أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2016
1347
التاريخ: 5-7-2019
1283
التاريخ: 2023-12-16
868
التاريخ: 24-6-2019
1386
|
ليست ببلاد اليمن أنهار دائمة الجريان، ولكن تنزل بها أمطار غزيرة في فصل واحد من فصول السنة هو الصيف، فتَخْلُف الأمطارَ سيولٌ عظيمة تنساب في الأودية بين الجبال، فيجري بعضها إلى البحر، وينساب بعضها في الصحاري، وتكون في بعض الأحيان هذه الأمطار بغزارة حتى تكون خطرًا على الزراعة، فإذا ولَّى فصل المطر ظمئ القوم وجفت زروعهم، فدفعتهم الحاجة — وهي أم الاختراع كما يقولون — إلى اتقاء خطر الغريق وخطر الحريق فأقاموا الخزانات لضبط المياه واختزانها ورفعها إلى سفوح الجبال وتوزيعها على قدر الحاجة. وقد ذكر الهمداني أسماء عدة لسدود كان أهمها سد مأرب، وسد مأرب عبارة عن حائط ضخم أقيم في عرض وادي أذنه، ويبلغ طوله 800 ذراع وعرضه من أسفل 150 ذراعًا، وارتفاعه بضعة عشر ذراعًا، وكان ينتهي من أعلى بسطحين مائلين على زاوية منفرجة، تكسوهما طبقة من الحصى، والظاهر أنه بني بالتراب والحجارة، وكانت به منافذ ينصرف منها الماء إلى الجنتين اليمنى واليسرى، وكانوا يقفلونها بعوارض ضخمة من الخشب أو الحديد ويفتحونها متى شاءوا. وتقع مدينة مأرب إلى الشمال الشرقي من السد، وبينها وبينه متسع من الأرض تبلغ مساحته 300 ميل مربع كان قفرًا قاحلًا، فأصبح بعد تدبير الماء بالسد غياضًا وبساتين هي المعبر عنها بالجنتين اليمنى واليسرى. وقد اختلف مؤرخو العرب فيمن بنى السد؛ فقيل: بَنَتْهُ بلقيس. وقيل: حمير. وقيل: سبأ. وقد أشرنا في الفقرة السابقة إلى ترجمة النقش الذي نقله الأستاذ نزيه العظم، ومنه يُستنتج أن يثعمر بين بن سمعهلي ينوف اشترك في بناء السد، وقد ترجم الأستاذ مولر نقشًا وجد على الجانب الأيسر نص ترجمته «أن سمهعلي ينوف بن زمر على مكارب سبأ اخترق بلق وبنى رحب لتسهيل الري.» وسمهعلي هذا هو والد يثعمر المذكور، ويُستنتج أن كلًّا منهما بنى حائطًا، وكلاهما من ملوك القرن الثامن قبل الميلاد، ولعلهما أول من قام ببناء السد، ولكنهما لم يتمكنا من إتمامه، فأتمه أخلافهما الذين ذكرت أسماء بعضهم في أماكن متعددة من السد، وإذن نستطيع أن نقرر أن السد لم يتم في عهد ملك واحد، شأن كل مشيدة ضخمة، وليس لروايات العرب في ضوء هذه النقوش نصيب من الصحة. أما تصدع السد فالظاهر — كما قال الأستاذ الخضري في الجزء الأول من تاريخ الأمم الإسلامية — أنه لما تطاولت الأزمان على ذلك السد أهمل من شأنه فتصدعت جوانبه، ولم يحمل هجمات السيول المتواردة عليه والمياه المحجوزة خلفه فانكسر، وفاضت المياه على ما أمامه من القرى والمزارع فأتلفتها، وكان ذلك حوالي سنة 115 أو 120 قبل الميلاد كما قاله العالم سيديو؛ أي قبل الهجرة بسبعة قرون ونصف قرن تقريبًا، وكان تصدعه الحد الفاصل بين سقوط سبأ وقيام دولة حمير، وقد أثبتت الكشوف الحديثة أن السد رُمِّمَ بعد ذلك التصدع المشهور عدة مرات، بدليل أنهم حصلوا على نقش بين أنقاض ذلك السد يرجع إلى عهد أبرهة الحبشي في منتصف القرن السادس الميلادي في سنة 542 م أو 543 م، وخلاصته أن أبرهة جاءه النبأ بتهدم السد فبعث إلى القبائل بإيفاد الحجارة والأخشاب والرصاص لترميمه، فرُمم واستغرق العمل في ذلك زهاء السنة. وللمؤرخين من العرب قصة طريفة تتعلق بتصدع السد؛ إذ يقولون إن الملك عمرو بن عامر ماء السماء الملقب ميزيقيا قالت له زوجته المسماة ظريفة، وكانت امرأة كاهنة، إذ حلمت حلمًا أن كارثة ستحدث، فقالت له: اذهب إلى السد فإن رأيت الجرذ ينخب بمخالبه، ويحمل الحجارة الكبيرة بقدميه الخلفيتين، فتأكد بأن الكارثة حادثة، فذهب عمرو إلى السد، ولشدَّ ما كانت دهشته؛ إذ رأى فأرًا يحرك صخرة هائلة لا يقدر على زحزحتها من موضعها خمسون رجلًا، فتيقن عمرو من أن السد لا بدَّ متصدع، فاستقر عزمه على أن يبيع ممتلكاته ويبرح مع أسرته، ولكي لا يرتاب الناس في أمره دبر الحيلة الآتية؛ إذ دعا زعماء قومه إلى مأدبة فاخرة، واتفق مع ابنه على أن يلطمه في أثناء الحفل، وفعل الابن ما طلب أبوه، فصاح عمرو: يا للعار، وأقسم أن لا يقيم في بلد يلطم فيها وجهه، ثم عرض كل أملاكه للبيع فتهافت الناس على شرائها، ولما تم له بيع ممتلكاته أخبر الناس بالخطر الذي يهددهم، ثم بارح مأرب على رأس جمهور صغير منهم إلى الشمال، ولم تمضِ أيام على رحيله حتى جاء السيل ففزعت البلاد ولم يبقَ من الأرضين والكروم إلا ما كان في رءوس الجبال، وتفرق القوم أيدي سبأ. وبصرف النظر عما تنطوي عليه هذه القصة من خرافة فإنها تشير إلى أن الهجرة حصلت قبل التصدع، وهناك رأي يقول بأن الهجرة إنما كانت بعد أن خرب السد وأتلف الأرض والزرع، ويرجح الأستاذ الخضري في الجزء الأول من محاضراته الرأي الثاني لسببين، أولهما أن مفارقة البلاد والنزوح كلية عن الوطن ليس بالأمر الهين، ولا يقدم عليه قوم لمجرد تكهن كاهنة، والثاني ما جاء في القرآن الكريم في سورة سبأ الآيات من 15 إلى 19 مما يدل بوضوح على أن سيل العرم أصابهم، وبدَّل في شكل أرضهم وهم يقيمون بها. وممن سار على هذا الرأي العلامة الفرنسي سيديو. ولا حاجة بنا إلى القول بأن تصدع السد لم يكن إلا السبب المباشر لمجموعة من الأسباب التاريخية الطويلة بين اقتصادية واجتماعية وسياسية خارجية وداخلية أدت إلى تفكك المجتمع العربي الجنوبي وسقوطه النهائي، كان يجهلها المؤرخون القدامى فتلمسوها في قصة وضعوها عن ذلك الفأر الذي جعلوه يحدث ذلك الانقلاب الخطير في التاريخ.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|