أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-28
751
التاريخ: 7-11-2014
2201
التاريخ: 23-04-2015
2368
التاريخ: 28-01-2015
2246
|
آراء المفسرين في الحروف المقطعة
لقد بحث المفسرون وعلماء القرآن في موضوع الحروف المقطعة منذ أوائل عهد بحوثهم التفسيرية والقرآنية، وأدلوا بآراء واحتمالات شتى حولها جاوزت العشرين رأياً واحتمالاً(1) ، نبدأ الآن في نقل ونقد بعض منها:
الراي الأول
إن الحروف المقطعة هي من المتشابهات التي انفرد الله سبحانه بعلمها وليس لغيره إدراكها(2) ، فالله تعالى يقول: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } [آل عمران: 7]
الجواب: لا يمكن اعتبار حروف القرآن المقطعة من المتشابهات، فالمتشابه من الآيات هو ما يمكن أن تكون له دلالة على معنى واضح، أو ما يمكن استظهار معنى منه، إلا أنه معنى باطل وهو في ظاهره حق، وفي اتباعه فتنة، والحال أن الحروف المقطعة ليست كذلك؛ فمعناها ليس واضحاً.
ولتوضيح ذلك نقول: إن كلمة «متشابه» في القرآن جاءت أحيانا بمعنى «شبيه» كقوله تعالى في الثمر: {مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [الأنعام: 141] ؛ أي إن ثمار المزرعة الواحدة التي تنبت من نفس الأرض، وتسقى من نفس الماء، وتتلقى ذات النور والهواء والحرارة، ويرعاها نفس البستاني يتشابه بعضها ويختلف بعضها الآخر. كما جاءت بنفس هذا المعنى (الشبيه والمثل) وصفاً للقرآن كله في أوائل سورة الزمر في قوله: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23] ؛ بمعنى أن آيات القرآن الكريم يشابه بعضها بعضا في كونها كلام حق، وفي إعجازها، وبرهانيتها، وحكمتها.
أما التشابه المشار إليه في مطلع سورة آل عمران، فهو وصف لبعض آيات القرآن، والمراد منه: أن بعض آيات القرآن تحمل عدة معان بعضها سالم، وبعضها موجب للشبهة، او بعبارة اخرى: هو معنى باطل ظاهره حق؛ ذلك أنه يشبه مراد المتكلم، لكنه ليس بمراده، وهذا هو بالضبط ما يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه للشبهة: «وإنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق»(3).
فالمتشابه بالمعنى المذكور هو من سنخ الدلالات اللفظية؛ بمعنى أن اللفظ قد يظهر تارة بمعنى حق، وقد يحتمل تارة أخرى عدة معان بعضها حق وبعضها باطل، ولما لم يكن مدلول الحروف المقطعة جلياً -كي تكون مدعاة للشبهة، ويكون اتباعها باعثاً للفتنة -فإنها لا تعد من المتشابه (الآية التي لها مدلول واضح إلاً أنه باطل ظاهره حق).
وعلاوة على ذلك، حتى لو كانت تلك الحروف من المتشابهات فهي قابلة للتفسير، ولا يمكن القول بانها من الامور التي استأثر الله تعالى بعلمها، وعجز الآخرون عن فهمها، وذلك لأن المفسرين قادرون على تفسيرها من خلال إرجاعها إلى المحكمات، فالمحكمات أم المتشابهات وهي التي تحقق الانسجام فيما بينها، وفي ظل المحكمات يرجع كل متشابه إلى معناه الحق فيقبل التفسير، وان الذي اختص علمه بالذات الإلهية المقدسة، وليس لأحد غير اله بلوغ علمه، إنما هو تأويل المتشابه لا تفسيره؛ إذ {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ...} [آل عمران: 7].
تنويه: إن الأمور التي اختص الله سبحانه وتعالى أو الأئمة المعصومون عليهم السلام بعلمها قسمان: الأول: هو العلوم التي لم يعلمها الله أو المعصومون عليهم السلام لغيرهم، ولا يستطيع الآخرون إدراكها، ولا هم مكلفون بذلك؛ مثل «الأسماء المستأثرة». بالطبع، إن في المسألة تأملاً وهو: هل إن الله عز وجل علمها للمعصومين عليهم السلام أم لا؟ ومع أن تعليمها للمعصومين عليهم السلام أولى وأصوب، إلاً أن الآخرين محرومون من تعلم مثل هذه العلوم جراء عدم استيعاب وعائهم الوجودي.
الثاني: هو العلوم التي - وإن كانت هي لله بالأصالة - إلا أنها ليست من الأسرار الإلهية الخاصة، بل إن الله أنزلها من أجل التعلم. لكن هناك سبيلاً خاصاً لتعلم تلك العلوم ومن أجل العثور على طريق تعلمها لابد من الرجوع إلى الله، والرجوع إلى الله هو رجوع إلى كتابه؛ كما أن الرجوع إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام)هو رجوع إلى سنتهم، ومثلما أن الرجوعين الأخيرين ملازمان لبعضهما، فإن هذين المرجعين متلازمان، وإن كان المرجع بالذات واحداً طبعاً.
فما كان علمه من الأسرار الإلهية، ولا يصل إلى غير اله أصلاً فليس بمتشابه، إذ أن تفسير المتشابه ميسور لغير الله أيضاً. والحاصل، هو أن التشابه من أوصاف الدلالة في الآيات التي لها ظهور في معنى مع كون هذا المعنى مدعاة للشبهة، في حين أنه لا ظهور أصلاً للحروف المقطعة في معنى خاص حتى تبعث على الشبهة.
الرأي الثاني
الحروف المقطعة لكل سورة هي اسم لتلك السورة(4)، فكل من سورة «يس»، و«طه»، و«ص»، و« ق» قد وسمت باسم حروفها المقطعة. وبعض السور الاخرى ايضا لها اسماء متعددة احدها هو نفس تلك الحروف المقطعة التي تفتتح بها، وفي الحقيقة فإن أسماءها الأخرى هي «المشهورة» وحروفها المقطعة هي اسمها «المستور».
يرى المرحوم الشيخ الطوسي: أن هذا الرأي في تفسير الحروف المقطعة هو أفضل الآراء فيقول:
وليس لأحد أن يقول: كيف تكون أسماء للسور، والاسم غير المسمى، فكان يجب أن لا تكون هذه الحروف من السورة، وذلك خلاف الإجماع. قيل: ا يمتنع أن يسمى الشيء ببعض ما فيه. ألا ترى آنهم قالوا: البقرة، وال عمران، والنساء، والمائدة، ولا خلاف أنها أسماء للسور، وإن كانت بعضاً للسور (5).
الجواب: مع أن تسمية الأشياء أو الأشخاص ارتجالية في بعض الموارد، وليست بحاجة إلى مناسبة خاصة(6) ، إلا أن إثبات هذا المدعى بالنسبة للموارد الخاصة يتطلب دليلاً وبالرغم من أننا لا نملك الدليل على عدم تسمية السور بهذه الأسماء، لكن لا دليل على إثباتها أيضاً، مما يجعلها في خانة الاحتمال.
الرأي الثالث
الحروف المقطعة هي أسماء للقرآن(7) ، كما (الفرقان)، و«الذكر» التي هي أسماء له أيضاً.
الجواب: مع أن الرأي المذكور ليس من قبيل المستحيل العقلي، بيد أن إثباته يحتاج إلى دليل معتبر، ولم يقدم أصحاب هذا الرأي دليلاً عليه، فهو من هذا المنطلق لا يتجاوز حد الاحتمال.
فلو كانت تلك الحروف اسماً للقرآن لاستلزم ذلك إمكانية وضع كلمة القرآن، أو أي اسم آخر له كالفرقان أو الذكر، محل أي منها؛ فبدلاً من قولنا: {كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم: 1، 2] ، نستطيع القول: «القرآن، ذكر رحمة ربك وبطبيعة الحال فإن التالي المذكور ليس بباطل عند أصحاب الرأي الثالث كما أنهم يستطيعون التمسك بأصل التلازم أيضاً.
الراي الرابع
كل من هذه الحروف المقطعة هو علامة اختصار وإشارة إلى اسم من أسماء الله الحسنى، كما أن بعضها أيضاً يرمز ويشير إلى اسم النبي الأكرم(8) صلى الله عليه واله وسلم فكل واحد من أسماء الله مركب من بضعة أحرف وقد اختير من كل اسم حرف ليقرأ بشكل منفصل في مستهل بعض سور القرآن.
كما أن النحو الذي اختيرت على أساسه تلك الحروف متفاوت أيضاً؛ فاختيرت تارة من أول الاسم الإلهي كالألف المأخوذة من اسم «الله»، والكاف من اسم «الكافي"، وتارة أخرى من وسطه كالياء من «العليم»، و الحكيم),، و«الرحيم»، وتارة ثالثة اختير الحرف الأخير من الاسم كحرف الميم المأخوذ من أسماء «العليم» و«الحكيم» و الرحيم)).
