أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-09
961
التاريخ: 2024-03-24
696
التاريخ: 2024-02-10
1015
التاريخ: 2024-10-21
387
|
والواقع أن «أمنحتب الثالث» كان آخِر فرعون حكم الإمبراطورية المصرية من أقصاها إلى أقصاها، وهي ذلك المُلْك الشاسع الذي فتحه أسلافه المحاربون، وإذا قيس هذا الملك الضخم بأعمار الدول العظام الأخرى فإنها تُعدُّ قصيرة العمر؛ إذ قد وصلت إلى قمة مجْدها في الفتوح في عهد «تحتمس الثالث» العظيم في حملته الثامنة حينما عَبَرَ بجيوشه «نهر الفرات» وأقام لوحة الحدود على ضفته اليمنى، وعندما انتصر على الآسيويين في موقعة «قرقميش» عام 1467ق.م، ولم يكد ينقضي قرن من الزمان على هذا الفتح حتى وجدنا هذا المُلْك الشاسع أخذ يذوب ويتلاشى في آسيا، فلم يحلَّ عام 1360ق.م حتى أصبح مُلْكها في سوريا أَثَرًا بعد عَيْن إلى أنْ أعاد «سيتي» وابنه «رعمسيس الثاني» بعض مجْد البلاد ثانية في هذه البقاع. والظاهر أن الروح الحربي الذي كان يتأجَّج في نفوس رجال الشعب المصري قد انطفأ مصباحه عندما أخذتْ عِيشة التَّرَف والبَذَخ والدَّعَة تدِبُّ في الشجعان الذين كانوا يقودون جيوش مصر إلى ساحة النصر والفخار. ولا غرابة فقد كان «أمنحتب الثالث» أكبر مترجم للشعور القومي من هذه الناحية. حقًّا كان نَشِطًا مقدامًا إلى حدٍّ ما، عندما كان يقوم بأعمال ترتاح إليها نفسه، وينعم بها لشخصه وإشباع شهوة في طويته؛ إذ يدل ما ترك لنا من آثار وبخاصة جعارينه التذكارية على أنه كان صيادًا ماهرًا مثل والده وأجداده، وقد سجل لنا على أحدها عدد الأسود التي سقطتْ مضرَّجة بدمائها بسهامه، غير أنه على ما يَظهَر لم يَرِثْ منهم حبَّ الغزو الذي بقي يضطرب في نفس «تحتمس الثالث» حتى أقعدتْه عنه الشيخوخة وأعباء السنين، والواقع أنه بعد حملته إلى بلاد النوبة كانت كل الإمبراطورية في هدوء تام مدة طويلة من الزمن، وقد يكون هذا هو السبب الذي جعله يقوم بدور آخر مثَّله تمثيلًا يتفق مع عظمة مصر وضخامة ملكها. فقد أراد أن يمثل في شخصها كل البهاء والفخار وأبهة المُلْك التي أحرزها أجداده لمصر قبل أن يخبو مصباحها وتنكمش في عقر دارها. وقد كُتب له أن يفوز بما أراد بما هيَّأَتْه له الأحوال، فكان مَثَلُه مَثَلَ «هارون الرشيد» الذي يرمز إلى عظمة الدولة العباسية، مع الفارق أن الثاني كان يغزو سنة ويحجُّ أخرى. أما الأول فكانت حياته صيدًا وقنصًا، أو إنشاء أو تشييدًا، وقد كان يَعدُّ نفسَه إلهًا على الأرض، ولا غرابة في ذلك؛ فإن كل ملك مصري كان يُلقَّب بالملك الطيِّب، كما كان يلقب «آمون» أو «رع» أو «بتاح» بالإله الأعظم الذي يسكن السماء، غير أن طبيعة «أمنحتب» الإلهية لم تكن رسمية فقط، بل كان مثله كمثل الملكة «حتشبسوت» من قبله، ابن الإله مباشرة. وذلك أن الإله «آمون» ملك الإمبراطورية وربَّه الأعظم قد تمثَّل للمَلِكة «موت مويا» بشرًا سويًّا في صورة «تحتمس الرابع» على حسب ما جاء في نص معبد الأقصر، ونفخ فيها من رُوحه واجتمع