أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-14
1151
التاريخ: 9-11-2016
2478
التاريخ: 2023-12-11
924
التاريخ: 9-11-2016
4278
|
يقول لبون: «إن اعتياد العرب الحروب والغارات في الجاهلية (1) كان منه قيام أمرهم في الإسلام، فبعد أن كان بأسهم بينهم ، وجهوا غاراتهم نحو الأجانب فكان في ذلك قوتهم، ولما لم يبق أمامهم أعداء يقاتلونهم عادوا يتقاتلون فأدى ذلك إلى انحطاطهم، وأهم العوامل في امتداد حكمهم اجتماع كلمة قبائلهم المختلفة تحت علم واحد، وهو علم الإسلام، فوجه هذا وجهتهم إلى هدف سام أورثهم حماسة، فكانوا أبدًا على استعداد للمفاداة بأنفسهم في سبيله، وكان هذا الهدف دينيًّا ،صرفًا، ودولة العرب قامت على هذا الأساس، وكانت الدولة الوحيدة الكبرى القائمة باسم الدين، ومنه انبعثت سياستها وحالتها الاجتماعية وساعد العرب على فتوحهم كون العالم القديم كان السقوط. فكان حريًّا بأمة متوحدة المقاصد والمنازع أن تفتح البلاد وتستبقيها، وما ضعف نشاطهم في هذه السبيل بل تعلموا في مدرسة مغلوبيهم، ولما ساووهم في الجندية كان نجاحهم مضمونًا، وكنت ترى كل جندي من الجيش العربي على استعداد لبذل روحه لإنجاح المقصد الذي يقاتل لأجله، على حين كان كل إخلاص وحماسة وعقيدة قد اضمحلت من نفوس اليونان منذ زمن بعيد.» «وما كانت انتصارات العرب لتعمي أبصارهم لأوّل ،أمرهم، وتحملهم على الإفراط المألوف عند الفاتحين في العادة، ولا اشتدوا في إرهاق المغلوبين على أمرهم، ولا فرضوا عليهم بالقوة دينهم الجديد الذي كانوا يريدون بثه في أقطار العالم، ولو عملوا ذلك لأهاجوا عليهم جميع الشعوب التي لم تخضع لهم، فاتقوا حق التقاة هذه التهلكة التي لم ينج منها الصليبيون الذين دخلوا الشام في القرون اللاحقة، ولقد أدرك الخلفاء الأول بعبقريتهم السياسية النادرة في اتباع معتقد جديد، أن الأوضاع والأديان لا تُفرض على الناس بالقوة، بل رأيناهم حيث دخلوا في الشام ومصر وإسبانيا يعاملون الشعوب بمنتهى الرفق، تاركين لهم أنظمتهم وأوضاعهم ومعتقداتهم غير ضاربين عليهم في مقابلة السلام الذي ضمنوه لهم إلا جزية ضئيلة، كانت على الأغلب أقل من الضرائب التي كان عليهم أداؤها من قبل. وما عرفت الشعوب فاتحًا بلغ هذا القدر من المسامحة، ولا دينا حوى في مطاويه هذه الرقة واللطف، وكانت هذه السماحة وهذا اللطف اللذان تجاهلهما المؤرخون، من بعض العوامل التي هيأت بسرعة انتشار فتوح العرب، وأهم دعا إلى قبول دينهم وأوضاعهم ولسانهم، ونحن ندرك كيف تأصلت هذه العوامل الثلاثة بين ظهراني الشعوب التي رحبت بمقدمهم، وأنها قاومت بعد جميع الغارات، ووقت العرب من بوائق الاضمحلال، وما تم من هذا القبيل في مصر من أعظم ما يسترعي النظر، فقد حكم الفرس واليونان والرومان وادي النيل، ولم يوفقوا إلى أن يقلبوا المدنية الفرعونية القديمة، وأن يستعيضوا عنها بحضارتهم ، أما العرب فكان شأنهم في مصر غير هذا، عربوها وأسلموها. وهناك عوامل أخرى غير سماحة العرب ولطف حكمهم، ضمنت لهم النجاح في بث دينهم وما تفرّع من أوضاعه، وكانت هذه الأوضاع على غاية السذاجة