أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014
1767
التاريخ: 29-09-2015
1715
التاريخ: 12-10-2014
2137
التاريخ: 29-09-2015
1782
|
كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أُمّياً لا يقرأ ولا يكتب (1) ، وكان في ذلك مصلحة إعجاز القرآن : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [العنكبوت : 48، 49] ، والآية تدلّ : على أنّه لم يتعارف منه ( صلّى الله عليه وآله ) قراءةً ولا كتابة ، ولم يُعهَد منه ذلك ، ولعلّه ( صلّى الله عليه وآله ) كان يتظاهر بالأمّية ؛ حِفظاً على سلامة القرآن من التشكيك فيه ، ودعماً لموضع إعجازه ، حيث صدر على يد أُمّي لم يُعهَد منه كتابةً ولا قراءة .
إذاً ، كان ( صلّى الله عليه وآله ) بحاجة إلى مَن يكتُب له رسائله إلى جنْب كتابة الوحي القرآني النازل عليه ، ومن ثمّ استخدم مَن كان بمكّة آنذاك ممّن يعرف الكتابة ، وهكذا بعدما هاجر إلى المدينة .
وأوّل مَن كتَب له بمكّة وأدامها له مدّة حياته الكريمة هو : الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وقد كان النبي ( صلّى الله عليه وآله ) حريصاً على أن لا يفوت عليّاً شيءٌ من القرآن ، فكان إذا نزل عليه الوحي ـ أحياناً ـ وهو غائب ، دعا بعض كُتّابه ليكتبه ، ثمّ إذا حضر عليٌّ أعاده عليه ليكتبه أيضاً ، ومن ثمّ لم يكن مِن كتَبَة القرآن أجمع ولا أحفظ من عليّ ( عليه السلام ) .
قال سُليم بن قيس الهلالي ـ وقد عدّه النجاشي من الطبقة الأُولى (2) من زمرة السلَف الصالح ـ : جلست إلى عليّ ( عليه السلام ) بالكوفة في المسجد والناس حوله ، فقال : ( سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، فو الله ما نزلت آية من كتاب الله إلاّ وقد أقرأنيها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وعلّمَني تأويلها ، فقال ابن الكوّاء (3) : فما كان ينزل عليه وأنت غائب ؟ فقال ( عليه السلام ) : بلى ، يحفظ عليَّ ما غبتُ عنه ، فإذا قدمتُ عليه قال لي : يا عليّ ، أنزلَ الله بعدك كذا وكذا ، فيقرأنيه ، وتأويله كذا وكذا فيعلّمنيه ..) (4) ، والتأويل هنا تفسير مواضع إبهام الآية .
وأوّل مَن كتب الوحي لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) عند مَقدمه المدينة هو : أُبَي بن كعب ، الصحابي الجليل ، قال ابن سعد : كان أُبَي يكتب في الجاهلية قبل الإسلام ، وكانت الكتابة في العرب قليلة ، وكان يكتب في الإسلام الوحي لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) (5) .
قال ابن عبد البرّ : أوّل مَن كتَب لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) عند مَقدمه المدينة أُبَي بن كعب ، وهو أوّل مَن كتَب في آخِر الكتاب : وكتب فلان (6) .
وهو الذي أمر الله رسوله أن يقرأ عليه القرآن ويعرضه عليه ، وكان ممّن عُرضت عليه الفرصة الأخيرة ، ومن ثمّ تولّى المرجعية الأعلى لِلِجْنة توحيد المصاحف على عهد عثمان ، كان هو المُملي عليهم ، وكان إذا تدارؤوا في شيء يُصحّحه لهم ، وغير ذلك ممّا شرحناه في الجزء الأوّل من التمهيد (7) .
وكان زيد جاراً لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بالمدينة ، كان إذا لم يحضر أُبيّ دعاه ليكتب له ، ولاسيّما رسائله بالعِبرية ، ثمّ تداوم هو وأُبيّ الكتابة لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) .
قال ابن عبد البرّ : كانا يكتبان الوحي بين يدي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، ويكتبان كُتبه إلى الناس وما يقطع وغير ذلك ، قال : وكان زيد ألزم الصحابة لكتابة الوحي ، وكان يكتب كثيراً من الرسائل (8) .
أخرج ابن داود السجستاني بإسناده إلى ثابت عن زيد بن ثابت قال ، قال النبي ( صلّى الله عليه وآله ) : ( أتُحسن السريانية ، فإنّها تأتيني كتُب ؟ ) قلت : لا ، قال : فتعلّمتها ...
