أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-1-2019
1875
التاريخ: 2024-01-10
874
التاريخ: 2024-11-04
127
التاريخ: 2024-11-05
157
|
خلال عهد أسرة التانغ وبالأخص في القرنين الثاني والثالث الهجريين/ الثامن والتاسع الميلاديين، تميزت العلاقات الاجتماعية بين المسلمين والمجتمع الصيني بعلاقات منفتحة واهتمام متبادل (1)، فالجالية العربية والإسلامية التي عاشت في العاصمة خمدان في عهد التانغ، كانت جالية كبيرة وتمتعت بنفوذ تجاري قوي(2)، وكانت حياة العاصمة مليئة بالحيوية، مفعمة بثقافة منفتحة على العالم وخاصة مع دول عالمية تتمتع بقوة ونفوذ مثل عاصمة الخلافة العباسية في بغداد(3)، وقد أدى الازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي في عهد التانغ إلى توجه الكثير من المجتمع الصيني للاهتمام بكل ما هو أجنبي، حيث حرص أبناء الطبقة الغنية من المجتمع الصيني على شراء لوحات فنون تظهر خصائص ومظهر الأجانب في المدن الصينية، وبالأخص العرب والفرس والمسلمين وغيرهم من المسلمين(4). لقد انخرط مسلمو الصين بعد مرور قرون عدة على وجودهم في تلك البلاد بالمجتمع الصيني، فتأثروا بعاداتهم وتقاليدهم وتكلموا بلغتهم وتسموا بأسمائهم، لكنهم حافظوا على شعائرهم الدينية وعاداتهم المرتبطة بشريعتهم (5). ولم يعد المجتمع الصيني يسمي المسلمين بالعرب أو الأجانب كما كان معهوداً في القرنين الثاني والثالث الهجريين الثامن والتاسع الميلاديين، بل أطلق عليهم اسم صيني ما زال اسمهم إلى الآن هوي (Hue hui) (6). لقد اشتهر عهد التانغ بأنه العصر الذهبي للصين، وأن من أهم مزاياه الانفتاح على ثقافات العالم والنشاط التجاري مع دول كثيرة، وكذلك العلاقات الاجتماعية. الأجانب مع والتجار المقيمين في الصين، وهذا ينطبق على الجالية الإسلامية التي ربطت أبناءها علاقة اجتماعية إيجابية مع المجتمع الصيني، ففي هذا العهد تم ولأول مرة تأليف قاموس صيني، تركي، أفاد منه طلبة صينيون اهتموا باللغة التركية (7)، حتى صار منهم شعراء ألفوا قصائد باللغة التركية (8)، ولعل سبب الاهتمام باللغة التركية هو الواقع الجغرافي، إذ أن معظم حدود الصين الغربية تشاركها شعوب وقبائل من أصل تركي، وكانت هذه الشعوب مقيمة على طول طريق الحرير التجاري الشهير الذي ربط العالم الإسلامي بالصين تجارياً وثقافياً. إن الاهتمام باللغة التركية وظهور قاموس تركي صيني يدل على عمق الروابط الثقافية بين الصينيين والجالية الإسلامية وتطورها. لقد عاش مسلمو الصين في مجتمع تؤمن الأكثرية منه بالكونفيوشية (9)، وهي العقيدة ومنظومة القيم عند الصينيين، وقد اهتم الكثير من مفكري الصين بإيجاد عوامل مشتركة تجمع بين الإسلام والكونفشيوسية (10). فهناك مثلاً المفكر وانغ تاي يو ( wang tai -yu) وأيضا المفكر ليو تشيه (liu chih ) اللذان اجتهدا في إيجاد القيم والعوامل المشتركة التي تجمع بين الإسلام والكونفشيوسية، وقد ركز المفكران الصينيان على القيم الأخلاقية التي تجمع وتحكم العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع(11)، وهذا يدل على الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية والتي عادة تؤسس على القيم الدينية والروحية، ويلاحظ أن الصينيين والمسلمين قد وجدوا في الدين الإسلامي والكونفشيوسية عوامل وقيم مشتركة تجعل العلاقات الاجتماعية بينهم مبنية على أسس وقيم راسخة في الوجدان الإسلامي والصيني معاً، مما ينعكس عملياً على العلاقات الاجتماعية اليومية بين المسلمين والصينيين. وهناك رواية ترجع إلى بداية القرن السادس الهجري = الثاني عشر الميلادي تبين أن أحد التجار العرب قد قرر التبرع ببناء مقبرة في مدينة قوانزهو لدفن الموتى من التجار الأجانب، وقد استغرق بناء المقبرة عام كاملا وكان ذلك في عام (558هـ - 1163م)(12)، وقد ذكر أن المقبرة تم بناؤها على تلة في الجانب الشرقي من مدينة قوانزهو (13)، و قد سمحت السلطات الصينية ببناء المقبرة في المدينة لوجود تجار عرب ومسلمين، إذ تفهمت السلطات الصينية والمجتمع الصيني أهمية مثل هذه المقبرة بالنسبة للمسلمين والتجار (14) ، كما أرادت تلك السلطات تشجيع التجارة مع العالم الإسلامي من خلال هذا الاحترام لدين المسلمين و مشاعرهم، فمثل هذا المشروع يعزز التفاهم الاجتماعي بين المسلمين والصينيين ويخلق جو أفضل. وأما عن العلاقات الاجتماعية في القرن السابع الهجري = الثالث عشر الميلادي، فقد سيطر المغول على الصين