أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-12-2015
2197
التاريخ: 24-12-2015
2505
التاريخ: 22-7-2017
1118
التاريخ: 24-12-2015
2010
|
(هذه القصة أخذت من: أخبار الزمان / المسعودي ص 117 وقصص العرب 1 / 84 وحياة محمد / 76).
كان كسرى أبرويز ـ ملك الفرس ـ من أعظم سلاطين عصره، وأكثرهم منعةً ونفوذاً، وكان يحيط نفسه بهالةٍ من الأبهة والعظمة، فكان يجلس في إيوانه وقد جمع فيه أجزاء عرش دارا (1) وكانت موشّاةً بصور نجوم المجرة، فإذا كان في مشتاه وضعت هذه الأجزاء يحيط بها ستار من أنفس الفراء تتدلى أثناءه ثريات من فضة وأخرى من ذهب ملئت بالماء الفاتر، ونصب فوقها تاجه العظيم يضرب فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ بالذهب والفضة مشدوداً إلى السقف بسلسلة من ذهب، وكان يلبس نسيج الذهب ويتشح بحلي الذهب، مما يلقي الهيبة في نفوس قواده ووزرائه وزواره إذا حضروا بين يديه .وفي ذات يوم ارتجس (2) الإيوان، ورأى كسرى رؤيا هالته وأفزعته، فقد رأى في نومه أنّه سقط من قصره ستة عشر شرفة، فلمّا أصبح، أفزعه ما رأى، فصبر تشجّعاً ثم رأى ألا يكتم ذلك عن وزرائه ومرازبته (3) فلبس تاجه وقعد على سريره، وجمعهم إليه، فلمّا اجتمعوا أخبرهم بالذي بعث إليهم فيه.
قال المؤبذان (4): عسى أن يكون خيراً، وأنا ـ أصلح الله الملك ـ رأيت البارحة أنّ النيران قد خمدت وقلعت بيوتها وهلك سدنتها، ورأيت إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، وقد أغمّني ذلك.
وبينما هم كذلك، إذ ورد عليه كتاب بخمود النار، فازداد كسرى غمّاً إلى غمّه، والتفت إلى المؤبذان قائلاً له: وأيّ شيء يكون هذا يا مؤبذان؟ ـ وكان أعلمهم عند نفسه بذلك ـ قال المؤبذان: ما عندي فيها ولا في تأويلها شيء ـ أيّها الملك ـ ولكن أرسل إلى عاملك في الحيرة يوجّه إليك رجلاً من علمائهم، فانّهم أصحاب علم بالحدثان.
فكتب عند ذلك: «من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر، أمّا بعد: فوجّه إليّ رجلاً عالماً بما أريد أن أسأله عنه» فوجّه إليه النعمان عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الغساني فلمّا قدم عليه، قال له: أعندك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليخبرني الملك، فإن كان عندي منه علم؛ وإلا أخبرته بمن يعلمه له، فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارف الشام، يقال له سطيح (5) .
قال: فاته فاسأله عمّا سألتك، وائتني بجوابه.
ركب عبد المسيح راحلته حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت، فسلّم عليه وحيّاه، فلم يجبه؛ وكلمه، فلم يرد عليه! فقال:
أصَمُّ أم يسمع غِطريفُ اليَمَن
أم فَادَ فازْلَمّ به شأو العَنَنْ (6)
يا فاصِل الخِطة أعيت مَنْ ومَنْ
أتاك شيخ الحيِّ من آل سَنَنْ
وأمه من آل ذِئب بن حَجَنْ
أبيضُ فضفاضُ الرداء والبَدنْ
رسولُ قَيْلِ العُجْم يسري للوسَنْ
لا يرهبُ الرعد ولا ريبَ الزمنْ (7)
تجوبُ بي الأرضَ عَلَنْدَاةٌ شَزَنْ
ترفعني وَجنٌ وتهوي بي وَجَنْ (8)
حتى أتى عاري الجآجي والقَطَنْ
تلفه في الريح بَوْغاء الدِمَنْ (9)
فلمّا سمع سطيح شعره، رفع رأسه وقال: عبد المسيح على جميل مُشيح (10) جاء إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران، ورؤيا المؤبذان، رأى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد اقتحمت في الواد وانتشرت في البلاد. ثم قال: يا عبد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وبعث صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار الفرس، فليست الشام لسطيح شاماً يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات، وكل ما هو آتٍ آت.
ثم قبض سطيح مكانه، ونهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:
شمِّر فإنّك ما عُمّرت شِمّير
لا يُفزعنَّك تفريقٌ وتغيير
إن يُمْسِ ملك بني ساسان أَفرَطَهُمْ
فإنّ ذا الدهر أطوارٌ دهاريرُ
فربّما ربّما أضحوا بمنزلة
تهاب صَوْلَهُمُ أسدٌ مهاصيرُ
منهم أخو الصرح بَهْرامٌ واخوتُهُمْ
وهُرْمُزانٌ وسابورٌ وسابورُ
والناس أولاد عَلَّاتٍ فمن عَلمِوا
أن قد أقَلَّ فمهجورٌ ومحقورٌ (11)
وهم بنو الأمِّ لما أن رأوا نَشَباً
فذاك بالغيب محفوظ ومنصور (12)
والخير والشر مقرونان في قَرَنٍ
فالخير مُتَّبَعٌ والشر محذورُ (13)
فلمّا قدم عبد المسيح على كسرى، أخبره بقول سطيح.
فقال: إلى أن يملك منا ستة عشر ملكاً تكون أمور ويدور الزمان.
قالوا: ولمّا كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتج إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشر شرفة، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك مائة عام، وغاضت بحيرة ساوة، وكانت لا تغيض، وفاض وادي السماوة بالماء.
وانّ الرؤيا التي رآها كسرى والموبذان كانت في تلك الليلة.
وقد يجد القارئ في هذه القصة شيئاً من الغرابة يأخذه معها العجب، ولكن حينما يعود الأمر لله سبحانه فيما يختص به أنبيائه وأصفيائه، لا يبقى العجيب عجيباً، ولا الغريب غريباً لقد كان هذا التغيّر الطارىء العجيب إشعاراً ببداية عهد جديد على الأرض، يقوم على أسس العدل والحكمة، كما كان إخطاراً يلوح لبداية انقراض العهود المظلمة، وانتهاء مسيرة المدلجين في وهد الباطل.
مع هذه البداية الغريبة بدأت البشارة باقتراب الموعد وساعة الخلاص، البشارة التي تحدّث عنها المسيح (عليه السلام)، ورسمت في الإنجيل، وترجمها لنا القرآن: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} الآية (14).
لقد تناقل الرهبان والموحّدون هذه البشارة، ودارت على ألسنتهم طيلة الفترة ما بين صعود المسيح إلى السماء، ومبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد تحدّثت كتب التاريخ القديمة عن ذلك، بل اتفق المؤرخون على أن بعض الأحبار والكهان كانوا يعلمون ذلك. وعلى سبيل المثال نذكر بعض الشواهد على هذا:
روي عن عبد المطلب أنّه حين زار مع وفد من سادات قريش سيف بن ذي يزن لتهنئته بملك اليمن، اختلى هذا الأخير بعبد المطلب وبشّره بمولود لقريش في مكة يكون رسولاً إلى الناس أجمعين، وأعطاه صفاته، ولمّا وجد عبد المطلب هذه الصفات تنطبق على حفيده محمد صلى الله عليه وآله وسلم سجد لله شكراً على ذلك.
وقصة الراهب بحيرى الذي مر به أبو طالب ومعه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم في طريقهم إلى الشام فلمّا رآه بحيرى جعل يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء في جسده كان يجدها عنده من صفاته، ثم نظر إلى كتفه فوجد فيه خاتم النبوة، فتيقن أنه هو النبي الذي بشر به المسيح، فأقبل إلى عمّه أبي طالب، فقال له:
ما هذا الغلام منك؟
قال: ابني.
قال بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً.
قال: فإنّه ابن أخي.
قال: فما فعل أبوه؟
قال: مات وأمه حبلى به.
قال: صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه.. القصة (15).
وقس بن ساعدة، كان أحد المبشرين بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبرسالته، وكان من عقلاء العرب وحكمائهم، وهو القائل:
هل الغيث معطي الأمن عند نزوله
بحال مسيءٍ في الأمور ومحسن
وما قد تولى فهو فات وذاهب
فهل ينفعني ليتني ولو أنّني
وكان قس في زمانه أكثر الناس عبادةً، وأفصحهم خطابةً، وكان كثيراً ما يذكر رسول الله صلى الله عليه وآله ويبشّر الناس به، وآمن به قبل مبعثه، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل عن أخباره وترحّم عليه ويقول: سيحشر قس أمةً وحده (16).
ولقد كانت هذه البشارة تزداد شيوعاً كلما اقترب وقت مبعثه صلوات الله عليه وكان سلمان قد سمع هذه البشارة، ووعاها قلبه فنبت حب محمد في لحمه ودمه، فكان أحد المنتظرين، يترقّب ساعة الخلاص لحظةً بعد لحظة، ويوما بعد يوم وكلمة الراهب لا زالت ترن في أذنه: هذا أوان يظهر فيه نبي من العرب.
لا يكاد سلمان يتذكّر هذا، حتى يتمنّى لو أنّ الزمان يطوى له كي يلتقي بالرسول المرتقب (صلوات الله عليه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أحد الملوك الأشداء قضى عليهم كسرى.
(2) ارتجس: اهتزّ.
(3) المرازبة جمع مرزبان: القائد الشجاع.
(4) المؤبذان: للمجوس رئيسهم الديني.
(5) سطيح: من كهان العرب.
(6) فاد: مات. ازلم: ذهب مسرعاً. الشأو: المكان البعيد، العنن: ما ينوب الانسان من العارض.
(7) القيل: الملك أو من هو دونه.
(8) علنداة: ناقة ضخمة طويلة. وشزن: فيها نشاط. الوجن: الأرض الغليظة الصلبة.
(9) الجآجي: ربما يقصد بها الإبل، القطن: أسفل الظهر. البوغاء: التراب الناعم. الدمن: ما تدمن منه، أي تجمع.
(10) مشيح: جادٌّ مسرع.
(11) أولاد العلات: أولاد امهات شتى لرجل واحد.
(12) النشب: المال والخير.
(13) القرن: الحبل.
(14) الصف ـ 6.
(15) السيرة النبوية 1 / 165 ـ 166 بتصرّف.
(16) حقائق الإيمان / 383.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|