أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-25
779
التاريخ: 24-12-2015
1741
التاريخ: 2023-10-01
1012
التاريخ: 2023-09-06
884
|
أمر عليٌّ (عليه السلام) الحارث الأعور ينادي في الناس: أن اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة، فنادى: أيّها الناس، أخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة. وبعث عليٌّ إلى مالك بن حبيب اليربوعي ـ صاحب شرطته ـ فأمره أن يحشر الناس إلى المعسكر. ودعا عقبةَ بن عمروٍ الأنصاري فاستخلفه على الكوفة، وكان أصغر أصحاب بيعة العقبة السبعين، وأوصاه بوصاياه. ثم خرج عليٌّ وخرج الناس معه، وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي وهو يقول:
يا فرسي سيري وأمي الشاما
وقطعي الحزون والأعلاما
ونابذي من خالف الإِماما
إنّي لأرجو أن لقينا العاما
جمع بني أمية الطغاما
أن نقتل العاصيَ والهُماما
وأن نزيل من رجال هاما
وسار عليٌّ (عليه السلام) حتى أتى مكاناً يقال له دير أبي موسى، فصلّى بالناس صلاة العصر، فلمّا انصرف من الصلاة، رفع يديه بالدعاء وقال: سبحانَ ذي الطَوْلِ والنِعَمْ، سبحان ذي القدرة والإِفضال، أسأل الله الرضا بقضائه، والعمل بطاعته، والإِنابة إلى أمره؛ فإنه سميع الدعاء.
ثم سار حتى نزل على شاطىء نرس، وهو نهر حفره نرس بن بهرام بنواحي الكوفة، فصلى هناك صلاة المغرب، فلمّا انصرف قال: الحمد لله الذي يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، والحمد لله كلما وقب ليل وغسق، والحمد لله كلما لاح نجم وخفق ثم أقام حتى صلّى الغداة، ثم شخص حتى بلغ قُبّة قُبِّين ـ مكان ـ وفيها نخل طوال إلى جانب البِيعة من وراء النهر، فلمّا رآها قال: {والنخلَ باسقاتٍ لها طلْعٌ نضيد} ثم أقحم دابته النهر فعبر إلى تلك البيعة فنزلها فمكث بها قدر الغداة.
ثم تابع سيره فوصل إلى أرض بابل، فجعل (عليه السلام) يخفُّ في سيره ويقول: إن ببابل أرضاً قد خسف بها فلعلنا نصلي العصر خارجاً منها، فحرّك دابته وحرك الناس دوابهم في أثره، حتى أتوا على مكان وقد كادت الشمس أن تغيب، فنزل علي (عليه السلام) فدعا الله، فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر، فصلّى بالناس العصر ثم غابت الشمس (1).
قول علي (عليه السلام) في كربلاء:
عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي بن طالب غزوة صفين، فلمّا نزلنا بكربلاء صلّى بنا صلاةً، فلمّا سلّم رُفع إليه من تربتها فشمّها ثم قال: واهاً لك أيّتها التربة ليُحشَرُّنَّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب.
وعن سعيد بن وهب قال: بعثني مخنف بن سُليْم إلى علي، فأتيته بكربلاء، فوجدته يشير بيده ويقول: ههنا ههنا! فقال رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: ثقل لآل محمدٍ ينزل ها هنا، فويلٌ لهم منكم، وويلٌ لكم منهم. فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: ويلٌ لهم منكم: تقتلونهم، وويلٌ لكم منهم: يُدخلكم الله بقتلهم إلى النار. وعن الحسن بن كثير عن أبيه: أنّ علياً أتى كربلاء فوقف بها، فقيل يا أمير المؤمنين هذه كربلاء. قال: ذات كربٍ وبلاء. ثم أومأ بيده إلى مكان فقال: ها هنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم، وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال: ها هنا مهراق دمائهم (2).
قوله (عليه السلام) حين مرّ بآثار كسرى:
ثم مضى (عليه السلام) إلى مدينة بُهرُسِير، وإذا برجل من أصحابه يقال له حرّ بن سهم، ينظر إلى آثار كسرى وهو يتمثل قول ابن يعفر التميمي:
جرتِ الرياحُ على مكانِ ديارِهمْ ** فكأنّما كانوا على ميعادِ
فقال علي (عليه السلام): {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 25 - 29] إنّ هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين، إنّ هؤلاء لم يشكروا النعمة فسُلِبوا دنياهم بالمعصية. إيّاكم وكُفرُ النِعَمْ لا تحلَّ بكم النقَمْ، ثم قال: انزلوا بهذه النجوة (3).
