المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية ماشية اللبن في البلاد الأفريقية
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية مصر العربية
2024-11-06
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06



آيات الله في نمو الجنين‏  
  
35072   06:22 مساءاً   التاريخ: 13-11-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج2 ، ص 55-72.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز العلمي والطبيعي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-11-2014 1623
التاريخ: 8-10-2014 1533
التاريخ: 2023-10-01 1254
التاريخ: 23-11-2014 5417

ظلت تحولات نمو الجنين في بطن أمه ولسنين طويلة خافية عن أعين العلماء ، إلى‏ أن رفعت يد العلم النقاب عن هذا العالم المملوء بالأسرار ، وأظهرت أنّ النطفة عندما تستقر في محلها من الرحم وتبدأ سيرها التكاملي ، ماذا تطوي من المراحل المختلفة والمتنوعة حتى‏ تصبح على‏ هيئة إنسان كامل ، والعجيب أن القرآن الكريم أكد عدة مرات على‏ قضية نمو الجنين في آياته المختلفة وفي ذلك العصر والزمان الذى لم تكن فيه علوم ولا اكتشافات ، تارةً لإثبات التوحيد وتارة لإثبات المعاد.

مع إنّ‏ «علم الأجنة» ما زال في مراحله الأولى ، ومعلوماتنا عن هذا العالم الغامض ما تزال قليلة جدّاً ، ولكن حتى‏ هذا المقدار الذي كشف العلم البشري النقاب عنه ، قد وضع دنيا من العجائب والغرائب مقابل أعين العلماء.

بهذه الإشارة نتأمل خاشعين في الآيات الكريمة التالية :

1- {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِّنْ طِيْنٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرارٍ مَّكِيْنٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِيْنَ}. (المؤمنون/ 12- 14)

2- {الَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّنْ مَّنِىٍّ يُمَنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى‏* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الَذَّكَرَ وَالأُنْثَى‏}. (القيامة/ 37- 39)

3- {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُّطْفَةٍ فَاذا هُوَ خَصِيْمٌ مُّبْينٌ}. (يس/ 77)

4- {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}. (الكهف/ 37)

5- {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَّنْ يُتَوّفىَ مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أجلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْنَ} «1». (غافر/ 67)

شرح المفردات :

«العلقة» : من مادة (عَلَق) (على‏ وزن شفق) وهي في الأصل بمعنى‏ العلاقة والإرتباط بشى‏ء ، ولهذا جاءت كلمة «عَلَق» بمعنى‏ «الدم المتخثر» و «الديدان المصاصة للدماء» ، وقد سميت‏ «العلقة» بهذا الاسم لأنّها احدى‏ مراحل تكوين الجنين في رحم الأم ، فهي تشبه قطعة الدم المتخثرة «2».

جاء في‏ «مقاييس اللغة» أنّ أصل مفهوم هذه المفردة هو ارتباط وتعلق شي‏ء بموجود أعلى‏ منه ثم اتسع مفهومها بعد ذلك‏ «3».

«المضغة» : من مادة (مَضْغ) بمعنى‏ مضغ الطعام وبمعنى‏ قطعة اللحم التي يمضغها الإنسان لمرة واحدة شرط أن تكون غير مطبوخة ، وإطلاق هذا المصطلح على‏ إحدى‏ مراحل الجنين التي تأتي بعد مرحلة «العلقة» جاء من باب تشابهها مع مثل هذا اللحم ، ففي ذلك الحين يصبح الجنين على‏ شكل قطعة حمراء فيها الكثير من العروق ذات اللون الأخضر ، ويقال أحياناً «قلب الإنسان مضغة من جسده» ، كل هذه التعابير تعود إلى‏ أصل واحد «4».

«المنيّ» : في الأصل من مادة (مَني) (على‏ وزن سَعي) بمعنى‏ التقدير والقياس ، وبما أنّ في ماء النطفة مقياس إنسان أو حيوانٍ ما ، فقد اطلقت هذه المفردة عليه ، ولهذا أيضاً يسمى‏ الموت ب «المنيّة» فهي الأجل المقدر للإنسان أو الحيوان.

وإطلاق مفردة «التمنّي» على‏ الآمال جاء بسبب أنّ الإنسان يُصوِّر ويُحدِّد آماله في قلبه ، ولأنّ الكثير من الآمال لا تطابق الواقع تأتي مفردة «الأمنية» أحياناً بمعنى‏ الكذب‏ «5».

عالم الجنين الغامض :

كما اشرنا سابقاً فإنّ القرآن الكريم أكد مراراً على‏ مسألة المراحل التكاملية لنمو الجنين في رحم الأم ، ودعا الناس كافة إلى‏ مطالعتها بدقة ، واعتبرها إحدى‏ الطرق للوصول إلى‏ معرفة اللَّه ، وكذلك إحدىَ طرق إثبات إمكانية المعاد.

إنّ الآيات الأولى المعنية بالبحث وبقرينة العبارة الأخيرة منها : {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الْخَالِقْينَ} تشير إلى‏ قضية التوحيد ، وبالرغم من أنّ الآيات اللاحقة من نفس سورة «المؤمنون» هذه تدلّ على‏ أنّها تشير إلى قضية المعاد أيضاً وبهذا تكون هذه الآيات قد تعرضت إلى مسألة معرفة اللَّه وتوحيده بالإضافة إلى معاد.

