أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-10
216
التاريخ: 2024-06-15
704
التاريخ: 2024-05-28
757
التاريخ: 2024-02-15
972
|
لقد رأينا — فيما سبق — أن حروب «سيتي الأول» مع «الشاسو» لم تكن مقدمة للحملة التي قام بها على أهالي «رتنو» العليا والسفلى معًا، وكذلك يظهر أن الحروب مع «لوبيا» كانت قد سبقت حروبًا أهم خطرًا شنتها على مملكة «خيتا»، على أننا لا نعرف في الحقيقة تواريخ هذه الحروب كلها إلا على حسب موقعها، وترتيبها في نقوش معبد الكرنك التي تركها لنا «سيتي الأول «. وكان «سيتي الأول» بعد أن أمَّن طرق مواصلاته البحرية بالاستيلاء على بعض الموانئ الفينيقية استطاع تموين جيوشه، وإمدادها بالجنود والعتاد، وذلك على غرار ما فعله «تحتمس الثالث»؛ وبذلك أصبح في استطاعته السير في داخل الأقطار السورية، والاستيلاء عليها، وقد زحف حتى وصل إلى نهر «الأرنت»؛ حيث تقابلت جموعه مع جيش «خيتا» في أول موقعة بين البلدين. ويظن الأستاذ «برستد» أن «سيتي الأول» قد وصل شمالًا حتى «نهرين»، كما يدعي ذلك «سيتي» في قائمة البلدان التي فتحها، غير أن ذلك لم يفُت في عضد دولة «خيتا»، وبقيت مهيبة الجانب، ولم يكن في استطاعة «سيتي» أن يحتفظ لنفسه بتخوم ثابتة في الشمال أكثر من مساحة يحدها خط يمتد شرقًا وغربًا من الساحل الفينيقي حتى «حوران». وعلى أية حال فإن ما وصل إليه «سيتي الأول» بعد تفكك الدولة المصرية في نهاية حكم «إخناتون» يعد مجهودًا جبارًا من جانب هذا العاهل، وقد كان من نصيب «رعمسيس الثاني» ابنه أن يواصل الكفاح الطويل المرير للاستيلاء ثانية على أعالي نهر «الأرنت»، ويُخضعها لسلطان مصر. ونشاهد في آخر حملة سجلها «سيتي الأول» على جدران معبد الكرنك أنه التحم مع جيش «خيتا»، وهزمه واستولى منه على أسرى وغنائم، ولكن من جهة أخرى لا نعرف الأسباب المباشرة التي دعت «سيتي الأول» لإعلان الحرب على مملكة «خيتا»، ولا بد أنه كان هناك سبب ملِح أجبره على القيام بهذه الحروب، غير أننا من جهة أخرى نعلم أن التقاليد الفرعونية قد لعبت دورها في هذا الموضوع بالذات؛ فقد كان من عادة الفراعنة أن يقوم الفرعون عند تولي عرش الملك بشنِّ الغارات والفتح ليثبت لشعبه أنه جدير بملك الفراعنة. وقد ذكر لنا «خاتوسيل» ملك «خيتا» باختصار أنه قام بالحرب على مصر، فسار بمشاته وفرسانه الذين أمكنه جمعهم لمنازلة عدوه، ولا شك في أن ذلك لا يعني إلا أن ملك «خيتا» قد تقابل مع ملك مصر في موقعة «قادش». وقد حدَّثنا ملك «خيتا» كذلك بأنه حاول تفادي الحرب مع مصر؛ لأنه لم يكن يطمع في طلب الفخر أو الشهرة، وأنه على وجه عام يمقت الحروب، وهذا كل ما وصلنا من وثائق «خيتا» عن حروبها مع «سيتي الأول»؛ وبذلك أصبح مصدرنا الوحيد عن حروب «خيتا» مع مصر هو — كما قلنا — ما جاء في نقوش جدران الكرنك التي لم تدوَّن فيها في الواقع إلا بعض حوادث فردية خاصة بالفرعون وغيره، فنرى — مثلًا — «سيتي» مصورًا في منظر (كما جرت التقاليد) ممتطيًا عربته، وشادًّا قوسه، ومفوقًا سهمه في معمعة المعركة؛ ليقضي على الأعداء