أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-07
708
التاريخ: 2024-05-31
700
التاريخ: 2024-07-31
476
التاريخ: 2024-11-12
143
|
لقد كانت إقامة معابد الآلهة في الأسرة الثامنة عشرة من أهم الأمور التي شغلت بال الفراعنة؛ فإنهم وجهوا إليها عنايتهم التامة وبخاصة معبد الإله «آمون» الذي كان يُعد الإله الأعظم للدولة في طول البلاد وعرضها. والواقع أن اهتمام الفراعنة ببناء المعابد لهذا الإله والزيادة فيها مثل معبد الكرنك والأقصر و«طيبة» الغربية كان شغلهم الشاغل. فقد كان الفرعون أحيانًا يفضل إقامة معبد للإله «آمون» أو غيره من الآلهة على إقامة معبد جنازي لنفسه، حقًّا نجد الفراعنة كانوا يقيمون المحاريب للآلهة، ويجهزونها بكل المعدَّات في كل زمان ومكان، غير أن بناء المعابد الضخمة التي تمثل لنا الفكرة الدينية المستحوذة على أفكار الملوك والشعب وقتئذٍ لم نشاهدها قط في كل عصور التاريخ المصري القديم، الذي سبق عهد الأسرة الثامنة عشرة إلا مرة واحدة في معبد الشمس الذي أُقيم في عهد الأسرة الخامسة في بوصير، ولا نجد غير ذلك معبدًا للإله شيد بجوار المعابد الجنازية التي أُقيمت للأهرام. أما في عهد الدولة الوسطى فتدل النقوش وما كُشف عنه حديثًا من الآثار على أنه كانت توجد معابد للإله في «عين شمس» و«الفيوم» و«الكرنك» و«الأقصر» (راجع ج3)، وهذه لم يبقَ منها قائمًا في مكانه إلا معبد الإلهة «رنوتت» في «كوم ماضي» بالفيوم، أما سائرها فقد عفت عليه الأيام وأُقيمت مكانها معابد أخرى. ومنذ الأزمان القديمة أخذت أشكال هذه المعابد والاحتفال بالأعياد الدينية فيها تتخذ صورة جديدة نامية راقية لتساير ما نال البلاد من تقدم وعمران، كما أن التصميم الهندسي لهذه المعابد اتخذ صورة جديدة. ولكن إقامة المباني الضخمة لعبادة الآلهة في مدة تبلغ نحو نصف ألف سنة، وهو عهد الدولة القديمة لم يحدث إلا مرة واحدة، وذلك في عهد الأسرة الخامسة عندما كانت عبادة إله الشمس قد بلغت قمتها وسادت البلاد. على أن ذلك العهد لم يمكث إلا مدة لا تزيد على مائة سنة، وبعدها أخذت البلاد تسقط في مهاوي الفوضى والضلالة، فذهبت معها تلك الفكرة الدينية العظيمة، وتمزق شمل استقلال البلاد. ولما عادت للبلاد وحدتها واستردَّت عظمتها في عهد الأسرة الثانية عشرة أقامت معابد للآلهة في طول البلاد وعرضها، وبخاصة معبد الإله «آمون» الذي أُقيم في «الكرنك»، وكذلك المعبد الذي أقامه «سنوسرت الأول» للإله نفسه هناك، غير أن هذه المعابد كانت متواضعة في مساحتها بل لا تزيد عن أربعين مترًا مربعًا، وكذلك كانت الحال في المعابد التي أُقيمت للإله «بتاح» في «منف»، ومعبد الإله «ست» الذي أقامه «الهكسوس» في «أواريس» (تانيس)؛ فقد كانت كلها معابد صغيرة الحجم إذا ما قِيست بما أُقيم من معابد في عهد الأسرة الثامنة عشرة. ولا نزاع في أننا نجد في عهد الأسرة الثامنة عشرة أن الفكرة الدينية التي كانت قد ظهرت في عهد الأسرة الخامسة قد أخذت تنمو وترقى بدرجة عظيمة، وقد زاد في نموِّها وظهورها الانتصارات التي كان يحرزها الفرعون بمعاونة الإله الأكبر، ولذلك كان حقًّا عليه أن يقوم لهذا الإله الذي كفل له النصر على أعدائه بجزء عظيم مما أفاء به عليه الآلهة. ولقد نال نصيب الأسد من هذه الغنائم التي استولى عليها الفرعون إله الدولة الأعظم «آمون» رب «طيبة»؛ فشيد له المباني الضخمة لإقامة شعائره وتمجيده. وقد شاهدنا أن كلًّا من «أحمس الأول» و«أمنحتب» قد أخذ في إقامة المباني للآلهة في مختلف جهات القطر وبخاصة في معبد الكرنك. غير أن الاتجاه العظيم والمجهود الضخم الذي بذله الفراعنة لم يقم إلا منذ عهد «تحتمس الأول»؛ فقد أقام أمام المعبد القديم للإله «آمون» في «الكرنك» (الذي كان قد أُزيل تمامًا بما أقيم مكانه من المباني الجديدة) بوابتين