وقد تحدثت في البداية عن خلق الإنسان من‏ {سُلالَةٍ مِّنْ طِيْنٍ} ثم من‏ {نُطْفَةٍ فِى قَرارٍ مَكِيْنٍ} ، وبعد ذكر هاتين المرحلتين تنتقل إلى ذكر خمس مراحل أخرى‏ :

1- مرحلة «العلقة» حيث تتبدل النطفة إلى‏ دم متخثر في داخله الكثير من العروق.

2- مرحلة «المضغة» حيث يصبح هذا الدم المتخثر على‏ شكل قطعة من اللحم.

3- مرحلة «العظام» حيث تتبدل كل الخلايا اللحمية إلى خلايا عظمية.

4- يأتي دور مرحلة تغطية العظام باللحم حيث تغطي العضلات كل العظام : «كَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً».

5- هنا تتغير لهجة القرآن وتخبرنا عن تحول وخلق مهم وجديد للجنين ، فيقول بتعبير فيه أسرار وخفايا : {ثُمَّ أَنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ}.

وعندما تنتهي هذه المراحل السبع يصف القرآن هذه الخلقة العجيبة أجمل وصف بعبارة : {فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقْينَ} ، وهي عبارة لم تأتِ في أي آية أخرى‏ من القرآن ولم تستخدم في مجال أي موجود آخر.

ذكر المفسرون تفاسير متنوعة في المراد من العبارة الغامضة : «الخلق الآخر».

ويبدو أن أنسبها وأقربها إلى القصد هو بلوغ الجنين مرحلة الحياة الإنسانية ، حيث يظهر فيه الحس ويبدأ بالحركة ، ويضع قدماً في عالم الحيوانات والبشر ، يعبر القرآن عن هذه الطفرة الكبيرة والعجيبة بكلمة «الإنشاء» في إشارة إلى‏ الطريق الطويل الذي يقطعه الإنسان خلال هذه المدة القصيرة.

نقرأ في حديث عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير عبارة : {ثُمَّ أَنْشَأناهُ خَلْقاً آخَرَ} قوله : «هو نفخ الروح فيه» «7».

صحيح أنّ الجنين كائن حي مند لحظاته الأولى‏ ، ولكنه وحتى‏ فترة معينة لا يمتلك أي إحساس وحركة في بطن الأم ، ويكون في الحقيقة أشبه بالنبات منه بالحيوان أو الإنسان ، ولكن بعد مضي عدّة أشهر تُبعثُ فيه الروح الإنسانية ، ومن هنا جاء في الروايات الإسلامية أنّ الجنين لا يستحق قبل بلوغه هذه المرحلة الدية الكاملة أبداً ، أمّا إذا بلغ هذه المرحلة كانت ديته نفس الدية الكاملة للإنسان‏ «8».

التعبير ب «أَحسن الخالقين» بالرغم من أنّه لا خالق غير اللَّه إنّما هو لأجل أنّ مفردة «الخلق» ليست فقط بمعنى‏ الإيجاد بعد العدم فحسب ، بل لها معان أخرى‏ منها : «التقدير» و «الصناعة» و«إعطاء الأشكال الجديدة للأشياء الموجودة في العالم» ، ولا شك أنّ الإنسان يستطيع بما منحه اللَّه من قوى‏ أن يوجد تغييرات كثيرة على‏ مواد هذا العالم‏ المختلفة ، فيصنع من الحديد والفولاذ المصانع والمعامل أو يبني من المواد الإنشائية بناءً عظيماً بأحجام مختلفة.

إذن فللخلق مفهوم واسع يشمل كل هذه الأمور.

ولهذا وَرَد في القرآن الكريم عن لسان النبي عيسى‏ عليه السلام قوله : {إِنِّي أخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطِّيْنِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيْهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ}. [آل عمران/ 49]

وبالطبع فإنّ الخالق الحقيقي أي ذلك الذي يوجد المادة والصورة وإليه تعود كل قدرات وخواص الأشياء هو اللَّه فقط ، ومهمّة غيره من الخالقين وهم الخالقون المجازيون ، هي تغيير الأشكال وتصميم المواد.

تشير الآية الثانية من الآيات المنظورة إلى‏ مرحلة بداية ظهور الإنسان أولًا ، أي عندما كان قطرة ماء حقير اسمه المني ، ثم تذكر مرحلة العلقة فقط من بين مراحل نمو الجنين ولا تذكر المراحل الأخرى‏ إلّا تحت عنوان : «فَخَلَقَ فَسَوّى‏» وهو تعبير شامل جدّاً ، وتشدِّد خاصة على‏ قضية ولادة الجنس «المذكر» و «المؤنث» وهي من أعقد المظاهر المتعلقة بعلم الأجنة : {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والْأُنْثى‏}.

«سوَّى» : من مادة (تسوية) بمعنى‏ التنظيم والتسوية ، ويعتقد البعض أنّها إشارة إلى‏ خلق الروح الذي جاء في الآية السابقة بشكل آخر.

ويرى‏ البعض أنَّ كلمة «الخلق» إشارة إلى‏ خلق الروح ، وكلمة «سوّى‏» إشارة إلى‏ تنظيم وتعديل أعضاء الجسم الإنساني ، وفسّرها البعض بالتعديل والتكميل.

لكن الظاهر أنّ تعبيرات الآية شاملة وواسعة بحيث تستوعب كل ألوان الخلق والتنظيم والتعديل والتكامل التي تطرأ على‏ العلقة حتى‏ ساعة وضع الحمل‏ «9».

يقول الراغب في كتاب المفردات : تقال‏ «التسوية» لصيانة الشي‏ء من الأفراط والتفريط من حيث المقدار والنوعية.