بالكامل تحت قيادة قبلاي خان (15)، وأصبح حفيد جنكيز خان إمبراطور الصين بلا منازع (16)، ومع سيطرة المغول على الصين، شهدت الصين تدفقاً واسعاً لمهاجرين جدد، وكذلك لجنود مرتزقة حاربوا مع قبلاي خان (17). وحاول المغول منذ بداية حكمهم للصين إبعاد أصحاب القرار من أصل صيني عن مناصب الدولة المهمة، وتم إعطاء المناصب الحساسة في الدولة للأجانب ومنهم الكثير من المسلمين (18)، وقد جعل هذا الصينيين لا يتقون كثيراً بالأجانب فقد استطاع قبلاي خان السيطرة، وحكم الشعب الصيني المكون آنذاك من سبعين مليون نسمة من خلال جيشه وعدده ثلاثمائة ألف جندي منتشرين في جميع أنحاء الصين. ومع هذا التطور والتغيير التاريخي في الصين، لوحظ أن المجتمع الصيني قد تأثر بالحكم المغولي الجديد اجتماعياً، إذ أصبح مسلمو الصين يميلون إلى نزعة أقوى من أجل التمسك بالهوية الإسلامية وخاصة في المناطق الغربية من الصين (19). فقد تحول الكثير من شعوب المناطق الحدودية الغربية للصين إلى الإسلام (20)، وارتبطت هذه الشعوب مع القبائل التركية والشعوب الغربية من الصين والواقعة على طريق الحرير. وقد تحدث أحد المبشرين النصارى في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي عن سكان مناطق غرب الصين، وكيف أن الكثير منهم قد " تحولوا ليؤمنوا برب واحد مثل العرب (21)، وأن الكثير من السكان المحليين يسكنون جنباً إلى جنب مع العرب (22)، فقد كانت الأسواق العربية في مدينة قراقرم الغربية من الصين عامرة بالتجارة النشطة (23). ويبدو أن هذه المناطق بالذات قد عاشت نفوذاً إسلامياً أقوى من غيرها من مناطق الصين الأخرى، وأن الكثير من الصينيين تحولوا للإسلام، وهذا يضيف للحياة الاجتماعية تغيراً جديداً، وهو عنصر الدين الإسلامي، الذي بدأ يوحد تلك الشعوب تحت شريعة واحدة وحياة اجتماعية واحدة. وفي تلك الحقبة نفسها، روى لنا ابن بطوطة عن زيارته لإحدى المدن الصينية وكيف أن الصينيين والمسلمين قد عاشوا في المدن نفسها لكن في أحياء مختلفة. " ويسكن داخل السور الثالث المسلمون وهنالك نزلنا عند شيخهم ظهير الدين القرلاني، ويسكن داخل السور الرابع الصينيون، وهو أعظم المدن الأربعة (24). ففي هذه الرواية، لم يذكر ابن بطوطة عن مشاكل اجتماعية بين المسلمين والصينيين، بل لقد تحدث عن مدى ضيافة وحسن معاملة أمير المدينة الصيني عند علمه بقدوم ابن بطوطة، وكذلك وجه قاضي المدينة دعوة للزائر المسلم ابن بطوطة إلى مدينتهم (25)، وهذا يدل على أن العلاقات الاجتماعية بين المسلمين والصينيين كانت قوية، ولو كان الحال عكس ذلك، لتحدث ابن بطوطة في رحلته عن مشاكل اجتماعية أو اضطرابات بين المسلمين والصينيين، ولاسيما أن ابن بطوطة معروف بغيرته على الإسلام والمسلمين.
.................................................
1- Fitzgerald, Flood Tide in China, P.369.
2- Holcombe, Charles, Southern Integration, p.59.
3- Fitzgerald, Flood Tide in China, P.369; Holcombe, Charles, Southern Integration, p.59.
4- Fitzgerald, Flood Tide in China, P.368.
5- Esposito, Islam in Asia, P.141.
6- IBID, p.141.
7- Schafer Edward, The Golden Peaches Of Samarkand,p.28.
8- . Schafer Edward, The Golden Peaches of Samarkand, p.28.
9- الكونفشيوسية، هي عقيدة ومنظومة قيم أخلاقية تعتبر الأهم في المجتمع الصيني وأسسها كنفيوشس في القرن الرابع قبل الميلاد وللمزيد عن حياة كونفيوشس، الفيلسوف والمعلم الصيني، ينظر:
Kelen, Betty, Confucius, (Graham Brash, Singapore), 1992.
10- Ching, Julia, Chinese Religion, p.182.
11- IBID. p.182.
12- So Kee-Long, Dissolving Hegemony, p.152
13- IBID. p.153.
14- IBID. p.153.
15- قبلاي خان، حفيد جنكيز خان استطاع إخضاع الصين تحت سيطرته في عام 669 هـ / 1270م، وقد عرف باسم خبلاي ستيشن باللغة المغولية ينظر: 501.Lattimore, Hugh, Inner Asian Frontier of China, p
16- Fitzgerald, C.P., Flood Tide in China, P.321.
17- IBID, p.321.
18- Paul, Cedar, The Mongol Empire, p.331.
19 Lattimore , Hugh, Inner Asian Frontier of China, p.501.
20- IBID, P326.
21- Dawson, The Mongol Mission, p.142.
22- IBID, p.142.
23-9IBID, p.142.
24- ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، ج2، ص 725.
25- م.ن.، ج 2، ص 725.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|