ضخمتين إحداهما خلف الأخرى، كما نصب أمامهما مسلتين عظيمتين أقامت أعظم منهما الملكة «حتشبسوت» ابنته، وقد بنى الفرعون «تحتمس الثالث» حول مسلتي «حتشبسوت» جدارًا ليحجز ما عليهما من نقوش عن الأنظار انتقامًا منها، وأقام هو في «الكرنك» بدوره مسلتين، وكذلك غيَّر شكل الحجرات الداخلية تغييرًا عظيمًا بإقامة بناء حجرة داخلية نقش على جدرانها تاريخ حروبه منذ الحملة الأولى حتى العام الثاني والأربعين من حكمه كما فصلنا القول في ذلك في الجزء الرابع. وكذلك أقام «تحتمس الثالث» خلف المعبد الكبير معبدًا للإله «آمون» وقد فصلنا فيه القول (راجع الجزء الرابع). والواقع أن المعبد كان يُقام تخليدًا لذكرى كل من الملك والإله العظيم، والآلهة الأخرى الذين كانوا أتباعه. وفضلًا عن ذلك كان المفروض أن يعد الفرعون والإله وحدة لا انفصام لها في معبد الإله أو في المعبد الجنازي الذي كان يقيمه الفرعون على الضفة اليمنى للنيل بالقرب من مثواه المنحوت في التلال المجاورة. وكذلك كان الإله الحي والفرعون الذي يصعد إلى السماء متصلين بعضهما ببعض اتصالًا وثيقًا لدرجة أن الأعمال العظيمة التي كان يقوم بها الفرعون كانت تُعَدُّ آتية عن طريق الإله؛ لأنه هو الذي انتخبه ونصبه على العرش، ولذلك كان الفرعون من جانبه يعلن عظم قوته وسلطانه الذي لا حد له، ومن أجل ذلك نجد «تحتمس الثالث» وغيره من الفراعنة قد نقشوا على جدران معابدهم قوائم مطوَّلة بأسماء الأقوام الذين قهرهم، والبلاد التي فتحها. وقد دوَّن لنا هذا الفرعون على جدران معبد «الكرنك» كما فعلت «حتشبسوت» من قبله على معبد «الدير البحري» بصورة خيالية كيفية اعتلائها العرش بوساطة الإله الذي نادى بها ملكًا في قاعة المعبد (راجع الجزء 4). وكذلك عدَّد لنا المباني والهدايا التي قدَّمها للإله «آمون» من حروبه المظفرة، ورسم لنا النباتات التي أحضرها من «سوريا» وغرسها في حديقة المعبد كما دوَّنت لنا «حتشبسوت» حملتها إلى بلاد «بنت» التي أرسلتها لإحضار أشجار البخور لتُزرع في حديقة معبدها (راجع الجزء الرابع). ومما يسترعي النظر أننا لم نجد حتى الآن صورًا تمثل لنا الحروب والمواقع الحربية في تلك الفترة من تاريخ مصر. حقًّا يمكن الإنسان أن يرى مفتن هذا العصر قد صوَّر لنا صور الأجانب بدقة ومهارة، ورسم لنا صور حيوانات البحر في خلال الحملة التي أرسلتها «حتشبسوت» إلى بلاد «بنت» والنباتات التي أحضرها «تحتمس الثالث» في أثناء غزواته لبلاد «آسيا»، كما أن نقوش «الدير البحري» ونقوش المقابر الخاصة وما على جدرانها من مناظر قد مثل فيها تفاصيل الرحلات البحرية التي قام بها الأسطول المصري إلى بلاد «بنت»، وكذلك المحاصيل والجزية التي أحضرها سفراء البلاد الأجنبية، وسير الجنود وحركاتها … إلخ، غير أن ذلك كله لم يخرج عن دائرة المناظر العادية التي نشاهدها منذ القدم على جدران المقابر مثل مناظر العمل في الحقول وفي مصانع العمال، وكذلك ما نجده متجمعًا من طوائف الناس الذين حُشروا جنبًا لجنب مرتَّبين في صفوف على الجدران، بعضهم فوق بعض، كما نشاهد في المناظر القليلة التي بقيت لنا من عهد الدولتين القديمة والوسطى عند مهاجمتهم قلعة من القلاع أو حصنًا من الحصون. أما منظر موقعة حربية بالمعنى الحقيقي نجد فيها الجيشين المتحاربين قد تلاحمت جنودهما، واشتركت عرباتهما في المعمعة معًا، فلم يكن المفتن المصري قد تجاسر بعد في عهد «تحتمس الثالث» أن يصوره لنا على جدران المقابر أو في الآثار التي وُجدت من عهده حتى الآن. وقد كان أول تصوير وصل إلينا من موقعة حربية اشتركت فيها العربات والمشاة هو المنظر الذي نشاهده على جسم عربة «تحتمس الرابع»، ومن العجيب أن هذا المنظر بعينه قد أصبح فيما بعد النموذج للموقعة الحربية في العهود التي تلت، وهو ما نشاهده في الموقعة التي صُوِّرت