في الآية الثالثة يؤكد على‏ نقطة جديدة أخرى‏ ويقول بعد الإشارة إلى‏ خلق الإنسان من النطفة «خصيم مُبين».

وقد وردت تفاسير متعددة لهذا التعبير : فقالوا تارة إنّها إشارة إلى‏ مرحلتي‏ «الضعف» و «القوة» لدى‏ الإنسان ، حيث كان يوماً ما نطفة حقيرة ويصبح لاحقاً قوياً ومقتدراً إلى‏ درجة قيامه بالخصومة والضجيج ازاء كل شخص حتى‏ ازاء اللَّه !.

وقالوا تارة إنّها إشارة إلى‏ ملكة النطق والفهم والشعور لدى‏ الإنسان ، فهذه النطفة الحقيرة يصل بها الأمر إلى‏ عدم الاقتصار على‏ النطق فقط ، بل إلى‏ التمتع بالقدرة على‏ الاستدلال المنطقي بأنواعه والاقتدار العقلي ، ونحن نعلم أنّ ظاهرة النطق والبيان والمنطق والاستدلال من أهم ظواهر الوجود الإنساني.

وقيل أحياناً : إنّ هذا التعبير إشارة إلى‏ النزاع العجيب الذي يحصل بين الخلايا الذكرية (الحيامن) من أجل التسلط والاتحاد بالخلية الانثوية (البيضة) ، لأنّ نطفة الذكر عندما تدخل الرحم تتحرك آلاف الحيامن بسرعة كبيرة لتصل إلى‏ نطفة الأنثى‏ وتتحد معها.

وأول حيمن يصل إليها وينفذ إلى داخلها يسد الطريق على‏ بقية الحيامن ، لأنّ غشاءً مقاوماً سيحيط بالبيضة ويمنع من نفوذ بقية الحيامن إليها ، وبهذا فإنّ البقية سيهزمون في هذا الصراع العجيب ويمتصهم الدم ، ولهذا يشير القرآن الكريم بعد ذكر مرحلة النطفة إلى قضية «خصيم مُبين» «10».

في الآية الرابعة أيضا يرد ذكر الخلقة من التراب ثم النطفة وبعد ذلك مرحلة التسوية والتنظيم ، وفي الآية الخامسة وهي آخر الآيات يضيف القرآن إلى‏ كل هذا مرحلة «الولادة» وخروج الجنين من بطن الأم على شكل طفل وليد : {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}.

وكما نعرف فإنّ أهم عجائب الجنين هي نهاية عمره ، بالولادة ، أية عوامل تؤدّي إلى إصدار الأوامر للجنين بالخروج في لحظة معينة! وتقلبه عن شكله العادي (في الحالة العادية يكون رأس الجنين إلى‏ الأعلى‏ ووجهه إلى‏ ظهر الأم) فترسل رأسه إلى‏ الأسفل لتسهيل عملية ولادته؟!.

في البداية يُخرق كيس الماء الذي كان الجنين يسبح فيه ، وتخرج المياه ويستعد الجنين لدخول الدنيا لوحده.

يصيب الأم ألم شديد ، تضغط كل عضلات بطنها وظهرها وجانبيها على‏ الجنين ، وتدفعه إلى الخارج.

إنّ التفاعلات الكيميائية والتغييرات الفيزيائية التي تحصل للجسم أثناء الولادة على‏ درجة من الغرابة والعجب بحيث تحكي جميعها عن علم وقدرة غير متناهيين أوجدا هذه البرامج لمثل هذا الهدف المهم.

وبهذا نستنتج بوضوح من الآيات المذكورة أنّ النظام المعقد والمذهل لنمو الجنين يُعَدُّ من الآيات والعلامات المهمّة التي تخبر عن وجود العلم والقدرة اللامتناهية لموجده ، ومن جانب آخر على‏ قدرته على‏ قضية المعاد والحياة بعد الموت ، ذلك أنّ الجنين يتخذ كل حين حياةً ومعاداً جديداً ، ولذلك كان هذا النمو دليلًا على‏ التوحيد بقدر ما هو دليل على‏ المعاد.

توضيحات‏

1- صورة في الماء

هنالك مثل رائج ومشهور عندما يراد التذكير بعدم ثبات شي‏ء معين فيقولون : «إنّه كالصورة في الماء» لأنّها تتبعثر بأقل حركة أو نسيم ، لكن العجيب أنّ اللَّه الكبير يجعل كل الصور المختلفة للإنسان وللكثير من الأحياء الأُخرى‏ صوراً في الماء ويودع كل هذه الصور في قطرة من ماء النطفة ، من يرسم الصور في الماء سوى‏ اللَّه الكبير؟

2- في ظلمات ثلاث‏

والأغرب من ذلك حسب قول القرآن ، هو أنّ هذه الخِلَقِ التي يوجدها اللَّه واحدة تلو الأخرى‏ في ماء النطفة ليخرجها خلال فترة قصيرة على‏ هيئة إنسان كامل يقوم بها عز وجل جميعاً في محل مظلم لا تصل إليه يَدُ أحد ، كما يقول القرآن : {يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُوْنِ امَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُم لَهُ الْمُلْكُ لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى‏ تُصْرَفُوْنَ}. (الزمر/ 6)

إنّ الظلمات الثلاث كما يرى‏ الكثير من المفسرين وكما أشارت بعض الروايات هي :

ظلمة بطن الأم ، ثم ظلمة الرحم ، وبعد ذلك ظلمة «المشيمة» (الكيس الخاص الذى يحتوي الجنين) التي تكون على‏ شكل ثلاث ستائر سميكة حول الجنين‏ «11».