بها، ووضعتْ له غلامًا زكيًّا اسمه «أمنحتب الثالث»، وبذلك يكون «آمون» هو والدُه الروحي. ولا غرابة في أن نرى هذا الفرعون يَعدُّ نفسَه منذ نعومة أظفاره ابن الإله. وسنرى أنه كان مؤلَّهًا في المعبد الذي أقامه لنفسه ولإلهه «آمون» لهذا الغرض وحده. يُضاف إلى ذلك أن كل الثراء والغنى والجزية التي كانت قد كُدِّست في طيبة مما كانت تنتجه أرض الكنانة ومما كان يتدفَّق عليها من البلاد الآسيوية وبلاد النوبة، وبخاصة ما كان يُجبَى من هذه الممتلكات من الذهب الذي كان لا ينقطع معينه من بلاد «واوات» وبلاد «بنت». كل هذا الثراء كان مغريًا خلَّابًا، وحافزًا جذَّابًا، ودافعًا قويًّا ليجعله ينظر إلى ملكه، كما كان ينظر الخليفة العباسي «الأمين» أو «لويس العاشر» عندما اعتلى عرش البابوية فنراه يقول: «بما أن الله قد وهبنا إياها فلنتمتع بها.» وعلى أية حال فإن حب التمتُّع بمناعم الحياة الدنيا وزينتها كان رائدَه الأعلى طَوَالَ مدة حكمه، كما كانت الفتوح العظيمة هدفَ جدِّه «تحتمس الثالث». والظاهر أن الثورات في بلاد «سوريا» كانت معدومة عند توليته العرش، فليس لدينا من الوثائق ما يُشير إلى اضطراره إلى الزحف على رأس جيش نحو آسيا قط، اللهم إلا إشارة عابرة في أحد خطابات «تل العمارنة» عن زيارة قام بها إلى «صيدا»، وربما كان من الخير لو اضطرَّتْه الأحوال إلى خَوْض غمار حرب في آسيا لحِفْظ كيان الإمبراطورية. وتدل كل الأمور على أن كل بقاع العاهلية ظلت في هدوء وسكينة سنين عدةً على حسب ما كان يصل إلى سمعه من الأخبار التي كانت في معظم الأحوال تُصاغ بصورة تُرضي الفرعون وتُهدِّئ خاطرَه. حقًّا وصلت إلينا بعض رسائل من خطابات «تل العمارنة» تنبِئ عن اضطرابات ومشاحنات قامت بين الأمراء في شمال سوريا، وكذلك عن غارات قامت بها بعض القبائل النازحة، مما كان يُحفِّز «تحتمس الثالث» إلى سلِّ الحسام وقيادة جيشه في الحال لإخمادها ووضع الأمور في نصابها قبل أن يستفحل الشررُ ويصبح لهيبًا متَّقِدًا. ولكنْ خلافًا لذلك كان السلام شاملًا والأمور تجري في مجراها الطبيعي، من أجْل هذا كان الجوُّ مهيَّأً أمام «أمنحتب الثالث» للقيام بالأعمال السلمية التي كانت تتجلَّى مظاهرُها في تقدُّم الفن والعمارة والأدب، وتلك ظاهرة نشاهدها غالبًا في تاريخ الأمم عندما تَصِل في عظمتها إلى الذروة في نواحي العمران، وعندما تظلُّ بعيدة عن مساوئ المدنية الكاذبة، ولم يَدِبَّ في عظامها الوهن والانحطاط اللذان يسببهما سوء استعمال الثروة بالتغالي في التَّرَف. ولقد ساعده على السير في طريق رقي البلاد الداخلي والخارجي أنْ تزوج في باكورة توليته عرشَ المُلْك من فتاة من أعظم نساء التاريخ المصري ذكاء وقوةَ عزيمة، فقد كان نفوذُها في الداخل والخارج من أكبر العوامل في تكييف مصير الإمبراطورية في هذه الفترة. ومن المحقق أن «أمنحتب» تزوج من «تي» قبل السنة الثانية من سِنِي حكمِه، ويقول الأستاذ برستد إنها كانتْ من أصل وَضِيعٍ، غير أن الوثائق التاريخية التي كُشفتْ حديثًا لا تُساعد على الأخذ بهذا الزعم. حقًّا إنها لم تكن من دم ملكي، ولكن من المحقق أن والدَيْها كانا يَشغَلان وظائفَ راقية في الدولة، فكان والدها كاهن الإله «مين»، وأمُّها كانت المُشرِفة على الملابس في البلاط الملكي ووصيفة في القصر. وتدل كل الأحوال على أن هذا الزواج قد جاء عن طريق الحب والمعاشرة؛ إذ لا بد أن «تويا» أم «تي» التي كانت تحمل لقب الوصيفة الملكية ومغنية الإله «آمون» كانت على اتصال «بأمنحتب الثالث» في طفولته. وهنا نشأتْ أوَاصِر الحب بينهما وانتهتْ بزواجه منها. (Quibell, “The Tomb of Yuaa andThuiu”, p. 18)، ولما كان هذا الزواج خارجًا على التقاليد الفرعونية المَرْعِية، وهي التي كانت تُحتِّم أن تكون الملكة الشرعية من دمٍ مَلَكي خالص، رأى هذا المَلِك الفتى أنْ يُعلِن نَقْضَه لهذا التقليد غير مبالٍ ولا هيَّاب على الملأ بصورة تَستَرْعِي الأنظارَ، وبطريقة فذَّة في بابِها، وقد خَلَّد ذكرى هذا الحادث بعمل تذكار أقام له احتفالًا خاصًّا، مما يدلُّ على أنه كان عند توليته العرش له إرادته الخاصة ورأيُه النافذ الذي لا يَخضَع لعُرْف أو تقليد. وهذا التذكار نقشه على جِعْران من صُوَر عدَّة (راجع Fraser, “Notes on Scarabs”, P. S. B. A., XXI, Pl. opp. p. 155, 156 ).
وهاك ترجمة ما جاء عليه:
يعيش (ألقاب الفرعون كاملة) المَلِك «أمنحتب الثالث» معطي الحياة، والزوجة الملكية العظيمة «تي» العائشة. واسم والدها «يويا»، واسم والدتها «تويا»، وهي زوجة مَلِك عظيم تمتد حدودُه الجنوبية حتى «كاراي» وحدوده الشمالية حتى «نهرين». ولقد استطاعتْ بنتُ الشعب هذه بما أوتيتْ من ذكاء وسِحْر أن تستأثر بلُبِّ زوجها وتستهويَ قلبَه طَوالَ مدة حياته، حتى وهي في شيخوختها ظلت صاحبة المكانة الممتازة بين الأميرات الأجنبيات اللاتي كُنَّ أزواج «أمنحتب «. ولقد أتى عليها حين من الدهر كانت هي المُدِيرة لسكان الدولة. فقد كتب إليها «دوشرتا «(1) ملك «متني» رسالة في عهد «أمنحتب الثالث» زوجها، كما كَاتَبَها في عهد ابنها «إخناتون» منوِّهًا بأنها هي التي تعرف تسيير الأمور أكثر من أي إنسان آخر، ورجاها أن تعمل على توثيق علاقات الود والمصافاة وأن تجعلها أحسن حالًا مما هي عليه عشر مرات، وبخاصة أن تُتْحِفَه بإرسال هدايا من الذهب النُّضَار، وكان اسم «تي» مقرونًا باسم الملك حتى في الوثائق التي كان لا دَاعِيَ لذكْرِها فيها قط. ولا أدلَّ على ذلك من تدوين اسمها على الجِعْران العظيم الذي نُقش خِصِّيصَى لتخليد ذكرى زواج «أمنحتب الثالث» من الأميرة «جلوخيبا» بنت ملك «متني» «دوشرتا»، وكأن الفرعون كان يقصد من ذلك تفضيل «تي» على هذه الزوجة الأجنبية الجديدة كما ذكرنا آنفًا.
.................................................
1- راجع: Mercer, “The Tell El Amarna Tablets”, No. 26.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
السيد السيستاني يستقبل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق
|
|
|