أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-21
305
التاريخ: 2024-11-18
136
التاريخ: 2024-06-08
799
التاريخ: 2024-03-08
806
|
كان من المعلوم أن الجمَّ الغفير من عامة الشعب يرغبون عندما تسمح لهم مواردهم أن يقيموا لأنفسهم آثارًا جنازية من أي نوع في جبانة العرابة، وذلك على الرغم من أن مدافنهم كانت في مسقط رأسهم، وسبب ذلك أن العرابة كانت البلدة المقدسة التي تواري جثمان «أوزير» إله الآخرة، وقد ذكرنا في مواطن عديدة أن بعض الملوك قد أقاموا لأنفسهم في العرابة أضرحة رمزية غير مقابرهم الحقيقية التي أقيمت بالقرب من مقرِّ ملكهم، ونخص بالذكر من بين هؤلاء؛ الفرعون «سنوسرت الثالث»، والملكة «تتي شري» التي أقام لها «أحمس الأول» مقبرة في «العرابة المدفونة» ؛ ولذلك يرى الأستاذ «فرنكفورت» أن المبنى الذي نحن بصدده الآن هو من نوع هذه المباني الجنازية؛ ويعتقد أنه ضريح «سيتي الأول» الرمزي، وأنه أقامه لنفسه على أديم «العرابة» المقدسة على غرار قبر الإله «أوزير» الذي أقيم في هذه البقعة المباركة على زعم المصريين. والعناصر المختلفة التي يتألف منها هذا المبنى تعيد إلى ذاكرتنا نظام مقابر الملوك في طيبة الغربية، فمثلًا: نجد الممر الضيق الطويل، والعمد المربعة القائمة في القاعة الوسطى، والحجرة المستطيلة الواقعة في الشرق، وهي التي تشبه في هيئتها تابوتًا ضخمًا، وتذكرنا بحجرة تابوت هرم سقارة؛ ولكن القاعة الوسطى العظيمة والجزيرة ليس لهما نظير في أي قبر ملكي معروف لنا، غير أن القاعة تشبه مدفن «أوزير» التقليدي، أما الجزيرة فتمثل التل الأزلي (1)، وهو على حسب عقيدة كهنة «عين شمس» قد ظهر أولًا من المياه الأزلية المسماة «نون»، وقد وقف على هذا التل الإله «رع» في أول صباح بدأ الخليفة، ثم كان يقف فيه فيما بعد عند مطلع الشمس في كل صباح. ولما كانت كل من الشمس الغاربة والشمس المشرقة ترمز للموت والقيامة ثانية على التوالي، وكذلك لما مُزجت على مر الأيام عبادة الشمس بعبادة «أوزير» الذي مات ليحيا ثانية مثل الشمس، فقد أصبح هذا التل الأبدي هو المكان المناسب لدفن «أوزير» الذي كان قد مات، ثم أُحيي ثانية، ثم وصل إلى الخلود بدفنه هذا، وصار يرافق الشمس في دورتها التي يتمثل فيها الموت عند الغروب، والحياة عند الشروق، وهكذا على التوالي. وقد جمع كل من الأستاذ (كرستنسن Kristensen)، والأستاذ (دي بك De Buck ) براهين قاطعة تثبت أن التل الأزلي كان يمثل بسلم ذي درج متين يدفن عليه «أوزير»، أو كان يجلس عليه بوصفه حاكم الموتى، وفضلًا عن ذلك يرى الأستاذ «كرستنسن» أن دفن «أوزير» على التل الأزلي قد أشير إليه في السلم الشهير القائم بالعرابة المدفونة، وهو المكان الذي يرغب أن يدفن بالقرب منه كل مؤمن صادق الإيمان (2)، وعلى ذلك يعتقد «فرنكفورت» أن الجزيرة تمثل التل الأزلي، ولهذا يعد الحفرة المستطيلة الشكل التي في رقعتها الموجودة بين العمد هي المكان الذي وضع فيه التابوت، أما الحفرة الأخرى المربعة التي بجوار حجرة التابوت فهي المكان الذي كانت تُحفظ فيه أواني الأحشاء، أما الماء الذي في القناة فيمثل المحيط الأزلي، وهو على حسب التفكير المصري كان له معنى آخر ثانوي؛ فارتفاع الماء فيه وانخفاضه حول الجزيرة يذكرنا بالاعتقاد العام بأن «أوزير» كان مفروضًا فيه أنه يغرق كل سنة في ماء الفيضان الذي كان يأتي كل عام، ثم يعود ثانية إلى الحياة بعد انخفاض المياه، فكان مثله كمثل الزرع الذي يحيا ثانية بعد انقضاء فصل الفيضان، وهكذا كل عام. وفضلًا عن ذلك نجد على الجانب الشرقي من هذا الضريح حفرة بعيدة الغور مملوءة بالغرين الخصب، وكانت تنمو فيها خميلة أشجار، وكانت هذه الحفرة التي فيها الشجر تمتد إلى قعر جدران القاعة الوسطى لتصل الأشجار التي فيها إلى مياه القناة. ويعتقد الأستاذ «فرنكفورت» أن هذه الأشجار تمثل الحياة الطبعية التي تُجدَّد أبديًّا؛ لأنها تُسقى بماء المحيط الأزلي وبمياه الفيضان التي تنبع منها كل الحياة الطبيعية (3). ويلفت الدكتور «كرستنسن» النظر إلى متن ورد في كتاب «الموتى» يبرهن على أن في عهد الدولة الحديثة كان التل الأزلي الذي موضعه الأصلي في «عين شمس» مقرًّا للإله «رع»، أصبح القوم يعتقدون أنه في العرابة المدفونة. وقد ترك «سيتي الأول» ضريحه الرمزي هذا دون أن يتم بناؤه بعد، ولم يهتم «رعمسيس الثاني» ابنه بإتمامه. وتدل الظواهر على أنه قد اغتصب بعض أحجاره الجرانيتية من السقف، واستعملها في بناء معبده الذي أقامه بالعرابة. أما «مرنبتاح» حفيد «سيتي»، وابن «رعمسيس الثاني» فإنه نقش باسمه الجدار الشرقي لهذا الضريح، وجزئا من العقد الجنوبي، والممر المنحدر، وحجرة الاستراحة، وممر المدخل، وكذلك وضع صوره عليها. وتدل شواهد الأحوال على أن هذا المبنى قد بقي بعد ذلك مهجورًا إلى أمد طويل، ويحتمل أن النهاية الشمالية من مدخل الممر الطويل قد استعملت مخبأ لأشياء ثمينة؛ إذ وجد في هذا المكان إناء جميل الصنع من البرنز طوله تسعة وثلاثون سنتيمترًا، وكذلك عثر على كنز من النقود من عهد البطالمة، وكذلك خيط جميل نُظمت فيه حبات من حجر الدم. وقد زار «استرابون» العرابة في العهد الإغريقي الروماني، ووصف المعبد الذي أطلق عليه اسم (ممنوريم Mimnoruim) (راجع Strabo XVIII) أي في خلال القرن الأول من الميلاد، وبعد الوصف يقول: «وهناك بئر عميقة ينزل الإنسان إليها بوساطة قبو مقام من أحجار فائقة في الحجم والصنع، وتوجد قناة تؤدي إلى هذا المكان من النهر العظيم، وحول هذه القناة خميلة من شجر السنط المقدس للإله «أبوللو».» ولا شك في أن هذه القناة هي التي تحيط بالجزيرة في القاعة الوسطى العظمى، وهي التي تحدثنا عنها في هذا الضريح؛ وكان يستعملها أهل القرى المجاورة في عهد «استرابون» بمثابة بئر يمتاحون منه المياه، كما كانت مستعملة في الأزمان الحديثة منذ عام 1914، وهو التاريخ الذي ظهرت فيه القناة ثانية. أما الخميلة التي ذكرها «إسترابون» فيحتمل أنها تشير إلى الأشجار التي زُرعت في حفر الأرض التي سبق ذكرها، والقناة التي توصل البئر بالنيل يمكن أن تكون مجرد موصل إلى القناة التي كانت موجودة وقتئذ كما هي الحال الآن، وتمتد من النيل حتى حافة الأرض المنزرعة بالضبط أمام المعبد. ويمكن البرهنة على وجود هذه القناة في الزمن القديم بما جاء على قطعة «استراكون «(4) وجدت في مدخل الممر المؤدي للضريح، وقد كُتبت بالهيراطيقية، ويشير المتن إلى جر الأحجار وتفريغها، والعمل في الجسور. ويرجع عهد هذا النقش إلى حكم «سيتي الأول»، ومغزاه ترخيص بعمل تقوم به طائفة من العمل (؟) في أحد مباني الفرعون، وقد أرِّخ بالشهر الرابع من فصل الزرع في اليوم الثاني والعشرين.
........................................
1- راجع ما كتبه «فرنكفورت» حديثًا عن هذا الموضوع في كتابه عن ديانة قدماء المصريين Frankfort. Ancient Egyptian Religion (1948) p. 153 ff. .
2- راجع: Kristensen Het Leven Uit de Dood (Life after death) p. 88.
3- راجع: Frankfort Ibid. p. 30. Krestinsen Ibid. p. 93; Book of the Dead Chap. XVII, 24. (Naville).
4- راجع: The Cenotaph of Seti I, at Abydos Vol. I, Text p. 92–4.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|