يحتاج الرسامون والنحاتون المهرة أن ينفذوا صورهم أمام النور والضياء الكامل ، لكن ذلك الخالق الكبير يرسم صورة على‏ الماء في ذلك المنزل المظلم بحيث يفتن ويبهر الجميع ويجذبهم للمشاهدة.

3- مقر الأمن والامان‏

يقول القرآن بصراحة : إننا جعلنا نطفة الإنسان في مقر الأمن والأمان : {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرارٍ مَكْينٍ}. (المؤمنون/ 13)

والحقيقة إنّ أكثر نقاط الجسم صوناً هي تلك التي تستقر فيها النطفة والجنين بحيث تكون محمية من كل جانب ، فمن ناحية هنالك العمود الفقري والأضلاع ، ومن ناحية أخرى‏ هنالك العظم القوي المسمى‏ بالحوض ، ومن ناحية ثالثة الأغطية والعضلات المتعددة التي تحتويها البطن ، بالإضافة إلى‏ أن أيدي الأم تتحول بشكل لا شعوري أثناء وقوع بعض الحوادث الخطيرة إلى‏ درع مقابل البطن !

والأغرب من كل هذا أنّ الجنين يقع في داخل كيس مملوء بماء لزج بحيث يكون معلقاً في داخل ذلك الكيس وفي حالة تامة من فقدان الوزن ، أي لا يواجِهُ أي ضغط من أي جانب ، ذلك أنّ بنية الجنين وخاصة في بداياته تكون رقيقة جدّاً بحيث يمكن لأقلّ ضغط عليه أن يسحقه.

ولهذا الكيس بما يحتويه من ماء خاصية القابلية على‏ مواجهة الضربات ، وهو تماماً كاللوالب المرنة التي توضع لأفضل السيارات ، حيث بإمكانها امتصاص وابطال مفعول أية ضربة توجه إليه نتيجة الحركات السريعة للأم.

والألطف أنّه يحفظ درجة الحرارة بالنسبة للجنين ضمن الحدود المعتدلة ، ولا يسمح للحرارة والبرودة المفاجئة التي تهاجم بطن الأم من الخارج أن تترك آثارها بسهولة على‏ الجنين !

فهل يمكن العثور على‏ مقر أكثر أماناً من هذا؟ وما أجمل تعبير القرآن حين يسمي مقر النطفة ب «القَرار المكين» ؟ !

4- خصيمٌ مبين‏

هذه أيضاً إحدى‏ عجائب الجنين ، سواء فسرناها بمعنى‏ قدرة الإنسان على‏ الكلام والاستدلال والاحتجاج ، كما قال بعض المفسرين ، أو فسرناها كونها المسابقة والنزاع الذي يحصل بين الحيامن أثناء الحركة باتجاه البويضة (نطفة الأنثى‏) في رحم الأم ، والذي ينتهي بنجاح أحد الحيامن في اتحاده بالبويضة ، أمّا بقية الذين انهزموا في هذه الخصومة فانّهم يفنون ويجذبهم الدم ، أو اعتبرناها إشارة إلى‏ كلا التفسيرين.

وعلى‏ كل حال ، فهذه من النقاط الظريفة والبديعة للجنين ، إذ يظهر من موجود منحط وحقير ظاهرياً إِلى‏ ظاهرة سامية وقيّمة جدّاً.

5- تغذية الجنين‏

تغذية الجنين بدورها إحدى‏ العجائب ، لأنّ النمو والرشد السريع للجنين يستلزم مواداً غذائية كاملة ونظيفة ومصفّاة من ناحية ، ومن ناحية أخرى‏ يحتاج إلى‏ الأُوكسجين والماء بالمقدار الكافي الذي يجب أن يصل الجنين بشكل مستمر ، وقد جعل اللَّه هذه المهمّة على‏ عاتق جهاز اسمه‏ «الحبل السري» الذي خلقه منذ اللحظات الأولى‏ إلى‏ جانب الجنين ، والذي يرتبط من أحد طرفيه بقلب الأم عن طريق شريانين ووريد واحد ، ومن طرفه الآخر بالجنين عن طريق عقدة السُرّة.

يمتص هذا الجهاز كل المواد الغذائية والماء والاوكسجين اللازم بواسطة نظام الدورة الدموية للأم ، ثم ينقل هذه المواد بعد تصفيتها ثانيةً إلى‏ الجنين ، ثم يقوم باستقطاب الفضلات والزوائد والكاربونات وما شاكل ويعيدها إلى‏ دم الأم.

إذن فالحبل السري يلعب دور الجذب والدفع بالإضافة إلى‏ كونه مصفىً بحيث يستطيع الإنسان من خلال مجرّد مطالعته للبناء المذهل لهذا الحبل السري أن يصل إلى‏ عظمة الخالق.

اللطيف أنّه ورد حديث عن أحد المعصومين عليهم السلام يقول فيه ما معناه : إنّ الجنين يستفيد من النسيم الذي تستنشقه الأم !