وقد قيل تأييداً لهذا الرأي: إن ذكر الحروف كرمز مختصر للدلالة على الكلمات متعارف عند العرب، كقول الشاعر:
قلنا لها: قفي قالت: قاف لا تحسبي انا نسينا الإيجاف
فالقاف هنا رمز وعلامة اختصار لكلمة «قد وقفت» (9). كما ورد في الحديث: «كفى بالسيف شا»؛ و«شا» هي رمز لكلمة «شافياً»(10) .
يعتقد المرحوم الشيخ الرئيس ابو علي ابن سينا ايضا، في رسالته النوروزية التي كتبها تبياناً وتفسيراً للحروف المقطعة، أن كل واحد من تلك الحروف هو رمز وعلامة مختصرة لكلمة معينة؛ فالـ «ألف» مثلا
ناظرة إلى الباري تعالى، والـ((باء)) ناظرة إلى العقل الاول، وال«جيم» ناظرة إلى النفس الكلية، والـ«دال» ناظرة إلى عالم الطبيعة(11).
وجاء في تأويلات الكاشاني:
أشار [الله] بهذه الحروف الثلاثة [الم] إلى كل الوجود من حيث هو كل لان «ا» إشارة إلى ذات الأي هو اول الوجود ... و«ل» إلى العقل الفعال المسمى جبريل، ... و«م» إلى محمد الذي هو آخر الوجود تتم به دائرته وتتصل بأولها (12).
الجواب: هذا الاحتمال أيضاً ليس بالمحال عقلا، لكن إثباته - كما قلنا في الرد على الرأي الثالث - بحاجة إلى دليل، ولم يقم عليه دليل سوى أحاديث هي إما مرسلة سنداً أو ضعيفة دلالة، وسوف نتعرض لها في البحث الروائي.
أمثال هذه الاحتمالات في معنى وتفسير الحروف القرآنية المقطعة إضافة إلى كونها مجردة من الدليل النقلي المعتبر، فهي خلو من البرهان العقلي أيضاً.
فما اوردوه من اشعار العرب تأييدا لهذا الاحتمال هو استدلال غير تام، إذ ليس من المتعارف عند العرب استخدام الحروف الرمزية المختصرة للدالة على الكلمات في النثر، وهذا الاستخدام في الأشعار التي استند إليها المفسرون هو -على فرض صحته -للضرورة الشعرية، ومن الجلي أن ما لا يستساغ في النثر والكلام العادي، هو مستساغ في نظم الشعر حال الضرورة.
وأما ما قاله الشيخ الرئيس ابن سينا حول هذه الحروف فيعوزه الدليل المعتبر كذلك. فذكر مثل هذه الاستحسانات (وهي: لما كانت الألف أول حروف الأبجدية، وأن الباري تعالى هو أول موجود، إذن الالف هي إشارة ورمز إلى تلك الذات المقدسة) لا يورث الاطمئنان؛ إذ أن أولية الحق هي من الأمور التكوينية والحقيقية، بينما أولية الألف في الحروف الأبجدية هي من الأمور الاعتبارية المستندة إلى اعتبار المعتبرين، ولا يصح جعل الأمور الاعتبارية أمارة على الأمور التكوينية، فلا علاقة بين الأمور التكوينية والاعتبارية حتى تكون إحداهما دليلاً على الأخرى.
وعلاوة على ذلك، فإن أهمية ومكانة الأمور الاعتبارية تتفاوت من أمة إلى أخرى، بسبب كونها مستندة إلى جعل المعتبرين، فإن الحروف الأبجدية هي حروف ألفباء طائفة من الأمم على وجه الأرض فقط، وليست حروف جميع الأقوام والملل. وستطرح سبل تصحيح مثل هذه الاحتمالات لاحقاً ضمن الإشارات التي سيختتم بها البحث الروائي.
وفي الجواب على هذا الاحتمال يقول الأستاذ العلامة الطباطبائي قدس سره : لكن لا يخفى عليك أن الرمز في الكلام، إنما يصار إليه في الإفصاح عن الأمور التي لا يريد المتكلم أن يطلع عليه غير المخاطب بالخطاب، فيرمز إليه بما لا يتعداه ومخاطبه ولا يقف عليه غيرهما. وهذه الاسماء الحسنى قد اوردت وبينت في مواضع كثيرة من كلامه تعالى تصريحاً، وتلويحاً، وإجمالا، وتفصيلاً، ولا يبقى مع ذلك فائدة في الإشارة إلى كل منها بحرف مأخوذ منه رمزاً إليه (13).
الراي الخامس
الحروف المقطعة هي أجزاء من اسم الله الأعظم(14)، وهي إذا ما ركبت بدقة وبصيرة ظهر الاسم الأعظم. والاسم الأعظم هو الاسم الذي يمكن التصرف، من خلاله، في عالم الوجود، وليس للناس العاديين سبيل إلى معرفته.
اختلاف هذا الرأي مع سابقه هو أن القول الرابع يؤكد على أن كلاً من الحروف المقطعة هو علامة مختصرة ورمز لأحد الأسماء الإلهية، بينما المدعى في هذا القول هو: أنه بتركيب هذه الحروف يتشكل الاسم الأعظم؛ فمثلاً بتركيب حروف «الر» و«حم» و«ن» ينتج «الرحمن» الذي هو اسم أعظم لفظي، بالضبط كما تستعمل الحروف المقطعة «م ح م د»
للإشارة إلى الاسم المبارك للإمام المهدي عج .
إن أصحاب هذا الرأي استندوا إلى بعض الروايات التي سيشار إليها في البحث الروائي.
الجواب: يطلق «الاسم الأعظم» على أسماء الله اللفظية تارة، وعلى أسمائه التكوينية تارة أخرى.
الأسماء اللفظية هي كلمات تدل على الذات والصفات الإلهية، وإن بعضها عظيم؛ كالقدير، والعليم، والحكيم، والحي، والرزاق، وبعضها أعظم؛ كالله، والرحمن. أما سر أعظمية هذين الاسمين فعائد إلى أنهما محيطان بسائر أسماء اله سبحانه؛ فاسم «الشافي» محاط باسم «الرزاق"، واسم الرزاق محاط باسم «الخالق»، وهذا محاط باسم «القادر»، والأخير بالاسم الجامع والأعظم وهو «الله» الذي يدل على الذات الجامعة لكل الكمالات، وكذلك بالاسم الأعظم «الرحمن» الذي يدل على جميع ألوان الرحمة الإلهية(15).
تجدر الإشارة هنا إلى أن كل اسم - عدا «الله» و«الرحمن» - يحيط باسم آخر فهو اسم أعظم نسبي؛ أي بالنسبة للاسم المحاط به، لكن «الله» اسم أعظم مطلق، وكذلك «الرحمن».
وقد يراد من الاسم الأعظم أيضاً الاسم الأعظم التكويني لا اللفظي والمفهومي، وهذا هو مصطلح أهل المعرفة المقتبس من أدعية وروايات أهل البيت(عليهم السلام)فالاسم في اصطلاح أهل المعرفة هو «ذات الحق بتعين خاص"؛ أي، الذات التي ينظر إليها بما أنها موصوفة بإحدى صفاتها.
وفيما يخص تركيب الحروف المقطعة من أجل الحصول على الاسم الإلهي الأعظم لابد من الالتفات إلى بضع ملاحظات:
1. لايمكن قبول هذا الوجه كتفسير للحروف المقطعة لافتقاده لأي دليل معتبر.
2. إن اسمي «الله» و« الرحمن» - وهما من أسماء الله الأعظم اللفظية
- قد ذكرا صراحة في القرآن الكريم ولا حاجة لتركيب الحروف المقطعة للحصول عليهما.
3. فيما يتعلق بالاسم الأعظم، وكما مر في تفسير سورة الحمد، يتعين القول: إن الاسم الاعظم الذي له آثار تكوينية، كإحياء الموتى أو طي الأرض، ليس هو من سنخ اللفظ، وتوقع مثل تلك الآثار من اللفظ إنما ينبع من التصور الخاطئ للاسم الأعظم. كذلك فإن الاسم الأعظم ليس مفهوماً حصولياً كي يصير إحياء الموتى أو طيّ الأرض ممكناً بتعلمه، بل هو مقام يتسنى للحائزين عليه القيام بمثل تلك الاعمال بمجرة الإرادة حتى وإن لم يتفوهوا باي لفظ.
