ب) النشأة التاريخية للمصرف : 

إذا القينا نظرة سريعة على نشوء المصارف من الناحية التاريخية لوجدنا أن خدماتها تنحدر من ثلاثة مصادر رئيسة هي "التاجر" و"المقرض" (أو المرابي) و"الصائغ". فقد كان التاجر يصدر، قبل نشوء المصارف، حوالات تقبل لدى الغير وتدفع لصالح طرف ثالث، وذلك على أساس سمعته ومركزه المالي. تعتبر هذه الحوالات أهم مصدر تطورت منه تدريجياً الشيكات (الصكوك) المستخدمة في يومنا هذا. وقد كانت بابل في العراق بلاد الرافدين السباقة في نشوء هذه الجذور المصرفية.

أما المقرض (أو المرابي أي المقرض بفوائد عالية) فقد كان يعمل على أساس رأسماله ومدخرات الغير المودعة لديه (لغرض استخدامها). وكان يقرض هذه الأموال للمحتاجين لقاء فوائد مرتفعة. وكان يستفيد من الفرق بين أسعار الفائدة التي يدفعها علي الودائع لديه وبين ما يفرضه من أسعار على المقترضين، وذلك مقابل المخاطر الائتمانية التي يتحملها في عمليات الإقراض. لقد كان المقرض أو المرابي بهذا المعنى مصرفاً صغيراً، وكان أيضاً بابلي (عراقي) النشأة.

ثمة مصدر ثالث لنشأة المصرف هو الصائغ الذي كان يقبل ودائع الذهب والفضة لديه لقاء إيصال يحدد بموجبه بما تم إيداعه وكانت هذه الإيصالات تستعمل في البداية لغرض سحب الذهب والفضة من قبل المودعين وحسب مشيئتهم. وقد أخذت هذه الإيصالات تستخدم بصورة تدريجية في التداول عوضاً عن استعمال العملة في سداد الديون. ثم استعيض عنها بأوامر يصدرها المودعون إلى الصائغ لدفع ودائعهم (الذهب والفضة لشخص ثالث. وكان هذا هو مولد الشيك (الصك كلمة عربية). وما زال المصرف ليومنا هذا متأثراً بالوظائف التاريخية التي كان يؤديها التاجر والمقرض والصائغ، فالمصارف التجارية في دول كثيرة تهتم بتمويل المعاملات التجارية لأجال قصيرة. وكانت المصارف التجارية التي تسير على نهج المدرسة الإنجليزية للمصارف أكثر من غيرها تخصصاً في تمويل التجارة الداخلية والخارجية لآجال قصيرة. غير أن ذلك ليس طابعاً دولياً ، إذ أن المصارف التجارية في دول أخرى تتعدى هذا الإطار إلى القروض الأطول أجلاً ولقطاعات اقتصادية متعددة، في إطار التوجه نحو عمليات " المصارف الشاملة". كما أبدلت المصارف التجارية ذاتها باستخدام أموالها واتجهت إلى إطالة أجالها .تقوم بقية أنواع المصارف بشكل أو بآخر، باستلام الودائع من الغير واستخدامها في القروض والاستثمارات بأساليب مختلفة ولآجال متفاوتة.