لم تمض سوى سنوات على‏ اكتشاف العلماء بأنّ رئتي الجنين لا تقومان بنشاطهما التنفسي وأنّه يسبح في ماء الرحم وأنّه بحاجة إلى‏ الأُوكسجين ؟ ولم تمض سوى سنوات على‏ معرفتهم أنّ الاوكسيجين الذي تستنشقه الأُم يدخل إلى‏ دمها وينتقل إلى‏ الحبل السري فينتفع منه الجنين عن طريق سُرّته؟

على‏ أيّة حال ، لم يمض زمن طويل على‏ ذلك لكن العين البصيرة للإمام عليه السلام رأت هذه الحقيقة منذ مئات السنين فقال : إنّ الجنين يستفيد من هذا النسيم ، هل هناك تعبير مقابل الهواء الملوّث الذي نتنفسه أفضل من كلمة النسيم الذي استخدمه الإمام للإشارة إلى‏ الأُوكسيجين؟ «12»

6- مصير الجنين من حيث الجنس‏

لم يتمكن أحد من الإجابة عن السؤال القائل : كيف وبتأثير أيّة عوامل يصير الجنين ذكراً أو أُنثى‏؟ أي أنّ العلم لم يعثر لحد الآن على‏ جواب له ، فمن الجائز أن تكون بعض المواد الغذائية أو الأدوية مؤثرة في هذا المجال ، لكن المسلم بهِ هو أن تأثيرها ليس مصيرياً وجازماً.

ومع هذا فالعجيب مشاهدة تعادل نسبي دائم بين هذين الجنسين (الرجل والمرأة) في المجتمعات البشرية ، وإن كان ثمّة اختلاف فانّه ليس بالاختلاف الملفت للنظر.

تصوروا يوماً يختلُّ فيه هذا التعادل فتكون نسبة الرجال إلى‏ النساء عشرة إلى‏ واحد مثلًا ، أو على‏ العكس يكون عدد النساء عشرة أضعاف الرجال ، أيّة مفاسد عظيمة سوف تظهر؟ وكيف سيضطرب نظام المجتمعات البشرية ؟ وهل أنّ المجتمع الذي يكون فيه مقابل كل رجل عشر نساء أو مقابل كل إمرأة عشرة رجال يستطيع أن يوفر لنفسه حياة هادئة؟

لكن الذي خلق الإنسان لحياة سالمة ، أَوجد هذا التوازن العجيب والغامض فيها ، أجل إنّ اللَّه تعالى‏ ووفقاً لمشيئته وحكمته يهب لمن يشاء ذكوراً ويهب لمن يشاء إناثاً : {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يشاء الذُّكُورَ}. (الشورى‏/ 49)

لكن هذه المشيئة والإرادة محسوبة.

7- تغيّرات سريعة ومبهمة

من العجائب الأُخرى‏ في الجنين ، أنّ النطفة الأصلية للإنسان تكون في بدايتها مجرّد موجود أُحادي الخلية ، ينمو ويكثر بواسطة الانشطار على‏ شكل متوالية هندسية ، تحدث هذه الكثرة وهذه التحولات بصورة سريعة جدّاً وكما قال القرآن : {خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} ولو استمر هذا النمو على‏ هذه السرعة بعد الولادة لكانت للإنسان خلال مدّة قصيرة قامة بطول الجبال ! ولضاق به وجه الأرض ، ولكن نفس الذي منح الجنين السرعة في سيرهِ التكاملي سوف يخفف منها عند وصول الإنسان إلى‏ مرحلة معينة ثم يوقفها بالتدريج !

8- نظرة الرحم المستقبلية !!

ما هي العوامل التي تجعل من الخلايا الناتجة عن خلية واحدة تأخذ أنواعاً متباينة :

خلايا غضروفية ، عظمية ، عضلية ، جلدية ، وغيرها؟ هل هو الرحم الذي قدّر مستقبل هذا الموجود فمنح الخلايا أشكالها كلّاً في محلها؟ إن كان له مثل هذا الذهن والقدرة والابداع فمن وهبه هذا الذهن والقدرة والإبداع ؟!

يقول العالم المعروف‏ «الكسيس كارايل» في كتاب‏ «الإنسان ذلك المجهول» : «كأنَّ كل جزء من الجسم على‏ معرفة بالاحتياجات الحالية والمستقبلية لكل الجسم ، وهو يغير نفسه وفقاً لهذه الإحتياجات ، للزمان والمكان مفاهيم أخرى‏ عند الأنسجة ، لأنّها (الأنسجة) تدرك جيداً البعيد كإدراكها للقريب والمستقبل كإدراكها للحال ، فمثلًا تصبح الأنسجة اللينة للأعضاء الجنسية للمرأة في نهاية فترة الحمل ألين وأكثر قدرة على‏ الاتساع ، وهذا التغيّر يُسهّل عبور الجنين في الأيام اللاحقة عند الولادة ، وفي نفس الوقت تزداد خلايا الثدي ويكبر هذا العضو بل إنّه يمارس نشاطه وينتج اللبن استعداداً لتغذية الوليد حتى‏ قبل الولادة..

إنّ وضع وسلوك العضلات على‏ طول فترة نمو الجنين في رحم الام ، يكون وكأنّها تعلم المستقبل مسبقاً ، فيُراعى‏ انسجام الأعضاء في لحظتين زمنيتين متفاوتتين أو في نقطتين مكانيتين مختلفتين» «13».

مهما سمينا هذا الموضوع فانّه لن يتغير ، لكنه على‏ أيّة حال يخبر بوضوح عن وجود مبدأ كبير للعلم والقدرة فيما وراءَه.

9- كساء للعظام‏

قرأنا في تفسير الآية 14 من سورة المؤمنون أنّ للقرآن تعبيراً خاصاً عن قضية ظهور العضلات يقول فيه : {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً} ، إنّ اختيار كلمة : «كَسَوْنَا» إحدى‏ معجزات القرآن العلمية ، فقد ثبت اليوم أنّ العظام تظهر قبل الأنسجة اللحمية «14».