وأخرج ابن سعد : أنّه قال لي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) لمّا قدِم المدينة : ( تعلّم كتاب اليهود ، فإنّي والله ما آمِن اليهود على كتابي ) ، قال : فتعلّمته في أقلّ من نصف شهر . وفي حديثه الآخر : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( يأتيني كتُب من أُناس لا أحبّ أن يقرأها أحد ، فهل تستطيع أن تتعلَّم كتاب العبرانية ، أو قال : السريانية ؟ ) فقلت : نعم ، قال : فتعلّمتها في سبع عشرة ليلة ـ أو في تسعة عشر يوماً ـ (9) .
والظاهر أنّ الصحيح هي العِبرية ؛ لأنّها كانت لغة اليهود الدارجة ، وبها كانت كتاباتهم آنذاك .
* * *
وهؤلاء الثلاثة ـ عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأُبَي بن كعب ، وزيد بن ثابت ـ كانوا هم العمدة في كتابة الوحي ، وكانوا حضوره ( صلّى الله عليه وآله ) في جميع أيّامه أو يتناوَبون .
أمّا غيرهم ممّن عدُّوهم في كُتّاب الوحي ، فلم يكونوا بتلك المرتبة .
قال ابن الأثير : وكان من المواظبين على كتابة الرسائل : عبد الله بن الأرقم الزهري .
وكان الكاتب لعهود رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إذا عاهدَ ، وصُلحه إذا صالح : عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
قال : وممّن كتب لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : الخلفاء الثلاثة ، والزبير بن العوّام ، وخالد ، وأبان ابنا سعيد بن العاص ، وحنظلة الأسيدي ، والعلاء بن الحضرمي ، وخالد بن الوليد ، وعبد الله بن رواحة ، ومحمّد بن مسلمة ، وعبد الله بن عبد الله بن أبي سلول ، والمغيرة بن شعبة ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وجهم ـ أو جهيم ـ بن الصلت ، ومعيقيب بن أبي فاطمة ، وشرحبيل بن حسنة ، وهكذا ذكر ابن عبد البرّ في الاستيعاب (10) .
والظاهر أنّ هؤلاء كانوا أهل قراءة وكتابة في العرب آنذاك ، فكان النبي ( صلّى الله عليه وآله ) يستخدمهم أحياناً لكتاباته إذا لم يحضر كُتّابه الرسميّون .
وقد عدّ أبو عبد الله الزنجاني أكثر من أربعين شخصاً كانوا يكتبون لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) (11) ، والظاهر أنّهم من هذا القبيل .
قال ابن الأثير : وأوّل مَن كتب له ( صلّى الله عليه وآله ) من قريش : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثمّ ارتدّ ورجع إلى مكّة ، فنزل فيه : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام : 93] (12) .
يقال : إنّه ( صلّى الله عليه وآله ) أمْلى عليه ذات يوم : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ـ إلى قوله ـ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } فجرى على لسان عبد الله بن سعد : { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [المؤمنون : 12 ـ 14] فأمْلاه النبي ( صلّى الله عليه وآله ) كذلك ، وقال : هكذا أُنزل ، فارتدّ عدوّ الله وشكّ في الأمر ، زاعماً أنّه ينزل عليه الوحي كما ينزل على النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، وهدرَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) دمه .
فلمّا كان يوم الفتح جاء به عثمان ـ وهو أخوه من الرضاعة ـ مستعفياً له ، فسكت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فأعاد عليه فسكت ، لعلّه مَن ينتدب فيقتله ، حتّى أعفاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) لعثمان ، فلمّا مضَيا قال لأصحابه : ( ألم أقُل مَن رآه فليقتله ؟ فقال عبّاد بن بشر : كانت عيني إليك يا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أن تشير إليّ فأقتله ، فقال النبي ( صلّى الله عليه وآله ) : الأنبياء لا يقتلون بالإشارة ) ، وهكذا في الرواية عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : ( نزلت في ابن أبي سرح ) (13) .
كان الكتَبة على عهده ( صلّى الله عليه وآله ) يكتبون ما نزل من القرآن على ما تيسّر لهم الكتابة عليه ، من : العُسُب (14) ، واللِّخاف (15) ، والرقاع (16) ، وقطع الأديم (17) ، وعظام الأكتاف والأضلاع ، وأحيانا القراطيس المهيّأة لهم ذلك العهد .
ثمّ يوضع المكتوب ـ أيّاً كان ـ في بيت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، وهكذا انقضى العهد النبويّ السعيد والقرآن مجموع على هذا النمط ، بيد أنّه لم يُكتب تماماً في صُحف ولا رُتّب في مصاحف ، بل كُتب منثوراً على الرقاع وقِطَع الأديم والقراطيس ، ممّا ذكرنا .
قال زيد بن ثابت : كنّا عند رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فأُلِّف القرآن من الرقاع (18) ، أي نجمعه في مكان أو في وعاء ، وهكذا الصحابة قد يستنسخ بعضهم سورة أو سوَراً من القرآن ، ويجعلها في وعاء كان يسمّى الصُحف ويعلّقه في بيته .. كلّ ذلك من غير مراعاة ترتيب بين السوَر كما هو الآن (19) .
نعم ، كان التأليف آنذاك ـ أيّام حياته ( صلّى الله عليه وآله ) ـ عبارة عن ترتيب الآيات ضمن السوَر ، إمّا حسب النزول ـ كما هو الأغلب ـ أو حسب إرشاد النبي ( صلّى الله عليه وآله ) بتوقيف من جبرائيل ، كان يقول : ( ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ) .
أمّا الصحابة يومذاك ، فكانوا يستنسخون القرآن حسبما تيسّر لهم في قرطاس ، أو كِنْف ، أو عَظْم ، أو نحو ذلك بالمقدار الذي يبلغهم عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أو حسبما يريدونه ، وكان الأكثر يعتمدون على حِفْظهم ، فلا يُكتب جرياً على عادة العرب في حفظ آثارها وأشعارها وخُطَبها ونحو ذلك (20) .
قال سيّدنا الطباطبائي ( رحمه الله ) : لم يكن القرآن مؤلّفاً في زمن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، ولم يكن منه سوى سِوَر وآيات متفرّقة في أيدي الناس (21) .
________________________
(1) لا يستدعي هذا التعبير أنّه ( صلّى الله عليه وآله ) لم يكن يعرف ذلك ، وإنّما المقصود أنّه لم يتحقّق منه قراءةً ولا كتابة ، لا قبْل بِعثته ولا بعدها ، وذلك في حِكمة القرآن كي لا يرتاب المبطلون .
قال الطوسي : قال المفسّرون : لم يكن يُحسن الكتابة ، قال : والآية لا تدلّ على ذلك ، بل فيها أنّه ( صلّى الله عليه وآله ) لم يكن يكتب الكتاب ، وقد لا يكتب الكتاب مَن يُحسنه ، كما لا يكتب مَن لا يُحسنه . ( التبيان ج8 ، ص193 ) ؛ ذلك لأنّ القدرة على الكتابة والقراءة كمال ، ولا يخلو النبيّ من الكمال ، كما أنّ الأمّية عيّ ونقص يتحاشاه مقام النبوّة الكريم . وفي تفسير الميزان ( ج16 ، ص145 ) : ظاهر التعبير ، نفي العادة ، وهو الأنسب بالنسبة إلى سياق الحجّة .
(2) رجال النجاشي : ص6 في ذكر الطبقة الأُولى .
(3) هو عبد الله بن عمرو اليشكري ، عالِم نسّابة ، ومساءلته لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) معروفة .
(4) كتاب سُليم بن قيس الهلالي برواية أبان بن أبي البصري التابعي : ص213 ـ 214 .
(5) الطبقات لابن سعد : ج3 ، ق2 ، ص59 ، طبع ليدن .
(6) الإصابة لابن حجر : ج1 ، ص19 . الاستيعاب بهامشه ، ج1 ، ص50 و51 .
(7) راجع التمهيد : ج1 ، ص340 و348 / والمصاحف السجستاني : ص30 .
(8) أُسد الغابة لابن الأثير : ج1 ، ص50 / الاستيعاب بهامش الإصابة : ج1 ، ص50 .
(9) راجع المصاحف للسجستاني : ص3 . والطبقات لابن سعد : ج2 ، ق2 ، ص115 .
والظاهر أنّ تلك المدّة القليلة مُبالغ فيها ، أو لعلّه كانت له إلمامة بتلك اللغة فأتقنها في تلك المدّة القصيرة .
(10) أُسد الغابة لأبن الأثير : ج1 ، ص50 / الاستيعاب بهامش الإصابة : ج1 ، ص50 .
(11) تاريخ القرآن للزنجاني : ص20 ـ 21 .
(12) أُسد الغابة : ج1 ، ص50.
(13) راجع مجمع البيان : ج4 ، ص335 الطبعة الإسلامية .
(14) العُسُب ـ بضمّتين ـ : جمع عسيب ، وهو جريد النخل ، كانوا يكشفون الخوص و يكتبون في الطرف العريض .
(15) اللِخاف ـ بكسر اللام ـ : جمع لَخفة ـ بفتح اللام وسكون الخاء ـ وهي الحجارة الرقيقة ، أو هي صفائح الحجارة .
(16) الرقاع : جمع رقعة ، تكون من جِلد ، أو ورق ، أو كاغد .
(17) الأديم : الجِلْد .
(18) مناهل العرفان للزرقاني : ج1 ، ص247 .
(19) راجع التمهيد : ج1 ، ص288 .
(20) راجع المناهل : ج1 ، ص247 و248 .
(21) تفسير الميزان : ج3 ، ص78 و79 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|