداء، ج1، ص504.
[9] مقاتل الطالبيّين، ص95, الملهوف، ص168-169, بحار الأنوار، ج45، ص46.
[10] ثواب الأعمال، ص220, بحار الأنوار، ج45، ص305.
[11] الإمامة والسياسة، ج2، ص12, تاريخ الطبريّ، ج4، ص331, الخرائج والحرائج، ج2، ص581, تذكرة الخواص، 260, بحار الأنوار، ج45، ص114.
[12] الإمامة والسياسة، ج2، ص12-13, تاريخ الطبريّ، ج4، ص352, الفتوح، ج5، ص131, الإرشاد، ج2، ص117, مقتل الحسين، الخوارزميّ، ج2، ص65-66, مناقب آل أبي طالب، ج3، ص305, بحار الأنوار، ج45، ص161.
[13] الطبقات الكبرى, ج3, ص14, تاج المواليد, ص23, بحار الأنوار, ج42, ص74.
[14] بلاغات النساء, ص21-23, الاحتجاج, ج2, ص34-37, بحار الأنوار, ج45, ص133-134.
[15] تاريخ الطبريّ, ج4, ص348, الإرشاد, ج2, ص114, بحار الأنوار, ج45, ص62.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|