10- خروج الجنين‏

كما قرأنا في تفسير الآية 5 من سورة الحج ، فإنّ اللَّه ينسب إخراج الجنين من الرحم إلى‏ نفسه : {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} إنّ هذا التعبير يكشف عن أهميّة عملية الولادة التي توصل إليها العلماء في عصرنا الحاضر.

ما هو العامل الذي ينظم زمان الولادة ؟ وما هي الظروف اللازمة لإصدار الأوامر للجنين بالخروج؟ وكيف تُعَدُّ جميعُ أعضاء الجسم لهذا التحوّل المهم؟ وضمن أيّة عوامل ينقلب جسم الجنين تدريجياً ليخرج رأسهُ إلى‏ الدنيا أولًا؟ هل تراه يعلم أنّ ولادته ابتداءً برجليه غير ممكنة أو أنّها مستعصية جدّاً ؟ مَن يصدر الأوامر لكل عضلات جسم الأم بتسليط أشد الضغوط على الجنين من أجل الخروج ؟

وتظهر أهميّة هذا الموضوع عندما يختل هذا النظام نادراً ويضطر الأطباء إلى‏ عملية «فتح البطن» «الولادة القيصرية» ، وربّما كان وجود مثل هؤلاء الأشخاص القلة ، إنذاراً للجميع لكي يفكروا بأهميّة هذا الموضوع.

بالطبع يمكن في بعض الحالات التنبؤ بزمان الولادة على‏ وجه التقريب ، ولكن في بعض الحالات تحصل الولادة قبل الموعد وأحياناً بعده.

وهكذا فإنّ عملية الولادة بكل ما يتعلق بها من أمور محسوبة ، إنّ هي إلّا آية أخرى‏ من آياته تبارك وتعالى.

11- التغيّرات المذهلة في لحظة الولادة

ذكرنا أنّ أحداً لا يستطيع تعيين لحظة الولادة بصورة دقيقة ، وما يتنبأ به الأطباء عموماً أو خصوصاً لإخبار الناس فإنّه ذو طابع تخميني فقط ، كما تقول الآية :

{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى‏ وَمَا تَغِيْضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَى‏ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} «15». (الرعد/ 8).

ظاهر الآية أنّ هذا من العلوم الإلهيّة الخاصة ، وهو العلم بخصائص الجنين من كل الجوانب قبل ولادته ، فهو عزوجل لا يعلم بالجنين من حيث جنسه فقط وإنّما يعلم بكل قابلياته وأذواقه وصفاته الظاهرة والباطنة ، كما أنّ لحظة ولادته لا يعلمها إلّا اللَّه ، ومن أجل أن لا نتصور أنّ الزيادة والنقصان تأتيان بدون حساب أو مبرر ، بل إنّ ساعتها وثانيتها ولحظتها محسوبة جميعاً ، فقد أضاف قائلًا : {وكُلُّ شي‏ء عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}.

المثير هو ظهور تغيرّات عجيبة على‏ نظام حياة الوليد في لحظة ولادته وهي تغيرات ضرورية جدّاً لتكييفه مع المحيط الجديد ، وسوف نشير إلى‏ اثنتين منها فقط :

أ) تغيّر نظام دوران الدم ، فعملية دوران الدم في الجنين دوران بسيط ، لأنّه لا يتحرك الدم الملوّث نحو الرئتين من أجل التصفية ، إذ لا تنفس هناك ، ولهذا كان إثنان من أجزاء قلبه (البطين الأيمن والأيسر) الذي يتحمل أحدهما مسؤولية إيصال الدم إلى‏ الأعضاء والثاني يتحمل مسؤولية إيصال الدم إلى‏ الرئتين للتصفية ، على‏ اتصال مع بعضهما ، ولكن بمجرّد أن يولد الجنين تُغلق البوابة بينهما وينقسم الدم إلى‏ قسمين ، قسم يُرسل إلى‏ كل خلايا الجسم لتغذيتها والقسم الآخر إلى‏ الرئتين لتصفيته.

أجل ، ما دام الجنين في بطن الأُم فإنّه يحصل على‏ ما يحتاج من الأوكسجين من دم الام ، لكن عليه أن يكتفي ذاتياً بعد الولادة ويحصل على‏ الاوكسجين بواسطة الرئة والتنفس ، الرئة التي كانت قد خِلُقتْ وأُعدّت مسبقاً بشكل تام في رحم الأم ، سوف تمارس عملها فجأة بأمر إلهي واحد ، وهذا من العجائب حقاً.

ب) إنسداد عقدة السُرّة وجفافها وسقوطها (عادةً ما يقطعون عقدة السرة التي تعتبر طريق تغذية الجنين بواسطة الحبل السري من دم الأم ، ولكن حتى‏ لو لم يقطعوها فإنّها تتيبس وتسقط تدريجياً).

أي كما أنّ طريق الحصول على‏ الاوكسجين يتغير عند الولادة ، فإنّ طريق التغذية يتغير أيضاً وبشكل مفاجي‏ء ، ويبدأ الفم والمعدة والأمعاء التي اكتملت في الفترة الجنينية ولكنها لم تكن تعمل ، فتبدأ بالعمل فجأة ، وهذه واحدة أخرى‏ من العجائب المهمّة في خلقة الإنسان.