على صندوق «توت عنخ آمون» في عهد تلك الأسرة كما سنرى بعد. والواقع أن هذا المنظر لا يمثل أمامنا مجرى الحرب في ساحة القتال، بل يمثل لنا الفرعون المنتصر الذي لا يمكن لعدو أن يقهره؛ إذ نشاهد فيه الفرعون واقفًا وسط المعمعة في عربة يجرُّها جوادان من أصائل الخيل، وقد رُسم بحجم عظيم جدًّا تتضاءل بجانبه العربات الأخرى التي في ساحة القتال، وهو يهاجم عربات العدو مفوقًا إليها سهامه فتفر من أمامه مهزومة مدحورة، والقتلى مضرجين بدمائهم على الأرض، والسهام عالقة بأجسام العدو وحسب. ومثل هذا الرسم الرمزي المحض الذي يعبر عن الواقعة الحربية لا نجد له نظيرًا في المناظر الحربية في الفن الكريتي؛ إذ كانوا في هذه الناحية لا يعبرون إلا عن الحقائق المحضة، ومع ذلك فإن من المقطوع به أن المناظر الحربية المصرية قد تأثرت بنظائرها في الفن الكريتي تأثرًا عظيمًا، وبخاصة المناظر التي كان قد ابتدعها المفتنون في البلاط الميكاني في عهد أمراء القرن السادس عشر، وهذا هو التفسير الوحيد الذي يمكن أن يفكر فيه الإنسان للتدليل على رسم منظر الموقعة الحربية المصرية في كتلة واحدة، ليست مقسمة صفوفًا فيها الأشكال واقفة مزدحمة، وكثيرًا ما نشاهد فيها الأشكال متصلة في صفوف، ويظهر التأثير الأجنبي بوضوح في هذا المنظر؛ حيث نجد الجياد تركض وهي تختلف عن كل رسوم الحيوانات المصرية وهي تجري؛ إذ نشاهد الأخيرة بأرجلها على الأرض، أما في رسم الموقعة فنشاهد الجياد فيها وهي تقفز بسرعة خاطفة فلا تُرى أرجلها على الأرض. وقد بيَّنا فيما سبق أن أحد أسلحة الملك «أحمس الأول» قد ظهرت عليه صورة كريتية لأسد يقفز قد قلده المفتن المصري عن أصل كريتي (راجع الجزء 4)، وإذا علمنا أن الفخار الكريتي كانت له سوق رائجة وأنه كثير الاستعمال في مصر حتى إن المصريين كانوا يقلدون صناعته؛ أدركنا بصفة قاطعة تأثير الثقافة الخارجية المحس، ولا أدل على ذلك من إدخال السلع السورية، والميل الشديد المتزايد إلى قبول كثير من الكلمات والتعابير الكنعانية في اللغة المصرية القديمة، وبخاصة عند أفراد الطبقة المثقفة الذين يريدون إظهار ثقافتهم العالية، واطلاعهم الواسع بحشر تلك الألفاظ في كتاباتهم.1 والواقع أن موقف الفن المصري في ذلك العهد بالنسبة للفن الإغريقي يشبه موقف الفن الأوروبي لفن شرقي «آسيا» منذ القرن الثامن عشر؛ إذ نشاهد أنه كان يسير دائمًا بجانب الاتصالات الخارجية في هدوء وتؤدة. ولذلك نرى الآن أن تلوين الأواني الفخارية الذي كان قد اختفى منذ أوائل الدولة القديمة، وبخاصة التزيين بالأوراق والأزهار؛ قد ظهر ثانية، وأن رقعة الآنية قد قُسمت بخطوط متوازية، ومُلئت بإشارات وألوان مختلفة، قد جاءت من تأثيرات أجنبية لا يمكن معرفة كنهها. ولدينا بوجه عام مقدار عظيم من صناعات الثقافات المختلفة، وبخاصة الأواني المصنوعة من الحجر، ومن الفخار والمعادن التي زينها الصياغ بالحليات الفاخرة. ومما يلفت النظر من بين هذه الأواني الأطباق الضخمة المغشاة بالذهب والمحلاة حوافها بالأزهار والطيور، وكذلك الكباش المصنوعة من الحجر والضفادع والأسود، هذا إلى صورة الفرعون وهو جالس في عربته (راجع الجزء الرابع من كتاب مصر القديمة). ولا نزاع في أن التصميم مصري خالص، غير أن الذين قدموا هذه التحف أجانب قد أحضروا الجزية للفرعون من «سوريا» و«كريت» وبلاد النوبة. وحقيقة الأمر أن الصياغ الأجانب قد أخذوا هذه الأشكال التي عُملت في مصر وألَّفوا منها سلعًا وأواني كانت تروق في أعين المصريين وبخاصة الفرعون وعِلية القوم، ثم حملوها للفرعون وبلاطه بمثابة جزية. وقد بقي تأثير ذلك لمدة طويلة في بلاد «اليونان» و«أتروريا»، وقد وُجدت في هذه الجهات أطباق كانت تُصنع على هذا النمط في أزمان متأخرة جدًّا.
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|