وصوله (عليه السلام) إلى المدائن ثم الأنبار:
لمّا وصل (عليه السلام) المدائن، أمر الحارث الأعور فصاح في أهلها: من كان من المقاتلة فليوافِ أمير المؤمنين صلاة العصر، فوافوه في تلك الساعة، ولحق به فيما بعد ألف ومائتا مقاتل، وجاء علي (عليه السلام) حتى مرّ بالأنبار، فاستقبله دهاقنتها بنو خُشْنُوشَكْ (4) ثم جاؤوا يشتدون معه، قال: ما هذه الدواب التي معكم؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم؟ قالوا: أّما هذا الذي صنعنا هو خُلُقٌ منا نعظّم به الأمراء، وأمّا هذه البراذين فهدية لك، وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاماً، وهيّأنا لدوابكم علفاً كثيراً، قال(عليه السلام) : أمّا هذا الذي زعمتم أنّه منكم خلق تعظّمون به الأمراء، فوالله ما ينفع هذا الأمراء، وأنّكم لتشقّون به على أنفسكم وأبدانكم، فلا تعودوا له. وأمّا دوابكم هذه، فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم، أخذناها منكم، وأمّا طعامكم الذي صنعتم لنا، فإنّا نكره أن نأكل من أموالكم شيئاً إلا بثمن. قالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نقوّمه ثم نقبل ثمنه؛ قال: إذن لا تقوِّمُونَهُ قيمته، نحن نكتفي بما دونه.
قالوا: يا أمير المؤمنين، فإنّ لنا من العرب موالي ومعارف، فتمنُعنا أن نهدي لهم وتمنعهم أن يقبلوا منّا؟ قال: كلّ العرب لكم موالٍ، وليس ينبغي لأحدٍ من المسلمين أن يقبل هديتكم، وإن غصبكم أحد فأعلمونا. قالوا: يا أمير المؤمنين، إنّا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا. قال لهم: ويحكم، نحن أغنى منكم! فتركهم وسار.
قصة الصخرة وصاحب الدير وإسلام الراهب:
وعطش الناس وهم في طريقهم إلى صفين، فانطلق علي (عليه السلام) مع بعض أصحابه حتى أتى على صخرة ضرس (5) من الأرض كأنّها ربضة عنز (6) فأمرهم، فاقتلعوها، فخرج لهم ماء، فشربوا وارتووا وشرب الناس منه، ثم أمرهم على أن يرجعوا الصخرة مكانها ثم سار قليلاً ثم التفت إلى بعض أصحابه وقال: هل منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فانطلقوا إليه. فانطلق منهم رجال مشاةً وركباناً حتى وصلوا إلى المكان الذي يعتقدون أنها فيه، فطلبوها فلم يجدوها. فانطلقوا إلى ديرٍ قريب بعد أن يئسوا منها، وسألوهم: أين الماء الذي هو عندكم؟ قالوا: ما قربنا ماء! فقال صاحب الدير: ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء، وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي! (7) .
ثم سار (عليه السلام) حتى وصل الرقة فنزل فيها بمكان يقال له بليخ، على جانب الفرات، وكان هنالك صومعة فيها راهب، فلما رأى أمير المؤمنين نزل من صومعته، وسلم عليه وقال له: إن عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا، كتبه أصحاب عيسى بن مريم، أعرضه عليك .قال علي (عليه السلام): نعم، فما هو؟ قال الراهب: بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى، وسطّر فيما سطّر، أنّه باعث في الأميِّين رسولاً منهم يعلمهم الكتاب والحكمة، ويدلهم على سبيل الله، لا فظٌّ ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، أمته الحمادُّون الذين يحمدون الله على كل نشز، وفي كل صعود وهبوط، تذل ألسنتهم بالتهليل والتكبير والتسبيح، وينصره الله على كل من ناواه، فإذا توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت، فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقضي بالحق، ولا يرتشي في الحكم، الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظماء، يخافُ اللهَ في السرّ، وينصح له في العلانية، ولا يخاف في الله لومةَ لائم، من أدرك ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) من أهل هذه البلاد فآمن به، كان ثوابه رضواني والجنة، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ؛ فإن القتل معه شهادة .ثم قال له: فأنا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما أصابك فبكى (عليه السلام) ثم قال: الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيّاً، الحمد لله الذي ذكرني في كُتُبِ الأبرار . ومضى الراهب معه، وكان ـ فيما ذكروا ـ يتغدى مع علي ويتعشى معه حتى أصيب يوم صفين، فلمّا خرج الناس يدفنون قتلاهم، قال علي: اطلبوه. فلمّا وجدوه، صلّى عليه ودفنه، وقال: هذا منّا أهل البيت، واستغفر له مراراً (8).