12- بكاء الأطفال‏

غالباً ما يكثر الأطفال الرضّع من البكاء ، من الممكن أن يكون هذا البكاء دلالة على‏ آلامهم ، فهم لا يمتلكون لساناً غير لسان البكاء للإفصاح عن الألم ، أو أنّه بسبب الجوع والعطش ، أو بسبب الانزعاج إزاء ظروف الحياة الجديدة سواء كانت حراً أو برداً أو ضوءً شديداً أو ما شابه ، لكن من الممكن أن يبكي الأطفال بدون هذه الظروف أيضاً ، وهذا البكاء رمز حياتهم وبقائها.

فهم في ذلك الحين بحاجة شديدة إلى‏ الرياضة والحركة والحال أن ليس بإمكانهم الرياضة ، الرياضة الوحيدة القادرة على‏ تحريك كل وجودهم بما فيه الأيدي والأرجل والقفص الصدري والبطن وإدارة الدم بسرعة في كل العروق لتغذية كافة الخلايا بصورة متواصلة ، هي‏ «رياضة البكاء» التي تعتبر بالنسبة للطفل رياضة كاملة ، ومن هنا إذا لم يبكِ الوليد فيُحتمل أن يتعرض لأضرار جمّة أو تتعرض حياته كلها إلى الخطر.

وفضلًا عن هذا فإنّ هنالك رطوبة عالية في مخ الأطفال إذا بقيت هناك يمكن أن تؤدّي إلى أمراض وأوجاع شديدة ، أو تسبب العمى‏ ، والبكاء يعمل على‏ خروج الرطوبة الزائدة من أعينهم على‏ شكل دموع ، فيضمن ذلك صحتهم.

يقول الإمام الصادق عليه السلام في حديثه المعروف ب «توحيد المفضل» بعد الإشارة إلى‏ هذا الأمر : «أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ووالداه لا يعرفان ذلك فهما دائبان ليسكتاه ويتوخّيان في الأُمور مرضاته لئلا يبكي ، وهما لا يعلمان أنَّ البكاء أصلح له وأجمل عاقبةً ...» «16».

وفي نفس الرواية ، يشير الإمام عليه السلام إلى جريان الماء من أفواه الأطفال الذي يكمّل مهمّة دموع أعين الأطفال ، ويقول : «فجعل اللَّه تلك الرطوبة تسيل من أفواههم في صغرهم لما لهم في ذلك من الصحة في كبرهم» «17».

13- اليقظة التدريجية للعقل والحواس عند الأطفال‏

لو كان للطفل عقل منذ البداية فلا شك أنّه كان يتألم بشدة ، لأنّه سوف يشعر آنذاك بالضعف والمذلة ، فهو لا يستطيع المشي ولا الأكل ولا القيام بأبسط الحركات ، يجب أن يلفّوه بقماش ويضعوه في المهد ويغطوه بغطاء ويشطّفوه ويحفظوه.

يقول الإمام الصادق عليه السلام ضمن الإشارة إلى هذا الموضوع في حديثه المسمى‏ ب «توحيد المفضل» : «فإنّه لو كان يولد تام العقل مستقلًا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الأولاد ، وما قدر أن يكون للوالدين في الأشتغال بالولد من المصلحة ...» «18».

بالإضافة إلى‏ أنّ الانتقال إلى‏ عالم جديد بكل شى‏ء ومجهول كان سيسبب له من الوحشة والاضطراب ما قد يضر بفكره وأعصابه ، لكن تلك القدرة الأزلية التي خلقت الإنسان للتكامل قدّرت فيه كل هذه الأصول.

كذلك لو كانت حواسه متكاملة ، وفتح عينيه فجأة وشاهد مشاهد جديدة واستمعت أذنه إلى‏ الأصوات والأنغام الجديدة ، لما كان في وسعه تحملها ، فكان التدريج في تلقي برامج الحياة الجديدة هو الاسلوب الأمثل.

الملفت للنظر أن القرآن الكريم يقول : {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَاتَعْلَمُوْنَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصارَ والأَفْئِدةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُروُنَ}. (النحل/ 78) وفقاً لهذه الآية فإنّ الإنسان لا يمتلك أي علم في البداية ولا يتمتع حتى‏ بالسمع والبصر ، ثم وهبه اللَّه القدرة على‏ السماع والنظر والتفكير ، ربّما كان ذكر السمع قبل ذكر الأبصار إشارة إلى‏ أنّ النشاط السمعي عند الوليد يبدأ أولًا ، وبعد فترة تكتسب الأعين قدرتها على‏ الابصار ، بل إنّ البعض يعتقد وكما أسلفنا أنّ للأذن في عالم الجنين مقداراً من القابلية على‏ السماع ، فهي تسمع أنغام قلب الأم وتعتاد عليها.

14- غذاء الطفل مُعدٌّ قبل ولادته‏

لا يستطيع وليد الإنسان والكثير من الحيوانات في بداية ولادته أن يأكل الأطعمة الجافة والثقيلة ، ولهذا فقد هيّأت يد الخالق المقتدرة غذاءً خاصاً في ثدي الأم إسمه‏ «اللبن» ، والحقيقة أن نفس دماء جسم الأم التي كان الطفل ينتفع منها في الفترة الجنينية تتحول إلى‏ لبن ضمن عملية تغيّر واسعة وسريعة ، فتغذّيه حتى‏ الفترة اللازمة.

يتغير شكل ثدي الأم بصورة تدريجية خلال فترة الحمل ، ويكبر شيئاً فشيئاً نتيجة الافرازات التي يقذف بها الحبل السري إلى‏ دم الأم ليأمرها بالاستعداد الكامل ، وهكذا يُهي‏ء الثدي نفسه لوظيفتِهِ المستقبلية الثقيلة.