بحيث امتزجت على أيسر سبيل مع الحاجات الساذجة في أهل الطبقات المتوسطة من الشعوب المغلوبة، وإذا حدث أن هذه الأوضاع لم تلتئم مع تلك الحاجات كان العرب يعمدون إلى تعديلها بحسب الحال، وهكذا كانت الأوضاع الإسلامية في الهند وفارس وبلاد العرب وإفريقية البربرية ومصر تختلف كل الاختلاف، وكتابها واحد وهو القرآن. «ومن العوامل الفعالة في أصول المدنية التي وضعت العرب أساسها، ذاك المحيط الجديد الذي صاروا إليه، وشدة ما كانوا عليه من الذكاء، فإنهم ما كادوا يخرجون من صحاري بلادهم حتى اتصلوا بالمدنية اليونانية اللاتينية، مستغربين شأنها، عارفين تفوقها الأدبي، كما أدركوا من قبل تفوقها الحربي، فحاولوا في الحال أن يساموها، فتمثلوا مدنية قديمة يقتضي لتمثلها فكر مهذب، وإن ما بذله البربر من الجهود خلال قرون كثيرة للأخذ ببقايا المدنية اللاتينية، ليدل على مبلغ الصعوبة في هذا الباب، ولحسن الحظ لم يكن العرب متوحشين، ونحن نجهل ما بلغوه من الحضارة في العهد الذي سبق الرسول، وكانوا على اتصال بالتجارة مع العالم، وكانت لهم ثقافة أدبية عالية لما ظهر صاحب الرسالة، وبديهي أن أديبا إذا قُضي عليه أن يجهل أمورًا كثيرة يكون له من استعداده العقلي ما يؤهله سريعًا لإدراك أمور لم يكن يعرفها، فتحمس العرب في دراسة العالم الجديد الذي خرجوا إليه كان كتحمسهم في فتحه واستصفائه، ولم يحمل العرب في دراسة هذه المدنية التي فاجأتهم شيئًا من تأثيرات الأوضاع التي كانت ترهق البيزنطيين منذ زمن طويل، وهذه الحرية في الأفكار كانت إحدى العوامل في انبعاثهم السريع، وقد يفعل ماضي الشعوب في حياتها ما يكون منه نفعها، ثم يستعبدها لسلطان المواضعات العتيقة ويحول دون ارتقائها، وما عتم الاستقلال الطبيعي في أفكار العرب، وقوتهم في الإبداع والتصور أن تجليا فيما أحدثوه من أنفسهم ، ولم يمض زمن قصير حتى طبعوا الهندسة والفنون والعلوم بطابعهم الشخصي الذي نعرف به آثارهم لأول وهلة، وإذ كانت فلسفة اليونان النظرية غير موائمة كثيرًا لطبيعة أفكار العرب، لم يعنوا بها كل العناية، فخصوا الصنائع والعلوم والآداب بعنايتهم وأولعوا بها فدخلت شغاف قلوبهم.» ومن قبله جاء دوزي (2) فقال: إن العرب لم يحكموا بتعاليم فلسفية فقط، بل بالفطرة والغريزة، حتى حققوا بادئ بدء مقالة الثورة الفرنسية الشريفة وهي الحرية والمساواة والإخاء. ولقد كان البدوي يستمتع بحرية ليس أوسع منها على الأرض، ويقول: لا أعرف مولى غير مولى العالم، وبلغ الحد الأعظم من الحرية التي يتمتع بها، بحيث لو قُرنت معها أصولنا في الحرية الراقية إلى أبعد الغايات تسجل أنها تشبه قواعد الاستبداد، وعندنا أن الحكومة شر لازم لا يُتقى، والشرط فيه الخير. أما البدو فإنهم مستغنون عن كل حكومة حقًا إن لكل قبيلة أميرها تنتخبه بنفسها، ولكن نفوذه قليل وإن كان مبجلًا عندهم، مسموع الكلمة بينهم، لا سيما إذا كان مفوَّهَا لَسِنًا، وليس من حق شيخ القبيلة البتة أن يصدر الأوامر والنواهي، ويطلب إليه أن لا يقبض راتبًا، بل يكره - إرضاءً للرأي العام - على أن يقوم بإطعام الفقراء، ويوزع