في نظام الوجود، الذي يدار على اساس الحق العيني، وفي إطار العلية والمعلولية الحقيقية، لا يمكن التأثير على الأمور التكوينية بواسطة امور اعتبارية كاللفظ والمفهوم (العلاقة بين اللفظ والمفهوم). ففي مثل هذا النظام لابد لكل علة مؤثرة أن تفوق معلولها وتكون أقوى منه. بالطبع من الممكن، من خلال مناجاة خاصة عند قراءة الآيات أو الأدعية، توفير استعداد قابلي مناسب من أجل أن تصبح المبادئ الفائقة -التي هي سبب فاعلي بإذن الله - علة في إيجاد أثر تكويني. لكنه في هذه الحالة يكون التأثير لذلك المبدأ الملكوتي، وليس اللفظ أو المفهوم الذهني للشخص المناجي.
الناس المتصفون بالصفات الملكوتية والسجايا الملائكية، الذين تشرفوا بمقام الاسم الأعظم، يهيمنون على الأمور الملكية، ويتصرفون في النظام التكويني للوجود، كما في قصة آصف بن برخيا الذي استطاع -من خلال ما تعلمه من النبي سليمان ميله من العلوم - أن يأتي بعرش الملكة بلقيس من منطقة نائية (من اليمن إلى فلسطين) في زمن أقص من رمشة العين: قال {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40]. ومن لم يحظ بذلك المقام فأنى لألفاظه أو مفاهيمه الذهنية أن تصنع شيئا:
أي فعل ترتجيه لخاتم إن سليمان به ما تختم(16).
كان لعمرو بن معادي كرب، وهو من أشهر أبطال العرب، سيف اسمه «الصمصامة»، ويعد حديث الناس في الصرامة والقاطعية. فأرسل الخليفة الثاني إليه أن يبعث إليه بسيفه، فبعث به إليه. ولما لم يجد في السيف، حين ضرب به، ما كان يبلغه عنه كتب لعمرو في ذلك، فكتب إليه عمرو: إنما بعثت إليك بالسيف، ولم أبعث إليك بالساعد الذي يضرب به؛ أي إن شهرة الصمصامة في الصرامة مرهونة بساعدي القوي(17) .
فالألفاظ حالها حال الصمصامة: أي ما لم تستقر بيد مقاتل شجاع فإنها لن تكون ذات أثر، والمقام الخاص للاسم الأعظم التكويني هو الساعد الذي يتصرف في الوجود أحياناً بصمصامة الألفاظ الخاصة.
والاثار التكوينية التي وردت لسورة الحمد هي من هذا القبيل أيضا. يقول الإمام الصادق عليه السلام : «لو فرأت الحمد على ميت سبعين مرة ثم ردت فيه الروح ما كان ذلك عجباً»(18) .
إن العلاقة بين الألفاظ ومعانيها علاقة اعتبارية وجعلية. ولهذا فالمفردة المستعملة في ثقافة ما تعتبر مهملة وعديمة المعنى في سائر الثقافات؛ كما نلاحظ كلمة «العين» في العربية، فلها سبعين معنى، وقد جاءت في بعض قصائد الشعر في سبعين بيتاً من الشعر كل بمعنى معين، في حين أنها لفظ مهمل في اللغات الأخرى. فالتأثير العيني للألفاظ في الأمور التكوينية يستلزم تأثير الأمور الاعتبارية في الأمور التكوينية، وبطلان هذا الأمر بديهي.
محصلة ذلك، أن الاسم الأعظم هو مقام، وله درجات، وأن الحاصلين على هذا المقام مؤثرون في العالم التكويني، ومستجابو الدعوة، استخدموا اللفظ أم لم يستخدموه. وسورة الحمد أيضاً إن جرت على ألسنة هؤلاء كانت سبباً في إحياء الموتى. فبالاسم الأعظم التكويني، الذي هو مقام ملكوتي، يصبح التصرف في نظام الوجود مقدوراً، وليس باللفظ والمفهوم الاعتباريين. إذن، فعلى الرغم من تكون الاسم الأعظم؛ مثل الله والرحمن من تركيب بعض الحروف القرآنية المقطعة، إلا أن هذا الاسم هو من قبيل الاسم الاعظم اللفظي وليس التكويني حتى تكون له آثار تكوينية.
تنويه
1. كما أشرنا، فإن الآثار التكوينية الواردة للأدعية والأذكار هي في الحقيقة آثار المقام الخاص للداعي. فالداعي إما أن يؤثر في عالم الوجود بسبب قربه الخاص من الذات الإلهية القدسية، وإما أن يوصل - من خلال المناجاة والابتهال -النصاب القابلي إلى الكمال كي يظهر المبدأ الفاعلي آثاراً مميزة. على أي تقدير، فالتأثير التكويني إما أن يعود إلى النفس القدسية للداعي، أو إلى مبدأ أسمى.
2. يستفاد من بعض الأدعية والروايات أن المراد من الأسماء الإلهية ليس هو الأسماء اللفظية والمفهومية بل الأسماء التكوينية، وأن ما نتلفظه نحن هو «اسم الاسم»، وأن هذه الأسماء اللفظية ليست هي الأسماء الحقيقية لله سبحانه وتعالى، وذلك لان هذه الادعية والروايات تتحدث عن اسم ملأ أركان كل شيء، وبه بسطت الأرض، أو رفعت سلاسل الجبال، أو خلقت الجنة والنار، ومن المعلوم آنه في مقام خلق الأرض، والجبال، والجنة، والنار لا يتم الحديث عن اللفظ العربي وغيره.
يخاطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الله سبحانه قائلا: «وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء»(19) ، و«وأسألك باسمك الذي خلقت به عرشك... واستقر به عرشك... باسمك الذي أقمت به عرشك وكرسيك... وحملتهم عرشك بذلك الاسم يا الله ...)(20). وكما يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في مناجاته الجامعة مع ربه: «أسألك باسمك الذي خلقت به رضوان، خازن الجنان... باسمك الذي خلقت به مالك، خازن النيران... باسمك الذي غرست به أشجار الجنان... باسمك الذي فتحت به أبواب الجنان... النيران... باسمك الذي فجرت به عيون الجنان... باسمك الذي خلقت به جنة عرضها كعرض السماء والأرض .. باسمك الذي خلقت به الشمس والقمر والنجوم... باسمك الذي خلقت به جبرئيل... إسرافيل... باسمك الذي خلقت به وأحييت جميع خلقك بعد أن كانوا أمواتاً بذلك الاسم... باسمك الذي تميت به جميع خلقك عند فناء آجالهم.. باسمك الذي تحيي به جميع خلقك للقيام بين يديك... باسمك الذي تحشر به جميع خلقك... باسمك الذي قذفت به الخوف في قلوب الخائفين الراجين... باسمك الذي تنوم به العيون... باسمك الذي أنزلته على عيون أهل الغفلة فغفلوا عنك فناموا عن طاعتك... باسمك الذي أنزلته على عيون محبيك فطار عنهم النوم إجلالاً لعظمة ذلك الاسم...)(21).
إن كل الآيات الإلهية هي أسماؤه التكوينية؛ فكل موجود هو آية للحق، فهو سمته وعلامته سبحانه. إذن فالأمور العينية، والمقامات التكوينية هي الأسماء الحقيقية لله.
وبمزيد من التأمل يتعين القول: إن الأسماء اللفظية هي «أسماء أسماء الأسماء"؛ إذ أن الأسماء اللفظية ليست هي أسماء وسمات للأمور العينية بشكل مباشر، بل إنها سمات المعاني الذهنية التي تدرك عن طريق العلم الحصولي، وإن المعاني الذهنية الحصولية هي أسماء وسمات للأمور العينية، وإن الأمور العينية، والمقامات التكوينية هي سمات حقيقية لله سبحانه وتعالى، وكما ان كلام الله هو عين فعله؛ إذ «وإنما كلامه سبحانه فعل منه»(22) ،فإن أسماءه الحقيقية كذلك هي الأمور والأعيان التكوينية، وليست الأمور الاعتبارية. وبالتالي فلابد من القول: في ألعالم العيني إنما يظهر الأثر التكويني والعيني من الاسم الحقيقي، لا من اسم الا سم الذي هو مفهوم حصولي ذهني، ولا من اسم اسم الاسم الذي هو كلمة لفظية.
إن المقامات المعنوية التي هي من نصيب الأوحدين من العلماء الربانيين، أمثال السيد ابن طاوس، وابن فهد الحلي، والسيد بحر العلوم.
هي التي يعول عليها، وليس الالفاظ والمفاهيم التي يقضي معها الإنسان العادي عمراً من دون أن يجني منها أية ثمرة. يقول الإمام الحسن المجتبى عليه السلام : من لم يخطر في قلبه إلا رضا الحق تعالى فهو مستجاب الدعوة وأنا أضمن ذلك؛ «وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلاً الرضا أن يدعو الله فيستجاب له»(23).