إنّ الأنابيب الموجودة في الثدي والممتدة حتى‏ قمة الثدي‏ (الحلمة) ، تتشعب وتزداد وتفرز إفرازات بسيطة ، وعند ولادة الطفل تعلن عن استعدادها التام.

العجيب أن ترشح اللبن من خلايا الثدي ليس دائمياً وإلّا لخرج اللبن بصورة متواصلة إلى‏ الخارج ، بل إنّه بمجرّد ملامسة شفتي الوليد لثدي الأم وبدئه بالامتصاص تتجه الحوافز العصبية عن طريق الأعصاب إلى‏ النخاع ومن النخاع إلى‏ الهايبوثالموس فتؤدّي إلى‏ نوعين من الافراز ، يصب أحدهما في الأثداء عن طريق الدم فيضغط على‏ الأنسجة المحيطة بأنابيب اللبن ليندفع اللبن باتجاه الحلمة ، وتتمّ كل هذه الأعمال خلال 30 ثانية ، والأعجب أنّ اللبن لا يتحرك في ذلك الثدي الذي يرضع منهُ الطفل فقط ، بل ويحدث هذا في الثدي الآخر أيضاً فيكون مستعداً ، ولذا يُؤكد الأطباء على‏ إرضاع الوليد من كلا الثديين.

اللبن غذاء كامل ، وخاصة لبن الأم الذي يعتبر غذاءً أكمل بالنسبة لوليدها ولا يستطيع شي‏ء في العالم أن يحل محله.

يحتوي الحليب على‏ أنواع الفيتامينات كفيتامين‏A ، B ، D ، P وفيتامينات أخرى‏ ، وقد اكتشف فيه العلماء 22 مادة مختلفة ، علاوة على‏ أنواع الأنزيمات‏ «19» ، والكثير من الأدوية الضرورية تنتقل عن طريق لبن الأم إلى‏ وليدها ، ومن هنا فإنّ الأطفال المحرومين من لبن الأم يصابون بمختلف الأعراض.

يبدو أنّ لبن الأم لا يغذي جسم الطفل فحسب ، بل إنّه يروي عواطفه وروحه أيضاً ، ولهذا قد يصاب المحرومون من لبن الأم بمشاكل ونواقص عاطفية بعض الأحيان.

وعلى‏ هذا الأساس يقول القرآن الكريم : {وَالْوَالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ}. (البقرة/ 233) إنّ عجائب وغرائب اللبن أكثر من أن يحتويها هذا المختصر ، وإذا أردنا أن نترك العنان للقلم لمثل هذه الأبحاث نكون قد خرجنا عن بحثنا التفسيري.

______________________________
(1) توجد على‏ هذا الصعيد آيات اخرى‏ في القرآن الكريم نكتفي بذكر رقمها وسورتها لتقارب معناها من الآيات المذكورة أعلاه ، فاطر ، 11؛ والحج ، 5.

(2) مفردات الراغب.

(3) وفي كتب اللغة الأخرى‏ تعابير تشبه هذا التعبير كما في لسان العرب ومجمع البحرين.

(4) مقاييس اللغة؛ مفردات الراغب؛ مجمع البحرين؛ لسان العرب وصحاح اللغة.

(5) مفردات الراغب ، مجمع البحرين ، ولسان العرب.

(7) تفسير نور الثقلين ، ج 3 ، ص 541 ، ح 56 و 57.

(8) المصدر السابق ، ج 2 ، ص 541 ، ح 56 و 57.

(9) تفاسير القرطبي ، روح المعاني ، في ظلال القرآن ، الميزان و الكبير ، في التعقيب على‏ الآية المعنية.

(10) إعجاز قرآن از نظر علوم روز ، ص 27 (بالفارسية).

(11) تفسير مجمع البيان؛ تفسير الميزان؛ التفسير الكبير وتفاسير أخرى‏ (روى‏ المرحوم الطبرسي في مجمع البيان نفس هذا المعنى‏ ضمن حديث عن الإمام الباقر عليه السلام).

(12) إقتبس من كتاب اولين دانشكاه ، ج 1 ، ص 253 (بالفارسية).

(13) الإنسان ذلك المجهول ، ص 190.

(14) إعجاز القرآن من وجهة نظر العلوم المعاصرة ، ص 29.

(15) «تغيض» من مادة «غيض» على‏ وزن فيض بمعنى‏ امتصاص السائل أو احتوائه ، ثم جاءت بمعنى‏ النقصان وكذلك بمعنى الفساد ، ولهذا فسر البعض كلمة تغيض في الآية أعلاه بمعنى‏ نقصان الجنين والبعض بمعنى‏ الولادة قبل الموعد وهو المعنى‏ المشهور بين المفسرين ، وهو المروي في حديث عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السلام ، كما أنّ ذيل الآية يدل على‏ ذلك.

(16) بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 65 و 66.

(17) بحار الانوار ، ج 3 ، ص 65 و 66.

(18) المصدر السابق ، ص 64.

(19) من أجل مزيد من الاطلاع تراجع دائرة معارف القرن العشرين ، مادة (لبن) ، والجامعة الأولى‏ (اولين دانشگاه) ، ج 6 ، وإعجاز القرآن من وجهة نظر العلوم المعاصرة ، وقد وردت إشارات مثيرة حول هذا المعنى‏ في حديث توحيد المفضل (بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 62).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .