تعرضنا في هذا الفصل حتى الآن إلى أيونات المعادن حينما تكون موجودة بصيغ منحلة فقط. وتتصف المياه الجوفية، المرشحة بواسطة طبقات متتالية من مواد التربة النفوذة، بأنها تكون صافية عادة، وهذا ما يدل على أن المعادن الموجودة فيها منحلة في الواقع. إلا أن ثمة حالات في أجزاء أخرى من البيئة المائية توجد فيها نسبة ملحوظة من المعادن على شكل مادة جسيمية معلقة. يمكنك تصوير نهر سريع الجريان يحمل كمية وفيرة من الرسوبيات التي تعطيه مظهراً عكراً كذاك الذي يظهر به الأمازون الأبيض المذكور آنفاً والنيل الأبيض في شمال شرق أفريقيا، على سبيل المثال. هناك، يكون جزء من المعدن الموجود في الماء بصيغة جنس منحل، ويكون جزء آخر على شكل مادة معلقة. إن مسألة ما هو منحل وما هو معلق هي . مسألة معقدة وسوف نناقشها في الفصل الرابع عشر. والتمييز بين الحالتين غالباً ما يقوم على إجرءات مخبرية يُجرى فيها ترشيح بواسطة غشاء مسامي، قطر المسام فيه يساوي 0.45 مكرون، لفصل الجسيمات.
تتألف المادة المعلَّقة من معادن التربة الشائعة ومواد عضوية، وخاصة تلك الجسيمات الناعمة ذات المقاس الصلصالي). وتتضمن العناصر الموجودة في هذه البنى العضوية واللاعضوية تراكيز عالية نسبياً من المعادن القلوية ومعادن الأرض القلوية والألمنيوم والحديد، مع مقادير صغيرة من المعادن الأخرى تبعاً لنوع المادة. لذا تحمل الرسوبيات نسبة ملحوظة من العناصر الإنشائية الرئيسية بصيغة معلقة مقارنة بتلك المنحلة في الماء. من ناحية أخرى، قد لا يكون بعض العناصر ذات الأهمية البيئية، وخاصة تلك التي توجد عادة بمقادير ضئيلة موجودة بمقادير ملحوظة في البنى المعدنية الأصلية للرسوبيات المعلَّقة، لكنها تقترن بالرسوبيات على شكل أجناس ممتزة على سطوح الجسيمات الدقيقة.
تتصف نسبة الأيونات الموجبة المعلَّقة إلى المنحلة في ماء النهر بأنها شديدة التغيُّر، وغالباً ما تقع قيمها ضمن مجال يمتد من أقل من 0.1 إلى أكبر كثيراً من الواحد. فمثلاً، يتضمن الجدول 5.13 التراكيز الوسطى لأربعة معادن بالصيغتين المنحلة والجسيمية في نهرين في جنوب شرق مقاطعة كيوبك بكندا.
 

تعتبر المادة الرسوبية المعلَّقة ذات الأصول المختلفة أقل تَيْحاً للتناول من قبل المتعضيات مقارنة بالصيغة المنحلة لنفس العنصر. لكن مع أن هذا صحيح عموماً، فإن الصورة الفعلية لكونها متاحة أكثر تعقيداً في كثير من الحالات. فأولاً، تكون العناصر الممتزة سطحياً أكثر تَيْحاً من العناصر المستقلة بنيوياً. على سبيل المثال، عندما يصب نهر تحمل مياهه رسوبيات في المصب البحري، تحل أيونات الصوديوم محل نسبة كبيرة من الأيونات الممتزة من خلال تفاعل مبادلة ،أيونات، وتصبح الأيونات الممتزة جزءاً من المحلول. كذلك يمكن للعناصر المقترنة بجسيمات أكسيد (أو هدروكسي) الحديد أو المنغنيز أن تعود إلى الحركة إذا ذهبت الجسيمات نفسها إلى المحلول نتيجة لتفكك إرجاعي من قبيل ذاك الذي ناقشناه في الفصل العاشر من ناحية أخرى، يمكن للمادة العضوية المعلَّقة أن تتفكَّك إلى جزيئات صغيرة قابلة للانحلال في الماء في ظروف الأكسدة، وهذا ما يؤدي أيضاً إلى تحرير صيغ قابلة للانحلال من المعادن المعقدة.
ويمكن أيضاً لبعض المتعضيات أن تتناول معادن مرتبطة بغرويات مباشرة من المادة المعلَّقة. وأكثر أمثلة ذلك جلاء هي آكلات المعلقات، ومنها سمك الصدف وبلح البحر في التجمعات المائية، وديدان الأرض في التربة. ومن اللافت أن إفرازات هذه المتعضيات يمكن أن تحتوي على كثير من صيغ العناصر القابلة للانحلال في الماء، مسهمة بذلك في تغيير الدورة الحيوية الكيميائية الأرضية بمقدار ضئيل، لكن ملحوظ، محلياً.
 

النقطة الرئيسية 5.13 تعتمد الصيغ التي توجد بها المعادن في الماء على طبيعة المعدن نفسه وعلى جميع المكونات الأخرى الموجودة في البيئة المائية التي يوجد فيها المعدن، ومنها مكونات طبيعية أو ناجمة عن أنشطة بشرية، ومواد منحلة وأخرى معلقة. وتمثل أجناس العنصر الناتجة عاملاً رئيسياً في تحديد توفره للتناول الحيوي.

(*) P. G. C. Campbell, A. Tessier, and M. Bisson, "Anthropogenic Influences on the Speciation and Fluvial Transport of Trace Metals," paper presented at: Management and Control of Heavy Metals in the Environment: Proceedings of an International Conference, London, September 1979, C.E.P. Consultants, Edinburgh, 1979.