إن دراسة موارد استجابة وعدم استجابة الدعاء من جهة، وتقييم النصوص الواردة في شروط استجابة الدعاء وموانعها، كما في «اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء»(24) من جهة أخرى، يوصلنا إلى نتيجة مفادها: أن تأثير الأدعية لا يعود إلى ألفاظها الاعتبارية، ولا إلى مفاهيمها الذهنية، بل إنه بتحقق مدلولاتها فى نفس الداعى يصل نصاب القبول إلى تمامه، فيتلقى الفيض من المبدا الفاعلي. لكن المفاهيم الذهنية للأدعية - بالطبع -هي الممهدة لحصول هذا الاستعداد.
الرأي السادس
الحروف المقطعة هي ألوان من القسم، أقسم اله تعالى بها على أن القرآن كلامه وكتابه، وسر القسم بهذه الحروف هو أن لحروف الهجاء شرفاً وحرمة، وذلك لأنها المكونات للكتب السماوية، والأسماء الإلهية(25).
الجواب: إن هذا الاحتمال، وإن لم يكن مستحيلاً عقلا أيضاً، لكنه غير مدعم بأي دليل معتبر من ناحية ، ولا يعد تفسيراً للحروف المقطعة من ناحية أخرى. فلو سلمنا بأن المراد من «يس» هو: «قسم بيس"، لظل السؤال على حاله: ما هو المراد بهذا المقسم به؟ وإن ما ذكر على أنه سر فهو لا يختص بهذه الحروف الأربعة عشر.
فما اقسم به في القران الكريم، سواء من الجمادات؛ كالشمس والقمر، أو غيرها؛ كأسماء الله الحسنى، فمدلولاتها واضحة، أما مدلول الحروف المقطعة فهو غير واضح.
إذن، هناك إبهامان في هذا الرأي: الأول في أصل كون الحروف المقطعة قسماً، والثاني في معنى المقسم به. إذ لابد للمخاطبين بالقسم أن يفهموا المغزى من وراء اللفظ المقسم به. فالقسم إنما يوجه للشخص الشاك في صحة دعوى المدعي، فيحاول المدعي رفع الشك بقسمه. فالرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وسائر المعصومين(عليهم السلام)وهم المطلعون على سر تلك الحروف، لا حاجة لهم بالقسم لعدم شكهم في صحة الدعوى الإلهية، والآخرون المحتاجون للقسم فإنهم نتيجة لشكهم، لا يهتدون إلى مدلوله.
الرأي السابع
وفقاً للحساب الأبجدي(26) فإن هذه الحروف تمثل إشارات لفترة بقاء الأقوام والأمم وآجالهم، ولآلاء الله وبلاياه(27) ؛ فلقد جاء في بعض الأخبار أن «المص» ناظرة إلى انقراض الدولة الأموية. وهذا الرأي مستقى من بعض الأحاديث.
الجواب: لا يعلم اعتبار الأحاديث المؤيدة لهذا القول(28). وعلى الرغم من أن قيمة علم الحروف وخواص كل حرف منها، كما هو الحال في علم الأعداد والآثار الخاصة لكل عدد، هي محط قبول مدعيه ولا دليل على بطلانه، لكن المطروح هنا هو: هل توجد في مدلول الحروف المقطعة إشارة إلى تحديد بعض الأقوام، والتهديد بزوال وانقراض بعض الأمم؟ فالظاهر إذن أنه مدعى لا دليل عليه.
الراي الثامن
وفقاً لحساب الجمل، وهو نوع من أنواع الحساب، فإن في هذه الحروف إشارات إلى مدة بقاء الأمة الإسلامية(29).
الجواب: هذا الوجه أيضاً هو احتمال صرف، وهو لا يفتقر إلى الدليل المعتبر عليه فحسب، بل هو غير منسجم مع القرآن الكريم أيضاً، فالقرآن يعلن بصراحة: أنه ما من فرد يعلم أجله المقدر، وما من أمة تعلمه: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34]. والمعصومون(عليهم السلام)فقط هم المطلعون، من خلال الإخبار الإلهي، على زمان رحيلهم، لكنه ليس للآخرين مثل هذا العلم. بناء على هذا، لا يمكن القبول بان الله يقول، من ناحية، ان لا احد على الإطلاق يعلم بزمان موته، ثم ينزل، من ناحية أخرى، حروفاً يعلم زمان انقراض الأمة الإسلامية بتجميعها مع بعض. طائفة من المفسرين اعتبروا هذا الرأي أسخف الآراء حول الحروف المقطعة (30). وكما قد مر في الرد على الرأي السابع، فمع أن حساب الجمل مقبول لدى مدعيه، إلا أن إشارة المدلول الجملي للحروف المقطعة إلى آجال الأمم يتطلب دليلاً، فأين هو الدليل؟
الراي التاسع
المراد من هذه الحروف هو حروف المعجم ذاتها، وقد ذكرت هنا كمثال ونموذج (31)، وسيأتي تفصيل ذلك في بيان الرأي الحادي عشر.
الجواب: حتى لو اعتبرنا أن الحروف المقطعة أمثلة ونماذج من حروف المعجم، فإنه ا يمكن قبول هذا الوجه باعتباره تفسيراً لها، إلا أن يقال: لم يرد أي معنى من هذه الحروف المتنوعة، البسيطة والمركبة، ولم تنزل إلاً للإشارة إلى تركيب القرآن من سنخ هذه الحروف، وفي الحالة هذه لن يكون لها تفسير.
الراي العاشر
جاءت الحروف المقطعة لتنبيه الكفار وإسكاتهم(32) ، فقد كانوا يتواصون بأن لا يسمعوا لقرآن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وأن يحولوا دون الاستماع إليه بإثارة الجلبة والضوضاء: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26]. فكانوا يقومون بأعمال كالتصفير والتصفيق واللغط من أجل صرف النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : عن تلاوة القرآن أو دفعه للوقوع في الخطأ. لأجل ذلك أنزل تعالى هذه الحروف في أوائل بعض السور حتى إذا سمعها المشركون - حيث لا هي نظم، ولا نثر ولا سابقة لها - أعجبوا بها، فسكتوا، فأنصتوا.
توضيح ذلك؛ طبقاً لهذا الرأي ليست الحروف المقطعة اسماً (لا هي اسم أعظم أو عظيم لله، ولا هي اسم للقرآن، أو السورة، أو النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ) بل هي حروف نظير حروف التنبيه. غير أن «ألا» و«ها» هي حروف تنبيه شائعة، بينما الحروف المقطعة هي حروف تنبيه غير شائعة، وإن ما يمتاز القرآن الكريم به على لغة العرب هو ابتكاراته في جميع الميادين، ومن جملتها الميادين الأدبية؛ كما يقول الفخر الرازي في ذيل الآية الشريفة: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، في معرض رده على شبهة الأدباء واللغويين القائلين: إن وزن «تفعلة» لم يرد في المصادر الثلاثية المجردة:
إني لأتعجب كثيراً من تكلفات هؤلاء النحويين في أمثال هذه المواضع، وذلك آنهم لو وجدوا شعراً مجهولاً يشهد لما أرادوه فرحوا به، واتخوه حجة قوية، فورود هذا اللفظ [تهلكة] في كلام الله تعالى، المشهود له من الموافق والمخالف بالفصاحة،
اولى بان يدل على صحه هذه اللفظة واستقامتها (33).
مراد الفخر الرازي هو أن هذا الإشكال، إنما يراود من لم يثبت لديه كون القرآن وحياً، وأنه كلام الله. أما الذي ثبت له إعجاز القرآن الكريم، فيرى أنه أهم مصادر الأدب العربي. بناء على هذا، فيما يختص بالحروف المقطعة أيضاً، فبعد ثبوت إعجاز القرآن، لا ينبغي مقارنته بشعر الشعراء العرب، أو نثر حداة إبلهم، ولا نستطيع القول إن تلك الحروف خارجة عن حروف التنبيه لعدم استعمال العرب لها.
إن اصحاب هذا الراي اختلفوا فقط في كون تلك الحروف هل هي لتنبيه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أم لتنبيه المشركين.
الجواب: هذا الوجه أيضاً هو: أولاً: محض احتمال لا دليل على إثباته، وإن لم يتوفر برهان على نفيه. وسيأتي في البحث الروائي أن ما بفيده من روايات فهي غير موثوق بها.
ثانيا: لا مجال لقبول هذا الوجه بعنوان أنه تفسير لتلك الحروف.
ثالثا: لو كانت الحروف المقطعة للإسكات لاستلزم ذلك احتواء قديمات السور عليها، وخلو السور التي نزلت بعد الهجرة منها، والحال، كما أن بعض السور الأوائل خالية من هذه الحروف، فإن طائفة من سور ما بعد الهجرة مشتملة عليها، بل إن الحروف المذكورة قل وجودها في السور القديمة، وهي موجودة في السور المدنية أيضاً.
رابعاً: لم يذكر التاريخ أن مشركي الحجاز تعجبوا وسكتوا عند سماعهم هذه الحروف، وأقلعوا عما كانوا يقومون به أثناء التلاوة.
خامسا: إنهم لو كانوا سكتوا فعلا عند سماعها، فما الذي دفعهم إلى السكوت عند سماعهم باقي الآيات؟! إذ لم يكن في سائر الآيات جديد، بل هي مشابهة لما سمعوه من قبل منها.
بالطبع، لو ثبت، طبقاً للشواهد المعتبرة، أن الحروف المقطعة في نظر القرآن الكريم هي حروف تنبيه، وهي تستعمل بمعنى «ألا» ومثيلاتها، أو ان الأصل في جعلها كان لإسكات المخاطبين المعاندين، فلن يكون لها مدلول غير الهدف المشار إليه، وعندها ستكون محط قبول، ولن تحتاج إلى تفسير.
ملاحظة: إذا كان الغرض من تلك الحروف هو التنبيه، فستكون حتماً لتنبيه الآخرين، لا الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم .
يقول بعض المفسرين: لأن النبي الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) كان مشتغلاً بالأمور الدنيوية، فقد أنزل الله عليه تلك الحروف تنبيهاً له، وجلبا لاهتمامه إلى الوحي. لكن هذا الكلام عار عن الصحة: فقلب النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) : كان متيماً بحب اله عز وجل، وقد شرح اله تعالى صدره، ولم يكن ليغفل بتاتاً عن ذكر النه؛ إذ ما من شيء يغفل أولياء الله - وأكملهم الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) -عن ذكره عز وجل: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]. أما قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) «إنه ليران على قلبي، وإني لأستغفر بالنهار سبعين مرة»(34) فهو لتعليم الآخرين، لا من أجله هو (صلى الله عليه واله وسلم) فهذا القلب المطهر منزه عن كل غين، وغبار، وغفلة، وذنب، ذلك أن آية التطهير الشريفة تنفي، وعلى نحو مطلق، كل رجس عن حيز قلبه.
من ناحية أخرى، إذا كان الغرض من الحروف المقطعة هو تنبيه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فلا وجه لجعلها جزءاً من النص القرآني، إلاً أن تكون من نظائر كلمة «قل» التيكما هي خطاب للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) فهي جزء من نص الصحيفة الدينية أيضاً.
الرأي الحادي عشر
كما تم بيانه في الرأي التاسع على نحو مجمل، فإن الله سبحانه وتعالى تحدى الناس بهذه الحروف(35) ، وإن إتيانه بها في اوائل السور هو من باب تعداد وبيان حروف الهجاء، وذلك يعني أنكم إن شككتم في إعجاز القرآن فأتوا بكتاب، أو عشر سور، أو حتى سورة واحدة من مثله من نفس تلك الحروف التي صيغ القرآن منها. وعجزكم عن الإتيان بكتاب أو سورة مما يماثله، من جنس الحروف التي تتحاورون أنتم بها في كلامكم وخطابكم، وهي ذات الحروف التي يتالف منها القرآن، لدليل على إعجاز القرآن الكريم، واستناده إلى الله عز وجل. فمثلما أن أصناف المأكولات، والفاكهة، وكذلك الناس فد صنعوا من التراب، وليس غير الله من هو قادر على صنعهم منه، فإن آيات القرآن هي من تلكم الحروف، لكنه لا أحد سوى الله يستطيع أن يصوغها بهذه الصورة.
ما يؤيد هذا الوجه هو - كما جاء في بيان خواص الحروف المقطعة - أن معظم السور التي ابتدأت بهذه الحروف تحدثت طلائع آياتها عن عظمة القرآن وإعجازه، أو عن الوحي والرسالة؛ فأكثر الحواميم السبع تطرقت إلى الحديث عن الوحي والقرآن، وهذا التناسب مدعاة لتقوية الرأي القائل بأن الغرض من الحروف المقطعة هو التحدي.
الجواب: بالرغم من أن هذا الوجه، كبعض الآراء الأخرى، من أنسب
الوجوه المذكورة حول الحروف المقطعة، وهو مقبول فى الجملة، إلا ان
الدليل المعتبر لا يدعمه.
في مثل تلك الوجوه، حيث لا دليل يقام على إثباتها، ولا برهان على نفيها، فإنه يقال لتقريرها «استحسان»، ولنفيها «استبعاد». فمتوسطو الناس تتولد عندهم الطمأنينة من تراكم الوجوه المستحسنة، ذلك أنهم يخالون الظنون المتراكمة علماً، ويتركون التحقيق ظناً منهم بالحصول على العلم. إلاً أن العلماء المحققين، الذين ينظرون إلى «وجوه الاستبعاد» جنباً إلى جنب مع «وجوه الاستحسان، فتحدوهم رغبة أشد إلى التحقيق. والسر في تبيي الوجوه المستحسنة هو أن لا نكتفي بها وحدها في مراحل التحقيق.
فما قيل عن تناسب هذا الوجه مع أوائل آيات السور المبتدئة بالحروف المقطعة صحيح؛ إذ، باستثناء سورة مريم، والعنكبوت، والروم، والقلم، تصدر الحديث عن الوحي والقرآن جميع السور المفتتحة بتلك الحروف. وحتى تلك السور الأربع فقد تحدثت أواسطها عن الوحى والقرآن، وإن لم تتعرض صدورها لتلك العناوين.
تنويه: مع ان الناس كانوا يعلمون بان القران جاء بالعربية، وإنه مكون من هذه الحروف، إلاً أن ذكر هذه الحروف هو من لوازم التحدي. فالله سبحانه يقول لهم: إن النبي فرد واحد، وقد أتى بكتاب معجز مؤلف من نفس هذه الحروف، وإنكم لو استعنتم بالجن والإنس على أن تأتوا ولو بسورة واحدة من مثله لما استطعتم إلى ذلك سبيلا.
استنادأ إلى هذا الوجه لا يلزم أن تدل الحروف المقطعة على مدلول خاص، لأن معناها لا يخرج عن: أن هذه المواد الخام هي ليست في عالم الغيب وبعيداً عن متناولكم، فإن كان القرآن كلام بشر فأتوا بمثله.
من جملة وجوه الاستحسان لهذا الرأي هو ما قيل: كما أن كل أسماء الله الحسنى تحوي واحداً أو أكثر من الحروف المقطعة، فإنه أيضاً ما من آية في القرآن تخلو من بعض تلك الحروف؛ أي، إن كل آية إما أن تتشكل من الحروف المقطعة فقط، مثل: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5] ، {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] ، و {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [الحاقة: 29] ، .. الخ، أو مركبة من الحروف المقطعة وغيرها، مثل: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] فالواو فيها ليست من جملة الحروف المقطعة.
من هذا المنطلق، يمكن الحدس بأن تصدير بعض السور بالحروف الأربعة عشر المشار إليها هو لأن الحروف المقطعة موجودة في كل آية من القرآن، وعلى هذا الأساس يكون التحدي بذكر تلك الحروف أمراً في محله.
الراي الثاني عشر
إن وجود الحروف المقطعة في أوائل سور معينة يشير إلى غلبة هذه الحروف في كلمات تلك السورة(36) وهذه بحد ذاتها معجزة.
يعتقد أصحاب هذا القول أن النسبة المئوية للحروف المقطعة في متن السورة المبتدئة بها إلى سائر حروفها هي أكثر مقارنة بالسور الأخرى. فمثلاً، تكرر حرف القاف فيكل من سورتي «ق» و«حم عسق» 57 مرة. وإذا ما أخذنا هذا العدد 57 بعين الاعتبار تكون النسبة المئوية لعدد الحرف قاف إلى سائر حروف سورة ق مساوية لـ 3,782349 وهي تفوق نسبته المئوية في أي من السور القرآنية ما عدا سورة الشمس، والقيامة، والفلق.
مثال آخر: تفتتح سورة الأعراف بالحروف المقطعة «المص»، حيث تشير الإحصاءات إلى أن حرف الألف تكرر في هذه السورة 2529 مرة، واللام 1530 مرة، والميم 1164 مرة، والصاد 97 مرة؛ أي ما مجموعه 5320 مرة، وإن النسبة المئوية لهذا الرقم إلى سائر حروف نفس السورة هي 37,558%. وإذا ما قارنا هذه النسبة المئوية لحروف «المص» مع
نسبة نفس الحروف في ال113 سورة الاخرى من القران، مع الاخذ بنظر الاعتبار مكيها ومدنيها وطويلها وقصيرها، لوجدنا أن «المص»
تمتلك اعلى نسبة مئوية في سورة الاعراف.
وعلى خلاف ما اشتهر عنهم، فأصحاب هذا الرأي لا يدعون ان حرف القاف في سورة ق مثلاً يزيد على بقية حروف نفس السورة، أو أنه يزيد على تعداد حرف القاف في سائر السور الأخرى. بل يقولون: إن «النسبة المئوية» لحرف القاف إلى سائر حروف السورة تفوق نفس «النسبة المئوية» في بقية السور. إذن من الممكن أن يكون عدد حرف القاف في سورة البقرة مثلا أكثر منه في سورة ق، وهذا لا يتناقض مع مدعا هم و ا ينقضه.
كذلك، فهم لا يدعون أن حرف الألف في سورة الأعراف المباركة مثلاً أكثر من اللام، واللام أكثر من الميم، وهذا أكثر من الصاد، والأخير أكثر من سائر الحروف الأخرى.
الجواب: إذا تم إثبات هذا القول، كان من معاجز القرآن اللفظية؛ إذ لو اشتملت سورة كالبقرة، التي استمر نزولها مدة 12 إلى 18 شهراً، على مثل هذا النسق، كان ذلك علامة على إعجازها؛ فمن المستحيل أن يقول بشر عادي مثل هذا الكلام. كما أن الإعجاز العددي للقرآن في سائر الموارد مذهل أيضاً؛ فكلمة «شهر» - على سبيل المثال - تكررت في القرآن الكريم 12 مرة بعدد أشهر السنة، وكلمة «يوم» 365 مرة بعدد أيام السنة، وإن لفظتي «دنيا» و«آخرة» تكررتا بالتساوي كل واحدة منها 15 مرة(37).
فإذا كان في هذا النسق العددي - في كتاب استغرق نزوله 23 سنة وامتلك مثل هذا النسق الرياضي - رسالة لنا ولو ظناً، فإنه لا يعدم الفائدة.
لكن، لابد من القول، فيما يتعلق بالتحليل الإحصائي للحروف المقطعة، إنه بالرغم من كونه مجهوداً خيراً، إلاً أنه حتى الآن ليس محط اعتماد بسبب وجود موارد النقض عليه. ومن أجل أن لا يكون قابلاً للنقض، فإن على المحققين في الحقل القرآني أن يناقشوا هذه القضية بدقة أكبر وهي: هل إن المدعى المذكور قابل للتطبيق على صعيد مجاميع السور المتماثلة؛ كالسور الطوال، والمئين، والمفصل، ... الخ فحسب، أم على مستوى جميع السور القرآنية؟
مهما كان، لم يتم في هذا الحقل لحد الآن تقديم رأي يعول عليه، ولا يقبل النقض، وإن كان من الممكن أن تكون الطمأنينة الحاصلة منه طمأنينة نفسية لا منطقية.
الرأي الثالث عشر
إن الحروف المقطعة هي بمثابة فواصل بين السور لتحديد انقضاء السورة السابقة وبداية السورة التالية (38).
الجواب: أول: تكفي الآية الكريمة (بسم اله الرحمن الرحيم) لفصل السور عن بعضها؛ كما ورد في الخبر: أن نزول البسملة في عصر نزول الوحي كان أمارة على انقضاء السورة السابقة، وبدء نزول سورة جديدة: «وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بم الله الرحمن الرحيم ابتداء للأخرى»(39) . ثانياً: لو كانت هذه الحروف فواصل، للزم أن تكون لجميع السور مثلها، إلاً السورة الأولى، في حين أنها لم تأت إلاً في 29 سورة وحسب.
الراي الرابع عشر
إن هذه الحروف هي بمثابة خلاصة وبلاغ مجمل لما جاء في السورة(40) .
الجواب: في حالة كهذه ينبغي أن يكون لبقية السور مثل هذه العناوين، لأن كتاباً منسجماً كالقرآن لابد أن يكون منسجماً في هذا الجانب أيضاً؛ إذ يقول الله عز شأنه بخصوص تشابه جميع أجزاء القرآن: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23].
الرأي الخامس عشر
إن الحروف المقطعة مقدمة للسور، ومفتاح لها (41). وأصحاب هذا القول يستندون في مدعاهم إلى بعض الروايات التي سنذكر سندها في البحث الروائي. كما قال البعض: لا دور إطلاقاً للحروف المقطعة سوى افتتاح السور (42).
الجواب: من لوازم هذا الرأي هو احتواء كل السور على مثل هذه المقامات أو المفاتيح، في حين أن 85 سورة من القرآن محرومة منها. كذلك، بالنظر إلى كون هذه الحروف مجهولة، فإنه يستلزم هذا القول دخول حوالي خمس سور القرآن في دائرة الإبهام والمجهولية: ذلك أن هذه الحروف تفتتح حوالي خمس سور القرآن، ولم يعرف معناها الدقيق لحد الآن، فإن كان مفتاح كنز غير بين، فانه يصبح الكنز نفسه مبهماً أيضاً إذ من غير المستطاع الولوج من باب موصد.
الراي السادس عشر
في مقابل الآراء القيمة لأولنك القائلين بأن الحروف المقطعة ناظرة إلى أسماء اله العظيمة والعظمى، أو إن الاسم الإلهي الأعظم يتشكل من تركيبها مع بعض، يقول بعض المستشرقين: هذه الحروف تشير إلى أسماء الأشخاص الذين كانت بحوزتهم نسخ من المصحف الشريف: فمثلاً تشير السين إلى اسم (سعد بن أبي وقاص)، والميم إلى «المغيرة بن شعبة"، والنون إلى «عثمان بن عفان"، والهاء إلى «أبي هريرة»(43) ، و«طه» إلى (طلحة)، و (حم) والنون إلى «عبد الرحمن"، ممن كان لهم دور أيضاً في جمع القرآن!
الجواب: ان هذا الكلام عار عن الأساس والصحة وذلك للأسباب التالية: أولأ: إنه مبني على أساس باطل، وهو أن هذه الحروف لا تدخل ضمن الوحي وكلام اله عز وجل، وهي كلمات أضيفت إلى النص القرآني، وهذا مخالف لإجماع المسلمين المعتقدين بأن القرآن الذي بين ظهرانينا الآن هو - من ناحية اللفظ والمعنى -ذاته الذي نزل على قلب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : من دون أدنى نقصان. ثاني: لقد دون التاريخ ونقلت أحاديث متعددة أن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) كان قد قرأ تلك الحروف أيضاً(44). ثالثاً: لم يكن المذكورون هم كتاب الوحي، ولا أصحاب نسخ القرآن الأصلية، فالقرآن الكريم، الذي نقل متواتراً عن لسان النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) ، كان محفوظاً فى بيته (صلى الله عليه واله وسلم) وعند الكثير من الصحابة.
إن حديث (الثقلين)، الذي يعد القران الكريم والعترة الطاهرين(عليهم السلام)مرجعاً للمسلمين، وكذا روايات (العرض على الكتاب)، التي وردت عن نبي الإسلام(عليه السلام)والتي تعتبر صحة أي حديث (سواء ما تعارض منه أو لم يتعارض) رهناً بانسجامه مع القرآن الكريم، تدل على أن جمع القرآن كان متحققاً في عصر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : ولم يترك سوراً مبعثرة على خشب، أو جلد، أو قرطاس. فلو لم يكن القرآن الكريم إلا بضع نسخ موجودة عند عدد من الصحابة ليس غير، لما أمكن جعله المرجع العام لهداية الأمة، وميزاناً لمقارنة الأحاديث به، وعرضها عليه.
رابع: لو كانت تلك الحروف تشير إلى أصحاب نسخ القرآن، لكان لزاماً أن تكتب - كما هو الحال مع سائر علامات الاختصار - في صدر النسخة أو في ظهر المجلد، لا بعد الآية بسم الله الرحمن الرحيم، بينما جاءت الحروف المقطعة بعد البسملة. خامساً: أصحاب هذا القول لم يقدموا هذا التبرير إلاً لقسم من الحروف المقطعة لا لجميعها.
هذا الرأي هو الاحتمال الأدنى من حيث سخافته. من بين ما ذكر في تفسير الحروف المقطعة، كما أن رأي أولئك الذين يحاولون تأليف الاسم الإلهي الأعظم من دمج هذه الحروف يعتبر الاحتمال الأفضل، وإن احتاج إلى دليل يثبته. فانظر الفارق بين الاثنين.
الراي السابع عشر
يحتمل أن تكون هذه الحروف مشيرة - بشكل أو بآخر - إلى عدد آيات السور.
الجواب: هذا الوجه هو من وجوه الاستحسان أيضاً، وهو بحاجة إلى دليل يدل عليه، وحيث إن 85 سورة من القرآن لا توجد فيها الحروف المقطعة، فإن قبول هذا القول أمر صعب.
الراي الثامن عشر
نقل عن أبي بكر التبريزي (ما مضمونه) أنه: لما كان الله تعالى يعلم بأن طائفة من هذه الأمة ستقول بقدم القرآن، فقد ذكر هذه الحروف في أوائل بعض السور ليعلم الناس أن القرآن مؤلف من نفس هذه الحروف الحادثة، فيجب أن لا يكون قديماً؛ فإن كان هناك من يقول بقدم القرآن، فلابد أيضاً أن يقول بقدم هذه الحروف، ولما لم يوجد من يقول بقدم هذه الحروف، فلا ينبغي أيضاً أن يقول أحد بقدم القرآن (45).
