أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-13
1012
التاريخ: 2024-10-25
44
التاريخ: 23-9-2019
1691
التاريخ: 2-6-2019
17560
|
وللعرب في باب الهندسة الإبداع الذي أقرهم عليه كل، عارف، ولم ينازعهم فيه منازع، ولم يخترع العرب أبنية خاصة بهم، بل تجلى في هندستهم حبهم للزخرف واللطف، واخترعوا القوس المقنطر ورسم البيكارين وجعل تفننهم في هندسة القباب والسقوف والمعرشات من الأشجار والأزهار، لجوامعهم وقصورهم بهجة لا يبلى على الدهر جديدها، ودلت كل الدلالة على إيغالهم في حب النقوش والزينة، كأن أبنيتهم ومصانعهم هي قماش من أقمشة الشرق تفنن حائكها في رقشها ونقشها كما قال أحد العارفين من الإفرنج. وعقد لبون فصلا في تأثير العرب في الصنائع ولا سيما في الهندسة في الغرب وقال: ربما ادعى بعضهم أن الهندسة الغوتية مأخوذة عن العرب، وهذا وهم فإننا إذا قابلنا بين كاتدرائية غوتية من القرن الثالث عشر والرابع عشر وبين مسجد من ذينك القرنين نجد اختلافا بينا بين الهندستين، ولما كانت الفنون تعبر عن حاجات عصر وعواطف أهله، اختلفت هندسة الغرب عن الهندسة العربية في الشرق، وقد أخذت أوروبا من العرب تفاصيل في الزينة ووجدت على بعض البيع في فرنسا صور حروف عربية منحوتة في الحجر وأكاليل على بعض الحصون تشبه الطراز العربي وكثير من كنائس فرنسا تأثرت بالهندسة العربية ولا سيما في المدن التي كان لها علائق كثيرة مع الشرق. وقد جلب الصليبيون من الشرق أصول هندسة بيت المؤذن في المنارات والمشربيات والمعرقات والمراصد في الأبراج والزغاليل والأبراج الناتئة والأفاريز ذات الدرابزين واستخدمت فرنسا كثيرًا من مهندسي الأجانب، وكان فيهم العرب، حتى إن كنيسة (نوتردام دي باري) المشهورة في عاصمة فرنسا عمل فيها مهندسون من العرب. أما تأثير العرب في هندسة إسبانيا فظاهر ظهور الشمس والقمر، إلى أن قال: قد ينقرض شعب وتُحرق كتبه، وتهدم مصانعه، ولكن التأثير الذي أثره يقاوم أكثر مما يقاوم القلز، وليس في طاقة القوة البشرية أن تأتي عليه، والقرون قد تفعل في القضاء عليه أكثر من ذلك. وقال أيضًا إن من ألقى نظرة على المساجد والقصور وعلى غيرها من الآثار العربية من منقولها وغير منقولها يشهد أنها نسجت على غير مثال، وأن الإبداع فيها ظاهر محسوس، وإذا رجعنا إلى أوائل عهد المدنية العربية أيام كانت في أوجها نجد تقليد الصنائع الفارسية والرومية ظاهرًا فيها، وكل شعب يقتبس عمن سبقه صنائعه، وهذا يصدق على كل الأمم ، وكان الناس إلى عهد قريب يعتقدون أن الفنون اليونانية قامت على غير مثال، ثم أدى البحث إلى أن هذه الفنون أخذت عمن سلفها من الأشوريين والمصريين، فالعرب واليونان والرومان والفينيقيون واليهود وغيرهم أو جميع الأمم قد انتفعت من الماضي، وكل شعب أخذ عن غيره وزاد من عنده ما وسعته الزيادة؛ ولذا لا ينبغي أن يزعم الناس أن العرب لم يكن لهم فن فيه إبداع؛ لأنهم اقتبسوا الأصول الأولى من أعمالهم من الأمم التي تقدمتهم، ويُعرف الإبداع الحقيقي في أمة من السرعة التي بها تحول المواد التي بين يديها فتجعلها وفق حاجاتها وتُنشئ فنا جديدًا، وما من شعب فاق العرب في هذا الباب فإن فكر الإيجاد عندهم قد تجلى في مصانعهم الأولى مثل مسجد قرطبة، ولم يلبثوا أن ألقوا في روع الفنانين الأجانب أنهم كانوا يعمدون إلى طرق جديدة فيها الحذق والمهارة بأكملهما، فقد كانت سواري المعابد القديمة التي بين أيدي العرب من القصر بحيث لا تتناسب مع عظمة الأبنية واتساعها، فقاموا هم ينشئون في أسفلها قواعد وغطوها بقناطر وضعت على غاية من الحذق ، ولو كان الترك مكان العرب ما خطر لعقولهم الغليظة مثل هذا الفكر، وكان من أمر الشعوب التي خلفت العرب في البلاد التي خضعت لسلطانهم أن رأوا مصانع قديمة سبقت العرب، فما استطاعوا أن يدبروها تدبيرًا جديدًا، فظل التقليد باديًا في أصولها وفروعها، أما في المصانع العربية كقصور إسبانيا وجوامع القاهرة، فإن المواد الأصلية قد استحالت إلى ترتيبات بلغ من جدتها أن يتعذر أن يُقال: من أين جاءت. قال: ومن ألقى نظرة على الأعمال الأدبية والفنية التي تمت على أيدي العرب، يتجلى له أنهم حاولوا أبدًا أن يزينوا الطبيعة، وطابعهم الذي يبدو في الفن العربي هو التخيل والبهاء والضياء والتزيد في الزينة والدقة، فالعرب عنصر شعر، وأي شاعر لا ينطوي على فنان، اغتنموا بحيث تم لهم تحقيق جميع هذه الأحلام فأولدوا هذه القصور البديعة التي تبدو للعيان كأنها تضاريس من الرخام المرصع بالذهب والأحجار الثمينة، وما من شعب حاز مثل هذه العجائب، وما من شعب سيدانيهم في حيازتها، ومن العبث أن تتطلب مضاهاتها من الدور الذي دخلت فيه الإنسانية اليوم، فأصبحت لا تعرف من الصنائع إلا المبتذلة والمقصود منها النفع فقط وهي شاحبة باردة. وقال في مناسبة أخرى: (1) إن العرب لما أنشأوا في القرن السابع هذه المملكة الضخمة بفتحهم معظم بلاد العالم القديم اليوناني والروماني لم يلبث سلطانهم أن امتد من إسبانيا إلى أواسط آسيا مشاطئًا أرض شمالي إفريقية بأسرها، رأوا أنفسهم أمام هندسة مقررة ثابتة وهي الهندسة اليونانية فاقتبسوها لأول أمرهم على علاتها لإقامة جوامعهم في إسبانيا ومصر والشام، ويدل المسجد الأقصى في القدس وجامع عمرو بن العاص في مصر وغير ذلك من المصانع على هذا الاحتذاء، ولم يطل هذا العهد كثيرا حتى شوهدت المصانع تختلف باختلاف القطر والعصر، وبلغ من عظم هذه التبدلات أنك لا ترى أدنى أثر للتشابه بين بناء قام أوائل الفتح مثل جامع عمرو في القاهرة 742م، وجامع قايتباي 1478م من آخر الدور العربي التركي. وقال ميجون: (2) لا ننكر على العرب بأن لهم الحظ الأوفر من هذه المدنية وهم واضعو أسسها، وقد أفرغوا هذه العناصر المختلفة في قالب متجانس متناسب فأوجدوا منها مدنية مطبوعة بطابع عظمتهم وسلامة ذوقهم. ولم يمض قرن على فتوح العرب وبسط سلطانهم على الشرق وإفريقية الشمالية وإسبانيا، حتى تبدل النظام الاجتماعي في البلاد المغلوبة وحل موضعها دين وإدارة وعادات وأخلاق جديدة، وهكذا يُقال في صناعاتهم وفنونهم وكثير من احتياجاتهم، وإن توحيد تلك البلاد من بحر الظلمات إلى المحيط الهندي، وإخضاعها لسلطان واحد، ونظام شامل والعناية بالجندية، وإقبال المسلمين على أداء فريضة الحج، كل ذلك سهل سبل التعارف بين المؤمنين، وجعل كل واحد منهم يحمل إلى بلاده ما استحسنه في البلدان الأخرى؛ ولذلك رأينا التأثيرات الشرقية في أقدم بناء إسلامي في الغرب كالجامع الكبير في قرطبة وجامع سيدي عقبة في القيروان، مغربية بطرز بنائها، مشرقية بزخارفها. وعلى الجملة فإن خاصة الإفرنج استفادوا بملابستهم العرب في صقلية والأندلس، الاطلاع على علوم العرب ومدنيتهم واختلاط الإفرنج في الحروب الصليبية استفاد منه خاصتهم وعامتهم على السواء، وكان من جملة فوائد الحروب الصليبية (3) أن اقتبس الإفرنج عادات الشرقيين فاستعملوا الحمامات والألبسة المسترسلة الفضفاضة، ونظموا خيالة مسلحين على الطريقة الإسلامية، قال لبون: إن النضال الذي ناضله الصليبيون في حملاتهم الأولى كان نضال عالم لم يزل على توحشه مع مدنية من أرقى المدنيات التي حفظ التاريخ ذكراها. قال لركيه في كتابه الفن والتاريخ ورث العرب فيما ورثوا عن الأمم التي دخلت في حوزتهم الفنون والصنائع، وأخذوا يحذقونها ويبرعون فيها في مدارس المورثين؛ إذ لم يكن في استطاعتهم أن يرتجلوا فنَّا كما ارتجلوا لهم ملكًا. ومع ذلك لم يمض زمن طويل حتى نبغ فيهم البناؤون والحفارون والمصورون والنقاشون دون أن يروا في شيء من ذلك مخالفة لنصوص كتابهم، أو معارضة لشريعة نبيهم، ولم يقفوا عند حد الحذق والبراعة بل تعدوه إلى التفنن والإبداع فنقحوا وصححوا وحذفوا وأضافوا، ثم اخترعوا وابتكروا، حتى طبعوا تلك الفنون بالطابع العربي، وصبغوها بالصبغة الإسلامية، حرصًا على شخصيتهم أن تفنى، وعلى نبوغهم وعبقريتهم أن يذهبا، فأصبح الروح العربي بارزا واضحًا يندمج فيه غيره، ولا يندمج في شيء، ولهذا خلقت العرب لها فنا يوافق ذوقها، ويسير مع طبعها، وسرعان ما انتشر في أرجاء تلك المملكة الواسعة انتشار الكهرباء. ا.هـ. قالوا: وقد خضعت الفنون الإسلامية لنواميس الطبيعة الإقليمية فاصطبغت في كل قطر بصبغته الخاصة، وكانت في عامة أحوالها من أندلسي ومغربي وصقلي ومصري وشامي وعراقي وفارسي وهندي ومغولي إسلامية أصلية كريمة نبيلة، تنطق بما للإسلام من إباء ونجدة وشهامة ونخوة إلخ. هذا ما لقفه العرب وثقفوه، بل هذا مجمل ما اخترعوه وكشفوه، استفادوا منه وأفادوا أهل المدنية الحديثة، عملوا فيه وحدهم بعقولهم وتجاربهم، وتواضعوا على ما لم تشاركهم فيه أمة لا كما كان شأن العلم في عصره الحديث، كثرت فيه الأيدي العاملة حتى استحال في بعض ما اخترع وكشف أن يعزى إلى أمة بعينها، أبرزت العرب علمها العملي في زمن قصير ، فظهر وبهر، وعم البدو والحضر، كل ذلك من دون دعوة ولا إعلان ولا تبجح ولا منة، نقلوه إلى الغرب حلالا طيبًا، وما منوا على أهله، ولا سألوهم ثمن ما أعطوهم، واليوم طويت صحفهم العلمية، وأصبحت مغانيهم كأن لم تغن بالأمس، وقام الشعوبيون أعداؤهم يصغرون من شأنهم، ويبخسونهم أشياءهم، ويتناولونهم بالنقد والتنقيص، وما حقهم لو أنصفوا إلا الحمد والثناء.
...............................................
1- القوانين النفسية في نشوء الشعوب لجستاف لبون G. Le Bon: Lois Psychologiques de L’évolution des peuples
2- مجلة المجمع العلمي العربي مه.
3- التاريخ العام لمكسيم بتي، وتاريخ الحضارة لسنيوبوس.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|