وعبر علي (عليه السلام) شاطىء الفرات بعد أن أقاموا له جسراً إلى صفين، ودعا زياد بن النضر وشريح بن هاني، فسرحهما أمامه نحو معاوية في اثني عشر ألفاً.
فلمّا انتهوا إلى معاوية، لقيهم أبو الأعور السلمي في جند من أهل الشام، فدعوهم إلى طاعة علي فأبوا، فأرسلوا إلى علي يخبرونه، فبعث إليهم مالك الأشتر وجعله أميرا عليهم، وحذره من أن يبدأهم بقتال.
فخرج الأشتر حتى قدم على القوم، فاتبع ما أمره به علي (عليه السلام) وكفَّ عن القتال حتى إذا جاء المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي، فثبتوا له واضطربوا ساعة ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال، وخرج إليهم أبو الأعور، فاقتتلوا يومهم ذلك، فصبر القوم بعضهم لبعض، ثم انصرفوا.
غلبة أصحاب معاوية على الماء:
وكان أصحاب معاوية قد غلبوا على الماء، وكان في نيّتهم أن يمنعوه عن علي وأصحابه حتى يموتوا عطشاً ـ على زعمهم ـ وقد أشار ابن العاص على معاوية ألّا يفعل ذلك؛ لأنّ ابن أبي طالب لن يظمأ وفي يده أعنّة الخيل حتى يشرب أو يموت ـ في حديث طويل ـ فأبى معاوية ذلك.
غلبة علي (عليه السلام) على الماء:
وفي صبيحة اليوم التالي نهض الأشعث بن قيس في اثني عشر ألف، وتبعه الأشتر بخيله ورجاله ثم كبّر الأشعث وكبّر الأشتر، ثم حملا، فما ثار الغبار حتى انهزم أهل الشام، وكان قد قتل من أصحاب معاوية أبطال لا يستهان بهم، وغلب أصحاب علي على الماء. وقال عمرو بن العاص لمعاوية: ما ظنّك بالقوم إن منعوك الماء اليوم كما منعتهم أمس، أتُرَاكَ تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه، وما أغنى أن تكشف لهم السْوءَة؟ فقال: دع عنك ما مضى منه. ما ظنّك بعلي؟ قال: ظنّي به أنّه لا يستَحلُّ منك ما استحلَلْتَ منه، وأنّ الذي جاء له غير الماء، فقال له معاوية قولاً أغضبه.
فردّ عليه ابن العاص شعراً، جاء فيه:
أمرتك أمراً فسخفته
وخالفني ابن أبي سَرَحَه
فكيف رأيت كباش العراق
ألم ينطحوا جمعنا نطَحَة
فإن ينطحونا غداً مثلها
نكن كالزبيري أو طلحَة
وقد شرب القوم ماء الفرات
وقلّدك الأشتر الفضحة (9)
وحين غلب على أهل الشام وطردهم عن الماء بعث إلى معاوية: «إنّا لا نكافيك بصنعك، هلّم إلى الماء فنحن وأنتم فيه سواء». فأخذ كل واحد من الفريقين بالشريعة التي تليه. وقال علي (عليه السلام) يومذاك لأصحابه: أيّها الناس، إنّ الخطب أعظم من منع الماء (10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صفين ص 136.
(2) صفين 140 ـ 142.
(3) النجوة: المكان المرتفع.
(4) خشن يعني طيّب ونوشك معناها راضٍ. يعني بين الطيب الراضي ـ بالفارسية
(5) الضِرس بالكسر: الأرض الخشنة.
(6) ربضة عنز: حجم جثتها إذا بركت.
(7) صفين 145 وفي كشف الغمة 1 ص 279.
وردت القصة بصورة أخرى وأنّه (عليه السلام) قلع الصخرة بيده.
(8) صفين 148.
(9) الأبيات وما قبلها في صفين ـ 186.
(10) صفين ـ 193.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|