الذين كانوا يجرؤون على الوقوف أمامه، بل كانوا يولون الأدبار، وهنا يشاهد سائق عربة أحد الرؤساء من الأعداء قد أصيب؛ فيقود الرئيس عربته بنفسه طالبًا النجاة، ولكنه يسقط بدوره في حومة الوغى أمام الفرعون، وكذلك فعل غيره؛ فامتطوا صهوة الجياد، وأرخوا لها العنان نجاة بالنفس، وقد كدِّست ساحة القتال بأكوام القتلى والجرحى؛ ثم نرى في آخر الأمر طوائف من الأسرى يُساقون إلى مصر، ويقدمون إلى ثالوث آلهة معبد الكرنك: «آمون»، و«موت»، و«خنسو» عبيدًا وقربانًا. وليس لدينا تفاصيل عن الواقعة غير ما ذكرنا، أما المتن الوحيد الطويل الذي يحدثنا عن هذه الحروب فيصف الفرعون وشدة بأسه في الحروب وشجاعته، وهو:
حور الثور القوي، الظاهر في طيبة، محيي الأرضين، ملك الوجه القبلي والبحري، رب الأرضين، شديد البأس، الشجاع مثل «منتو»، وأشجع الشجعان مثل من أنجبه، مضيء الأرضين مثل إله الأفق، العظيم القوة مثل ابن «نوت»، والمنتصر؛ وهو حور المزدوج (أي يمثل حور وست)، ومن يطأ ميدان القتال مثل «ست» (إله الحرب)، ومن الفزع منه عظيم مثل «بعل» (إله القوة) في الممالك الأجنبية، محبوب الإلهتين وهو لا يزال في العش (أي المهد)؛ لأن قوته قد حمت مصر، ومن جعل «رع» حدوده حتى الحدود التي يضيئها «آتون»، والصقر المقدس ذو الريش اللامع، والسائح في السماء مثل جلالة «رع»، والذئب الجائل، والذي يدور حول هذه الأرض في لحظة، والأسد ذو العين المفترسة، ومن يشق طريقه في المسالك الوعرة في كل مملكة، والثور القوي صاحب القرن المهيأ للهجوم، وصاحب القلب الشديد، والضارب الأسيويين، ومخضِع «خيتا»، وذابح رؤسائهم، ومخضبهم بدمائهم، والهاجم في وسطهم كأنه لسان اللهب؛ فيجعلهم كأن لم يغنوا بالأمس. ومن ذلك نرى أن «سيتي» كان يصف شجاعته وقوته كما فعل غيره من الملوك في مثل هذه المشاهد الحربية (راجع Br. A. R. III, § 144). ولا نعرف على وجه التأكيد المكان الذي دارت فيه رحى القتال، غير أنه مما لا شك فيه أنها قد وقعت في مكان شمالي بلدة «قادش»، إذ نعلم أن «سيتي الأول» قد وصل فعلًا إلى بلدة «قادش» واستولى عليها، ولا أدل على ذلك من العثور على لوحة في «تل نبي مند»، وهو المكان الذي يمثل دمن هذه المدينة التاريخية العظيمة، واللوحة من حجر البازلت، وقد عُثر عليها على عمق مترين من سطح الأرض، وتدل شواهد الأحوال على أنها لم تُنقل إلى هذا المكان، وقد نُقشت عليها صورة «سيتي الأول» واقفًا — يقبض بيده على سيفه (خبش) رمزًا للنصر الذي أحرزه — أمام الآلهة التالية: «آمون»، و«ستخ»، و«منتو»، و«خنسو«. ومما يؤسف له أن الجزء الأسفل من هذه اللوحة قد فُقد (1)، ولا بد أنها كانت قد أُقيمت في هذا المكان بطبيعة الحال تشييدًا لانتصارات «سيتي» على «مورسيل» عاهل «خيتا «. وتدل النتائج على أن انتصار «سيتي» لم يكن حاسمًا؛ لأنه لم يؤثر تأثيرًا ماديًّا على قوة «خيتا» كما أشرنا إلى ذلك من قبل؛ لأنه على الرغم من سيطرة المصريين مؤقتًا على جزء من شمالي سهل سوريا — وليس لدينا من المبررات القوية ما يحملنا على الشك فيما ادعاه «سيتي» في قوائم البلاد المغلوبة التي فتحها، أو تغلَّب عليها، وبخاصة قائمة «بولهول» السالفة الذكر، وتحتوي على بعض أسماء الأماكن المألوفة لنا من قبل مثل «قطنا« (2)، و«تونب» — فليس هناك من شك في أن «سيتي» في نهاية الأمر قد أفلتت من يده كل فتوحه التي أحرزها في أقصى الشمال؛ وقد نسيت بطبيعة الحال أخبار الحروب التي لم يحالف النصر فيها مصر بعد هذه الواقعة؛ إذ لم يدوِّنها المصريون، ولقد كان لزامًا على «رعمسيس الثاني» خلف «سيتي» في حملته الأولى أن يستولي على «بيروت» بقوة السيف، ومن المحتمل إذن أن صارت حدود إمبراطورية «سيتي الأول» الأسيوية عند نهاية حروبه تمتد شرقًا من مصب نهر «الكلب»، وكانت كل من مدينة «صيدا» و«مجدو» و«بيسان» مستعمَلة قواعد حربية، والظاهر أن «سيتي الأول» لما رأى عجزه عن القيام بأي توسيع في رقعة إمبراطوريته في داخل سوريا عقد معاهدة مع ملك «خيتا» المسمى «مواتالو»، ولم يشهد بعد ذلك الصلح أية حروب (3) أخرى حتى وفاته، على ما نعلم. وعلى الرغم من أن «سيتي الأول» لم يوفَّق لإعادة الإمبراطورية المصرية في آسيا لما كانت عليه — يومًا ما — من الاتساع والعظمة في عهد الأسرة الثامنة عشرة، فإنه مع ذلك قد أفلح إلى حدٍّ كبير في إعادة السيطرة المصرية على كل «فلسطين»، بل من المحتمل على جزء من جنوبي سوريا أيضًا، ولا نزاع في أن ذلك كان عملًا جليلًا، وبخاصة إذا علمنا أنه قد وصل إلى ما وصل إليه في نضاله أمام دولة قوية مثل دولة «خيتا» في الشمال، وقد كانت تناضل مصر بقوة عظيمة، وتقف لها بالمرصاد بجيوشها الجرارة، وربما كان من الخير لكل من الدولتين أن يتريث «رعمسيس الثاني» عندما تولى الحكم، ويعرف الموقف الحربي على حقيقته، ولم يندفع في حروب طاحنة مع تلك الدولة القوية. حقًّا نقرأ في القوائم التي تركها لنا «سيتي الأول» أنه تغلب على «خيتا»، و«نهرين»، و«آلاشيا» (قبرص)، وغيرها من البلدان، ولكن هذه الادعاءات العريضة المبهمة لا يصح أن تؤخذ بصفة جدية، بل إلى حد محدود يقرره الواقع، إذ لا يمكن أن نسلم أنه هزم «خيتا»، واستولى عليها أو على إقليم من أقاليمها الشمالية. ولا جدال في أن «سيتي» شعر في أعماق نفسه بما كان يشعر به أجداده من الزهو وحب العظمة، فلم يتأخر طرفة عين عن تدوين قصة انتصاراته على جدران المعابد بصورة لا تقل في فخامتها عما أحرزه أجداده الأماجد أمثال «تحتمس الثالث»، و«أمنحتب الثاني» من فتوح. وإذا ضربنا صفحًا عن أمثال هذه الادعاءات الضخمة المبهمة فإنه لا يوجد لدينا ما يمنع من تصديق ما جاء في قوائم فتوحه التي عددت لنا بدقة تفاصيل أسماء المدن والأصقاع، وبخاصة إذا عرفنا أن أسماء هذه الأماكن، وما يمكن تحقيقه منها يتفق عقلًا من خطط حروب «سيتي الأول» كما نعرفها من الوجهة الجغرافية.
................................................
1- راجع: .Pezard, Une Nouvelle Stele de Sety I, Monuments & Memoires p. 387 ff.
2- راجع: Karnak List L. D., III, pls. 45 ff.
3- راجع: Delaporte Les Hittites p. 129.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|