الجواب: ليس لهذا الرأي كذلك أي برهان عقلي، ولا دليل نقلي. ناهيك عن أن القائلين بقدم القرآن يفتون بقدم حروفه أيضاً.
الراي التاسع عشر
يقول الأستاذ العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسيره للحروف المقطعة:
ثم إنك إن تدبرت بعض التدبر في هذه السور التي تشترك في الحروف المفتتح بها، مثل «الميمات«، و«الراءات»، و«الطواسين"، و«الحواميم»، وجاءت في السور المشتركة في الحروف من تشابه المضامين وتناسب السياقات ما ليس بينها و بين غيرها من السور. ويؤكد ذلك ما في مفتتح أغلبها من تقارب الألفاظ: كما في مفتتح (الحواميم) من قوله: (تنزيل الكتاب من الله) أو ما هو في معناه، و ما في مفتتح «الراءات» من قوله: (تلك ءايات الكتاب) أو ما هو في معناه، ونظير ذلك واقع في مفتتح
«الطواسين"، و ما في مفتتح الميمات من نفي الريب عن الكتاب أو ما هو في معناه.
ويمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذه الحروف المقطعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطاً خاصاً. ويؤيد ذلك ما نجد أن سورة الأعراف المصدرة ب«المص» في مضمونها كأنها جامعة بين مضامين «الميمات» و«ص»، و كذا سورة الرعد المصادرة ب«المر» في مضمونها كأنها جامعة بين مضامين «الميمات» و(الراءات).
ويستفاد من ذلك أن هذه الحروف رموز بين الله سبحانه وبين رسول (صلى الله عليه واله وسلم) خفية عنا. لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلاً بمقدار أن نستشعر أن بينها و بين المضامين المودعة في السور ارتباطاً خاصاً (46).
الجواب: مع أن سعي الأستاذ العلامة قدس سره على صعيد الوصول إلى تفسير الحروف المقطعة سعي قيم، وأن الشواهد تؤيده أيضاً، لكن من أجل أن يصل رأيه إلى نصاب القبول يحتاج إلى المزيد من البحث والتدقيق، أي ان اثبات التشابه الخاص بين السور المصدرة بحروف مقطعة معينة، والقول بنفي هذا التناسب الخاص في سائر السور يتطلب سبراً، وتقسيماً وتحليلاً شاملاً، فلا يكتفى بصرف الادعاء، ولا بملاحظة بعض الشواهد. ومن الواضح أن الأرضية ممهدة للفحص والتقييم الكاملين، ولعل من الممكن الوصول إلى مثل هذه النتيجة من خلال التحقيق النهائي في هذه المسألة.
طبعاً يمكن - فقط - تصويب حدس الأستاذ العلامة قدس سره في حالة العثور على وجوه مشتركة خاصة بين السور المصدرة بحروف مقطعة معينة، أولأ، وعدم العثور على تلك الوجوه المشتركة في سائر السور، ثانياً، وعدم اشتراك باقي السور مع بعضها بوجوه أخرى، ثالثاً، وعلى فرض الاشتراك، أن يتم الحدس بأن لا يكون أي وجه مشترك موجباً أو مصححاً لتصدير سائر السور بحروف مقطعة، بل أن تكون الوجوه الخاصة التي تشترك بها السور المصدرة بمثل هذه الحروف هي الموجبة والمرجحة لتصدير تلك السور بها، رابعاً. ومن الجلي أنه لا يمكن تصويب حدس سماحة الأستاذ قدس سره إلا بعد طي كل هذه المراحل الصعبة، أو بالأحرى المستصعبة؛ لكنه لا يبدو للعيان حتى الآن حدس افضل من حدسه.
الراي العشرون
كل ما بين لحد الآن من آراء ووجوه كان لغرض تفسير الحروف المقطعة، وهي بأجمعها مبنية على أساس قابلية تلك الحروف للتفسير. أما الرأي العشرون، وهو في مقابل كل ما سبقه، فيقول: إن الحروف المقطعة رموز بين الله سبحانه وحبيبه المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) وليس المراد منها إفهام الآخرين(47) ؛ كما يقول الآلوسي: ... هذا ووراء هذين القولين أقوال أخشى من نقلها الملال، والذي يغلب على الظن ان تحقيق ذلك علم مستور. وسر محجوب عجزت العلماء -كما قال ابن عباس -عن إدراكه و...، وقال الشعبي: «سر الله تعالى فلا تطلبوه".
بين المحبين سر ليس يفشيه قول ولا قلم للخلق يحكيه ولا يعرفه بعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لاً الأولياء الورثة فهم يعرفونه من تلك الحضرة(48)... . يعتقد عدد من العظماء أن تلك الحروف رموز بين الله ورسوله وأوليائه(عليهم السلام)، ولا سبيل للآخرين إلى نيلها، ولابد لهم من قبولها من باب الإيمان بالغيب.
إن كثيراً من الأحكام والتعاليم الدينية لا تعدو كونها رموزاً وأسراراً ومثلما يدفعنا الله سبحانه وتعالى إلى القيام بأفعال نجهل رموزها وأسرارها، فهو يأمرنا بقول أقوال لا يتيسر لنا فهم معانيها. فالأفعال الرمزية؛ كرمي الجمرات، والتعليق في الهدي (تعليق النعل في رقبة البعير أو الشاة المعدين للهدي لتحقق إحرام حج القران)، والهرولة بين الصفا والمروة في الحج، والأقوال الرمزية؛ كالحروف القرآنية المقطعة.
واستناداً إلى هذا الرأي، فإنه لا يجب السعي لفهم مدلولات الحروف المقطعة، هذا إذا كان في النية بلوغ ذلك من خلال العلوم الحصولية المتعارفة، لكن الباب للوصول إلى هذه الرموز والأسرار ليس موصداً بالكامل؛ إذ أن نيل تلك الأسرار عن طريق قرب الفرائض والنوافل(49) ميسور بالنسبة لأولياء الله؛ فابن العربي، العارف المشهور، ينضم أيضاً إلى طائفة المعتقدين برمزية وسرية هذه الحروف.
الجواب: إن الأمر بالتدبر في القرآن يشمل الحروف المقطعة أيضأ لأنها ألفاظ مستعملة لا مهملة، وإن لبسيطها ومركبها معنى قابلاً للفهم، ولابد للادعاء بأنها رموز أن يأتي بعد الإذعان بكونها ذوات معان. أما الادعاء بانحصار فهم هذا المعنى بالرسول الأكرم، والأولياء المعصومين(عليهم السلام)، وإن أمكن ثبوتاً، إلاً أنه محتاج للدليل إثباتا؛ مثلما أن آيات أمثال: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]. التي يستفاد منها حرمة مس كتابة القرآن من غير طهارة، تشمل الحروف المقطعة أيضاً، فلا يجوز مس هذه الحروف بل وحتى تقبيلها بدون طهارة.
إن رمزية الحروف المقطعة لا تتناسب مع ذكرها في القرآن (الذي هو كتاب الهداية، والبيان، والتبيان)، ولا مع الأمر بالتدبر بكل آياته (على نحو العموم أو الإطلاق). فالقرآن الكريم يقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24]. ولما كانت الحروف المقطعة جزءاً من القرآن، فالأمر بالتدبر شامل لها ايضا، وإن رمزيتها لا تتلاءم مع التدبر، اضف إلى ذلك أنه لا يوجد دليل معتبر يدعم هذا الرأي كي يكون مدعاة لتخصيص العموم أو تقييد الإطلاق.
وفي الجمع بين كون الحروف المقطعة رموزاً والأمر بالتدبر بالقرآن، لا يعتقد الآلوسي ان الأمر بالتدبر يشمل تلك الحروف (50). وعدم الشمول هذا إما ب «الانصراف»، أو بـ«الصرف» وبدليل آخر. وعلى الرغم من أن التدبر قسمان: تسبيبي وبشكل مباشر؛ أي تارة يفهم الإنسان معنى الآية بنفسه بالتدبر، وتارة يعلم أنه إلى أي شخص عليه الرجوع من أجل فهم المراد منها والتدبر فيها، كما لو علم أن عليه الرجوع إلى أهل البيت(عليهم السلام)الذين هم أهل الذكر: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] ، لكنه في حالة الحروف المقطعة، وبناء على كونها رمزية، فكلا الطريقين معدوم، وهذا يتنافى مع عموم أو إطلاق التدبر في جميع القرآن.