بين أحبائه الهدايا التي تُهدى إليه، ويقري الغرباء قري لا يتأتى لأي كان من رجال القبيلة أن يقوم بمثله حسنًا ورونقا، ويُقضى عليه في كل حال أن يأخذ رأي مجلس شورى القبيلة المؤلف من أمراء أسرات مختلفة، وبدون رضى هذا المجلس لا يستطيع إشهار حرب، ولا عقد صلح، ولا تقويض مضارب الجيش، وإذا منحت إحدى القبائل لقب أمير لأحد أفرادها، فلا يكون ذلك على الأغلب إلا من قبيل الحرمة لا تعود عليه بشيء، بل هي بمثابة شهادة عامة منها تمنحه إياها دليل إجلالها له، واعترافًا بعظمة الرجل الممتاز باقتداره وجرأته وسماحته وإخلاصه في قضاء شئون قبيله، قال أحد الأحرار الأقدمين: إننا لا نعطي هذه المرتبة لأحد ما لم يهبنا كل ما يملكه، ويسمح لنا أن نطأ بأرجلنا كل عزيز لديه، وينزل عن كل ما أن يحب يراه مبجلاً مشرفًا، ويخدمنا خدمة الموالي والعبيد. وبعد أن توسع المؤلف الهولاندي في شرح معنى الحرية والمساواة والإخاء عند العرب، وأتى بالشواهد التاريخية والأمثال الكثيرة، وقارن بين هذه الأسماء عند العرب وفي أوروبا، رأى أنها أفضل عند العرب؛ لأنها أدعى إلى الراحة ينجو أصحابها من الأطماع التي لا حد لها، والآمال البعيدة غالبًا، كما هو الحال عند الأوروبيين، ممن دأبهم أبدًا التفكر في نيل حالة أحسن من حالتهم ، وهذا مما يهدم أركان المجتمع الإنساني وقلما يأتي بالسعادة، بيد أنه امتدح من التوسع في الفكر عند الإفرنج، ذاك التوسع الذي آل بهم إلى مواطن الارتقاء الحاضر، ورزقهم هذا النجاح الماثل للعيان، وختم بقوله: إن العرب لما نزلوا في الولايات الجسيمة التي افتتحوها بحد السيف اشتغلوا مع هذا بالعلوم، إلا أنهم لم يظهروا في غير مظهرهم الأول في عدم الخنوع لحكم الخلائق، وترجموا كثيرًا من كتب الأقدمين وعلقوا عليها شروحًا فاغتنت بأعمالهم بعض فروعها، واتسع نطاقها بملاحظاتهم الدائمة البالغة غاية الدقة والوضوح، لكنهم لم يخترعوا شيئًا ولا ندين لهم بأدنى فكر عال أو واسع، وهكذا فإن بيننا وبينهم اختلافات أساسية، وربما كانت أخلاقهم أسمى من أخلاقنا، ونفوسهم أكبر من نفوسنا، وهم أكثر ميلا إلى العظمة الإنسانية، ولكنهم لا يحملون بذور النهضة والنجاح، ومع ما هم عليه من الولوع بالاستقلال الشخصي، وعلى قلة ما انطووا عليه من الأفكار السياسية، يظهر أنهم غير قادرين على الخضوع لقوانين المجتمعات. ا.هـ. هذا ما قاله دوزي وأكثر كلامه حقيقة لا مرية فيها، إلا قوله: إن العرب لم يأتوا بجديد، ولا تدين أوروبا لهم بأدنى فكر عال أو واسع؛ ذلك لأن ما تم على أيديهم في باب العلم والمخترعات كان كثيرًا بالنسبة إلى القرون التي فاقوا خلالها بسياستهم سائر أمم الحضارة، على ما فصلنا ذلك في الباب الذي عقدناه لعلوم العرب وما وفقوا إلى كشفه، واستندنا فيه إلى بعض علماء الغرب في هذا الشأن، أمثال لبون ودرابر وجوتيه وسيدليو وجبون.
..........................................
1- حضارة العرب لجوستاف لبون.
2- تاريخ المسلمين في إسبانيا لدوزي Dozy: Histoire des musulmans en Espagne.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|