أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-7-2017
993
التاريخ: 4-7-2017
885
التاريخ: 4-7-2017
1158
التاريخ: 4-7-2017
1087
|
فخلفه أخوه المنصور، وكان عالمًا بليغًا، وحازمًا جليلًا، فلما أنعم نظره في مَن حوله، رأى في العراقيين جميعهم حزبًا قويًّا يميلون إلى العَلويِّين، ويودُّون أن تكون الخلافة لهم لا للعبَّاسيِّين؛ فأخذ يخاف من أمرين: الأول من أن يُغتال، والثاني من أن تنتقل الخلافة إلى آل البيت فتنحصر فيهم، فأخذ يضرب أخماسًا لأسداس ليأمن على الأمرين معًا، فبلوغًا للأمر الأول أخذ يُقصِي عنه العرب ويُقَدِّم عليهم الموالي، والأتراك، والخراسانية؛ لأنهم كانوا دُعاة هذه الدولة وأنصارها، الذين استُعين بهم على بني أمية في ديار العجم وجرجان وما إليهما من البلاد، وقد وجد على العراقيين أشد مما وجد أخوه على بني أمية، حتى لو استطاع أن يقرضهم من هذه الديار لفعل، والعياذ بالله. وقرَّب أيضًا منه النصارى لهذه الغاية عينها؛ لعلمه أنهم لا يستطيعون أن يؤذوه إذا ما أغدق عليهم الخيرات والمبرات، لا بل اتخذ كثيرًا منهم نُدماء له على غصصٍ من قلوب الذين يميلون في تحقيرهم إلى رفض سلامهم وكلامهم. ومما فعله أيضًا لقمع العراقيين أنه قلَّل أُعطية الجند ليأمن عصيانهم واستغناءهم عنه، وأجرى فواضله على مَن لم يكن له غرض في السياسة ولا يُعنى بأمرها، بل غايته العلم والأدب، وكان يُقَلِّم أيضًا أظفار أُمراء البلدان وعُمَّالها بأن يتدارك عزلهم قبل أن ترسخ قدمهم في ولايتهم، ويستولي على ما يصل إليه من أموالهم، ويجعله في البيت الذي سمَّاه «بيت مال المظالم»؛ قصدًا لتحقيرهم وإعجازهم عن القيام عليه بفتنة أو مخالفة، لا حُبًّا في جمع المال واذخاره كما توهَّمه بعضهم، ثم طمع في هذه السياسة إلى أن يأخذ التجار بالشدَّة، فوضع على حوانيتهم ضريبة كما يفعل اليوم الإفرنج في بلادهم، إلا أن بين عمله وعملهم فرقًا في الغايات، وهذه الضريبة ممَّا لم يسبق له عهد في الإسلام. وزد على ذلك أنه زاحمهم في إعطاء الدَّين بالربا؛ حتى يقطع عنهم باب الارتزاق والتعَيُّش، مع علمه بأن التجارة من السلطان مفسدة للعمران ومدعاة الرعية إلى الخُسران، وأن الله يمحق الربا ويُربي الصدقات، غير أنه تجوَّز كل ذلك بلوغًا لمآربه واستمالةً للشعب الأدنى إليه، وهو السواد المهم، فرفع عنهم الخراج، ورقا على الحنطة والشعير، وصيَّره عليهم مُقاسمة، فاستفاد بعمله هذا فائدتين: تقريب سواد الناس منه، واذخار أرزاق الجند وعلف الخيل عنده؛ حتى لا يطمع فيه طامع. ومما فعله من آخر أعماله لتأمين حياته وإقصاء المغالين عنه، نقل دار الخلافة إلى موضعٍ جديد يُحصِّنه كل التحصين؛ لأنه كان يخاف من أن أهل الكوفة يُفسدون جنده، ويحملونهم على ممالأة أهل البيت؛ فجمع المنجمين ليعلم هل من خطر عليه بعد بناية بغداد. فلما أعلمه نوبخت إذا اختطها يسلم من شر العدو، أخذ بعمارتها وأركبها دجلة، ولمَّا كان الخوف قد أخذ من قلبه كل مأخذ، حصَّنها بمائة وثلاثة وستين برجًا أنزلها في سورٍ متين بين الشوارع والطرق، بحيث يمكن إقفال الدروب في الليل وإقامة الحُراس عليها. ثم إنه حوَّل الأسواق إلى الكرخ في أعلى الزوراء؛ حتى لا يبقى بجواره مَن لا يأمن منه، وراح قومه يقولون إن رسول الروم أشار بذلك عليه، ففعل كل ذلك لكيلا يُغتال. وأما ما فعله ليتخلص من العلويين، فإنه بثَّ العيون والأرصاد، ونَصَب لهم الشِّباك والحبائل ليقتلهم الواحد بعد الآخر؛ ففي السنة التي أسَّس فيها بغداد (145ھ/762م) قتل محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وإبراهيم أخاه، وليس له في ذلك فخر؛ لأن ضعف العلويين كان ناشئًا من تفرُّق كلمتهم، ومُحاولة كلٍّ منهم الاستئثار بالخلافة، وتشتُّت دُعاتهم على آراء لم تجمعهم غاية واحدة، وانقطاع بعضهم عن بعض منفردين إلى نفوسهم فيما يطلبون به من ثأر شهدائهم، وإلا لو اجتمعوا لما استطاع فتيلًا، وهو لم يتجرَّأ على قتل هذين العلويَّين البريئَين إلا من بعد أن قتل قبلهما يزيد بن عمر بن هبيرة، وعمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس، ولا سيما أبا مسلم الخراساني مُحبهم ومُؤيد طلبهم، وفي كل ذلك لم يُطالبه أحد بدمهم. فأنت ترى من هذا كله أن المنصور كان خليفة عضوضًا، لا يراعي إلًّا ولا عهدًا، وذا سياسة تشبه سياسة دُهاة الإفرنج في هذا القرن، وبذلك حفظ نفسه وسرير خلافته من الدمار، وكانت وفاته في سنة 158ھ/775م عن 63 عامًا.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|