أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-12-2015
2211
التاريخ: 2023-10-09
1046
التاريخ: 24-12-2015
3249
التاريخ: 13-9-2017
1378
|
المصادر التاريخية لا تشير إلى أي لون من ألوان الخلاف بين عثمان والمقداد قبل حادثة الشورى، لا من قريب ولا من بعيد، حتى إذا بدأت الشورى بدأ معها الخلاف بينهما! وكان خلافاً يحسبه الغافل أنّه ناجم عن عداء قديم مستشرٍ بينهما، سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقف المقداد الصلبة من عثمان في تلك الفترة، غير أنّ نظرة تأمل منّا في نوعية هذا الخلاف كافية في إيقافنا على حقيقة الأمر، من أنّ ما جرى بينهما لم يكن مردّه لعداءٍ شخصي، بل هو خلاف مبدئي تطور فيما بعد ليأخذ صفة العداء والجفوة بين الطرفين.
واضحٌ أنّ الخلافة أمانة عظمى في عنق متقلدها، ومسؤولية كبرى في عاتقه عليه أن ينهض بأعبائها، وإلا فهي الخيانة! وبيعة عثمان؛ أخذ فيها عليه شرطان صريحان غير كتاب الله، هما: سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرة ابي بكر وعمر بهما تصح بيعته وبدونهما لا بيعة قائمة ولا خلافة.
تُرى! أيطوي الصحابة كشحاً عن بعض التصرفات المخالفة ـ صراحةً ـ لسنة الرسول (صلى الله عليه وآله) أو لسيرة الشيخين.
يرون الخليفة متلبساً بها؟! بالطبع، لا! إذا كانوا مخلصين لدينهم، صادقين في تديّنهم؛ وهنا تكمن نقطة الخلاف بينه وبينهم بشكل عام.
والمقداد واحد من الصحابة المخلصين لا يمكنه بحال السكوت أزاء حالات كهذه، لذا، فإنّه كان لا يتوانى في توجيه النقد له وإيقافه على الأخطاء التي يرتكبها، أو التي تُرتكب في حضرته.
من ذلك: أنّ عثمان بينما كان جالساً ذات يوم وحوله بعض وجوه قريش، إذ أقبل رجلٌ أحسبه كان شاعراً يتكفّف اعطيات الملوك، فجعل يمدح عثمان، وكان المقداد حاضراً، فجثا على ركبتيه وجعل يحثو الحصباء في وجه ذلك الرجل! وتعجّب عثمان من تصرّف المقداد هذا، والتفت إليه قائلاً: ما شأنك؟ فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب! (1).
إنّ حادثة بسيطة من هذا النوع ـ في نظري ونظرك ـ هي غاية في الخطورة إذا صدرت في مجلس كمجلس الخليفة، لأنّها خرق واضح للسنّة، لا يمكن لصحابيّ كالمقداد أن يسكت عليها، فما ظنّك إذن بما هو أعظم من هذا وأفظع؟! كتعطيل الحدود، واقرار الأيدي العادية، والإِسراف في مال الله ووضعه في غير مستحقيه، كإعطاء مروان خمس خراج إرمينية! واقطاعه فدك (2) وكانت فاطمة بنت الرسول قد طلبتها من أبي بكر بدعوى النحلة او الميراث، فدفعت عنها، وإعطاء ابن أبي سرح جميع ما أفاء الله على المسلمين من فتح افريقية (3) إلى غير ذلك ممّا يضيق به المقام والتي كان آخرها إرساله إلى ابن أبي سرح ـ واليه على مصر ـ كتاباً يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين! (4) ممّا لم يدع مجالاً للسكوت أو الإِغضاء، فكان آخر ما قام به المقداد في هذا المضمار ـ هو وتسعة نفر من الصحابة ـ أن وجّهوا الى عثمان كتاباً يحتوي على سرد بعض الأمور التي خالف بها سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنّة صاحبيه ـ كما يقول ابن قتيبة ـ وتعاهدوا ليدفعنّ الكتاب في يد عثمان! ومضى عمّار بن ياسر بالكتاب، فكان الرد أن ضُرب وفتقت بطنه (5).
إنّ هذه المواقف من المقداد حيال تصرّفات الخليفة، تركت ولا شكّ أسوأ الأثر في نفسه وعرّضته لغضبه وسخطه، وحقد بني أمية حتى مات وعثمان ساخط عليه، أو بالأحرى هو ساخط على عثمان كما روي ذلك عنه حيث قال للزبير: أتراني أحب أن يموت مثل هذا من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) وهو عليّ ساخط! (6) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما جاء في صحيح مسلم ج 4 ك 53 ح 69 عن همام بن الحارث قال: إنّ رجلاً جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه ـ وكان رجلاً ضخماً ـ فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب.
(2) فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، أفاءها الله على رسوله، فكانت خالصةً له لأنّه لم يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب. وذلك أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بعد فراغه من غزوة خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا الى الرسول (صلى الله عليه وآله) انّهم مستعدون لتسليمه الأرض وما يملكونه على أن يحقن دماءهم، وعرضوا عليه ان يعملوا في الأرض بنصف الناتج، فصالحهم على ذلك. (راجع معجم البلدان 4 / 238 إلى 240) وغيره.
وهذا الصنف من الأراضي يسمّى «الأنفال» وسمّاه الفقهاء «فيئا» ويعد من الأنفال بالمفهوم الفقهي: كلّ ما أُخذ من دار الحرب بغير قتال: وكل أرض جلا عنها أهلها بغير قتال أيضاً، والأرض الموات، والآجام، وبطون الأودية، وقطائع الملوك، وميراث من لا وارث له والأنفال في الكتاب العزيز هي لله وللرسول خالصة، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} وعلى هذا فإنّ فدك ممّا يملكه النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة وله أن يقطعها لمن يشاء، وقد وهبها النبي (صلى الله عليه وآله) لابنته فاطمة (عليها السلام) حين نزلت الآية الكريمة: {وآت ذا القربى حقه}؛ كما عن تفسير: «الدر المنثور ـ للسيوطي» فتصرّفت بها في حياة أبيها؛ (الميزان في تفسير القرآن 9 ص 5 وما بعدها) و(سيرة المصطفى 559) ولمّا توفّي [استشهد] الرسول (صلى الله عليه وآله) منعت الزهراء (عليها السلام) فدكاً، وكان لها مع أبي بكر موقف مشهود معروف، حيث احتجت عليه تارة بالنحلة، واخرى بالميراث، وثالثة بسهم ذوي القربى . وكان الخليفة ابو بكر يأخذ غلتها فيدفع لآل النبي ما يكفيهم، وكان عمر بعده يفعل مثل ذلك، فلمّا جاء عثمان أقطعها لمروان بن الحكم. كما يستفاد ذلك من العقد الفريد 4 / 283 وشرح النهج 1 / 198.
ولمّا ولي معاوية جعلها ثلاثة أثلاث، بين مروان وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية، وذلك بعد وفاة [استشهاد] الإِمام الحسن (عليه السلام) ولم يزالوا يتداولونها إلى أن خلصت كلها لمروان أيام حكمه، فوهبها لعبد العزيز ابنه، وعبد العزيز بدوره وهبها لابنه عمر، ولمّا ولي عمر بن عبد العزيز كانت أول ظلامةٍ ردّها، حيث دعا الحسن بن الحسن بن علي، وقيل بل دعا علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، فردّها عليه وكان يقول في ذلك: «أشهدكم إنّي قد رددتها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)» العقد الفريد 4 / 435 فكانت بيد ابناء فاطمة مدة حكمه. فلمّا ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت من قبل. فلما ولي أبو العباس السفّاح، ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ثم أخذها المنصور، ثم ردها ابنه المهدي ثم أخذها موسى بن المهدي وهارون أخوه، فلم تزل في أيديهم حتى ولي المأمون، فردّها على الفاطميّين.
وذلك: أنّ المأمون جلس يوماً للمظالم، فأول رقعةٍ وقعت في يده نظر فيها وبكى وقال للذي على رأسه: نادِ: أين وكيل فاطمة؟ فقام شيخ عليه دُراعة وعمامة، وخُف تعزي، فتقدّم فجعل يناظره في فدك والمأمون يحتج عليه وهو يحتج على المأمون !، ثم أمر المأمون أن يسجّل لهم بها، فكُتبَ السجل وقرئ عليه، فأنفذه! فقام دعبل الخزاعي وانشد الأبيات التي أولها:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا *** بردِ مأمون هاشم فدكا
فلم تزل في أيديهم حتى حكم المتوكل فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار، وكان فيها آنذاك إحدى عشر نخلة غرسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده، وكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها، فإذا قدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم فيصير إليهم من ذلك مال جزيل؛ فوجّه عبد الله البازيار رجلاً يقال له: بشران بن أمية الثقفي الى المدينة، فقطع ذلك النخل، فرجع الى البصرة فَفُلِج!! راجع (شرح النهج 16 / 207 إلى 217).
(3) للتفصيل، راجع كتاب (ابو ذر الغفاري) من ص 107 إلى 114 وشرح النهج 1 / 198 وما بعدها.
(4) مروج الذهب 2 / 344 وغيره من المصادر.
(5) راجع الإِمامة والسياسة 1 / 35.
(6) سفينة البحار، مادة: قدد .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|