تنويه: ليس مرادنا من هذا الجواب نفي وجود أي سر أو رمز بين الله سبحانه ورسوله الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) أو سائر أوليائه؛ فالله عز وجل علم الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في المعراج أسراراً جمة، وعلم حضرته (صلى الله عليه واله وسلم) أمير المؤمنين(عليهم السلام)علوماً مستفيضة مما كتم وستر عن الباقين. حتى قال(عليه السلام)لكميل بن زياد النخعي. «ها ان هاهنا لعلمأ جماً [او أشار بيده إلى صدره] لو أصبت له حملة»(51) أي إن في صدري لعلوماً جمة لا طاقة لأحد بحملها، بل المراد أت الحروف المقطعة، التي هي جزء من القرآن، ليست من تلكم الرموز، أو أن رمزيتها غير مؤكدة.
لكن كبار اهل المعرفة، كالعارف المشهور ابن العربي، يستطيعون الاطلاع على جانب من أسرار العالم، وكشف جملة من الأمور عن طريق الشهود، بيد أن كشفهم ليس حجة على الباقين، ولا سبيل لنا لإثباته فلو تمكن أهل الشهود من برهنة مشهوداتهم وجعلها معقولة. لتم عرض براهينهم على ميزان الصحة والسقم، أي العلوم المتعارفة أو الأصول المنتهية إليها، وإذا تم تأييدها فهي تصبح مقبولة.
خلاصة القول، إن من جملة أوصاف الكمال المنسوبة للقرآن هو وصفه بالنور، والموصوف بالنور - ما لم يقم الدليل على اختصاص نورانيته , فكل أجزائه نور وإن تفاوتت مراتب المشاهدة. بناء على ذلك، لابد أن يكون للآخرين نصيب ولو من بعض مراتب الفهم لمدلولات الحروف المقطعة.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1. البرهان في علوم القرآن. ج 1، ص6 . 1. نقل في تفسير مجمع البيان (ج 1 - 2، ص112 -113) 1قولأ، وفي التفسير الكبير (مج1،ج2،ص5) 21 قولأ، وفي تفسير القرآن الكريم، للشهيد السيد مصطفى الخميني (ج2، ص285 - 292) 26 قولا.
2. الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 150؛ والتبيان في تفسير القرآن، ج 1، ص48؛ والبحر المحيط في التفسير، ج 1، ص158.
3. نهج البلاغة، الخطبة 38.
4. المنار، ج 1، ص122؛ والتفسير الكبير، مج 1،ج2، ص6.
5. التبيان في تفسير القران، ج 1، ص49.
6. الاسم بمدلوله الأعم يشمل كلاً من اسم العلم (الاسم الخاص) والوصف أو اللقب كذلك. فالاسم الذي هو بمعنى العلم ارتجالي وليس بالضرورة أن تكون له مناسبة؛ كما لو قلنا: لماذا سمي الحجر أو سميت الشجرة بهذا الاسم؟ لكن التلاؤم والتناسب ملحوظان في الاسم الذي يكون بمعنى الوصف واللقب.
7.مجمع البيان،ج1-2،ص112.
8. سورة مريم، الآيتان 1 و 2.
9. جامع البيان في تفسير القرآن، ج 1، ص118؛ والجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج1، ص 151.
10. الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 152.
11. ميراث إسلامي ايران (فارسي)، ج 4، ص267؛ تفسير القرآن الكريم لصدر المتألهين، ج6،ص15.
12. تفسير القران الكريم لابن العري، ج 1، ص13 (هذا التفسير وإن كان مشهورا بتفسير محيي الدين العربي، لكنه في الواقع هو «تأويلات» الملا عبد الرزاق الكاشاني).
13. تفسير الميزان، ج18، ص 14 - 15.
14. الجامع لاحكام القران، مج 1،ج 1، ص 151؛ التبيان في تفسير القران، ج 1، ص47.
15. يقول القرآن الكريم في اسمي «الله» و«الرحمن»: (قل ادعو الله او ادعو الرحمن ايا ما تدعو فله الاسماء الحسنى) (الإسراء. / 110) مرجع الضمير في قوله «فله» هو «أيأ» وليس الله، فليس المراد من الآية أن. لله الأسماء الحسنى، بل المراد هو أن: كلاً من «الله» و«الرحمن» له أسماء حسنى ، إد لا يتحقق التناسب عند إرجاع الضمير في قوله «فله» إلى الله. من هذا المنطلق، يقول المرحوم الفاضل الهندي. «فالمحققون على أن «الرحمن» أيضاً اسم للذات تماماً مثل ((الله))، وأن لفظه هنا [في البسملة] بدل من «الله»، ولذا قدم على «الرحيم» لكونه [الرحيم] صفة«، (كشف اللثام، ج 1، ص106).
16. إشارة إلى البيت الفارسي لحافظ الشيرازي، «ديوان غزليات حافظ» (فارسي)، ص658: كر انكشت سليمانى نباشد جه خاصيت دهد نقش نكينى
17. العقد الفريد، ج1، ص199 - 20.
18. الكافي، ج2، ص623؛ وتفسير نور الثقلين، ج 1،ص4.
19. مفاتيح الجنان، دعاء كميل بن زياد.
20 مصباح المتهجد، ص 258 - 261؛ وبحار الأنوار، ج 55، ص36.
21. البلد الأمين، ص416 -418؛ وبحار الأنوار،ج.9ص260 - 262.
22. نهج البلاغة، الخطبة 186.
23 الكافي، ج2، ص62؛ وبحار الأنوار، ج43، ص 351.
24. الإقبال بالأعمال الحسنة، ص 220؛ ومفاتيح الجنان، دعاء كميل.
25. مجمع البيان، ج1- 2، ص112-113: والبرهان في علوم القران، ج1، ص173.
26. في الحساب «الابجدي» نظمت حروف الالفباء العربية وفقا لترتيب خاص متمثل بالكلمات التالية: ابجد، هوز، خطي، كلمن، سعفص ، قرشت، ثخذ. ضظغ، وكل واحد من هذه الحروف له قيمة عددية ورياضية خاصة هي كما يلي: أ= 1، ب=2، ج=3، د=4، ه=5، و=6، ز=7ح=08 ط=9، ي= 10، ك= 20، ل= 30، م= 40، ن= 50، س=60، ع =70، ف=80 ، ص-90، ق=100، ر=200، ش= 300، ت= 400، ث=500،خ=600، ذ=700، ض= 800 ، ظ=0 90،غ= 100.
27. مجمع البيان، ج 1- 2، ص113؛ التفسير الكبير، مج 1، ج 2، ص7.
28. تعرض بعض المفسرين، أمثال الطبري (في جامع البيان، ج 1، ص68) وابن كثير (في تفسير القرآن العظيم، ج 1، ص 40) لمناقشة بعض تلك الأحاديث واعتبروها ضعيفة لا قيمة لها.
29. مجمع البيان، ج1 - 2، ص113؛ والميزان، ج18، ص7.
30 .المنار،ج1،ص12.
31. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص113؛ وجامع البيان ج 1، ص 115.
32. مجمع البيان،ج 1-2،ص113.
33. التفسير الكبير، مج3،ج 5، ص147.
34. كشف الغمة، ج 2، ص254؛ وبحار الأنوار، ج 25، ص 204 (وجاء في المصدر الأخير بلفظة «ليغان» بدلا من «ليران»).
35. راجع التبيان، ج 1، ص48؛ وفي ظلال القران، ج 1، ص38.
36. راجع البرهان في علوم القران، ج 1، ص169 - 170.
37 الإعجاز العددي للقران الكريم، ج 1 إلى 3.
38. التفسير الكبير، مج 1،ج 2، ص8 .
39. تفسير العياشي، ج01ص19؛ وتفسير نور الثقلين، ج 1، ص6.
40 راجع الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 152.
41. جامع البيان،ج1، ص12.
42. الحروف المقطعة في القرآن الكريم، ص 81.
43. مباحث في علوم القران، ص241- 242.
44. تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 410؛ والبرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص126.
45. تفسير القرآن الكريم لصدر المتألهين، ج 1، ص 212؛ والتفسير الكبير، مج 1، ج 2، ص8 .
46. تفسير الميزان، ج18، ص8 - 9.
47. تفسير القرآن الكريم لصدر المتألهين، ج6 ص17 - 18؛ والحكمة المتعالية، ج7، ص 41-42؛ وتفسير روح البيان، ج 1، ص28.
48. راجع روح المعاني، ج 1، ص167.
49. جاء في حديث قرب النوافل، المروي في الجوامع الروائية للفريقين، أن الإنسان يصير حبيب الله نتيجة للنوافل، وحينها يصبح اله عينه، وأذنه، و... الخ؛ أي إن الله يؤمن له كل المجاري الإدراكية والتحريكية: «قال رسول (صلى الله عليه واله وسلم) قال اله عز وجل: من أهان لي ولياً ففد أرصد لمحاربتي. وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه. وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحيته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولأنه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته"، (الكافي، ج 2، ص 352).
50. راجع روح المعاني، ج 1، ص167.
51. نهج البلاغة، الحكمة 147.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|