أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-14
1137
التاريخ: 2024-03-01
876
التاريخ: 2023-12-31
972
التاريخ: 2024-02-07
914
|
لعبت الصوفية دوراً مهماً في نشر الإسلام في الصين، ولم يقتصر نشاطهم على الصين وحدها بل امتد إلى الطرق البرية والبحرية المؤدية من العالم الإسلامي إلى الصين شرقاً، فعلى سبيل المثال كان دور الصوفية كبيراً في انتشار الإسلام في منطقة آسيا الوسطي (1). المؤدية للصين عبر طريق الحرير والمتاخمة حدودا لبلاد الصين، وقد قدم لنـا ابن بطوطــة معلومات حول الزوايا الصوفية والنشاط الصوفي في بعض المناطق داخل الصين. فقد تحدث عن رحلته للصين خلال النصف الأول من القرن الثامن الهجري = الرابع عشر الميلادي، ومشاهداته لأوضاع المسلمين والزوايا. (2) وبالرغم من أن ابن بطوطة قد روى لنا عن المسلمين في الصين وانتشار الإسلام هناك بعد مرور قرن من سقوط الخلافة العباسية، إلا أن ما شاهده ونقله يعد امتداد لواقع امتد سنين طويلة قبل سقوط الخلافة العباسية. وصل ابن بطوطة إلى مدينة صينية الصين، وذكر بأنه وجد بلدة للمسلمين بأحد جهات هذه المدينة " لهم بها مسجد الجامع والزوايا والسوق (3). ويضيف ابن بطوطة قائلا: " ولا بد في كل بلد من بلاد الصين من شيخ الإسلام تكون أمور المسلمين كلها راجعة إليه وقاض يقضي بينهم (4) وهذا يدل على تكون المجتمعات الإسلامية دخل الصين عبر أجيال سبقت رحلة ابن بطوطة إذ لا يعقل أن يحصل ذلك عبر جيل أو جيلين فقط. كما يدل وجود زوايا على دور واضح للصوفية في انتشار الإسلام في الصين، وكان ابن بطوطة يبدي في رحلته اهتماماً كبيراً بزيارة الزوايا ويعرب عن تقديره واحترامه للشيوخ القائمين عليها (5). " يقول المؤرخ الشهير جيب (Gibb)، " إن الصوفية أصبحت قوية وفعالة خلال القرنين الرابع والخامس الهجريين (6). ويضيف بان الصوفية كانت دوما الرائدة في نشر الإسلام عبــر القرون في أماكن العالم مثل الصين وأواسط آسيا واندونيسيا وجنوب شرق أوروبا أيضا. (7) ويتحدث ابن بطوطة عن إحدى الزوايا التي زارها بالقرب من مدينة شهيراز وفيها قبر الشيخ الصالح ابن إسحاق الكازروني، (8) فيقول: " فقصدنا زاوية الشيخ ابن إسحاق نفع الله به، وبتنا بها تلك الليلة، ومن عاداتهم أن يطعموا الوارد كائنا من كان (9) ويضيف ابن بطوطة أن الشيخ الصالح ابن إسحاق، " معظم عند أهل الهند والصين، " وان من عادة الركاب في بحر الصين أن ينذروا لأبي إسحاق إذا وصلوا بر السلامة بعد أيام أو اسابيع من أهوال ومخاطر البحار، (10) حتى أن خدام الزاوية يأتون للمركب ليقبضوا من الركاب ما نذروه للشيخ. (11) وتوضح هذه الروايــــة مــــدى المغالاة في تعظيم شيخ الزاوية، وهذا مخالف للإسلام إلا أنه يدل على مدى تأثير الصوفية ودورها في نشر الإسلام بين المسافرين الصينيين أو الهنود، وبالتالي داخل مجتمعهم أيضاً. وإن كان هناك زوايا صوفية ومساجد وأسواق للمسلمين في الصين، فإن من المهم أيضاً معرفة وفهم دور الصوفية على امتداد طريق الحرير التجاري المؤدى للصين. فالزاوية الصوفية كانت بمثابة محطة مهمة في طريق المسافرين بين قلب العالم الإسلامي في بغداد والصين شرقا. ورحلة ابن بطوطة خير مثال لتعريفنا على طريق الحرير وانتشار زوايا الصوفية على امتداده، إذ كان ابن بطوطة يذكر اسم المدينة والبلدان وكذلك الزوايا واسم الشيخ القائم عليها، يقول: وسافرنا إلى مدينه الماجر (12) ... ونزلنا فيها بزاوية الشيخ الصالح العابد المعمر محمد البطائحي من بطائح العراق (13). ويقول: ونزلنا من بخارى بربضها المعروف بفتح آباد وقبر الشيخ الزاهد سيف الدين الباخرزى، وكان من كبار أولياء هذه الزاوية، وهذه الزاوية المنسوبة لهذا الشيخ، (14). وعند وصوله لمدينه سمرقند يقول: وبالزاوية" مساكن يسكنها الوارد والصادر، ولم يغير الترك أيام كفرهم شيئاً من حال هذا الوضع المبارك، وكانوا يتبركون به لما يرون به الآيات (15). ويتضح هنا عدم قبول ابن بطوطة لهذه الظاهرة بالتحديد. ويعلق مؤرخ غربي بأن الصوفية نجحت نجاحاً كبيراً في أواسط آسيا والمناطق المتاخمة للصين لأن الطريقة الصوفية لم تكن مقيدة بقوانين كثيرة ولأنها استطاعت أن تتأقلم مع عادات وتقاليد السكان المحليين، فلاقت قبولاً أسرع مقارنةً بالتركيبة المعقدة الموجودة في البعثات التبشيرية النصرانية (16). وهكذا يرى هذا المؤرخ "تأقلم الصوفية بالعادات المحلية " ويستمر ابن بطوطة في وصف لقاءاته وإقامته بالزوايا على طريق الحرير، فيصف مدينه ترفد: " وكان نزولنا بها بزاوية الشيخ الصالح عزيزان من كبار المشايخ (17) وكذلك أقمت مدة بزاوية الشيخ فخر الدين بن الشيخ شهاب الدين الكزرونــــي شـيـخ قالقوط (18). ويصف ابن بطوطة أحد الأمراء بتلك النواحي بأنه، قد عمر في عمالته نحو أربعين زاوية فيها الطعام للوارد والصادر، (19) و وعندما كلف ابن بطوطة من قبل سلطان الهند بحمل رسالة إلى ملك الصين، أثنى ابن بطوطة على أم السلطان " وهي من أفضل النساء كثيرة الصدقات عمرت زوايا كثيرة. (20) ويعلق المؤرخ (Gibb على ظاهرة انتشار الزوايا الصوفية وعلاقتها بانتشار الإسلام في أماكن عدة من العالم ومنها الصين بأن الزوايا الصوفية مهدت الطريق لانتشار الإسلام عبر شعبيتها المتزايدة بين الناس، وأن الصوفية أثبتت بساطتها في العبادة، وهذا ما أثر كثيراً على جاذبيتها بين الناس (21). ويذكر (جيب) أن النجاح المتألق للصوفية في نشر الإسلام جعل الفقهاء العلماء يفقدون الأمل في وقف زحف شعبية الصوفية (22). وقد لاقت كتابات العالم الصوفي ابن العربي رواجاً كبيراً في أوساط أسيا والمناطق القريبة من الصين (23) ويؤكد مؤرخ آخر بأن الصوفية قدمت فرصاً عديدة لانتشار الإسلام بين شعوب آسيا، ومنها الصين، لأنها تنوعت وتأقلمت بأشكال عدة حسب " المذاق الروحاني " وحسب التنوع الثقافي في مناطق آسيا، والتي أصبحت أخيراً جزءاً من العالم الإسلامي (24) حتى أنه تم وصف طرق الصوفية وزواياها وكأنها " شركات عالمية " انتشرت حول العالم وخاصة في آسيا، ولعبت دوراً أساسياً في الحفاظ على العالم الإسلامي (25). ويؤكد " جيب" على دور الصوفية في نشر الإسلام بأنها كانت دائماً العامل الأكبر في نشره(26).
.........................................
1- الجنابي، الإسلام في أوراسيا، ص184-185.
2- ابن بطوطة، محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، (بيروت، مؤسسة الرسالة، ط4، 1405 هـ)، ج2، ص20.
3- ابن بطوطة رحلة ابن بطوطة، ج2، ص723.
4- م.ن، ج2، ص723.
5- م. ن.، ج2، ص723.
6- Gibb, Mohammedanism, P.92.
7- IBID, P.10.
8 - ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، ج1، ص236.
9- ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، ج1، ص236.
10- م.ن.، ج 1، ص236.
11- م.ن.، ج 1، ص2.
12- الماجر هي مدينة كبيرة من أحسن مدن الترك على نهر كبير وبها البساتين والفواكه الكثيرة، ينظر: رحلة ابن بطوطة، ج 1، ص 364.
13- م.ن، ج1، ص236.
14- م.ن.، ج1، ص409.
15- م. ن.، ج 1، ص420.
16 - Esposito, John, Islam in Asia, P.135.
17- ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، ج1، ص422.
18- م. ن، ج2، ص650.
19- م.ن.، ج 1، ص415
20- م. ن، ج2، ص573
21 - Gibb, Mohammedanism, P.104.
22- IBID, P.94.
23- IBID, P.1.
24- Johns, Anthony, Sufism in South East Asia, P.1.
25- IBID, P.1.
26- Gibb, Mohammedanism, P. 90-91.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يعلن إطلاق المسابقة الجامعية الوطنية لأفضل بحث تخرّج حول القرآن الكريم
|
|
|